Skip to main content

Full text of "مكتبة محمد قطب"

See other formats


ن نري 


دارالشروة _ 


چ وني 


الطبَة الشَرعية السادسّة 


۳ھ A۳‏ م 


ميت ج قوق الطتو ع حن وظة 


أرالشرو ة 
کارویت : س سپ : ا۸1 ۔ شاق ۳۱۵۸۵5 ۳٣۵۱۰۹‏ برقا : داشروق ۔ تلیڪىڻ : 1.8 20115 SHOROK‏ 
القاهترة : ۱۹ شار جراد سن _ شاقن ۸۱٤‏ ۷۷1- ۷۷10۷۸ - برقیًا: شروت . تلكىن ,ا )۸0 SH‏ 93091 


الفن .. الاسلامى ؟! 

وهل لالإسلام صلة بالفن ؟ 

أو ليس الإسلام ديناً .. والفن فناً ؟ فا علاقة هذا بذاك ؟ 

بل إن كانت هناك علاقة فهي علاقة النفور والخصام ! فالأديان تبحث عن « الحقيقة » 
والفن يبحت عن «الحمال » . وفرق بين الحفيقة الي تتقيد بالا حقيقة > وبين الجمال الذي 
لا يتقيد بشيء لأنه هائم طليق يسبح في عالم الخيال .. 

ثم هناك الناحية « البخلقية » . 

فالأديان تحرص على الأخلاق » والفن يكره القيود كلها با فما قيود الأخلاق . 

لا بد إذن أن الفن الإسلامي مجموعة من الحكم والمواعظ والإرشادات ! 

ذلك فهم ضيق للدين وللفن على السواء ! 

إن الدين يلتقي ني حقيقة النفس بالفن . فكلاهما انطلاق من عالم الضرورة » وكلاعما 
شوق مجنح لعالم الكمال .. 

وكلاها ثورة على آلية الحياة . 

فحين تتبلد التفس »> فيمر الانسان على هذا الكون مروراً آلباً لا يراه ولا يحس به في 
أعماقه .. لا بثر فيه الشوق العلوي › ولا تتفتح نفسه لا فيه من جمال وحركة وحياة وتناسق . . 
فإنه يكون قد ضبق على نفسه المنافذ » وحصر عالمه ي نطاق ضيق محصور . 

ويكون قد أغلق نفسه دون عالم الفن والجمال . 

وحين تتبلد النفس » فيمر الإإنسان على الوجود مروراً آلياً » لا يتفتح لغاياته وأهدافه 
وروابطه » ولا يستجيب استجابة حية لها ير بطه بالته والكون والحياة والناس من صلات . 
ولا تنطلق نفسه ني الأفق الأعلى الذي تلتقي فيه كل هذه الصلات .. فإنه يكون قد ضيْق 
على نفسه المنافذ » وحصر عاله ني تطاق ضيق محصور . 

ويكون قد أغلق نفسه دون عالم العقيدة . 

ومن هنا يلتق الفن والعقيدة ي أعماق النفس » كما يلتقيان ني أعماق الوجود . 


# ¥ 3# 


والفن الإسلامي ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام ! 

وهو على وجه اليقين ليس الوعظ المباشر والحث على اتباع الفضائل . 

وليس هو كذلك حقائق العقيدة المىجردة ء مبلورة ثي صورة فلسفية . 

فليس هذا أو ذاك فناً على الاطلاق ! 

إا هو الفن الذي برسم صورة الوجود من زاوية التصور الاإسلامي ذا الوجود . 

هو التعبير الحميل عن الكون والحياة والاإنسان » من خلال تصور الاإسلام للكون 
والحياة والانسان . 

هو الفن الذي يئ اللقاء الكامل بين « الجمال » و «الحق » . فالحمال حقيقة ثي هذا 
الكون » والحق هو ذروة الحمال . ومن هنا يلتقيان ثي القمة الي تلتقي عندها كل حقائق 


الوجود . 
3 3 3 
وقد كان بخطر في حسي دائماً أن العرب لم يستفيدوا من القران ولا من الإسلام ي 
إنتاجهم الفني . 


لقد مرت عليهم فترة ني أول اللإسلام » انصرفوا فيها عن كثير من فنون القول . 

ور عا كان مذا الانصراف اسباب متعددة . 

فقد كان بناء العقيدة الجديدة ي داخحل النفوس وف واقع المجتمح » وتحاهدة القوی 
المحتشدة في طريق هذا البناء » سواء أي واقع الحياة أو في داخل الضمير » يستنفدان جهدا 
نفسياً ضخماً .. بل يستنفدان الطاقة الحيوية كلها » ولا يدعان فيما فضلة تذحرٌ للتعبير الفني . 

وإذا لاحظنا المراحل الثلاث الي إعر خلاها الإنتاج الفني › ولا يتم إلا بها » وهي 
الانفعال النفسي بالتجربة الجديدة ۽ م استبطان هذا الانفعال ي داخحل النشس » حتى 
عتزج بأعماقها ويعطيا من لونه ويأحذ من ألوانما ؛ ثم ارتداد التجربة إلى الخارج أي صورة 
« افراز » أو « تعبیر » . 

إذا لاحظنا هذه المراحل الثلاث » ولاحظنا أن التعبير الفني يعتمد دائماً على ذخيرة 
نفسية وشعورية مختزنة في باطن النفس » تسعى إلى التعبير عن ذاتها في صورة موحية › لأن 
فيا شحنة مذخورة تريد الانطلاق .. أدركنا أن فترة البناء للعقيدة الحديدة لم تكن مناسبة 
هذا اللون من التعبير . 

لقد كانت العقيدة الحديدة في الواقع تنشى النفوس إنشاء من جديد . كانت « تخسل » 
النفوس من أدرانما الحاهلية » ومن موروثاتما القدرعة كلها »> ومن مفاهيمها المثحرفة » ومن 
تصورا ہا الخاطتة » ولا القراغ الحادث أولاً بول »> بتصورات جديدة ومفاهم جديدة 
ومشاعر جديدة » وسلوك وعمل جديدين . ومن ثم لم يكن الرصيد القديم صالحاً للإيحاء 


۹ 


مقدمة 


الفي »› فقد کان « غير موجود» في النفوس الي استجابت للدعوة الجديدة فنقضت عن 
نفسہا کل تراث قديم » وانسلخت من كل ما يربطها عاضا الجاهلي من مشاعر وأعمال 
ووشاج قرب » وصارت تحس نحوه بنفرة وتقزز . ولم يكن الرصيد الجديد قد مجمع بعد 

ي الصورة الي تصلح للاداء الفني > الذي يعبر - كما قلنا - عن شحنة مذخحورة تر بد 
الانطلاق » لا عن الشحنة في دور التكؤن » قبل أن ستل با النفس ثم تفيض بالتعبير . 

ويمكن أن يكون من أسباب انقطاع التعبير الفني في تلك الفترة كذلك أن الأغراض 
١‏ التقليدية » الي كان يقال فيما الشعر - فن العرب الأول - قد تغيرت من أساسہا بفعل 
العقيدة الجديدة > فصارت تلك الأغراض نشازاً فنياً وشعورياً لا يصح للقول فيه . فالفخر 
والمديح والمجاء والمجون > والتغيي بالدمن والاثار » وذكر الناقب «القبلية » والحروب 
والغاراتثت والثارات .. كلها متعلقة عشاعر الماضى الذي أنسلخت منه النفوس المؤمنة › 
وبتصورات هذا الماضي وعلاقاته الي نبذتما هذه النفوس .. ومن ثم لم تعد صالحة للقول ؛ 
ينا الأغراض الحديدة البي عكن أن يقال فيا لم تتبلور بعد بلورة فنية . وهذه حطوة أبعد 
من السابقة . فليست المسألة أن المشاعر المذخورة الي تدفع إلى التعبير الفني م تكن قد تجمعت 
بعد » بل المسألة كذلك أن أغراض التعبير وطرائقه لم تكن قد تبلورت بعد لتساوق المعاني 
الجديدة والافاق الجديدة . وكل غرض في › وكل طريقة أداء جديدة » تحتاج إلى فترة من 
١‏ الحضانة » قبل أن تظهر ني صورة إنتاج في . وقد كانت المعاني الجحديدة والآفاق الحديدة › 
الي كانت قمينة بان تعدل أغراض التعبير وطرائقه » شديدة الضخامة بالنسة للعا م النفسي 
والبيئي المحصور الذي كان يعيش فيه الشاعر العربي ي ظل القبيلة الجاهلية » وكانت في 
حاجة إلى حضانة فنية عميقة واعية قبل أن تنبثق في ثو بها الجديد . 

كما بمعكن أن يكون من تلك الأسباب أيضاً وقع القرآن ني نفوس العرب . فقد تلقوه 
مأحوذين مبپورین » حت الذین لم يسلموا منهم . بتجلى ذلك ي حديث الوليد بن المغيرة 
الذي لم يسلم : قال : « فاذا أقول فيه ؟ فوالله ما منكم رجل أعلم مني بالشعر ؛ ولا برجزه 
ولا بقصيده » ولا بأشعار الحن . والله ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا . والته إن لقوله لحلاوة › 
وإن عليه لطلاوة . وإنه ليحطم ما تحته › وإنه ليعلو وما يعلى ! » كما يتجلى ي كلام عمر 
حين أسلم : « فلما معت القران رق له قلي فبكيت > ودخاني الإسلام » . 

هذا الانبهار الذي تلقى به العرب القرآن » حتى قبل أن يسلموا » بمكن أن يكون سبباً 
من أسباب توقفهم فترة عن التعبير الفني » فقد كانت شحنته الفنية العجيبة تملا نفوسهم 


. راجع كتاب «النصوير الفني في القرآن» لسيد قطب‎ )١( 


منهج الفن الاإساامي 


لئ > وتتعمقها من جميع أقطارم > فتستوعب منہم كل طاقة الفن ٠‏ وتغنيہم - مۇقتاً - 
عن جمال الأداء 2 لجمال التلقي والانفعال . 
وت سبب رابع قد يفسر انقطاع المسلمين الأوائل عن التعبير الفني 
وهو سبب استمده من جر بي الشخصية ومن قراء ي لانتاج الأدباء والفنانن ي مختلف 
الميادين . ٍ 
فقد كنت في فترة من الفترات أقول الشعر . وقد ظللت اثنبي عشرة سنة أو تزيد › 
أقول ي معتى واحد متكرر ٠‏ كلما اتجهت إلى الكتابة وجدتي أكتب ني نفس العنى وإن 
اخحتلفت المشاعر المباشرة الدافعة إلى التعبير . كانت لي نفسي « أزمة » كبيرة . أزمة الشعور 
بالضياع الكامل ني الحياة وعبث الجهد في هذه الحياة المفضية إلى الزوال : 
ثم مرت بي دورات الليالي 
وانطوى السحر الذي غشى خيالي 
فاذا « بالحق » ثي الكون بدا لي ! 
وإذا الناس جميعاً ني ضلال ! 
ما الذي يرجون في دنا الزوال ؟ 
آنا والوهم الذي يشغل بالي 
في غد نذهب ني طيات هاتيك الرمال 
ثم بمضي الكون ني التيه المعمّى . لا يبالي ! 
وكانت هذه الأزمة تؤزلي وتجهد مشاعري وتخز إحساسي .. فأعبر عن ذلك كله 
بالشعر غالباً وبالنثر أحياناً .. حتى مررت بتجر بة ضخمة اقتلعت هذه الأزمة من أساسما . 
وأزالت ما حوما من مشاعر وأحاسيس . وكانت هذه التجربة هي .. الإسلام ! 
لقد وجدت نفسي من ضياع > ووجدت فمذه الحباة غاية وهدفاً ؛ ووجدت ان هذه 
الغاية لا تذهب سدى » ولا تنقطع بانقطاع حياة فرد » ولا تنطوي ني الرمال ؛ ووجدت أن 
الكون لا عضي ي التيه المعمى » بل عضي دف مرسوم معلوم .. وأنه کان يبدو لي أنه 
١‏ لا يبالي » لان نفسي هي الي كانت منقطعة الصلة عن روابط الحياة المظمى ء لا لأنه 
هکذا بي حقيقته 
ثم .. وجدتني - دون قصد مني - أنصرف عن قول الشعر ! 
لقد ذهہت « الازمة » الي کانت تدفع إلى القول . 
ذهب « الضياع ا .. وأصبحت أحس « بالوجود » . 
ولكن الاحساس « بالوجود » > بغير أزمة لاذعة ولا ولحزة دافعة › م يوح الي بالشعر › 
لأنه في حاجة إلى طاقة فنية ضخمة - أكبر من طاقني - تستطيع أن تعبر » لا لأنها متألة 


A 


مقدمة 


ولا شاكية » ولكن لأنما موجودة ومتلئة بمذا الوجود .. وراضية كذلك بهذا الوجود ! 

ولقد كان المسلمون الأوائل يواجهون هذه التجر بة الفريدة .. تجربة الإسلام ! 

الجر بة التي تز يل رواسب النفس المسمومة كلها » وتملا النفس « بالوجود » الكامل . 
الراضي هذا الوجود . 

وهي جر بة لا تقول الشعر .. الا بطاقة فتية ضخمة لا توهب لكل إنسان . 

ولقائل أن يقول ولا شك : إن هذا « الوجود » ولو أن سمته العامة هي الرضى والارتياح .. 
کانت له ب آزمات 4 

أزماته هي تلك الابتلاءات المتلاحقة الي عاشہا المسلمون الأوائل حتى استتب هم 
الأمر وظهر الدين واستقر . 

وكان من الممكن أن تؤدي هذه الأزمات إلى تعبير في .. 

ولكنا - عندثئذ - نعود إلى الأسباب الثلاثة السالفة فنجد أن الفرصة لم تكن مواتية ثل 
هذا التعبير . فقد كانت الشحنة النفسية لا تتلبث حتى تنطلتق بالتعبير الفني › لي الموجة 
لمرارة الي تشمل المجتمع والنفوس . وكانت الأغراض الحديدة والطرائق الجديدة لم تتبلور 
بعد لتجد سبيلها إلى التعبير الفني . ثم كان القرآن يتنزل لي تلك الأحداث فيصفها في 
بالاغة فنية معجزة » تخي عن جمال التعبير مجمال التلقي والانفعال .. 

تلك الأسباب - كلها أو بعضها - قد صرفت العرب المسلمين فترة من الوقت عن 
التعبير الفنى . 

ولکہم حين عادوا ای التعببر . يلجثوا مع مع الأسف ای الرصرد الخحدید بستمدون منه 
مشاعر هم وایحاءا: f‏ وأغراض تعبير هم وط ائه . و اما عادوا إلى الجاهلية كاملة في جال 
التعبير » أغراضه وطرائقه سواء . عاد الشعراء إلى الفخر والمدح والمجاء والملجون » بل عادوا 
إلى حدود القبيلة الي كانوا قد تحرروا منها فترة من الوقت . وعادت مقاييسمم الفنية هي 
ذاتها مقابيس الجاهلية بحذافيرها ! 

هل عادت هذه النفوس إلى الحاهلية الشعورية وارتدت عن الاإسلام ؟ 

هل مر اللإسلام على ظاهر نفوسمم فقط > وم يتعمق فا ؟ 

هل هم - أولعك العرب - ذوو طبيعة فنية ضحلة لم تستطع أن تستوعب إيحاءات 
الإسلام الضخمة ني عالم الفن » فانحسرت عنما » وعادت إلى رصيدها القديم ؟ 

أسثلة تحتاج إلى جواب . . وتحتاج قبل ذلك إلى بحث . 

ومع أنه ليس من همي هنا القيام بهذا البحث » وإ نما هدي الأول أن أرسم بعض الخطوط 
العر يضة لمج الفن الاإسلامي > فالي آری أن الاجابة على هذه الأسئلة بالا جاب القاطع شه 


۹ 


منهج الفن الإسلاي 


ظلم كبير للواقع . فقد ارتدت بعض النقوس حفاً عن بعض الفاق الاإسلامية العالية › 
ولكن لم يحدث قط الارتداد الكامل الذي يلغي الإسلام من النفوس ويعله كأن لم يكن . 
فنذ انطلقت الشرارة الأولى فأضاءت صفحة الكون بضوئها الباهر » ل تنطفى الشعلة أبداً » 
ولم يحب نورها إلى حد الإظلام . 
ثم إن العرب - مهما يکن مستوا هم الفني بالنسبة للنتاج العالي - ليسوا بالضحالة الي 

قد توحي بها البيثة الصحراوية » فقد ثبت من التاريخ أنهم قد استوعبوا مستويات أعمق 
وأفاقاً أوسع » واستطاعوا أن ينتجوا ي بعضها بدرجة الإيداع . 

لا بد اذن أن هناك أسباباً أحرى . 

قد تكون السياسة قد لعبت دوراً ني ذلك » إذ ارتدت - منذ العهد الأموي » أو قله في 
الحقيقة - إلى عصبة جاهلية قبلية »> وجرفت معها الشعراء الذين تحلقوا حول السلطان › 
فخمرتهم ي تيارها » فإدا هم - حين يعبرون - يرتدون إلى مشاعر القبيلة ي اجاهلية ء 
فيتخذون فنون القول القبلية بوعي أو بغير وعي . 

وقد يكون النقاد الأوائل مسئولين أيضاً عن ذلك . فالنقد يبحت دائماً عن « القواعد » . 
وغالباً ما يبحث عن القواعد الموجودة بالفعل › لا عن القواعد الى بعكن أن تستحدث . 
إذ النقد تقعيدي ني طبيعته » وليس إنشائياً كالتعبير الفني . ومن ثم جمد هؤلاء النقاد على ما 
كان موجوداً بالفعل ني رصيدهم الفني » وهو طرائق الجاهلية وأغراضها » وقيدوا الشعراء 
مها فساروا ني نطاق ذلك القيد . 

وأياً ما كان الأمر » فقد خحسر الأدب العر بي فرصة هائلة للاستمداد من رصيد الإسلام. 
الضخم > وظل ني تار يه الطويل مجانباً - ني أكثر الأحيان - هذا الرصيد › مبتعداً عن 
ترائه › محروماً من القدرة على إبداع لون من الفن کان حرياً أن يكون أروع الفنون العالمية 
وأبدعها > لو وجد التوجيه الصالح والمدرة الفنية المواتية . 

وإن من هدف هذا البحث أن يوضح بعض مات هذا الفن الاإنساني الرفيع › لعل 
المسلمين - الذين لا مجدون في ترا مم الفيي ما يغنہم › فیروحون ینتہیون نہبات متناثرة من 
فنون الغرب » صالحها وفاسدها بخير ييز - لعلهم أن يقيثوا إلى كتزهم الضخم الذي 
أهملوه » وأن يفيثوا إلى أنقسہم حين يفيثون إلى هذا الرصيد » فيجدوا أن بي مكئنتهم أن 
تقدموا القافلة » لا أن يكونوا متخلفين آي الطر بق يتبون ما يناثر من الفتات . 

والله ولي التوفيق . 


کر لیے 


ية الإمساس‌الفقي 


الفن - ني أشكاله المختلفة - هو محاولة البشر لتصوير الإيقاع الذي بتلقونه في حسم 
من حقائق الوجود » ي صورة جميلة موحية مؤثرة . 

والفنان شخص موهوب » ذو حساسية خحاصة »› تستطیع ان تلتقط الايقاعات الخقية 
اللطيفة الي لا تدركها الأجهزة الأخحرى ني الناس العاديين ؛ وذو قدرة تعبير ية خحاصة تستطيع 
أن تحول هذه الابقاعات - الى يتلقاها حسه مكبرة مضخمة - إلى لون من الأداء الجميل 
بثير أي التفس الانفعال » ويحرك فيا حاسة الحمال . 

إنه كجهاز الاستقبال اللاسلكي الدقيق › الذي تحس صباماته بالموجات الدقيفة الخفية 
فتلتقطها وتكبرها » ثم تحوطا إلى صوت ونغم » صاف جميل بز الأسماع . 

والفنان - وكل بشر بصفة عامة - لا بد - ما دام حياً - أن يتلقى من الكون إيقاعات 
معينة ني حسه » تتوقف على طبيعة هذا الحس ٠‏ بين العمق والضحالة › والكبر والضالة › 
وتتوقف على المساحة الي يكشف عنما حسه من صفحة الكون الكبير . ثم بمعضي يحاول 
التعبير عن هذه الايقاعات بالطر بقة الفنية الميسرة له » من لفظ أو لحن أو نحطوط او ألوان . 

ومن ثم لا عكن الفصل بين الفن - ني أي شكل من أشكاله - وبين الصورة الي يتخذها 
الوجود ثي نفس الفنان » والاإيقاعات المختلفة الي يتلقاها حسه من هذا الوجود . 

وقد تكون هذه الحقيقة واعية في نفس الفنان أو غير واعية . ولكن النتيجة واحدة ني 
الحالين . فهو لا بمكن أن يعبر إلا عن انعكاس الحياة في نفسه » ولا بمكن أن يكون تعبيره 
إلا من الزاوية الي يرصد منها الوجود » ويتلقى مها الإيقاع .. ذلك ما دام فناناً حقيقياً › 
صادق التعبير » وليس جرد صانع ماهر يتفن في صنعة اللإخراج . 

لذلك يكون من المهم أن نعرف صورة الكون ني حس كل فان قبل أن نقوم 
بتقويم إنتاجه الفني . ويكون من أصلح المقاييس ني هذا التقويم أن نعرف المساحة التي 
يشغلها الكون ني نفسه › أو المساحة الي تطلع نفسه عليها من كيان الكون فعلى قدر اتساع 
هذه المساحة أو ضيقها يكون اتساع أفقه الفني أو ضيقه » وتكون عظمة فنه أو ضالته .. 
وذلك مع الوفاء بشروط الأداء الفني بطبيعة الحال . 


منهج الفن الإسلامي 


ولكل فنان - صادق - موقت من الكون والحياة - راد آم م یرد . موقف تحدده 
طريقة تصوره مذا الكون وارتباطاته »> وطريقة تفاعله مع الحياة والأحداث . 

هذا الموقضف قد يكون واعياً كما قلنا أو غير واع . ولكنه موجود بالضرورة . وهو مکشوف 
لمن يرقب أعمال الفنان ء متى كان بصيراً واعي الحس » قادراً على الفهم والتقدير › ويستطيع 
- إذا كانت له هذه المقدرة - أن يكيف هذا الموقف ويقوّمه » ويزن عن طريقه أعمال الفنان . 

فالفنان - أو البشر على وجه العموم - الذي لا تطلع نفسه من الكون إلا على الحياة 
اليومية الصخيرة » ومشاهدها وجزئياتها » دون أن یری فیہا ارتباطاً ولا عاسکاً » أصغر مساحة 
ي التقويم الفني والإنساني ٠‏ من الفنان - أو البشر - الذي تطلع نقسه على ما وراء هذه 
المساحة المحدودة من الكون والحباة »> فترى أ كثر من الحزئبات العابرة ي الحياة اليومية . 
تری ما بينها من ارتباطات ظاهرة أو خفية » وترى - على قدر عمقها واتساعها - ما وراء 
هذه الارتباطات من « كليات » عامة شاملة تفسر هذه الارتباطات وتلك الزئيات ٠‏ 
وتجعل منها كياناً ماسكاً لا جرد جزئيات متناثرة ني صفحة الكون . 

والفتان - أو البشر - الذي تطلع نفسه من هذه الارتباطات على ارتباط واحد » فیشغل 
به حسه » ویصرف له همه » ولیکن - مغلا - رابط المحنس ٠‏ أو رابط الاقتصاد » أو رابط 
الملجتمع > أو رايط الصراع > أو رابط الحتمية الي تسير الأشياء والأحياء .. أو أي رابط 
یری ني حسه أنه هو الذي يفسر حركات الحياة وسكناتها » وتفرقها واجتاعها .. أصغر 
مساحة لي التقويم الفني والإنساني » من الفنان أو البشر الذي تطلع نفسه على ار من 
ارتباط واحد » ويرى عمل هذه الارتباطات التعددة حين تعمل معا » ويدرك تأثيرها على 
الحياة والناس والاحدات . 

والفنان أو البشر الذي يطلع حسه على الكون الادي وحده » أو الروحي وحده » أصغر 
مساحة ي التقور يم الفني والاإنساني > من الفنان الذي بستطيع حسه أن يتفتح هذا الكيان وذاك 
ويستطيع أن يدرك ما بين الروح والمادة من ترابط وامتزاج . 

والفنان الذي برى من الكون المادي مشاهده « الحية » وحدها أو ر الجامدة » وحدها > 
أصغر مساحة ي التقويم الفني والاإنساني > من الفنان الذي يرى ذلك الكون المادي ي جميع 
مجاليه » فيحتفل حسه بالحمال المبثوث أي ربوع الكون كله » من أناسي وطير وحيوان 
ونبات > وجبال وأنار وأرض وسماوات وكوا كب ؛ ويكون هذا الأخير أكبر مساحة في 
التقويم الفني والاانساني لو استطاع ی الوقت ذاٿه أن يدرك « الروح ۾ السارية ني هذا الكون 
کله مجمیع ماله › اروح الي لا تجعله مادق جامدة حتی ني الأشياء الجامدة » وإنغا جعله 
حياً يتحر لك ويحس ويتعاطف » ويلتقي على شت شتى المشاعر والانفعالات .. 


1۲ 


طبيعة الإإحساس الفني 


ذلك مقياس صادق نقيس به الفن والفنان معاً »> على شرط الوفاء بشروط الأداء الفي 

فی کل حال . 
# ك 

واذا أدركنا ذلك .. إذا أدركنا أن الفن هو محاولة البشر أن بصوروا حقائق الوجود 
وانعکاسہا ي نفوسہم > في صورة موحية جميلة ؛ وأن مكان الفنان والفن يتحدد دی 
المساحة الي تشملها الحقيقة البي يشير إليها العمل الفني أو يرمز ها من كيان الكون . 
أد ركنا ذلك فمد أد ركنا ي ذات الوقت أن الفن الذي عکن أن ينبشق عن التصور لااد 
للكون والحياة والانسان › هو أرفع فن تستطيع أن تنتجه البشرية .. 

التصور اللإسلامي للكون والحياة والاإنسان هو أشمل تصور عرفته البشرية حتى اليوم .. 
انه التصور الذي لا يأحذ جانباً من الوجود ويدع جانباً انحر .. وانما بأد الوجود كله بادياته 
وروحانیاته ومعنویاته » وکل کائناته . 

إنه التصور الذي لا مجعل الحس ميعزل عن الحياة المنبثة أي أعماق الكون › بل يطلق 
الحس ليتملى الحياة ي كل شيء في هذا الكون » ويتصل با اتصال المودة والقر بى والاإخاء . 

إنه التصور الذي لا يأحذ الإنسان جسماً ويدعه روحاً » أو روحاً ويدعه جسماً » أو 
جسماً وروحاً بغير اعتبار لطاقة العقل . ثم هو لا يأحذ. هذه العناصر متفرقة منفصلة › بل 
يأحذها مترابطة متحركة - مع ترابطها - يي واقع الحياة . 

ولا يانحذ اللانسان فرداً ویدعه جماعة » ولا جماعة ويدعه فرداً > واا ينظر اليه ف 
ذات الوقت بوصفه فرداً وجماعة مترابطين متزجين غير منعزلين في الكيان . 

ولا بأحذه ضرورات قاهرة ويدعه أشواقاً طائرة › ولا أشواقاً ويدعه ضرورات » وإنغا 
بأخحده مجموعه کله »> عاملا حساب الضرورات والأشواق > ومکان کلتہما من نفسه 
ومکا نا من الحياة » وأصالتبا في هذه وتلك »› ودورها المرسوم هنا وهناك . 

ولا یأحذه ارتباطات اقتصادية أو اجتاعية أو جنسية أو فكر ية أو روحية أو مادية .. 
أياً من هذه عفردها . وإنما يأحذها كلها جميعاً » بوصفها انبثاقاً من نفسه المتعددة الجوانب 
الكثيرة الأهداف » وبوصفها كلها « حقائق » موجودة ي واقع الأرض مترابطة في كيان 
الحياة . 

ثم لا يأخذه فرداً واحداً في جيل ولا جیلاً واحداً من أجيال .. بل لا يأحذه ي الحياة 
الدنيا وحدها ویار الألحرة > واا باخحذه فرداً وجیلا وسلسلة متصلة من الأجيال ٤‏ ثم 
يأحذه كياناً متداً بين الدنيا والآأخحرة على نسق متصل مثرابط الأجزاء. 


1۳ 


منهج الفن الإسلامي 

ثم هو بعد ذلك لا يأخذ اللإنسان وحده منعزلاً عن بقية الكون » أو منعزلاً عن بقية 
الأحياء . وإ نما هو يأخحذ الإنسان وغيره من كائنات الأرض › وكائنات الكون › ويأخحذ في 
اعتباره « الأحياء » وغير الأحياء » ويصل بينها جميعاً بر باط حي بخلع عليها صفة الحياة 
المشتركة الي تر بط بين الحميع . 

ثم هو بعد ذلك كله لا يأخذ أحداث الكون والحياة فرادى » منتثرة بلا رابط › وإنما 
ير بط بينها جميعاً بر باط واحد محكم » مجعل هما كلها غاية واحدة .. فكلها انبثق من إرادة 
الله » وكلها صائر إلى الله »> وكلها محكوم بقَدر الله . ومن ثم فهي « نظام » دقيق مترابط > 
لا فوضی فيه ولا اضطراب > ولا مصادفة ولا جرَّاف . 

ومن وراء ذلك حقَيمة الله .. الخالق المدبر > القادر الحكى . 


3 # ¥ 


ذلك أصفى تصور لحقائق الوجود . وأشمل تصور للكون والحياة والانسان . 

أشملل تصور أي تاريخ البشرية كله ... 

فكل فكرة أحرى وكل نظام وكل عقيدة » قد أحذت شيئاً من هذه الحوانب المتعددة › 
ولم تأحذها كلها » فنشأً من ذلك قصور ي التصور » وخلل أي التوازن » وخلل ني الاتساق . 

والإإسلام وحده هو الذي شملت فكرته هذه الحوانب كلها ي توازن واتساق . 

وكل فكرة ونظام وعقيدة قد أنشأت فنا مبنياً على طبيعة تصورها للكون والحياة والإنسان › 
واحتلف الفنانون بطبيعة الحال بحسب استعداداتهم الفردية » والزوايا الخاصة الي يرصدون 
منها الوجود ٠‏ ويتلقون مها في حسم إيقاعاته » ولكنهم جميعاً تأثروا بطبيعة تصورهم »> 
وأحذوا مكا نهم في الميزان الفني والاإنساني بحسب طبيعة هذا التصور » والمساحة الي يشغلها 
من الكون . 

وبقي الإسلام - ني شموله وتكامله واتساقه - لم جد تعبيره الفني الكامل ني غير القرآن . 
جحد الطاقات القنية البشرية الواعية الي تطبق هذا الشمول والتكامل » وتحبر عنه في صورة 
موحية جميلة مؤثرة . 

وليس هنا جال بسط الأسباب الي أدت إلى خلو الصفحة الإسلامية العربية ي أغلب 
اجزائها من فنانین کبار › یدرکون الاسلام على حقيقته الشاملة » وتنفعل به نفوسهم على 
اتساعه » ثم يقدمون هذا ثي صورة فنية جميلة .. 

لیس هنا جال التحدث ف هذه الأسباب .. واتانقول فقط ان الإسلام دين البشربة 
ي جمیع عصورها » وجميع اجياها » وجميع اجناسا ؛ فإذا كانت صفحته - لسبب من 
الأسباب - قد خلت ني الماضي من رواثع الفن البشري المنبثقة من تصوره الشامل › فالفرصة 


N 


طبيعة اللإحساس الفني 
لتمثله موجودة دائماً »> وممكنة ني كل جيل . والمهم أن ندرك طبيعة هذا التصور الشامل على 
حقيقتبا »> حتى إذا اتجهت الطاقات الفنية إلى تمثلها اليوم أو غداً » اتبجهت الها بقلوب 
واعية وحس مدرك › فاتت مما يناسب روعما وشموها . 
ونحاول أي الفصل القادم أن نبسط طبيعة التصور الإسلامي » لنرى كيف يمكن أن 
يتملاها حس الفنان الملهم البصير . 


4إ 


طبيغة التصورالاتلای 


لکي ندر لے الات القن لااسالا می وطلعته ل يد لا أن ل٠‏ اة 


الارسلامي لكون والعحياة واللانسان . وارتباطها عضا بع . فى هذا التصدر - سا 
ي الفصل السابق س بنبشق العمل الفنى ي نفس الفتان . ا 

والتصور الا سلامي یبدا من الحتقة الااشية ای مدر عدبا الوجود کله + لچ لسہ ّ 
هذا الوجود في کل صوره واشکاله وکائناته وهو جوداته . ويعنى علاية حاصة بالانسان 
خليفة الله قي الأرض - فيعطيه مساحة واسعة من الصورة ؛ ثم يعود بالوجود كله مرة 
آحر ی إلى الحقيقة الاإلية الي صدر عنها وإليا يعود . 

وهو يي هذه الحولة الواسعة من الله واليه . يشمل كل دقائى الكون . لا يغادر منها 
شيا يقع اي محيطه > سواء منہا ما تدرکه الحواس وما لا تدرکه ‏ وما یدرک العقل بوي 
وما تدركه الروح فيما وراء الوعي . ويشمل كل نشاط الاإنسان وکل طاقاته . سواء نشاطه 
الاد ي ونشاطه الروحي . وسواء حباته الاقتصادية والاججاعية والفكرية . ء عمله ي 
العحاة الدنيا ء» وقماوراء هذه الحياة . 1 

الله . . يصوره اللإسلام ني آوضح صورة وعاها الحس البشري . وني أروع صورة كذلك . 

اله هو الخالق المدبر القادر المهيمن .. الذي خحلق كل شي ء.. کل ما في الوجودخلقه . 
ولا حالق غيره تي السعاوات والأرض . وهو القادر الذي لا حد لقدرته المهيمن عل کل 
حلقه آي الساوات والأرض _ لا بق بقع ي الوجود شيء إلا ما یریده آن بقع . ولا یک يون شيء 
إلا ما آراده آن پكون . 

قدرة مطلمَة لا بحدها ثىء ولا يقف في طر يها ُي ء 

وهو واسحد مقرد أحد .. للا شريك له ي الخلق ولا ي الميمنة على شوّون الخلى . 

هو التلمل وحده وضو المدير وحده . وهو القادر وحده . وهو التعبرف وحده ي 
ملكه الحر بض . 

بيده ملکوت کل ئيء ۰ واليه ترجح الأمور . 


- ‌ f . ا‎ 5 


1 


طبيعة التصور الاأسلامي 


ليس فيا شيء من اضطراب الأساطير واختلاطها وحيرتہا وتضار بها وخراقا . 

ولیس فيا شيء من انحرافات التصور التي أصابت الديائات الأخحرى أرضيا و ماو يما . 

صورة صافية لا تحتاج إلى كد في تصورها . 

وهي يي الوقت ذاته صورة رائعة تروع الحس البشري وتهزه من أعماقه 

تمزه القدرة القادرة . والعلم الشامل . والحككة البالغة . والدقة المعجرة .. 

والاإسلام يوقع على الحس البشري هنا توقيعات شتى » تہز الوجدان من أعماقه › 
وتنبه اللحس وتفتح البصيرة › حتى تصبح هذه الحقيقة الالهية بكل إشعاعاتها يقيناً عسيقاً 

ي النفس » وبديية من بد ياعا › > بل جزءاً من صمیم کیا ہا »> تتنفس به حیا ہا » وتنشط 

به نشاطها » وتسکن به سکو نا » وتعيش به كل لحظة من لحظات الحياة . 

وتتنوع الايقاعات . 

فهي مرة توجه القلب البشري إلى أيات اله ني صفحة الكون » ومرة توجهه إلى قدرة 
اله القاهرة الي تحكم كل شيء » ومرة توجهه إلى علم الله الشامل الدقيق .. 

الكون آية الله الكبر ى » ومعرض قدرته المعجزة الى تبهر العقول . 

« ولكن الإإلف والعادة يفسدان روعة التطلح لآية الكون > وروعة الاحساس با جياشة 
واصلة إلى الأعماق . 

١‏ الحواس تتبلد لما تری وما تسمع » فتمر بکل شيء کأنه لا وجود له » وتنسی - بحکم 
التعود - أن كل شيء حوها آية للقدرة القادرة المبدعة الخالقة الي تبدع كما تريد . 

« الليل والنهار متعاقين متكورين على الأرض › مختلفين ني الطول باحتلاف الفصول 
والحتلاف اكان . 

, الشمس الطالعة الغاربة ني كل يوم > لا تكف يوماً عن الطلوع أو تكف يوماً عن 
الخغروب . 

١‏ النجوم المتلألئة في ظلمة الليل كأنها عيون توصوص ني الظلمة وتتناجى على ما بينها 
من ابعاد . 

القمر الذي يبدأ زيقة صغيرة لا تكاد ترى » ويظل يكبر حتى يتل وجهه بالنور › 
ويغمر الأرض بنور راثق شفاف حالم هادئ جميل ثم يتناقص حتى يعود كما بدأ زيقة لا 
تکاد تری .. ثم حتفي ي المحاق . 

« الحياة النابتة في الشطأة الصخيرة ة الي تفتح الأرضص بقوة وتتشقق عن ورف أحضر 
صغير جمیل , e‏ . 

الحياة النابتة في الطائر الصغير والحيوان الضئيل وهو يدرج وراء امه تزققه أو ترضعه 
أو تغذوه . 


1¥ 


منهج الفن الإسلامي 


« الحياة المنبثة ني تضاعيف الكون «اليت » لظاهر العبن » وهو ثي حقيقته طاقات 
حية متحركة على الدوام . 

« التظام المذهل ي روعته ‏ المذهل ني دقته » الذي يسير عليه الكون كله » فلا بحختل 
منه كوكب واحد » ولا حرج عن مساره فيد انملة ي الزمان الطويل الذي يقدر بالملايين 
والبلايرين من السنين . 

« الزمن ذاته . كنهه وحقيقته » وطريفة ادراكه . 

« الممخلوق البشري المعجز بكل ما فيه من أجهزة دقيقة وطاقات . 

« العمليات الحسمية › والعمليات الفكر ية »› والعمليات الروحية بي كيان الانسان . 

« امتزاجه وترابطه المحكم الشامل الدقيق الذي مجمع کل طاقاتھ ویوحد بینہا فی کیان .. 

« ایات کلها من آیات الته ثي الکون . کل منہا معجز › وکل منہا هائل › وکل مہا 
مثير . ولكنہا لطول الاإلف والعادة بعر بها الإإنسان دون وعي ودون تفكير . 

« والاإسلام - وهو بر بي الروح - يعمد إلا فيثير فيا الحياة . 

« فالقرآن حافل بهذه الدعوة للإنسان أن يفتح بصيرته على آيات الله ني الكون » ويستشعر 
من ورائثها يد القدرة القادرة الخلاقة الميدعة .. ي أسلؤب أخاذ ياحذ بمجامع النفس ويوقظها 
من القها وعاد تا › فتتفتح للکون کأنه جدید : 

« إن ثي خلق السماوات والارض ٠‏ واخحتلاف الليل والهار » والقلك الي تجري ني البحر 
ا ينفع الناس » وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها » وبث فيها من 
كل دابة » وتصريف الر ياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لاآيات لقوم يعقلون » . 

١‏ إن الته فالق الحب والنوى » بخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي . ذلكم 
الله فآنى تؤفكون . فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً » ذلك تقدير 
العريز العليم . وهو الذي جعل لكم النجوم لتہتدوا بها في ظلمات البر والبحر » قد فصانا 
الآيات لقوم يعلمون . وهو الذي أنشأ كم من نفس واحدة فستقر ومستودع » قد فصانا 
الآيات لقوم بفقهون . وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء » فأخرجنا 
منه حضراً حرج منه حباً مترا كبا » ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب › 
والزيتون والرمان مشتبماً وغير متشابه » انظروا إلى مره إذا أنمر وينعه . إن ني ذلكم لآيات 
قوم يۇمنون »° . 


. ]١١٤[ سورة البقرة‎ )١( 
[۹۹ ۹7 سورة الانعام‎ () 


1۸ 


طبيعة التصور الاإسلامي 


« بخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ٠‏ ويحيي الأرض بعد مونها » وكذلك 
حر جون . ومن آیاته أن خلقکم من تراب د ثم إذا اتم بشر تنتشرون . ومن آیاته آن حلق لکم 

من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا الها وجعل بینکم مودة ورحمة » إن ني ذلك لآيات لقوم 
يتفكرون . ومن أياته حلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم . ان ئي ذلك 
لآبات للعالين . ومن اياته منامکم باللیل والہار وابتغا کم من فضله إن آي ذلك لاآيات 
لقوم يسمعون . ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً » وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض 
بعد موتا . إن في ذلك لايات لقوم يعقلون . ومن آياته أن تقوم السماء والأرض باعره › ثم 
اذا دعا کم دعوة من الأرض ادا اتم خر جون ۲( , 

« فلينظر الانسان إلى طعامه . أنا صببنا الماء صبًا » ئم شققنا الأرض شقًا » > فأنبتنا فیا 
حًا » وعنباً » وقضبا » وزيتوناً »> وخلا » وحدائق غلبا » وفاكهة واب > متاعاً لکم 
ولأنعامكم » " 

« وهكذا . . وهكذا .. يوقظ القران الحس لآيات اله ني الكون وي النفس » ليعيش 
متفتحاً لها »> حفباً ميا > ميحناً بعظمتها > متتيعاً ما أي كل صغيرة وكبيرة » شاعراً بالقدرة 
القادرة من وراء كل اية » واليد المبدعة من وراء كل تدبير › ومن ثم تتوجه الروح إلى الخالق ْ 


تسبح بحمده وتتطلع إلى حماه . 


« وكما يوجه القرآن القلب البشري إلى قدرة الله المبدعة ني صفحة الكون › فكذلك 
يوجهه إلى قدرته القاهرة الي مسك بيدها كل أمر » وتدبر وحدها كل تدبير : 

, أم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض » وما لکم من دون الله من ولي ولا نصیر 0( 

« بكر يع السماوات والأرض » وإذا قضى أمراً فإ نما يقول له كن فيكون » . 

د اله لا إله إلا هو الح القيوم ‏ لا تأحذه سنة ولا نوم » له ما في السهاوات وما في 
الأرض » من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه . بعلم ما بين يديهم وما خلفهم » ولا يحيطون 
بشيء من علمه ایا عا شاء > وسح کر سه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما »› وهو 


العلل العظيم ۾ 


. ]1١١۷[ سورة البقرة‎ )#( . ]۲١ - ۱۹7 سورة الروم‎ )١( 
. ]۲٠١[ (ه) سورة البقرة‎ . ]۳۲ - ۲٤[ سورة عبس‎ )۲( 
. [1*Y¥} سورة البقرة‎ (7 


منهج الفن الاأسلامي 


« وهو القاهر فوق عباده » . 

. °" وما تشاءون الا أن بشاء الله ب‎ ١ 

. "» قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا . هو مولانا »> وعلى الله فليتوكل المومنون‎ ١ 

« وكلها آيات توجه القلب الى هذه الحقيفة الضخمة لي بنية الكون وبنية النفس : أن 
الله وحده هو الخالق . والله وحده هو المدبر . والته وحده هو الذي بصرف الأمور . لا قوة 
سوی قوته . ولا تدبیر سوی تدبیره » وکل من عداه مخلوقات هز يلة ضائعة فانية » لا ملك 
لنفسہا شيئاً » فضلاً على أن تملك للاخرين . والنفع والضر بيده وحده . لا ينقع أحد إلا 
بإذنه » ولا يضر شي ء إلا بإذنه . والرزق بيده . والموت والحياة بيده . والبعث والحزاء بيده . 
بيده املك وهو على كل شيء قدير . 

ي ى 

١‏ وكما يوجه القلب إلى قدرة الله المبدعة » وقدرته القاهرة » كذلك يوجهه إلى علم الله 
الشامل الذي لا يتد عنه شىء في السماوات ولا ني الأرض › ولا ي داخل النفوس . 

١‏ وعنده مفاتح الغيب ء لا يعلمها إلا هو . ويعلم ما أي البر والببحر . وما تسقط من 
ورفة الا يعلمها » ولا حبة ني ظلمات الأرض › ولا رطب ولا بابس الا ني كتاب ميين . 
وهو الذي يتوفا كم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنار . ثم يبعثكم فيه ليقضی أجل مسمى . 
ثم إلیه مرجعکم ثم ینیغکم با کتم تعملون ۲ , 

« عانم الغيب والشہادة الكبير المتعال . سواء منكم من أسر القول ومن جهر به › ومن 
هو مستخف باللیل وسارب بالنہار »“ . 

«يعلم ما يلج ني الأرض وما بخرج منها » وما يتزل من السماء وما يحرج فيا . وهو 
ارح الغفور »"“ . 

... وما تحمل من أنٹى ولا تضع إلا بعلمه . ومايعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا 
في کتاب ء إن ذلاك علل الله سیر ۲( 

1 بعلم لحاتلة الأعين وما خحفي الصدور ب“ . 

١‏ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن ني صخرة أو في السهاوات أو ني الأرض 
بات پا الله . إن ادته لطیف خبیر ‏ . 


. ]۲7 سورة سبأ‎ )١( . ]٠۸[ سورة الأنعام‎ )١( 
. ]1١[ سورة فاطر‎ )۷( . ]۳١[ سورة الإنسان‎ )۲( 
. ]۱۹[ سورة غافر‎ )۸( . ]١١[ سورة التوبة‎ )۳( 
. ]۱١[ سورة لقمان‎ )4( . ]1١  4[ سورة الأنعام‎ )٤( 


. ]١١  ٩[ سورة الرعد‎ )٠( 


۲ 


طبيعة النصور الاإسلامي 


aT يعلم السر وأخفى‎ ١١ 

« ألم تر أن اله يعلم ما في السماوات وما ني الأرض › ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو 
رابعهم » ولا حمسة إلا هو سادسهم › ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أيها كانوا . 
ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء علي »”“ . 

ي ي 

« فاذا وجه القلب هذه التوجہات كلها » وهزه با من أعماقه » وجعله ينفعل انفعالاً 
حياً متجدداً مطرداً لا ينقطع ولا يفتر .. فقد انعقدت بين الله وبين القلب البشري صلة لا 
تنقطع ي النہار أو الليل . لا تنقطع ني عمل أو شعور أو فكر . لا تنقطع لي سر ولا جهر . 
لا تنقطع ثي خلوة ولا صحبة . لا تنقطع ما دامت الحياة .. 

: ويتصل القلب بالله صلات شتی‎ ١ 

. یتصل به خشوعاً وتقوی‎ ١ 

. ويتصل به مراقبة له في كل أمر من امور الحياة‎ ١ 

. ويتصل به حباً وتطاعاً‎ ١ 

. » ويتصل به اطمئناناً إلى قدره وتسليماً با يرضاه‎ ١ 

o» 

تلك حقيقة الألوهية ني التصور الإسلامي . وذلك موقف الكون والحياة والاإنسان 
من الله . 

إنه موقف العبودية الخالصة للخالق . وهو ني ذات الوقت موقف الحب والطاعة والقسليم > 
عن رغبة أي التسليم وسعادة ني الالتجاء إلى حمى الخالق المنعم الكريم . 

إنه ليس موقف العناد والحقد والكراهية والصراع .. ذلك الموقف الذي تصوره في 
وضصوح أساطير الإغريتق القدعة » والذي تلصص إلى داخل اللاشعور الأوربي وظل قابعاً 
هناك ! 

وينبغي أن نعرف أن أوربا لم تكن مسيحية حقة ني يوم من الأيام ! على الرغم من 
انتشار المسيحية فيها وتعصب الأوربيين ها أي الحروب الصليبية ومحا كم التفتيش . وعلى 
الرغم ما لا يزال يرد على بعض الألسنة الغر بية حين تتحدث عن « الحضارة المسيحية ٠‏ ! 

« كلا ! لم تكن مسيحية حقة في يوم من الأيام . وإنما كان قصارى المسيحية عندهم 


. ]¥[ سورة طه‎ )١( 
. ]۷7 سورة المجادلة‎ )( 


(۳) الحزء الأول من كتاب « منهج التربية اللإسلامية » فصل « تربية الروح» . 


۲١ 


منهج الفن الاإرسلامي 


أن تلين نها قلو بهم ي المعبد » وتتأثر أرواحهم بأنغامها الشجية وسبحاتما الروحية المرفرفة › 
ولكنها لا تبحكم الحياة العامة » ولا تحكم لي أمر من أمور' هذه الأرض . فإذا حرج الناس 
من صلا تېم ي المعبد ارتدت عنم مسيحيتهم › وعادوا إلى الوثنبة الرومانية الإغريقية القدرعة ؛ 
یستمدون ما افكارهم ومشاعر هم ¢ وتشر يعا م وتنظيما عم » وکل حضار م المأادية 
العريقة .. ! 

, وأياً ما كان الأمر فقد ظلت ني لا شعور الأور بيين - تحت القشرة المسيحية الرقيقة - 
تلك النظرة الإغريقية إلى الله » تؤثر في وجدالهم نحوه » وتطبع إحساسمم الديني ني الأعماق . 

« فكيف كانت الأسطورة الاغربقية تصور الله .. أو الآلمة ؟ 

« لن نستعرض هنا الأساطير كلها ٠‏ ولا الصورة الزرية الي كانت تعرض بها الآلة › 
فتصورهم - على أحسن تقدير - بشراً فائقي القوة » ولكن نفوسهم مشحونة بالنزوات 
الطائشة والانحرافات النرقة الي يتورع عا البشر العاديون .. وانما نستعرض اسطورة واحدة 
ذات دلالة »> هي بروميشيوس سارق النار المقدسة ! 

فہرومیثيوس كائن أسطوري کان الإله زيوس يستخدمه ني حل الناس من الماء والطين . 
وقد أحس بالمطف » نحو البشر › فسرق هم النأر القدسة من السماء وأعطاها هم . فعاقبه 
زیوس على ذلك بان قیده بالسلاسل تي جبال القوقاز حیث وکل به نسر یرعی کبده طول 
اليوم وتتجدد الكبد ني أثناء الليل » ليتجدد عذابه أي اللهار . ولكي ينتقم زيوس من وجود 
النار المقدسة بين أيدي البشر أرسل إليهم « باندورا » - أول كائن أنشى على وجه الأرض - 
ومعها صندوق يشتمل على كافة أنواع الشرور ليدمر الجنس البشري !! فلما تزوجها 
إبيميثيوس - أخو بروميثيوس - وتقبل منها هدية « اللإله ! » فتح الصندوق فانتثر ت الشرور 
ومالات وحه الارض !! 

« تلك طبيعة العلاقة بين البشر والته ! النار المقدسة . نار « المعرفة » قد استولى علا 
البشر سرقة واغتصاباً من الآهة ‏ ليعرفوا أسرار الكون والحياة » ويصبحوا آلهة ! والالة 
تتتقم منم في وحشية وعنف > لتتفرد وحدها بالقوة › وتتفر د دونېم بالسلطان 1 

« وهذه العلاقة قد اندست ني أوهام الأوربيين » وصارت تصرف أفكارهم ومشاعرهم 
بغير وعي . العجز وحده هو الذي بحخضعهم لمشيئة الله ! وهم غير راضين عن هذا العجز 
ولا سا كتين عنه . فهم يطلبون القوة ويطليون المعرفة , ويحاولون دائماً أن يقهروا هذا العجز . 
و يقهروا - بلغتهم - قوة الطبيعة . أو - بلغنهم اللاشعورية أيضاً - « ينتزعون الأسرار ! 
ينتزعونها من الإله الوثبي القديم الذي سرقوا منه ناره المقدسة من قبل ! 

« و بهذا الدافع الخفي المطبوع ني أعماق النفس الغربية - بي أعماق اللاشعور - يحس 
الغر بيون ان كل خحطوة محطوها « العلم » ترفح اللانسان فوق نفسه درجة » وتنزل الاله من 


۲ 


طبيعة التصور الاإسلامي 


عليائه بنفس القدر ! « وتظل « المعركة » هكذا دائرة : كل فتح جديد من فتوحات العلم 
بحفض الاإله ويرفع الأإنسان » حتى تالي اللحظة المرقوبة الي يتحلب ها ريق الغرب ويتلهف 
إليها » اللحظة الي « محلق » فيا الاإنسان الحياة » ويصبح هو الله | . 

موقفان متباينان تبايناً حاداً حاسماً شديداً : موقف أوربا من الله وموقف الإسلام . 

ولا نحتاج هنا ان نقارن بن القلق والصراع والحير ة والاضطراب الي تستولي على القلب 
الذي تتملكه العقيدة الإغريقية الوثنية الفاسدة › والسلام والراحة والأمن والاطمثنان الذي 
ينعم به القلب الذي تتملكه عقيدة الإسلام . ولكننا نقول فقط إن كلا من التصورين له 
تأثيره ني الإنتاج الفني » كما سيجيء تفصيل ذلك ني الفصول التالية من الكتاب . 

ي 

والكون - المنبثق من إرادة الله - هو تي التصور الإسلامي شيء جميل › حي متحرك 
محس » متعاطف مع الإنسان » متجاوب عه تجاوب الصداقة والزمالة والمودة . 

فالسياء « مزينة » بالمصابيح : «ولقد زيا السماء الدنيا بعصابيح » . 

والتعبير بالزينة هنا تعبير موح بأن خالق الكون قد قصد ني خلقه أن بجعله جميلاً › 
وأن الحمال جزء من بنية الكون أصيل . 

والأرض الي يعيش عليہا الانسان قد جعلها اله معاونة له على الحياة » وهيأها بكل ما 
تتطلبه هذه الحياة من مطالب : «وبارك فيها وقدر فيبا أقواتها»“ . «وجعلنا لكم فيا 
معایش 4 . «فامشوا آي مناکبہا وكلوا من رزقه ۲“ . «وجعلنا ني الأرض رواسي أن تيد 
er‏ وجعانا فیہا فجاجاً سبلا لعلهم مهتدون ۲ . 

والسياء والأرض ما تشتملان عليه من طاقات وكائنات تعاونان كذلك ني تميئة الحياة 
للإنسان » وتيسير مهمته في الخلافة عن الله في الأرض : 

« هوالذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا » وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ... 7 

)۸( » وسخر لکم ما ف السياوات وما ف الأرضص جمیعاً منه‎ ١ 

« واله أنرل من الساء ماء فأحيا به الأرض بعد موتا . إن تي ذلك لآية لقوم يسمعون . 
وإن لكم ني الأنعام لعبرة » تسقيكم ما في بطونه من بين فرث ودم لبناً حالصا سائغاً للشار بين . 
ومن مرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراًورزقاً حسناً » إن ني ذلك لآية لقوم يعقلون » " . 


(۱) من کتاب «قبسات من الرسول» . (1) سورة الأنبياء ]۳١[‏ . 

(۲) سورة املك ]١[‏ . (۷) سورة يونس ]٥[‏ . 

(۳) سورة فصلت ]۱١[‏ . (۸) سورة الحاثية ]١۳[‏ . 

. ]1۷  ٠١[ سورة النحل‎ )4( . ]٠١[ سورة الأعراف‎ )٤( 


(ه) سورة اممك ]٠١[‏ . 


۳ 


منهج الفن الاإسلامي 


(( وهو الذي سخر البحر لتا كلوا منه لحماً طر با وتستخر جوا منه حاية تلبسو نها > وتری 


الماك موا خر ره 4 ولتبتغوا من فضله › ولعلكم تشکرون . وألقى ٤‏ الأرض رواسي أن 
تید بکم ونار وسبلاً لحعلکم نہتدون . وعلامات » وبالنجم هم بېتدون» “ . 


ومن ثم فالوجود کله صدیق للإنسان » متعاون معه »› بار به » عاطف عليه » لا تقوم 


بينه وبينه العداوة ولا البغضاء . ولا الحفوة ولا النقور . 


وهذا الوجود الجمیل ¢ العا طف ‌ الاانسان 4 هو ف الوقت ذاته کائنات حبة دات 


۔حہہں ووعي وأدراك 


« فقال ها وللارض اتيا طوعاً أو كرهاً » قالتا أتينا طائعين» ” 
«إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها . 


وحملها الااأنسان 7 


« يشي الليل النبار يطلبه حفيئاًء . 

والنجم والشجر سجدان )“ . 

«فلا أقسم بالخنس . الجواري الكنس » . 

ثم هو کون منسق متوازن » کل شيء فيه مقدر بعقادير مضبوطة لاأ تضطرب ولا خحتل : 
«انا کل شيء حلقناه بقدر م" . 

« والشمس ستجري لستقر ها » ذلك تقدير العزيز العم . والقمر قدرناه منازل حتى عاد 


كالعرجون القديم . لا الشمس ينبغي ها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النپار > وکل ف 


فلك سبحو » 


(^) 

ثم هو مخلوق بالحق . فلا عبث ني خلقه ولا باطل . ولا مصادفة ولا جزاف : 
«وما خلقنا السهاوات والأرض وما بيلمما لاعبين» * 

وما خلقنا السماوات والأرض وما بنهماالا بالحق »'' . 

"۲ ولتق الته السا وات والأرض بالحق » ولتجزی کل نفس عا کسبت وهم لایظلمون‎ ١ 
: ويحسن هنا أن تنقل من « ظلال القرآن » بعض الفقرات ني الاشارات القرآنية للكون‎ 
. الشمس والقمر بحسبان»‎ « 


(۲) سورة فصلت ]1١[‏ . (۸) سورة یس [۳۸ - ]٤١‏ . 


(۳) سورة الأحزاب [۷۲] . 


(۹) سورة الدخحان [۳۸] . 


(ه) سورة الرحمن ]٦[‏ . 


. ]۲۳۲[ سورة الحاثية‎ )١١( 


. ]١٠١[ سورة التكوير‎ )١( 


Y٤ 


طبيعة التصور الاأسلامي 


› حيث تتجلى دقة التقدير أي تنسيق التكوين والحركة » عا علا القلب روعة ودهشة‎ ١ 
. وشعوراً بضخامة هذه الإشارة » وما في طيا تا من حقائق بعيدة الآماد عميقة الأغوار‎ 

١‏ وجسم الشمس ودرجة حرار تما > وبعدها عنا ٤‏ وسيرها ي فلكها . وكذلك حجم 
القمر وبعده ودورته .. كلها محسو بة حساباً كامل الدقة بالقياس إلى آثارهما في حياة الأرض › 
وبالقياس إلى وضعهما في الفضاء مع النجوم والكوا كب الأخرى .. 

١‏ ونتناول طرفاً من الحساب الدقيق أي علاقتهما بكوكبنا الأرضي وما عليه من حياة 
واحياء .. 

« إن الشمس تبعد عن الأرض بائنين وتسعين ونصف مليون من الأميال . ولو كانت 
أقرب الينا من هذا لاحترقت الأرض أو انصمرت أو استحالت مارا يتصاعد ني الفضاء ! 
ولو كانت أبعد منا لأصاب التجمد والموت ما على الأرض من حياة ! والذي يصل إلينا من 
حرارة الشمس لا يتجاوز جزءاً من مليولي جزء من حرارتها . وهذا القدر الضئيل هو الذي 
يلائم حياتنا . ولو كانت الشعرى بضخامنها وإشعاعها هي الي ني مكان الشمس منا لتبخرت 
الكرة الأرضية » وذهبت بدداً ! 

« وكذلك القمر ني حجمه وبعده عن الأرض . فلو كان أكبر من هذا لكان المد الذي 
يحدثه ني بحار الأرض كافياً لغمرها بطوفان يعم كل ما عليبا » وكذلك لو كان أقرب 
ما وضعه الله بحسابه الذي لا عطي مقدار شعرة ! وجاذبية الشمس وجاذبية القمر للارض 
هما حساب ہما ي وزن وضعها » وضيط خطاها ي هذا الفضاء الشاسح الرهيب » الذي تجري 
فيه مجموعتنا الشمسية كلها بسرعة عشرين الف ميل بي الساعة ي امجاه واحد نحو برج 
الجبار . ومع هذا لا تلتقي بأي نجم في طريقها على ملايين السنين ! 

« وني هذا الفضاء الشاسع الرهيب لا مختل مدار نجم بقدار شعرة ولا تل حساب 
التوازن والتناسى ثي حجم ولا حركة . 

« وصدق الله العظم .. «الشمس والقمر بحسبان » . 

. » والنجم والشجر بسجدان‎ J 

« وقد كانت الإشارة السابقة إلى الحساب والتقدير ني بناء الكون الكبير . فأما هذه فهي 
إشارة الى ا مجاه هذا الكون وارتباطه . وهي إشارة موحية إلى حقيقة هادية . 

« إن هذا الوجود مرتبط ارتباط العبودية والعبادة بمصدره الأول » وخالقه المبدع . 
والنجم والشجر نموذجان منه » يدلان على اتجاهه كله . وقد فسر بعضمم النجم بانه النجم 
الذي ني السماء . كما فسره بعضمم بأنه النبات الذي لا يستوي على سوقه كالشجر . وسواء 
كان هذا أم كان ذاك فإن مدى الإشارة أي النص واحد ينتهي إلى حقيقة تجاه هذا الكون 
وارتباطه . 


منهج الفن الاأسلامي 


« والكون خليقة حية ذات روح . روح بحتلف مظهرها وشکلھا ودرجتہا من کائن إلى 
کائن . ولکنہا تي حقيقنا واحدة . 

« و لد أدرك القلب البشري منذ عهود بعيدة حقيقة هذه الحياة السارية ني الكون كله . 
وحقيقة | باه روحه إلى خالقه . أدركها بالإهام اللدني فيه . ولکنہا كانت تغم عليه › وتتوارى 
عنه كلما حاول اقتناصا بعقله المقيد بتبجارب الحواس 

› ولقد استطاع أخيراً أن يصل إلى أطراف قريبة من حقيقة الوحدة في بناء الكون‎ ١ 
! ولكنه لا يزال بعيداً عن الوصول إلى حقيقة روحه الحية عن هذا الطريق‎ 

« والعلم يل اليوم إلى افتراض أن الذرة هي وحدة بناء الكون ؛ وأنما في حقيقتها جرد 
إشعاع . وأن الحركة هي قاعدة الكون » والخاصية المشتركة بين جميع أفراده . 

« فال أين يتجه الكون بحركته الي هي قاعدته وخاصیته ؟ » . 

« القران يقول : إنه يتجه إلى مبدعه بحركة روحه - وهي .الحركة الأصيلة › فحركة 
ظاهره لا تكون إلا تعبيراً عن حركة روحه - وهي الحركة الي تمثلها ني القرآن ايات كثيرة 
منها هذه : ١‏ والنجم والشجر يسجدان » ومنها : « تسبح له السماوات السيع والأرض ومن 
فين ٬‏ وان من شيء ء إلا سبح بحمده ولکن لا تفقهون تسبيحهم » .. ومنہا : «١‏ الم تر أن الله 
يسبح له من ني السماوات والأرض والطير صافات کل قد علم صلاته وتسبیحه » . 

١‏ وتأمل هذه الحقيقة » ومتابعة الكون في عبادته وتسبيحه »› مما نح القلب البشري 
متاعاً عجیباً » وهو یشعر بکل ما حوله حياً یعاطفه ویتجه معه إلى خالقه ›» وهو ي وقفته 
بين أرواح الأشياء كلها » وهي تدب فیا جميعها › وتحیلها إخواناً له ورفقاء ! 

و انا أشارة دات أبعاد واماد وأعماق e...‏ 

« والخنس الحواري الكنس .. هي الكوا كب الي تخنس » أي ترجع ني دورتما الفلكية 
وجري وحتفي . والتعبير حلع علا حياة رشيقة كحياة الظباء . وهي مجري ونحتبئ في کناسہاء 
وترجع من ناحية أخحرى . فهناك حياة تنبض من خلال التعبير الرشيق الأنيق عن هذه 
الكوا كب > وهناك إيحاء شعوري باللحمال ي حركتها . ني اختفاثها وني ظهورها . أي توار يما 
وي سفورها . ي جر یہا وني عودتہا . يقابله إيحاء بالحمال ني شكل اللفظ وجرسه » . 

. » الذي خحلق سبع سماوات طباقاً ما ترى تي خلق الرحمن من تفاوٽت‎ ١ 

والذي يعرف شيئاً عن طبيعة هذا الكون ونظامه - كما كشف العلم الحديث عن 
جوانب مها - يدركه الدهش والذهول . ولكن روعة الكون لا تحتاج إلى هذا العلم . هن 


(۱) تي ظلال القرآن» ج ۲۷. 
(۲) ١ي‏ ظلال القرآن ۾ جر ٣١‏ 


۲٦ 


طبيعة التصور الاٴسلامي 


نعمة الله على البشر أن أودعهم القدرة على التجاوب مح هذا الكون عجرد النظر والتأمل . 
فالقلب يتلقى ايقاعات هذا الكون اطائل الجميل تلقياً مباشراً حين يتفتح ويستشرف . ثم 
يتجاوب مع هذه الاإيقاعات بجاوب الحي مع الحي » قبل أن يعلم بفکره وبأرصاده شیا 
عن هذا الخلقى انائل العجيب . 

« ومن ثم یکل القرآن الناس إلى التظر ني هذا الكون › وإلى علي مشاهده وعجائبه . 
ذلك أن القران حاطب الناس - جمیعاً وي کل عصر .. 

« والجمال ي تصمم هذا الكون مقصود کالکمال . بل انيما اعتباران لحقيقة واحدة . 
فالکال يبلغ درجة الحمال » ومن ثم يوجه القرآن النظر إلى جمال السياوات بعد أن وجه 
النظر الى كماطا : 

« ولقد زينا السماء الدنيا عصابيح ٩‏ . 

ومشد النجوم ني السماء جميل . ما في هذا شك . جميل جمالاً يأخذ بالقلوب . وهو 
جمال متجدد تتعدد ألوانه بتعد د اوقاته . وحتلف من صباح الى مساء » ومن شروق إلى 
غروب » ومن الليلة القمراء إلى الليلة الظلماء . ومن مشد الصفاء إلى مشمد الضباب والسحاب . 
بل إنه ليختلف من ساعة لساعة » ومن مرصد لرصد › ومن زاوية لزاوية .. وكله جمال 
وكله يأحذ بالألباب . 

! هذه النجمة الفر يدة الي توصوص هناك » وكأنها عين جميلة » تلتمع با محبة والنداء‎ ١ 

« وهاتان النجمتان المنفردتان هناك › وقد خلصتا من الزحام تتناجيان ! 

و وهذه المجموعات المعضامة المتناثرة هنا وهناك » وكأنبا ني حلقة سمر في مهرجان 
السماء . وهي تجتمع وتفترق كأنما رفاق ليلة أي مهرجان ! 

: وهذا القعر الحالم الساهي ليلة . والزاهي زهو ليلة . والنكسر الخفيض ليلة ٠‏ والولي. 
المتفتح للحياة ليلة . والفاني الذي يدلف للفناء ليلة 

وهذا الفضاء ء الوسيع الذي لا عل البصر امتداده › ولا يبلغ البصر اماده . 

« انه الحمال . الحمال الذي بعلك الانسان أن يعيشه ويتملاه ولکن لا جد له وصفاً 
فيما ملك من الألفاظ والعبارات ! 

« والقرآن يوجه النفس إلى جمال السماء » وإلى جمال الكون كله » لأن إدراك جمال 
الوجود هو أقرب وأصدق وسيلة للإدراك جمال خالق الوجود . وهذا الاإدراك هو الذي يرفع 
الانسان إلى أعلى أفق بمكن أن يبلغه › لأنه حينئذ يصل إلى النقطة الي ينميا فيها للحياة الخالدة › 
ي عام طليق جميل « بريء من شوائب العام الأرضي والحياة الأرضية . وان أسعد لحظات 
القلب البشري لمي اللحظات الي يتقبل فيا جمال الاإبداع المي ي الكون » ذلك أن 


¥ 


منهج الفن الاإسلامي 


هي اللحظات الي تهيثه وعد له ليتصل بالحمال الإلمهي ذاته ويتملاه ٠‏ . 
4 # هه 

وال 'ة ‏ معجزة الخلق الكبرى - جميلة بكل صورها وأشكالما .. والقران يوجه 
القلب الى » ويعقد صلة القر بى بين الانسان وغيره من الأحياء في هذا الوجود . التبات 
والحيوان والطير .. 

« وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شىء › فأخرجنا منه خضراً 
لخرج منه حياً مترا كبا » ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب » والزيتون 
والرمان مشتباً وغير متشابه . انظروا إلى مره إذا أنمر وينعه »" . 

فهنا مهرجان من الحياة المتمثلة ني النبات بشتى أنواعه . مهرجان زاخر حافل » مختلف 
الألوان والأشكال والشيات . كلها مبهج وكلها جميل . تستغرق الحس بتمليما واحدة إثر 
واحدة » ثم با لمقارنة بينها واحدة اثر واحدة . فهذه طويلة سامقة وهذه قريبة النال . وهذه 
متشابهة وتلك غير متشابهة . وهي جميعها مر وينع › يلذ الأعين ويلذ الحس . والاية توجه 
الناس إلى « النظر » « إلى مره إذا أعر وينعه » . وهو توجيه يلفت النظر هنا بصفة خاصة 
ي جال عرض هذه « الا كولات » الشہية الى يتوق ها الحس . فهو لا يقول هنا - كمايقول 
ي مواضع أحرى - « كلوا من طيبات ما رزقنا كم » بعد هذا العرض المشمى بالفا كهة المختلفة 
الأشكال والأنواع . ولكن يقول « انظروا » ! انظروا إلى الجحمال المبثوث ني هذه الكائنات 
الحية » وتمتعوا بهذا الحمال ني تلك اللوحة الطبيعية الحية المتناسقة البهيجة ! فالجحمال هنا 
هدف مغ للروح » وهو هنا المقصود أولاً قبل غذاء الأبدان ! 

١‏ والأنعام حلقھا › لکم فیہا دفء ومنافع ومنہا تأ کلون » ولکم فیہا جمال حین تر يحون 
وحین تسرحون »" . 

وهنا الأنعام ذات فوائد ومنافع یبینہا الله للناس لیشکروا نعمته وفضله . ولکنه لا يوجههم 
إلى الفوائد الحسية وحدها تي الأنعام > بل يوجههم توجيماً صريحاً إلى « الجمال » ي هذه 
الأنعام . جمال « حين تريحون وحين تسرحون » . فالجمال عنصر أصيل ني بنية الكون 
والأحياء . وعنصر مطلوب . مطلوب ليستمتع به الناس . وموهبة يذ كر الله بها الناس ليشكروه 
ویعبدوه . 

واللإشارة إلى الجحمال هنا ذات دلالة واضحة لا تحخفى بالنسبة للتصور اللإسلامي للوجود . 


.۲۲ ي ظلال القران» ج‎ « )١( 
. ]۹4[ سورة الأنعام‎ )١( 
. ] - ٥7 سورة التحل‎ )۳( 


YA 


طبيعة العصور الاإسلامي 


فعنصر الحمال عميق تي هذا الوجود جداً » يتبدى ني كل كائناته « الحامدة » وغير الجامدة . 
والاإنسان - خليفة الله ني الأرض - مطالب أن يفتيح حسه ذا الجمال » ليلتقي أجمل ما 
في نفسه - وهو حاسة الحمال - بأجمل ما ني الكون » وينتج من هذا اللقاء ارتقاء الإنسانية 
صعدا » حين تشف وتصفو » وتلتقي بالحقيقة الاإهية على هذا الاتساع الشامل ٠‏ الذي 
يشمل كل مالي الحمال ني الكون والحياة . 

وتوجيه نظر اللإنسان إلى « الجحمال » تي الأنعام ذات «النافع » المحعددة له دلالته 
كذلك فيما ينبغي أن يكون عليه الإنسان ني التصور الإسلامي . فهو مخلوق واسع الأفق 
متعدد الجوانب » ومن جوانبه الحسي الذي يرى منافع الاشياء › والمحنوي الذي يدرك من 
هذه الأشياء ما فيا من جمال وهو مطالب ألا تستغرق حسه المنافع » وألا يقضي حياته 
بجانب واحد من نفسه و مل بقية الجوانب . فكما أن الحياة فيها منافع وجمال » فكذلاف 
نفسه فيا القدرة على استيعاب المنفعة والقدرة على التفعح للجمال . فينبغى أن يأخذ المحياة 
هکذا بکلیا ہا » ویتلقاها بنقسه کلها > عاملاً فيها بجميع طاقاته » ليصبح جديراً بعکانه 
الكريم عند الله , [ 

« واوحى ربك إلى النحل ان امحذي من الحبال بيوتا » ومن الشجر وما يعرشون » ثم 
کل من کل الثمرات فاسلكي سبل ربك فللا »> خرج من بطونہا شراب مختلف ألوانه › 
فيه شفاء للناس »“ . 
هذه الجولة مع النحل ابي تشخذ من ال مال بيوتاً ونما يعرش الناس » ثم تأكل من كل 
المرات نما ينبت طبيعياً ونما يزرع الناس .. ثم حرج من بطونها شراب فيه شفاء للناس .. 

إن هذه اللحولة تثير في النفس وجدانات شتى .. فهي أولاً تتبع هذا المخلوق الضيل النشيط 
المتحرك الدءوب ني رحلثه الدائبة الى لا تہدأ » والتى يكاد التعبير بنغمته وموسيقاه يرسمها 
متموجة كتموج النحلة ي حركنا ذات اليمين وذات اليسار > وإلى أعلى وإلى أسفل »> تهداً 
لحظة ثم تنطلق ف ا مجاه جدید ٠‏ ثم يدركها العجب من هذا المخلوق الضئيل الدءوب › 
ويدركها الإعجاب فتنشا بينها وبينه صلة نفسية هي مزيج من المودة والعطف .. ثم هي 
أخيراً تحس بالصلة المباشرة بينها وبينها » فهي رائحة غادية على « الناس » وي الہاية حرج 
شراباً « للناس » ! وهكذا تقرب هذه الصلة حتى تمتزج » وتصبح نوعاً من الزمالة أي الحياة ! 

« أو م يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن » ما عسكهن إلا الرحمن . إنه بكل 
شيء بصير ۾ ٩‏ 
(1) سورة النحل ]٦۹ ٦۸7‏ . 
() سورة املك ]1١۹[‏ . 


۲۹ 


منهج الفن الإسلامي 


ألم تر أن الته يسبح له من تي السماوات والأرض > والطیر صافات ›» کل قد علم 
صللاته وٹسبیحه ۲" . 

والتوجيه هنا إلى الطير » وهي صافات أرجلها وأجنحنها » وحين تقبضہا › توجيه له 
عدة أهداف . 

فهو توجيه الى يات الته ي الكون › وقدرته القادرة المبدعة الخلاقة البصيرة . 

وهو توجيه إلى عظمة الله الي يسبح ها كل من ني السماوات والأرض - ومن بينها 
الطير - كل بلغته الخاصة ٠‏ وعلى طربقته الخاصة . 

تلك أهداف « مباشرة » مذ كورة بتصا . 

ولكن هناك أهدافاً أحرى يلتفت الها الحس البصير الذي يعيش ني جو القرآن › 
والتصور الإسلامي للكون والحياة .. إن كلمة « فوقهم » ي الآية الأولى لا تحدد مكان 
الطبر وحده » ولکنہا باللاضافة الموجودة أي أخرها « .. هم » تعقد صلة بين الطير والناس › 
يكن الإنسان ليحسما لو قال : أو لم يروا إلى الطير صافات ويقمضن . أو لو قال : أو لم 
يروا الى الطير ني السماء صافات ويقبضن ! فكلمة « فوقهم » ما فيما من إضافة قد علقت 
القلب البشري بالطير › بعلاقة اوثق من جرد الرؤية والتامل . إ نها علاقة فيها صلة ما .. صلة 
بحفق ها القلب مع حخحفقة الطير . 

أما الآية الثانية فهي تعرض صلة أخرى بين الناس والطير وجميع الكائنات . إنها كلها 
تسبح لله . كل بطريقته .. ولكنها كلها تلتقي على التسبيح » وتتصل وجداناتها على العبادة › 
ومجمعها شعور واحد وثيق ! 

وهكذ! تقوم وشائج القر بى بين الكائنات الحية كلها أي هذا الكون > ما تدركه الحواس 
منہا من ناس وطير وحیوان ونبات » وما لا تدرکه الحواس ممن يشملهم لفظ « من ف 
السماوات والأرض » الذين يسبحون كلهم لله . 

ولا تقتصر صلات القر بى على هذه الإيحاءات الدقيفة الي يتفتح ها الحس حين يعيش 
في جو القرآن والإسلام » فهناك إيحاءات أخرى ها كذلك دلالما : 

« والله حلق کل دابة من ماء » فنهم من عشي على بطنه » ومهم من مشي على رجلين › 
ومنهم من بعشي على أربع › مخلق الته ما يشاء إن الله على كل شيء قدير » "° . 

إن صلة القر بى هنا ليست معنوية ووجدانية فحسب . إنها أصرح من ذلك وأقرب . 
إنها صلة « مادية » محسوسة . إنها الأشتراك الحقيقي - لا المجازي ‏ بي « مادة » واحدة 


. ]4١[ سورة النور‎ )١( 


٣» 


طبيعة التصور الاإسلامي 


حلقت منہا کل الکائنات » ثم تعددت أنواعها بعد ذلك وتفرقت أشكالما » ولکنها جميعاً 
ترجع إلى هذا الأصل الواحد الذي نبتت منه جميعاً ! 

إن الإنسان إذن ليس واهماً ولا متخيلاً حيالاً شعرياً حين يحس بالرابطة الوثيقة بينه 
وبين الكائنات الحية ني الوجود من حوله . إنها « حقيقة » . ولكنا حقيقة هائلة تفتح للقلب 
منافذ شتى يطل منها على الحياة » فتتسع مساحتها ي نفسه وتعمق أصوها ي حسه . ويجد 
فيا الشعر والفن منفذاً يصل بين النفس والكون ني أوسع مداه . ولا يفوتنا هنا التعبير بكلمة 
« من » أي الحديث عن الدواب » بدلا من « ما » القياسية ني الحديث عما لا يعقل . فهو 
تعبير مقصود ليصل بين وجدان الانسان ووجدان هذه الكائنات . 

وهذه القر بى الى ذ كرتہا الآية السالفة بين الإنسان ودواب الأرض ممن مشي على بطنه 
ومن بمشي على أربع » تذهب بها آية أحرى إلى أبعد من ذلك .. عن طريق الإيحاء على 
الأقل إن لم يكن باللفظ الصريح : « والله أنبتكم من الأرض ناتا .. فبصرف النظر عن 
المدلول « العلمي » ذه الآية ونحن لا نعلمه على وجه اليقين") » فإن ها مدلولاً نفسياً » هو 
صلة القر بى بين هذا الإنسان ونبات الأرض . فكلاهما نابت من الأرض . وكلاها نبات ! 

أي صلة عميقة وثيقة تر بط الإنسان بالحياة أي الكون ! وأي سعة يحسما الإنسان ني 
نفسه وي الكون » حين يتعمق في حسه الشعور بالوشائج الحية الي تر بطه بالأحياء ؟ 

لا عجب إذن حين جد الرسول صلى الله عليه وسلم مسك بنبتة صغيرة فيقبلها » وحين 
بقول : « ليتي شجرة تعضّد » ( أي تقلّم ) . فهو يتكلم بهذا وقد فاضت ني روحه العظيمة 
مشاعر الاتصال الوثيق بالحياة ني جميع الأحياء ! 

ثم جيء دور الانسان ي التصور الإسلامي . 

الانسان خليفة الله في الأرض : «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض 
حليفة ) . 

وهو کریم عند الله منڌ خلقه : « ولقد کرمنا بني آدم وحملناهم آي البر والبحر ورزقناهم 
من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خاقنا تفضيلا »“ . 


(1) سورة توح [1۷] . 

(۴) دون تعلق بنظرية التطور الي تقول إن الحياة النباتية قد أدت إلى الحياة الحيوانية ثم إلى الإنسان ! 
(۳) سورة البقرة ]۳٠[‏ . 

. ]۷٠[ سورة الاإسراء‎ )٤( 


۳١ 


منهج الفن الإسلامي 


وقد خحلقه ني أحسن صورة : « وصوركم فأحسن صوركم ٠»‏ 

ووه له مواهب جمة : « وجعل لکم السمع والأبصار والأفئدة 7 

وأعطاه مكانة عالية في الكون : « وسخر لكم ما ني السماوات وما في الأرض جميعاً 
نه ۲ (۳) « هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا ي منا كبها وكلوا من رزقه ۲" . 

ومكانة امجابية في أحداث الحياة J١‏ إن الله لا بغیر ما بقوم حتی یغیروا ما بانفسہم 7 
فارادة الله نافذة عن طريق إرادة الاإنسان . 

وهكذا يتحدد دوره ني الحياة . فقد خحلقه الله في أحسن صورة » ووهب له هذه المواهمب 
کلھا ني نفسه وي الکون من حوله » وأعطاه مکانه ني أحداث الحياة » ليقوم بدور الخلافة 
ف الأرض > من عمارتہا وترقیما » واستخراج كنوزها وأرزاقها » والتعرف على أسرارها › 
وأسرار ما ي السهاوات والأرض من طاقات مسخرة له » باذن الله . ولينشى بكل ذلك حياة 
إنسانية صالحة رشيدة مهتدية هدي اله . « فإما يأتينكم مني هدی فن تبع هداي فلا خوف 


علیہم ولا هم بحزنون ۲ ٩‏ . حياة فاضلة نظيفة مترفعة . حياة تليق « بالانسان » الذي كرمه 
الته وفضله على کثیر ممن خحلق › فلا تہبط عما ليق بالتكريم والتفضیل › ولا ترتکس إلى 
مستوى العحوان . 


وي الفصل القادم تفصيل للحياة الاإنسانية في نظر الإسلام . 


. ]٠١7 سورة الملك‎ )٤( . ]۳[ سورة التغابن‎ )١( 


[1 17 سورة الرعد‎ )( ٠ (YJ سورة للك‎ (Y) 
. ]۳۸[ سورة البقرة‎ )١( . ]1١[ سورة الحاثية‎ )۳( 


۲ 


الإستان ف الصو ر اتلاي 


« إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طین › فاذا سویته ونفخت فيه من روحی 
فقعوا له ساجدین ۲( ۰ 

الانسان ني التصور الاسلامى هو هذان العتصران المختلفان » مترابطين متزجين ني 
کیان واحد . ۰ 

قبضة من طين الأرض » ونفخة من روح الله . 

قبضة من طين الأرض تتمثل فيا عناصر الأرض المادية : الأوكسيجين والإيدروجين 
والكربون والكلسيوم والفوسفور.. إلخ . وتتمثل فيا رغائب الأرض وضرورات الأرض . 

ونفخة من روح الته تتمثل فيما إشراقة الروح الصافية وقوة الوعي المدركة وقدرة النفس 
المريدة . 

وهذان معا يكونان الانسان . 

فهو ليس قبضة طين خالصة . محضع للضرورات القاهرة من طعام وشراب وجنس .. 
إلخ »> لحضوعاً لا تملك فسا منه > ولا ختار لنفسہا سلوكا معيناً إزاء هذه الضرورات . 

وليس إشراقة روح حالصة » طليقة من القيود » ترفرف حيث تشاء » لا محضع لضرورة »› 
ولا تتأثر بقيود الزمان والمكان » والوجود والفناء » وثقلة الحسى ال منجذب إلى الطين . 

ولكنه مزيج من الضرورة القاهرة والاإشراقة الطليقة من القيود . 

مزيج قد يغلب عليه ي بعض الأحيان أحد عنصريه › فتظهر الضرورة الغليظة وعتامة 
الطين » أو تظهر النورانية الشفيفة وحفة الشعاع . ولكنه أبداً غير منفصل بأحد عنصريه عن 
عنصره الاأخحر ي أية لحظة من اللحظات . 

وحين ينفصل - لو أمكن ذلك - مخرج عن كيانه الأصيل فلا يصبح هو « الإنسان » . 

حين يصبح جسدا حالصا . حين يصبح متعة حسية منقطعة عن كل إشراق . حين يصيح 
ضرورة غليظة . حين يصبح جوعة طعام أو شراب أو جنس لا تشبع ولا تهدأً . حين ينحصر 


(۱) سورة ص ۷۱1 ؟۷] . 


۴۳ 


منهج الفن الاإسلامي 


ئي حدود ما تدركه حواسه لا يجاوزها إلى العام الفسيح الذي تدركه الروح فيما وراء الوعي . 
لا يعود إنساناً وإعا يرتكس إلى عالم الحيوان . 
وحین يصح روسحاً حالصة . حين همل كيانه المادي وضروراته القاهرة ويترهين . حين 
همل العام الذي تدركه حواسه ليعيش فيما وراء المحسوسات .. لا يصبح إنساناً . إنه يحاول 
أن يكون كاثناً أفضل - ني نظره - من الانسان » ولكنه لا يصل أي الحقيقة إلى هذا الفضل . 
فالسلبية الكاملة الي يتوصل إليها ليست فضلاً ولا مزية > وإنما هي إهدار لأفضل ما يشتمل 
عليه الإنسان : الاإمجابية الفاعلة الي تحقق كيانها ني واقع الحياة . 
ولكنه يحقق رسالته ني الأرض » ويحقق أفضل ما يستطيعه » ويحقق كثيراً من الخير > 
حين يكون على طبيعته المزدوجة : قبضة الطين ونفخة الروح . 
ومقتضى هذا الامتزاج في مفهوم الإسلام : أن الإنسان يقضي ضروراته الأرضية 
الحيوانية على طريقة الإنسان لا على طريقة الحيوان . ويحقتق أشواقه الروحية الملائكية على 
يقة الإنسان لا على طريقة اللاك ! 
يأ كل ويشرب ويقضي ضرورة انس ... وهي كلها مسائل يشترك فيها مع الحيوان . 
ومع ذلك يقضبا هو على طريقته .. ولا يكون الفرق الرئيسي في طريقة الأداء الميكانيكية 
- فهذه قد تتشابه في « بعض » الأحيان - وإنما يكون ي الفارق النقسي والشعوري وطريقة 
« السلوك » . 
الطعام والشراب والجنس .. ضرورات يقضيا الحيوان بطريقة مباشرة » وعلى أسلوب 
واحد محدد تفرضه « الغريزة » » ليس له فيه اختيار . لا احتيار ي القدر . ولا اخحثيار ي 
الموعد . ولا الحتيار ي الانصراف عنه لسبب من الأسباب . 
والطعام والشراب والجنس .. ضرورات يقضما الاإنسان . ولكنه يقضما بطر يقة الإنسان . 
فيجعل هما سلوكاً » مهمته البذيب والتجميل › و « الاختيار » . 
قهو لا هبر هبرة من اللحم النيءويقضمها بأسنانه أو بمزقها بأنيابه . ولا مخطفها و يجري 
بها . ولا ١‏ يقترسہا » افتراساً . وإنما مجعل لكل ذلك آداباً . مهمتها أن تبعد المسافة بين دفعة 
الغر يزة المباشرة وبين الاستجابة لمذه الدفعة . وهو ني النهاية يستجيب . نعم » لا شك . 
ولكن المرحلة الي يقضيا بين الدفعة والاستجابة »› المسافة الي ينشئ فيها قواعد السلوك وأدب 
الأداء » المسافة الى « يتجمل » فا بمشاعر معينة وأفكار معينة وحركات سلوكية معينة . 
هذه المسافة هي ذاتما التي تفرق بين الإنسان والحيوان » والي تبين كيف يقضي الإنسان 
ضرورة الحيوان ولكن على طريقَة الإنسان ! 
والأمر ني الجنس كذلك . 


r 


الإنسان ي التصور الإسلامي 


ففي عالم الحيوان تيج الذ كور والإناث للإخصاب ني موسمها الجنسي . لا اخحتيار ها 
في تحديد الموعد . ويج جماعات > لا اختيار ي التميز الشخصي . ويج ني حركات 
محددة تصل ي نايتا إلى اللقاء ا لجسي . لا احتيار ني هذه الحركات . 

وأهم من ذلك أن کل أنشی مباحة لکل ذکر . وکل ذکر ني اشتیاق لکل شی . لا 
يقف دون تحقيق هذه « الشيوعية » الكاملة إلا عراك الذ كور واقتتا هم على الإناث › وهلاك 
الكثيرين منهم ي المعركة واستيلاء من بقي منهم حياً على قطيع الإناث ”“ . 

وي عام الاإنسان توجد ضرورة الجنس . 

ولكنه - حين يكون إنساناً - يقضيا على غير طريقة الحيوان . 

فقد تحرر الانسان - بادئ ذي بدء - من قيد الموعد المحدد ء وصارت السنة كلها 
بالنسبة إليه موسماً صالحاً للإحصاب . ولكنه في مقابل ذلك يلتزم - لصالح نفسه قبل كل 
شىء آخحر - بتحديد القدر الذي ينغخمس فيه ثي هذه الضرورة » وقد زود بالاداة اللازمة 
لذلك : أداة « الضبط » والتقدير . 

وقد تحرر من صورة القطيع آي شؤون ا لجنس - كما هو ني کل شأن آخر - فأصبحت 
له ذاتيته المتفردة › الي محتار لنفسہا سلوكها وطرائقهاومواعيدها وإقباها وامتناعها . 

ولم يعد - ني عالم الإإنسان - كل أنثى مباحة لكل ذكر » وكل ذكر ني اشتياق لكل 
أنشى . لأن الجنس ني عالم الإنسان ليس أداء ميكانيكياً هدف غير واع » يتحقق من وراء 
وعي الفرد الحيوافي » ودوره فيه هو مجرد الأداء . وإنما هو - ككل شيء أي عالم الإنسان - 
هدف واعر یدرکه الفرد اللانساني » ويؤديه بموجب هذا الأدراك . 

وقد اقتضى هذا اللإدراك أن يفهم الإنسان أن رسالته في الأرض لا تتحقق إلا بتكوين 
١‏ مجتمع » و «أسرة » » وأن من لوازم هذه الأسرة استقرار العواطف وتخصيص أنشى واحدة 
لكل رجل » ورجل واحد لكل أنثى ٠”‏ » ليتكون المحضن الصحيح لتر بية الأجيال الناشئة 
ي عش هادئ پتمتع با لسلام اللفسي والمادي . ولتتکون بین آأفراد الملجتمع علاقة أخحرى 
غير علاقة التقاتل الوحشي بين الذ كور على اصطياد اللأناث . ولتتوجه اهتامات الفرد - بعد 
قضاء حاجة الجحنس لي سلام وأمن - إلى أهداف الإنسانية الأخرى الي يشملها كيان الإنسان . 

وهو أي النہاية يستجيب لدافع الجنس . نعم . لا شك . ولكن المسافة الهائلة الي يقطعها 


)١(‏ هناك بعض صنوف الحيوان مع ذلك تمارس نظام «الزواج » كالحمام والثعابين ٠‏ فيكون الذ كر والأنئى إلفين 


(۲( إلا حين محتل العدد فتزيد نسبة الاناث على نسبة الذ كور ›» وهو ما يحدث في الطبيعة » فرباح تعدد الزوجات 
للافاة هذا النقص . 


۳٣2 


منهج الف ال سلاني 


u‏ م 5 a. e mr‏ ا = A‏ ةة 
س کے وا ي ستجارة اسا غ اش بک ن فا سنوکا وإدارا لجنس . المسافة الى ترصف فا 


انى الدفعة البيولوجية ٠‏ مشاعر . إنسانية : :ومن آباته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً 

لتسكنوا اليها . وجعا ل بينكو هودة ورحمة ٠٠‏ . المسافة الى يضيف فيا أفكاراً ذات أهداف.. 

هذه المسافة هي هي المافة بين الاإنسان والحيوان . وهي الي تبين كيف يقضي الاإنسان 
رة الحيوان .. ولكن على طريقة الانسان 


اا شی شس حة الأو مل التصور ااسلامی لالاانسان 4 اأصبفحة الى تعر ص ص لته 
بالحيوان . ما الصفحة الثانية الى تعرض صلته بالملاك . فهى تقتضى أن يستجيب الانسان 
بأشو قه العليا ولكن على طريقة الإنسان لا على طريقة الملاك . 

فاللاك - كما ترد صورته قي الفكرة الإسلامية - مخلوق من نور خالص »› ليس له 
مده سے و عتا مةه الطحن . ول تم فهر اشراقه خاأهة محلدة الأعاأه . امجاهها هو الطاعة 


ا 


اة 'لدأئمة الكاملة : ١‏ لأا يعصون الله مأ امرهم . ويفعلون ما يۆمرون »7 . « بسبحون 
المبال ونار للا يرون ۰ ١‏ پسبحون له باللیل والنہار وهم لا يسأمون » أ 

وحى صورة جميئة شفافة رائقة .. ولكنا ليست من طبيعة الاإنسان المزدوج الطبيعة 
الاتجاه . ولذلك لا يمسر علا الإنسان قسراً ٠‏ لأنها تفسد طبيعته » إذ تمل الجانب 
الحيوي من کګیانه . ونت رکه که بدداً لا بنفع بشي ء . لذلك قال : « ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها 


ليس معنى ذلك ألا يستجيب الإنسان لا ركب ني طبيعته من إشراق وتطلع إلى الخفة 
وا لا نصللاق ہے ن انيد والترفع على القبرورة . بل هو يشجع على ذلك تشجيعاً ٤‏ ويوج اليه 
ى وسيلة . ولکن ع لى ألا يتزع نفسه من الأرض : ١‏ ولا تنس نصيبلك من الدنا » © 

عن انس رضي الله عنه قال : جاء ثلائة رهط إلى بيوت أزواج رسول اله صلى الله عليه 
وسنہ بسألون عن عبادته . فلما يروا کأ: نهم تقالوها ! فقالوا أين نحن من رسول الله صلل 
له عيه وسم . وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل 
ابد . وق ل اللالحر : وانا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال آخر : وأا أعتزل النساء ولا أتزوج 


- ¥ 


بد فجاء رسو ل الله صل الله عليه وسلم فقال : « تم الذين قلتم كذا وکذا ؟ اما والله اي 


ا" سوة روھ 7 ۲] . (5) سورة فصلت [۳۸] , 
)١( SS TT‏ سورة الحديد [۲۷] . 
(۳؛ سم رة ياء )١( . ]۲١[‏ سورة القصص [۷۷] . 


۳۳ 


اللانسان ٤‏ التصور الاإسلامي 


لأحشاكم لته وأتقا كم له » ولكني أصوم وأفطر » وأصلي وأرقد » وأتزوج النساء . فن رغب 
عن سني فليس مني ۲( ١‏ [ 

وتلك عبقر ية الأنسان : ان يسير بجسمه على الارض وهو متطاع بروحه إلى السماء ! 

وهي كذلك معجزة الاإسلام ني مراعاته للفطرة البشرية . 

فهو يكون نقطة الوسط بين الاتجاهات المتتطرفة المنحرفة . 

لا يؤمن - كالداروينية - بحيوانية اللانسان . 

ولا يؤمن كاهندوكية والبوذية برهبانية اللانسان . 

وقد نشأً عن النظرة الداروينية الي تؤمن مادية الإنسان وحيوانيته اتجاهات شتى في 
الاجتاع والاقتصاد وعلم النفس .. 

كما نشأً عن النظرة المثالية فلسفات وأفكار . 

عن الأولى نشأت الماركسية ني عالم الاقتصاد » والتفسير المادي للتاريخ في عالم الاجةاع > 
والتفسير الحنسي للسلوك ني عالم التفس . 

ونشأت عن الثانية الفلسفة المثالية » والنظريات التجريدية » من نظرية الممل لأفلاطون 
في العصور القديعة إلى فلسفة هيجل ني القرن التاسع عشر . 

ونشأت عن هذه وهذه فنون . 

وسنتکلم عن هذه الفنون بتفصيل أوسع ونحن نتحدث عن «الواقعية في التصور 
الإسلامي » . ولكنا هنا نثبت ملاحظة عابرة » هي أن هذه الفنون كلها « منحرفة » بطبيعة 
انبثاقها من تصور خاطئ للإنسان . ونا على كل ما فيها من جمال ودقة وبراعة فاثقة › 
لا ينبغي أن تخدعنا عما فيها من انحراف » حين نقيسها بهذا المقياس « الإنساني » الكاشف › 
الذي ثل طبيعة الإإنسان على حقيقتما الشاملة » ويأبى أن ينحصر ي جانب واحد من جوانب الاإنسان 

» » 4 

«وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل ني الأرض خليفة . قالوا : تجعل فيها من يفسد 
فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال : إني أعلم ما لا تعلمون . وعلم 
آدم الأسماء كلها » ثم عرضہم على الملائكة فقال : أنبئوني بأماء ھؤلاء إن نتم صادقین . 
قالوا : سبحانك . لا علم لنا إلا ما علمتنا ء إنك أنت العليم الحكيم . قال : يا آدم آنبئهم 
باسمائهم . فلما أنباهم باسمائهم قال : الم اقل لكم إني اعلم غيب السماوات والارض > واعلم 
ما تبدون وما كتتم تكتمون ؟ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس » أبى 


. الشيخان والنسائي‎ )١( 


۳Y 


منهج الفن الاإسلامي 


واستكبر وكان من الكافرين . وقلنا : يا ادم اسكن أنت وزوجك الحنة » وكلا ملا رغداً 
حيث شتا » ولا تقر با هذه الشجرة فتكونا من الظالمين . فأزفُما الشيطان عنها فأخحرجهما 
ما کانا فيه . وقلنا اهبطوا بعضکم لبعض عدو . ولكم ي الأرض مستقر ومتاع إلى حين . 
فقلقی ادم من ربه كلمات فتاب عليه ء إنه هو التواب الرحم . قلنا : اهبطوا منہا جميعاً » 
فإما يأتينكم مني هدی هن تبع هداي فلا حوف علیہم ولا هم یحزنون . والذین کفروا وکذبوا 
اياتنا أولئك أصحاب النار هم فا خحالدون » ' 

تلاك قصة ادم .. قصة البشرية كلها من المنشا إلى المصير .. قصة الإإنسان من مبدثه 
إلى مناه . 

وإن فا لمجالات واسعة للفن > سيجيء الكلام عا ني موضعها .. وإنما نحن هنا 
مشغولون بعرض الحعصور الاإسلامي للإنسان . 

وإن اللانسان ليشهد ي نفسه صدق هذه الفصة ي كل لحظة من لحظات حياته على 
الأرض . 

انه مخلوق ذو مواهب وذو مقدرة وذو نشاط فعال . 

ولكن بي نفسه نقطة ضعف دائمة : هی حبه للشہوات : 

« زين للتاس حب الشموات من النساء والبنن والقناطير المقنطرة من الذهمب والفضة 
والخيل المسومة والأنعام والحرث »" . 

وهو مخضح فذه الشہوة أحياناً فتركبه » فلا ملك نفسه مها » ويستعبد ها فتستذله وتقوده 
من حطامه . 

وأحياناً يقدر عليما » فيرتفع على الضرورة » ويرتفع على نفسه »> ويحقق أرفع ما في 
کیانه من طاقات واستعدادات . 

وأحياناً تلم به لحظة ضعف ولکنه يفيق منها فيتوب .. فيتقبل الله توبته : 

« .. والله يحب المحسنين » والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنقسمم ذ كروا الله فاستغقروا 
لذنو بهم - ومن يغفر الذنوب إلا الله - ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولتك جزاؤهم 
مغفرة من رهم وجنات تجري من تحتها الأنبار خالدين فيا » ونعم أجر العاملين»" . 

وهو ني أرفع حالاته حين يقدر على نفسه ويتنع على الشہوات » وعندئذ يكون قريباً 


(1) سورة البقرة ۳۰7 ۳۹] . 
(۲) سورة ال عمران ]١٤[‏ . 
(۳) سورة ال عمران ]۳١ - 1۳٤7‏ . 


۳۸ 


الإنسان ني التصور الإسلامي 


من الله . وهو ي أحس حالاته حين بترك نفسه لشہوتہا » فتہبط به » وتظل تستدرجه تي 
طريق المبوط » وعندثذ يكون في قبضة الشيطان . 

ولكن الله به رحيم . فهو لم يحرم عليه النعيم وهو على الأرض : «و ي الأرض مستقر 
ومتاع إلى حين» . وإعامنعه من «الشهوة » . وحدد بين المتاع والشوة حدودا بينها في دستوره 
الذي طلب مہم اتباعه ليفوزوا بالنعم المنشود . 

u 

ولقد کرمنا بني ادم وحملناهم أي البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضاناهم على 
کشر ممن حلقنا تفضیلا»' . 

إن الإنسان ني التصور الإسلامي مكرم مفضل عند الله . يحمل هذه الكرامة بين جنبيه 
طالا هو متصل بالل متبح یداه . 

وقد زوده الله بالطاقات اللازمة لعمارة الارض ' « وحملناهم ثي البر والبحر ورزقناهم 
من الطيبات » .. والطيبات من الرزق معنى واسع وشامل يشمل كل الارزاق . ليس فقط 
الطعام والشراب والتاع .. وإنعا هو كل مكنونات البر والبحر »› وكل طاقة ني السماوات 
والأرض : 

«وسخر لکم ما في السماوات وما ني الأرض جميعاً منه»“ . 

فالسماوات والارض » بموجوداتها » بقوانينها > بنظامها » بطاقاتها » منتجا تا .. مسخرة 
من الله للإنسان . يأحذ منها رزقاً طيباً > يستعين به على الحياة والخلافة عن الله .. يدخل في 
ذلك شعاع الشمس المنير ودفؤها المحيي » ومطر السياء المنبت » وعناصر الواء المساعدة 
ع > والكهر بائية والمغنطيسية » والمد والجزر »> وجاذبية الأجرام السماوية ... و 

.. وكل ما في الوجود من كائنات وطاقات ... ويدخل فيه الموهبة الي رزقها الله لاإنسان : 
موهبة العلم هذه الكائنات والطاقات » والقدرة على تسخيرها لعمارة الأرض وترقية الحياة . 

وهو مكلف أن يقم من ذلك کله «عملاًه صالحاً .. 

« إن الذين امنوا وعملوا الصالحات ٠....‏ 

والعمل الصالح كل عمل يتوجه به الاإنسان إلى الله . من عبادة . وزرع وصناعة وعمارة . 
واستخراج لكنوز البر والبحر . 

ولا بكون صالحاً حتى يستوني الشروط الى بينها الله ني دستوره .. شروط شاملة تشمل 
كل حياة الإنسان بالتفصيل . حياته فرداً وجماعة . حياته الروحية والفكرية والاجتاعية 


. ]۷٠[ سورة الأإسراء‎ )١( 
. ]١۳[ سورة الجاثية‎ )۲( 


۳۹ 


منهج الفن الإسلامي 

والاقتصادية والمادية ... ومؤداها أن تقوم لي الأرض حياة فاضلة راشدة نظيفة مهتدية › 
يتمتع فيہا الناس كلهم برزق الته الواسع » على أخحوة ومودة »> ني ظل الحق والعدل الازليين . 

الحياة الروحية والفكر ية والاجتاعية والاقتصادية والمادية .. هي ني التصور الاإسلامي 
جزء من « العمل الصالح » الذي ينبغي للإنسان أن يقدمه إلى الله .. ومن ثم فهي دائماً مرتبطة 
بالله . 

ان الانسان في نظر الاإسلام لیس شمن منقصالين : شقا أرضاً « يعمل » وشقاً سماوياً 
يتعبك ) . واا العبادة عمل والعمل عبادة . والانسان بشقہه ٿيء واحد . لانه منڏ مولده 
الأول قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله متزجتين غير منفصلتين . ومن ثم فليس 
شيء ني كيانه منفصلاً عن بقية الكيان . 

الروح والعقل وا لجسم کیان واحد . 

والعمل والعبادة كيان واحد . 

والدنيا والأخحرة كيان واحد . 

وکل عمل يقوم به الإنسان صادر عن کیانه كله“ . وكل لحظة من حياته هي للدنيا 
والآحرة في آن” . ومن هنا لا تنقسع الأعمال إلى قسمين : قسم لقيصر وقسم لته . وإغا 
تكون كلها لله . ويدحل قيصر ني ملكوت الله » ويخضع لدستور الله . 

ولا تكون هناك نظريات اقتصادية » ولا نظريات اجتاعية » ولا تنظيمات أرضية 
منقطعة عن الله . 

لا يقال في شيء من الأشياء هذا تنظم أرضي فلا دخل لله فيه . ولا يقال لشيء من الأشياء 
هذا « دين » فلا دخل له بشؤون الارض ! 

الأرض بكل من فيا وما فيما خاضعة لله » وينبغي أن يحكمها هدى الله . 

اخلاق الناس وتقائيدهم .. علاقات بعضہم ببعض .. شؤونهم الفردية والحماعية . 
سلوكهم الجنسي وسلوكهم الاقتصادي وسلوكهم الاجتاعي .. سلمهم وحر بم .. سياستهم 
الداخلية والخارجية .. مشمولة كلها بدستور الله » منظمة بمقتضى ذلك الدستور . ورقابة 
الله تشملها كلها > ولا تترك منها شيئاً للأهواء الي تنتاب البشر فتخرجهم عن الصراط . 

x» 
. وهذه الأفور كلها وحدة مترابطة‎ 
. مترابطة ي داخحل النفس وني واقع الحياة‎ 


(۱) انظر فصلل ١‏ حصائص الهج الاإسلامي » في الجرء الأول من كتاب ١‏ منىج التر بية الاأسلامية » . 
(۲) انظر فصل «فليخرمما؛ من كحاب «قبسات من الرسول» . 


٠ 


الإنسان تي التصور الإسلامي 


فليس هناك عمل واحد من أعمال الإنسان مستقل بذاته » غير مرتبط ببقية الأعمال . 

نشاطه الروحي » ونشاطه العقلي ونشاطه الجسمي كله صادر عن كيانه الموجد » ومن 
ثم فکله مترابط > وکل جانب منه يوئر على بقية الحوانب . 

والأمر كذلك ي حياة المجتمع : لمكن فصل التنظيم الاقتصادي عن الفكرة الاجتاعية ء 

عن الفكرة الروحية » عن الأخلاق .. ولا حكن أن تتخذ أي من هذه طريقها مستقلة عن 
الأحرى » أو غر متأثرة ہا ومؤثرة فا في الوقت ذاته . 

لا يقوم الاقتصاد ععزل عن القيم الروحية والقي الخلقية . 

ولا تقوم الاخلاق بمعزل عن الاقتصاد ... 

ولا يقال للناس : تم أحرار ي سلوككم « الشخصي » » فكيّفوا سلوككم الجنسي 
وقيمكم الروحية كما تشاءون » ولكن اخحضعوا لتنظيمات «الدولة » في السياسة والاقتصاد ! 

ولا يقال هم الترموا الأحلاق «الرمية » فلا تفسقوا ولا تشربوا الخمر وأدّوا العبادات 
امفروضة .. ثم تصرفوا ي اقتصادياتكم كما تشاءون » فاستغلوا الناس واستعبدوهم وکلوا 


حفوقهم | 

فالترابط الموجود في كيان التفس وكيان المجتمع > يقتضي أن پکون التنظم والہذيب 
شاملا لکل ھؤلاء . 

وملاك الأمر ني هذه الشؤون كلها هو التوازن .. وهو صفة تكتسبا النفس من السير 
على منهج الله ١‏ 


التوازن سمة بارزة بي هذا الكون 

فأجرام السماء متوازنة .. آية تواز ما ذلك النظام الدقيق المضبوط الذي لا بختل قيد شعرة › 
ولا يفترق عن موعده ثانية ولا ثالثة ولا متراً من سرعة الشعاع ! 

وهو سمة واضحة في المجموعة الشمسية الي نحن جزء منها » وني الأرض الي نعيش 
عليها بصفة خاصة > وني الحياة على الأرض بصفة أخص . 

والعلم يقول في هذا التوازن مقاللات شتی . ليس هنا مجال تفصيلها . ولكن البصيرة 
الملهمة قد أدركت ذلك التوازن حتى قبل أن يصل إليه العلم . أدركته في ومضات مشرقة 
من ومضات الروح . 

والحياة الإنسانية ينبغي أن تسير على الناموس الأ كبر الذي يحكم الكون والحياة كلها .. 
فتتوازن بکل ما فیا من طاقات . 


. ٠ منهج التر بية الاإسلامية‎ ١ انظر بالتفصيل الحزء الأول من كتاب‎ )١( 


م الفن الاساامي 


تتوازن الأشواق الطائرة والضرورات القاهرة . 
تتوازن النزعة الفردية والتزعة الحماعية . 
تتوازن النزعة المادية والترعة الروحبة . 
تتوازن طاقة الواقعم وطاقة الخيال . 
بتوازن الحب والكره 
يتوازن العمل والعبادة . 
تتوازن مصلحة الفرد ومصلحة الحماعة . 
تتوازن مصلحة الجيل ومصلحة الأجيال . 
يتوازن کل شيء في هذه الحياة ! 
n #  #‏ 
والناس إخوة في البشرية » بحكم نشأتهم من نفس واحدة » واشتراكهم في المنشاً 
والمصير . 
«يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها » وبث 
منہما رجالا کشراً ونساء . واتقوا الته الذي تساءلون به والأرحام ٠‏ 
«يا أبما الناس إتا حلقنا كم من ذ كر وأنثى وجعلنا كم شعوبًوقبائل لتعارفوا , . إن أكرمكم 
عند الله 'تقا کم » . 
وهذه الأحوة ليست قضية نظرية جميلة بحتفظ مها في عالم المخل والأحلام . بل هي 
حميقة عميقة ي حياة البشرية › تصاغ على اساسا النظم والتشريعات والتوجيهات . 
فالمال يشارك ف الانتفاع به الجميع : « کي لا يکون دولة بين الأغنياء منکم » 0 
والأمن والسلام ملك للجميع : « كل المسلم على المسلر حرام : دمه وعرضه وماله » (۶) 
وليس المسلم فقط وإنما هي قضية عامة : «من قتلى تفا بير تفس أو فساد في الأرض 
فكأنما قتل الناس جميعاً»“ . 
« والأحلاق » فضية انسانية ›» ناشئة من أنحوة الناس جميعاً 
فالذي يفسق ي الأرض ويرتكب الفاحشة يعتدي على عرض أخ من إخوته وعرض 
انحت . 


والذي يلمز الناس او يغتا ہم أو يتجسس عليہم ٤‏ أو یغشہم ویکذب علہم .. أو 


. رواه الشيخان‎ )٤( . ]١[ سورة النساء‎ )١( 
. ]۲[ (ه) سورة المائدة‎ . ]١١[ سورة الحجرات‎ )۲( 
. ]۷[ سورة الحشر‎ )۳( 


٣ 


الإأنسان ف التصور الإسلامي 


يسرقهم ويغتصبيم .. إلخ » يعتدي على قانون الأخوة الذي يقتضي أن يحب المرء لأخيه 
ما يحبه لنفسه » ویعامله عا بحب أن يعامله به . ومن ثم تقام الحدود الي تلزم الناس برعاية 
هذه الاخوة . وتردهم بالحرم والشدة حين بحرجون علا » إلى جانب التوجيهات الي تبث 
هذه الروح ي کل عمل وکل شعور . 

ويصير هذا جزءاً من دستور الحياة الإنسانية › ناشئاً من الواقع العميق في بنية هذه 
الحياة . 


والإسلام بعد يتصور الإنسان ني واقعه الفعلي لا في عالم النظريات . 

ولكن نظرته إلى «الواقع ٠‏ ليست ضفة محصورة الحدود' . 

إنه يأخذ الكائن البشري على ما هو عليه . لا ۔ہمل شیثاً من طاقاته » ولا بفرض عليه 
ما لیس من طبیعته 

الانسان بدوافعه كلها »› بنوازعه کلها » بحالاته کلها » معترف به »› ومقبول على ما 
هو عليه . کل ما ي الأمر أن الإسلام يسع إلى تنظيفه وتہذیبه . ولکنه لا يکبته ولا يحارب 
فطر ته . 

طاقة الحنس نظيفة » معترف بها في وضح النور : «وإن في بضع أحدكم لأجراً | 
قالوا : یا رسول الته أن أحدنا ليأتي شہوته ثم یکون له علیہا أجر ؟! قال : أرأيت لو وضعها 
ني حرام » أكان عليه فيما وزر ؟ فكذلك إذ وضعها في حلال فله فما أجر !» . 

ورغبة املك نظيفة . وحب الانسان لنفسه نظيف . وطاقة القتال نظيفة . وطاقة الكره 
نظيفة ... وكذلك كل طاقاته واستعداداته . معترّف با . بل مطلوبة لذاتها » وي مكانما 
الصحيح . 

ولکنه لا یر يدها أن تشجاوز الحدود .. فعندئذ تنقلب إلى «فاحشة» فالفحش هو جاوز 
الحدود . ومن ثم يضع ها « الضوابط » الي تضبط منصرقها ويضع ها التوجيهات الي تنظفها 
ویر بطها بالل لکي رطف وتستقم ‏ 

وهو ني ذلك يعتمد على أداة بشرية »> كامنة ني كيان النفس . موهوبة للإنسان من 
عند الله : 


(۲) رواه مسلم . 


. انظر فصل « نظرة اللإسلام » في كتاب «الأإنسان بين المادية والاإسلام»‎ )١( 


۳ 


منهج الفن الإسلامي 


« ونفس وما سواها › فأخمها فجورها وتقواها » قد أفلح من زکاها » وقد خاب من 
}۷ 

دساأاھا » 

ومع ذلك كله فهو يعلم أن للطين ثقلته وعتامته . وللواقعم ضغطه وقوته . وأن الإنسان 
حلق ضعيفاً فيخفف عنه : «يريد اله أن حخفف عنكم » وخلق الإنسان ضعيفاً» ‏ . 

فف عنه أي التكاليف : «هو اجتبا كم وما جعل علیکم ي الدين من حرج »° . 
«لا يكلف الته نفساً إلا وسعها » ““ ويطالبه بما يقع ني حدود استطاعته : «إذا أمرتكم بأمر 
فأتوا منه ما استطعتم » وما نہیتکم عنه فانتوا  »‏ . وأخیراً يقل منه عثرته ویقبلها » ولا 
يسلط عليه سیف غضبه ما دام لا یصر على فعلته : «.. ولم يصروا على ما فعلوا وهم یعلمون › 
أولغك جزاؤهم مغفرة من ر بهم » "“ . «ولا يقتلون النفس الي حرم الله إلا بالحق » ولا 
يزنون » ومن يفعل ذلك يلق أثاما » يضاعَف له العذاب يوم القيامة ولد فيما مهانا . إلا من 
تاب وآمن وعمل عملا صالحاً » فأولئك یدل الله سیئا ہم حسنات . وکا ن الله غفوراً رحیما» ‏ . 
« كل ابن آدم خطاء . وخير الخطائين التوابون »“ . 

# ¥ *# 

وهو تصور واسع شامل يشمل حياته كلها جميع دقائقها وتفصيلا تا . 

وهو كذلك تصور متوازن » لا يشتط ني تقدير قيمة من القم الإنسانية على حساب 
قيمة آخرى › ولا ينسى أحد جوانبه ليذكر جانباً آخر . 

ومن هذا الشمول والتوازن مكن أن ينبثق فن «إنساني » رفيع . فن يشمل حياة الإنسان 
كلها » باطنا وظاهرها » ويشملها ني عالم الضرورة القاهرة وعالم الأشواق المرفرفة . ي 
عام « الواقع ( وعالم « الال » . ي دنيا الفرد وعام الحماعة . يي لحظة الاإنتاج المادي ولحظة 
الإنتاج العقلي ولحظة الإنتاج الروحي . ني لحظة هبوطه ولحظة رفعته . ويكون أكبر فن 


شپده الاانسان . 
(۲) سورة الشمس [¥ ¬ 4°[ . )٥(‏ رواه مسلم . 
(۲) سورة النساء [۲۸] . )٦(‏ سورة آل عمران ]۱۳١ - ۱۳١[‏ . 
() سورة الحج [۷۸] . (۷) سورة الفرقان ]۷٠  ٦۸[‏ . 
(ه) سورة البقرة ]۲۸١[‏ . (۸) رواه الترمذي . 


٤ 


الواقعيكة ف التصور الامتلاي 


هذا التصور الإسلامي للإنسان - وهو أكمل تصور تعرفه البشرية وأشمل تصور - 
يفترق دون شك ني بعض أجزائه وني مجموعه الہائي عن كثير من التصورات الأرضية الي 
سادت من قبل أو تسود اليوم في أكثر بقاع الأرض » ويصطدم اصطداماً مباشراً مع التصور 
الغر بي الحديث » الذي تنبثق عنه الفنون السائدة في العام اليوم . 

فالاتجاهات «الواقعية » الحديثة » على اخحتلاف ما بينها في الجزئيات » تتفق كلها في 
استمداد تصورها من النظر ة المادية الحيوانية للإنسان » القائمة بدورها على الداروينية القدعة "“ . 

لقد سيطرت على الغرب قترة من الوقت موجة من «الرومانتيكية » المحلقة ي الخيال ٤‏ 
کانت ني حقیقتہا هروباً من الواقع السيى الذي تعيش فيه شعوب أوربا . هروباً يشبه ي 
بعض مظاهره الحشش والأفيرن غير من « المغيبات » الي تنسي الاأنسان الواقع »> وتحلق 
به ئي عام صناعي خال, من المشا كل الي تقلق البال ثم تفيق تى - إذا أفاقت - على حسرة مرة 

من آجل الأحلام الحلوة لي لا تتحقق ف واقع الأرض إ 

ولكن هذه الموجة انتہثت کما کان لا بد أن بحدث - لأنها حركة غير طبيعية بالنسبة 
للإنسان › الذي لا بد أن ابه الواقع ي الہاية مهما نهرب من مواجهنه فترة من الزمان . 

وكان رد الفعل هو الحركة «الواقعية » الي ولدت ني القرن التاسع عشر وما تزال سارية 
في هذا القرن العشرين . 

وكل رد فعل لحركة متطرفة مجنح بدوره إلى التطرف › ولا يقف عند نقطة التوازن › 
لأنه يحاول - في حركة محمومة - أن يزيل آثار الحركة الأول و بمحوها من الوجود ! يحاول 
أن يبعد عنها الى أقصى ما ني طاقته من البعد .. فقكون النتيجة أن يبتعد أيضاً عن نقطة الوسط 
الموزون . 

وقد كانت هذه الواقعية اتجاهاً شاملا م يقف عند حدود الأدب والفن »› بل لعلها ي 
الأدب والفن كانت صدى للاتجاهات الفكرية والاجتاعية والاقتصادية و «العلمية » الي 


)١(‏ تمييزاً ها من «الداروينية الحديثة » الي تباعد بين الإنسان والحيوان مع التسليم بالأسس العلمية الي قامت عايما 
نظرية دارون » وتركز اهتاماتها على الجوانب التي يتفرد بها الاإنسان . ومن علمائها المعاصرين جوليان هكسلي . 


4٥ 


منهج الفن الاسلامي 


بدأت تسيطر على الفكر الأور بي مذ القرن التاسع عشر » وما زالت مسيطرة حتى اليوم . 

کان کا کں شي بتجه ای « الواقح ! 

کات ناك ح رکه اا“ اخ کامل a‏ «الثل ( الحوفاء الي کانت مسيطر ة ۵ من قبل ُ 
واي كانت تعيش ني أبراجها العاجية » في عالم نظري بحت » تاركة الواقع البشري المنتن 
ينغل ر الدود ي الواقع الذي بسو ده الفعر والظلم وااملغان والحرمان 4 والمذلة المهنة لكرامة 
البشرية .. بيا هي تحلم بالل العليا والتكامل في عالم غير موجود ! 

وكان اذ حب التجر بي ی ف العلم - وهو اذهب الذي انتقل الى اور با عن طر بق المسلمين 
ي الأندلس کماتقرر المراجع الأوربية (جب_ Modern Trends in Islam‏ وبرویقولت 
Making of Humanity‏ وغيره ثرون ) - كان هذا المذهب قد تخلغل ني الفكر الاآوربي 
كله ٠‏ فنقله من التجر يد النظري المصيب إلى مقاطعة كل ما هو نظري » وعدم الان إلا 
٠‏ تو بده التجر بة وتثبت صحته ! أي أنه لم يق عند نقطة الوسط الموزونة كما كان عند 
لمسلمين » وكما ينبغي أن يكون . بل انتقل من تطرف معيب هنا إلى تطرف معيب هناك ! 

ونا عل أنقاض الذاهب والامجاهات النظرية مذهب مادي بحت ٠‏ يقول أنه لا 
حضفة الا حفقة المأدة ٠‏ ولا موجود الا ما تدرکه الحواس إِ 

وي تلك الفترة › وبسبب من هذا الا مجاه > ولدت النظر ية الداروينية ني مبداً اللصف 
الثاني من القرن التاسح عشر . معررة - إلى جانب الا مجاه المادي - حيوانية الانسان ! 

ومن نم صار التصور « الواقعي » الجديد للحياة الانسانية > قائما على مادية الانسان › 

مادية الاإنسان قائمة على انکار ) الروح » 

قي عرف المدهب الادي - كما أسلفنا - لا توجد حقيقة إلا ما تستطيع الحواس أ 
تد رکه . وما للا تدرکه الحواس فهو غر مو جود ) أو على الأقل شيء سا قط الا ٠‏ 
وإذ كانت الروح شيثاً غير ملموس » لا تستطيع الحواس أن تدركه » فلا ضرورة لان بتعب 
الإأنسان نفسه ي الإعان بها » وليسقطها من حسابه جملة » أو فليبقها للتندر بها بين الحين 
والحبن إ1 

وحيوانة الانسان قأئمة ‏ - ي النظرية الداروينية - على التشابه بین ترکیب جسم الاٍنسان 
وجسم الحيران . ذدلاكف التشابه الذي أوحی لدارون بومثد بان الانسان حلقة من حلقات التطور 
الحيوالي ولا زيادة . وأنه حيوان أصيل في الحيوانية ء لولا «الظروف » و ر«المصادفات » ما 
استقام عوده ولا مشی على رجلن ائنتین » ولا کر مخه وتعلم الكلام ِ 

التقت النظرتان على إنكار الجانب الروحي من الإنسان » الحانب العلوي الذي كان 


٦ 


الواقعية أي التصور الإسلامي 


قائماً على تفرد الانسان لي الخلقة › ونفخة الله فيه من روحه » واختصاصه إياه بالعناية > 
وتییزه على غيره من الكائنات . 
والققت النظرتان كذلك على المبوط بالانسان من آفاقه العليا إلى فاق الضرورة الحيوانية 
المقيدة المعحصورة التطاق . بعد أن أزيل عن الإنسان جانبه العلوي الذي كان يصله بالله › 
وکان من ثم برفعه » عن الحيوان . 
وقامت على مادية الإنسان وحيوانيته جملة مذاهب ثي الاقتصاد والا جاع والسياسة 
وعلم النفس . 
قام ماركس وابجلز بطبقان النظرية الداروينية في الاجعاع والاقتصاد على أساس أن 
«الادة ۲ هى العنصر المسيطر على الحياة والاإنسان . وأن التطور - الاقتصادي والاجتاعي - 
قوة حتمية لا يد للإنسان فيا ولا حرية له إزاءها . وأن موقف الإنسان من التطور الحبري 
موقف سلي . وأن مشاعر الانسان وأفكاره ومعتقداته لا تساوي شيئاً > ولا تئر ي حط سیر 
البشرية لأنا بست «واقعاًه حقيقیا . إنما الواقع هو المادة والاقتصاد . 
قول مارکس : J‏ ي الانتاج الاجماعي الذي بزاوله الناس تراهم بقیموب علاقات 
محدودة لا غنى ممم عا وهي مستقلة عن إرادتهم .. فاسلوب الاإنتاج ني الحياة المادية 
هو الذي يحدد صورة العمليات الاجتاعية والسياسية والمعنوية أي الحياة . ليس شعور الناس 
هو الذي يعين وجودهم > بل ت وجودهم هو الذي يعين مشاعرهم . 
ويقول فردريك انجلز : « تبدأً النظرية المادية من المبدأً الآتي : وهو أن الاإنتاج وما 
يصحبه من تبادل المنتجات هو الأساس الذي يقوم عليه كل نظام اجتاعي . فحسب هذه 
النظر ية جد أن الأسباب الہائية لكافة التغيرات أو التحولات الأساسية لا يجوز البحث 
عنها ني عفول الناس أو ني بحثهم عن الحق والعدل الأزليين › وإنعا ني التغيرات الي 
تطرأً على أسلوب الإنتاج والتبادل » . 
هذا التفسير المادي للتاريخ كان امتداداً ولا شاك للتفسير المادي الحيواني للإنسان . 
فليس يسعى الانسان إلى الحق والعدل الأزليين . وإن سعَى إليهما فلا قيمة لذلك ولا 
عبرة به . وإتما يسعى اللإنسان إلى الطعام . وإلى الإنتاج المادي . وأسلوب الاإنتاج هو الذي 
بحدد له وجوده ومشاعره وأفکاره ومثله ونظمه وعقائده .. ولا شىء من ذلك کله ثابت › 
لأنه لا وجود لقم ثابتة . وإنما كل شيء « متطور ء تبعاً لتطور وسائل الإنتاج .. 
وقام فرويد يطبق النظرية الداروينية في علم النفس » فيقرر حيوانية الاإنسان كاملة في 
التفسبر الجنسي للسلوك البشري . « جسم » الإنسان هو حقيقته . والطافة اجنسية - ي نظر 
فرويد - هي أعظم طاقات الجسم » ومن ثم فهي المسيطرة على كيان النفس » وهي المحرك 
الأول لكيان البشرية . 


۷ 


منهج الفن الاسلامي 


انس هو کل ش سء ف حاة الاانساں . 


الطضفل يرضح ثدي أمه بلذة جشسية . وبتبول وبيتبرز بلدة جلسية . ويحرك عضلاته بلذة 
جنسية . ويرتبط بأمه بشعور جنسي .. وحين يصطدم هذا الشعور الجسي نحو الام بوجود 
الأب و سرطر ته ۽ تحدٹ الكيت . تحدنث عقدة أودیب . وينشاً معها «, الضمبر » أو الذات 
العلا . كما تنشأ القم العليا كلها . وهي قيم كلها مزيفة › لألما تغطية مصطنعة لشعور اللحنس 
الكبوت نحو الأم !! 

وفي السياسة راح قوم من المفكرين يشجعون الاستعمار والسيطرة والتوسع على اساس 

فکرة الصراع الداروينية وبيقغاء الأصلح ) Survival of the Fittest‏ ) قائلین پوجوت 
سيادة الجنس الأبيض لأنه أصلح للبقاء . كما أخذ اليساريون فكرة الصراع هذه فر موا على 
اساسا نظريتہم في الصراع الطبقي » الذي يژدي في ي الهاية إلى سيادة طبقة معينة - هي 
طبقة اليروليتاريا - ومحقها لحميع الطبقات . 

وهكذا اتسعت النظر ية الداروينية - القائمة على مادية الإنسان وحيوانيته - حتى شملت 
ثي الواقع كل اتجاهات الفكر الأوربي وكل مناحي الحياة . 

وكان لا بد أن تصل هذه العدوى الى الفن في أثناء الطريق . 

ن - کماقلنا من قبل - هو محاولة البشر لتصوير الإيقاع الذي يتلقونه في حسم 
من حقاتق الوجود » أو من تصورهم لحقائق الوجود . 

وإذ كان هذا هو الاإيقاع الذي تلقاه الاس ي حسم ي القرن التاسع عشر والعشرين 
- حيوانية الاإنسان وماديته » وانحصار عالمه ي هذه الأرض ٠‏ وانقطاع صلته تالقه › 
ونفي النفعخة العلوية عنه ۽ ونفي التفرد والتميز عن عام الحيوان » وسلبيته إزاء قوة المادة 
والاقتصاد الجر يتين » وعدم جدوى ما يؤمن به من حق وعدل أزليين » وتبعيته الحتمية 
للأوضاع الاجم اعة والااقتصادية « المستقلة عن إرادته » > وعدم تبات قيمة من القم الي 
يومن بها » وسيطرة الدوافع الحيوانية عامة والحنسية خحاصة على سلوكه ‏ إذ كان هذاهو 
الأيقاع الذي تلقاه الناس ٤‏ حسم » فقل کان فہم بالضرورة هو محاولة التعبير عن هذه 
الابقاعات . ومن ثم كانت « الواقعية » الفنرة ي القرن التاسع عشر والعشرين ! 

قامت هذه الواقعية تزعم انپا ستصور الانسان على « حقیقته » ! 

لقد سثمت من الصورة المزيفة الي كان ير مها الفن القديم للإنسان . صورة البطولة 
الخارقة الي تتمشل فيا الفضائل المثالية الي لا وجود هما في الواقع ! 


(1) انظر بالتفصيل فصل «جولة مع التاريخ» في كتاب «معركة التقاليده . 


A۸ 


الواقعية ني التصور الاإسلامي 


أما الواقع فهو هذا « الحيوان » ! 

الحيوان الذي ١أ‏ كتشفه دارون » وفسره فرويد والتفسير المادي التاريخ ! 

الحيوان الذي تحكه غرائزه - أو دوافعه الفطرية بتعبير علم النفس الحديث - والذي 
حفي وراء القشرة المزيفة المصنوعة من النفاق والرياء »> حقيقة قذرة دنيئة خحسيسة » هي 
جوهره الحفيقي . Î‏ 

أو الحيوان الذي تحكمه أوضاع اجاعية واقتصادية لا يد له فا ولا سيطرة له علا > 
وهي الي ترسم له مثله وأفکاره وأخحلاقه وتقالیده وطرائق سلوکه وواقع حياته . وهو لا علك 

من أمرها شيا » وإنما هو منها كالفرد في القطيع . 

أو هذان الحيوانان معاً .. متزجين ني كيان ! 

4 »# 4# 

وانطلقت هذه الواقعية في حماسة محمومة تعمل على تشويه صورة الإنسان وتحطم بطولته . 

البطولة خحرافة « أقطاعية » أو لحرافة بدائية .. كانت تفرز شخصاً معيناً فتبرزه من 
الصفوف « العادية » وترسم له صورة غرر حقيقية من الفضائل الو*مية . لآن ذلك کان عصر 
« الفرد » الذي لا يحترم كيان « المجموع » » ويؤمن بأن هذا الفرد كائن قائم بذاته » غير 
مستمد كيانه من ذلك المجموع . 

والفضيلة المثالية حرافة إقطاعية أو خرافة بدائية .. كانت متاثرة كذلك بنظرية الفرد 
الممتاز الذي لا وجود له ني واقع الحياة .. أو كانت متأثرة بخرافة أخرى امها الدين . 

وينبغي تحطي هذه وتلك ... 

ينبغي تحط البطولة القذة لاا إهانة للفرد العادي ! وهذا الفرد العادي بنقائصه 
وفضائله » هو البطل الحقيقي الذي حب أن تسلط عليه الأنوار 

وينبغي تحطم الفضيلة الفذة لأنها اتمام للفرد العادي بأنه غير فاضل ! أو أنه غير 
فاضل عا فيه الكفاية ! والفرد العادي = بنقائصه وفضائله - هو المقياس . وهو شخص ‏ 
ي أغلب حالاته - نفعی ي اتتٻازي منافق مخادع ضعيف ملتو ع غير مستقم . ومن ثم تكو 
هذه هي فضائل الحياة الي يتصف بها البطل الذي تلط عليه الأنوار | 

وجن جنون هذه الواقعية المحمومة من صور أبطال التار بخ .. فقامت تبحطمها وتشوهها . 

الأنبياء والرسل حرافة ! للم يعرضون صوراً نقية بيضاء . والبشرية ينبغي أن تکون 
ملوئه شائهة ! 

أو إذا لم يكونوا هم أنفسهم خرافة فلتكن نظاقتهم هي الخرافة ! فلنبحث لكل واحد 


. تلك نظرية المذهب «الطبيعي » وهو أحد المذاهب «الواقعية » الحديثة‎ )١( 


۹ 


منهج الفن الإسلامي 


منبم عن سقطة أو سقطات . ولنجعلها هي موضح العناية والابراز » ونساط عليها وحدها 
الانوار ! 

وعظماء الأمم خرافة > لأمم صور خارقة للمستوى «العادي » للبشر . أو إذا م نقل 
rr!‏ خحرافة » فلنبيحت عل الاقل عن حیا ہم « البخفة » لنستخ رج منہا شيا من القاذورات 
نثست ره « ادمیتېم ٩‏ .. اي حیوانیمم ! 

و «اللانسان » في ذاته حرافة ! 

لا ينبغي أن بخدعتا ما يدعيه لنقسه من مثل وسبادئ » واستعلاء وترفع .. فلهبط معه 
ا « أصوله » الحفيمية . الى دوافعه الفطر ية الي تحر که سواء رغب ام : برغب »> وشعر 
أو م يشعر .. فلتترك اهار الحنية والأزهار الأرمجة والفروع الباسقة والأوراق النضرة .. فذلك 
كله مظهر زائف . ولنبيحث عن الاصل . انه هناك .. لي البذرة الغارقة تي الطين ! 

البطل ني القصة الحديثة هو الشخص العادي - لا الشخص المتميز . 

وهو الشخص العادي لا في حالات ارتفاعه » ولا في جميع حالاته مع التسوية «الثز بہة » 
في إبراز مكامن الضعف ومكامن القوة .. وا نما هو الشخص العادي معروضاً - ني الغالب - 
من نقطة الضعف المسيطرة عليه » ومرسومة لوحاته من هذه الزاوية وحدها أو بصفة غالبة . 
مع الحرص على إبراز معنى معين : هو أن ساعات الارتفاع قليلة وعديمة الأثر ني واقع 
الحياة » وآن الذي يؤثر ني حط الحياة فعلاً هو لحظات الضعف الكثيرة المتجمعة ي مجموع 
الأفراد . وأن الشخص الذي يشذ عن هذا الخط - لخلل ني نفسه مجعله يؤثر الارتفاع ! - 
سرعان ما بتحطم ويندم على ما كان منه من شذوذ وغفلة ... ويسر مع القطيع ! او . 
ينتحر ! 

وهذا كله غير الأدب الحنسى . الذي يصور الحياة كلها شہوة جنس عارمة تببحث 
عن التاع المسعور » والذي تخصص له أدباء كاملون » من أمثال د. ه. لورنس » وهبوا 
کل طاقہم الاأنتاجية هذا اللون الدنس من التاع .. زاعمين أنہم كتاب «واقعيون» › وان 
هذا هو الواقع الحقيي للإنسان ! 

تلاك صورة « الواقعية » الحديثة في الفن الخر بي والفكر الغر بي كله . 

وأياً ما كانت الدوافع الي أدت إلى هذا التصور لحقيقة الإنسان والحياة الإنسانية › 
فما لا شك فيه انه تصور منحرف » لحيل من البشرية مصاب بشتى انواع الشذوذ النفسي 
والفكري والروحي . وشتى أنواع الاختلال في حياته الاجتاعية والاقتصادية والسياسية › 
والاضطراب العنيف ني القم والمعايير . 


۲-0 


الواقعية ي التصور الاإسلامي 


برای 


تصور جیل کفره الواقع السيئ الذي عاش فيه بضعة قرون › بالق والمبادئ العلا 
کلھا ‏ کیا نه بال وال 

جيل علمه هذا الواقع اء أن الحياة ضرب عشوائي ذات اليمين وذات الشيال » 
کل بقدر ما پستطیع أن یشرب > وکل بقدر ما بستطیع أن بنہب قي زحمة الصراع . 
[ جيل شارد ابق مذهول مصروع .. يسير مختل الخطى وينظر زائغ البصر وحتلط في 
رأسه الأشياء . 

جيل خارج من عبودیات شتی > فيحس أن ل ا 
لكل شيء وكل قيمة .. . لأن كل شيء وكل قيمة تذ كره بقيد العبودية البغيض .. 
- لانه لم يتحرر حقيقة بعد - الى أن يستعبد نفسه من جديد تعد تفه عل الأ 
لشہوة الباق والتحطم . 

وهو فوق ذلك كله جيل مغرور .. فتنته الكشوف العلمية الى وصل الما »> فظن أنه 
قد ملك قیاد نفسه » وأنه - ما دام بخترع ویکشف - فلا بد أن يون كل تفكيره حقيقة 
وکل ما حطر ي باله فهو صواب . 

وقد يكون هذا الجيل معذور أو غير معذور .. ولكن تصوراته المنحرفة لا ينبغي أن 
تكون دستوراً للفكر والحياة البشرية ء كما أن هذيان المحموم - مع العطف عليه - لا ينبغي 
أن بؤخذ على أنه تفكير سليم . 

والتصور الإسلامي للإنسان والحياة البشرية لا بعكن بحال أن ماري هذا الانحراف . 

إن اللإسلام لا ينظر ني واقع فرد » ولا واقع جماعة » ولا واقع جيل من أجيال البشرية . 
ولكنه بجعل في حسابه واقع كل فرد وكل جماعة وکل جيل ... ومن ثم لا يأحذ واقع 
جيل منحرف على أنه واقع البشرية . 

والإسلام لا يأحذ واقع فرد ولا واقع جماعة ولا واقع جيل من أجيال البشرية على أنه 
حقيقة « حتمية » الوقوع ما دامث قد وقعت بالفعل » ولا على انه حقيمة « صحيحة » الوجود 
لجرد الا موجودة بالفعل ! 

إن «الأمر الواقع » لا يغرض نفسه على الإسلام أبداً . فالآمر الواقع قد یکون خط 

من أوله الى آنحره » فلا يبعطيه وقوعه « -حجية » ولا أحقية ي أن يوجد و مخطتاً ولو بي 
ألف عام ! إن جرد « الوجود» ليس مزية في ذاته بالنسبة للإنسان . وإلا فالذباب موجود . 
والعنا كب السامة موجودة ! وإنما المزية هي الوجود على صواب .. الوجود على مستوى 
«الاإنسان» . وكل «واقع » بنحرف عن مستوی الانسان فهو خاطی » ولا عکن أن کون 
صواباً لمجرد أنه هو الموجود ! 


o 


منهج الفن الإسلامي 


والذين يؤمنون بان ما وقع بالفعل هو الشيء ء الوحيد الذي کان عکن أن يقع - لا على 
ساس المغهوم الديي الذي يمول انه لا يقع ي الوجود الا ما قدره اله » واغا على ساس 
حتمية التطور » الي جعل الأطوار الاجتاعية والاقتصادية والفكرية والسياسية والخلقية 
أموراً حتمية في طريقة وقوعها وني أشكالهما وقوالبها وترتيا - أولئك لا يؤمنون في الحقيقة 
« باللإنسان » وإن تشدقوا بالاانسان وتقدم الانسان ومكانة الإنسان وارادة اللإنسان وسيطرة 
اللانسان ! 

إنبم - أرادوا أم لم يريدوا > وفطنوا أم لم يفطنوا - يؤمنون بسابية الإنسان المطلقة إزاء 
قوى المادة والاقتصاد » وما يبسمونه حتمية التطور .. سلبية لا تملك إلا أن تتعلق ني « تروس » 
الآلة الضخمة الدائرة - آلة الحياة - دون أن يكون هما أن تبطي* حركتما أو تسرعها أو تغير 
اتجاه الدوران . 

- ! بتبجحون بدعوی «الانسان » ریا عرجونه فقط من کنف الله سبحانه‎ re 
ثم يلقون به بعد ذلك ني طين الأرض تدوسه الأقدام .. أقدام الاقتصاد والمادة والإنتاج‎ 
! المادي .. أو أقدام « الدولة » على احسن الفروض‎ 

والإنسان ثي عرف الاإسلام خحاضع لقدر الله .. نعم . ولا يقع ني الكون إلا ما قدره . 
نعم . ولكن الإنسان مع سابيته الكاملة إزاء الله > إمجابي إزاء كل قوى الكون » وكل 
قوى المادة » وكل قوى الاقتصاد . بل إنه من هذه السلبية ذاتها يستمد إمجابيته إزاء كل 
القوى المحيطة به > لأن الله » الذي هو سليي إزاءه « قد سر له کل ما ي السماوات 
والأرض : «وسخر اكم ما ي الماوات وما في الأرض جميعاً منه : )( و جعله عنصراً 


وعنصراً فعالاً بؤثر فعله في صورة الحياة عل وه الأرض ني الشر والخير : ٠‏ «ظهر الفساد 

ف الر والبحر عا کسبت آيدي الناس » ““ «ولولا دفع الله التاس بعضہم ببعض لفسدت 
الأرض ولکن الله ذو فضل على العالمين» “ . وذلك كله لون من « التكريم » الذي عتاه 
الله حين قال : «ولقد کرمنا ر بني ادم وحملناهم ي البر والبحر ورزقناهم من الطيبات » 


. # انظر بعد ذلك «القدر في التصور الاأسلامي‎ )١( 

(۲) سورة الجاثية ]1۳١(‏ انظر «السلبية والا محابية » في الزء الأول من كتاب منهج التر بية الاأاسلامية » فصل ١‏ حطوط 
متقابلة في اللفس البشرية» . 

(۳) سورة الرعد ]1١[‏ . 

(+) سورة الروم ]4١[‏ . 

(ه) سورة البقرة ]١١[‏ . 


o۲ 


الواقعية تي التصور الإسلامي 


وفضلناهم على كثر ممن خلقنا تفضيلا » : 

والمخلوق البشري الذي يعيش ني الغرب اليوم لا يريد أن يؤمن باله . أدركته شقوة 
تصوراته الوثنية الإغريقية الي تصور الحياة صراعاً بين البشر والآلمة »> هدفه خروج البشر 
من حکم الآلمة واستقلاهم علبم ني أمور الحياة . وأراد - كالطفل الصغير › أو كالعيد 
البق - آن بحقق کیانه بأن يبعد عنه اليد الي تسنده » لأنه یری هذا السند إهداراً لكیانه 
الخاص !1 يريد أن يقف وحده ويسير وحده » دون أن يحس بأن أحداً منحه القوة ويسنده . 
ير يد أن يقول إن السماوات والأرض ليست مسخرة لأن الله هو الذي سخرها » ولكن لأنه 
هو - الانسان - قد سخرها بعلمه «الذالي » وقوته الذاتية .. 

نعم .. ولكنه لا خطو خحطوة واحدة حتى يقع ! 

إنه خطو منتفشاً متبجحاً حتی حرج - ي وهم نفسه - من ساطان الله ونفوذه ومعونته 
وسنده ووصایته .. ثم .. إذا هو فريسة ١‏ لحتميات » لا أول ها ولا آخر » تحيط به 
كالأحطبوط » وتضرب وجهه ضرباً ني الرعل »> كلما أراد أن يرفع رأسه عادت ترغه 
ي الوحل من جديد . 

احبر ية الاقتصادية .. 

اللحبر بة المادية .. 

الحبر ية التار ية 

الجبر ية الاجتاعية أو «الجماعية» .. 

الحبر ية النفسية .. 

الحبر بة السلوكية .. 

کلھا جر بات مخضع « لمَدرها» صاغراً ا ينتفش انتفاشاً مضحكا أمام قدر الله ! 

وتروح «المذاهب » و «العلوم ) تعدد ألوان هذا اللخضوع الذل للفقرى الي تخْضع اللإنسان 
بحتمیتہا » بحيث لا ملك نفسه إزاء‌ها »> حتی يصبح هذا الإنسان هملأ لا کیان له ولا وزن 
في حط سير الحياة .. ومع ذلك تظل تتبجح هذه المذاهب والعلوم بدعوى الإنسان !! 

ألا آنه مسخ مشوه لا یرضی عنه « إنسان » له کیان ! 

«¢ 

والواقعية الاسلامية تختلف عن هذه الواقعية البائسة ي نقطتين أساسيتين . 

أولاً : طبيعة تصورها للانسان » وموقفه من الله والكون والحياة وأخيه اللإنسان . 

وثانياً : طريقة تسجيلها « للّقطات » البشرية الي ختارها للتعبير الفني . 


]۷٠[ سورة الاإسراء‎ )١( 


or 


منهج الفن الإسلامي 

فأما طبيعة تصورها للإنسان فقد تحدثنا عنا فيما سلف با فيه الكفاية › ولكنا نلخصا 
شنا مره أخری : 

فالإإنسان تي نظر الإسلام إنسان . لا هو بالحيوان ولا هو بالملاك . 

وهو و يشتمل على شيء ء من طبيعة الحيوان » ولكنه يتصرف فيه بطريقة الإنسان . كما 
یشتمل على شيء من طبيعة الملاك » ولكنه يتصرف فيه كذلك بطريقة ية الاانسان . 

مخلوق ليس شرا حالصا و حيرا حالصا . وما فيه الاستعداد للخير والشر > وفيه 
القابلية لأن يسير في هذا الطريتق أو ذاك وتفن وما سواها » فألممها فجورها وتقواها > 
قد افلح من زکاها وقد حاب من دساها» ) 

مخلوق هو قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله . وهذه القبضة من طين الأرض 
لخضعه لضروراتما . ضرورات الطعام والشراب وا لجنس .. الضرورات الافتصادية والاجاعية 
والبيولوجية والنفسية + ولكن النفخة من روح الله ترفعه من الخضوع الكامل ذه الضرورات > 
والسليبة المزرية ازاءها » فتجعله «بتصرف» ني هذه الضرورات تصرف الالك لأمره › 
الفعال ذي القوة اموجه امريد .. وكلها من صفات الله سبحانه الي أودع شيا مها أي قبضة 
الطين . حين نفخ فيا من روحه العلية . 

ومن ثم فالتصور الإسلامي - والفن الإسلامي - يصور الأإنسان على هذه الصورة 
المردوجة الي هي طبيعته الحقيفية . يصوره في لحظات ضعفه ولحظات قوته » لحظات 
هبوطه ولحظات رفعته › اللحظات التي يلصق فيا بطين الأرض » واللحظات التي يشرق 
فیا بنور الله . 

ولکن . 

وهنا النقطة الثانية الي تختلف فيما واقعية اللإسلام عن واقعية الغرب .. 

ولكن .. إذا كانت العدسة المصورة الاسلامية تلتقط اللقطات من هنا ومن هناك 
ي أمانة ودقة و «واقعية » ٠‏ فهي حتلف بعد ذلك ثي طريقة التوجيه .. 

إنبا حين تلتقط لحظة المبوط » تلتقطها على ألما كذلك .. على أنها لحظة هبرط ! 
لا على 1با لحظة بطولة تستحق التصفيق والأعجاب ! 

ان الواقعية الغر بية المنحرفة ٠‏ الثائرة على المغاليات الفارغة الي كانت سائدة من قیل > 
والمحمومة بالرغبة في الانتقام من تلك الصورة الرائفة » لتتجمع وتحتشد لتبحث عن نقطة 
الضعف البشري » وتسلط عليا الأضواء بشدة » وتسجلها بالتفصيل وكأنا تقول : ها نحن 
أولاء قد انتصرنا على الزيف السابق . ها نحن أولاء قد انتقمنا من الصورة النظيفة البيضاء > 


. ]١١ -۷[ سورة الشمس‎ )١( 


ot 


الواقعية ي التصور الإسلامي 


الي کان جرد وجودھا اتہاماً لنا بالنقص > واتہاماً لنا بامبوط عما جب أن نكون عليه . 
فانحطم هذه الصورة الزائفة ثفة . فلنثبت لأنفسنا أننا - بکل ما نشتمل عليه من هبوط وضعف 
ولحسة - طبيعيون جداً وعاديون جداً وأسو ياء جادا .. ها نحن أولاء قد أنبنا ذلك بالفعل › 
عا صورناه من صور المبوط .. ألا فلنعان انتصارنا .. فلنعلن -انتصار ما نشتمل عليه من 
سوءات ٠»‏ بان نضفى عليه صفة الشرعية . وصفة البطولة ! 

هذا هو « اللاشعور» الذي يوجه الفن الغر بي والواقعية المنحرفة . 

إنه يضني صفة البطولة على لحظة الضعف البشري - المزرية جداً في بعض الأحيان - 
ليضلل نفسه عن حقيقة هبوطه المزرية . فبدلاً من أن ينهم نفسه أو يمه أحد بالنقص » 
ویطالب نفسه او یطالبه احد بالارتفاع > وهو لا يريد الارتفاع او لا يقدر عليه » لانه 
أحلد إلى الأرض واتبع هواه .. بدلا من ذلك يقول إن الارتفاع خرافة والمبوط هو الحقيقة 
الواقعة السوية الي يقال عنما : « ليس ني الإم ان أبدع نما كان !» . 

أما الواقعية الإسلامية فهي لا تنكر أن سحالات المبوط هذه حقيقة واقعة .. ومع ذلك 
لا مجدها ولا تساط علا الاضواء » لاا في حقيقما لحظات هبوط . 

أن الواقعية اللاسلامية لا تحب أن ترسم صورة مزورة للبشرية . صورة بيضاء من كل 
سوء » نقية من كل شائبة > سليمة من کل انحراف ! كلا ! فا هكذا يقول القرآن ذاته 
الذي يدعو للرفعة الدائمة والمحاولة الدائبة للتغلب على الضعف ! إتا يقول : «وخلق 
الإنسان ضعيفاً “ » ويقول : «زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير 
المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ” » ويقول : «خحلق الاإنسان 
من عجل ' » «إن الانسان خلق هلوعا » إذا مسه الشر جزوعا »> وإذا مسه الخير منوعا .. 
إلا المصلين ° » «إن الإنسان لظلوم كفار ‏ » «وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونای 
جانيه وإذا مسه الشر كان يئوساً ”" » «وإذا مس الإنسان الضر دعانا لحنبه أو قاعداً أو 
قائماً فلما کشفنا عنه ضره مر کان م دعت إلى ضر سه » «ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة 
ثم نزعناها منه انه يئوس كفور »› ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن : ذهب 
السيغات عي » إنه لفرح فخور . إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات “ » «ويدع الإنسان 
بالشر دعاءه بالخير » وكان الانسان عجولا ب « وکان الانسان اکٹر شيء جد لا ۱١(‏ ) 


. ]۸۳[ سورة اللاأسراء‎ )١( . ]۲۸[ سورة التساء‎ )١( 
. ]1۲[ سورة يونس‎ )۷( . ]1٤[ سورة آل عمران‎ )۲( 
. ]۱١ - ٩[ سورة الأنبياء [۳۷] . (۸) سورة هود‎ )۳( 
. ]١١[ سورة الاإسراء‎ )۹( . ]۲۲ - ٠۱۹[ سورة المعارج‎ )۴( 
. ]٠٤[ سورة الكهف‎ )٠١( . ]۳٤[ سورة إبراهم‎ )٠( 


منهج الفن الاإسلامي 


, کلا إن الإنسان لیطغی أن راه استغتى ٩‏ » . 

وهي كلها ابات تصور « تقائص » الاإنسان تصوبراً صادقاً بارعاً عميقاً « واقعياً ا 
أقصى حدود الواقعية ... ولكنها تصورها على وضعها الطبيعي الحقيي > وهي آنا نقائص 
ينبغي أن يرتفع عايا الإنسان . وهنا مفرق الطربق .. 

إن الواقعية الاإسلامية لا ترزعم أن الانسان خير كله محض من الشر . ولا رور عن 
تصوير هذا الشر في أي تصرف من تصرفات الإنسان . ولكنها تقول عنه إنه شر . وتصوره 
على أنه حطأً لا ينبغي أن يكون . 

ثم مرة أخرى . . لا تزعم أن الاإنسان خير كله محض من من الشر . وإغا تعرف أنه 
خليط من هذا الاستعداد وذاك . وترسمه في هذه اللحظة وتلك . ولكنبا لا تساط الأضواء 
على لحظة المبوط » وإنما على لحظة الإفاقة من ذلك المبوط ! «والله يحب المحسنين . 
والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسمم ذ كروا الله فاستغفروا لذنو مم › ومن يغفر الذنوب 
إلا الله » ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات 
تجري من تحتها الألبار خالدين فيا . ونعم أجر العاملين " » 

ا الكبير .. لا الواقع المحدود الصغير .. 

قع الضرورة القاهرة وواقع الأشواق الطاثرد,ٍ 

كلاهما وات قي سقيقة الإنمان ٠‏ فلماذا م لاقع افابط ونل لاقع الرفيع ؟ 

هل تأخذ المسألة بالكم ؟ أن ذلك هو الغالب وهذا هو القليل ؟ 

«الواقعم حقيقة ما في ذلك شك 

«ولكن الارتفاع فوق الواقع حقيقة كذلك .. إنه حقيقة « الاإنسانية » . 

١‏ وندرة اللحظات الي يرتفع فيبا البشر عن الواقع لا تحني ألا غير موجودة » ولا تبرر 
إغماطها من «واقع » الحياة . فا دامت تحدث بالفعل فلا بد من تسجيلها والاشادة بها › 
ووضعها موضعها الحق ني وزن الأمور 

«هل كل يوم يزهر النبات ؟ أليست لحظات معدودة من حياته هي الي تتفتح فيہا 
الزهور ؟ ولكن من يقول إن ندرة تلك اللحظات تبرر إغفال ذلك الشذا العذب والمنظر 
الهيج ؟ وكم تخسر البشرية حين تغفل من حسابما هذه اللحظات » ولا تستمتع بذلك 


. ]۷ - ٩[ سورة العل‎ )١( 
. ]۱۳۹ - ۱۳٤[ سورة آل عمران‎ )۴( 


ف 


الواقعية تي التصور الاأسلامي 


الحمال المتاح ؟ وكم تكسب وهي تارقب الزهور المتفتحة »> وتتطلع إليها ثي فة › وتتسابق 
الى الاستمتاع با بضع لحظات ؟ 

«ثم الست الثمرة الجنية ذاتا نتيجة هذه الزهرة الي لا تتلبث »› ولا يتضوع شذاها 
غير لحظات ؟ 

« كذلك «زهرات » المشاعر و « ترات » النفوس . قليلة . نعم . ولکنہا ني قلتہا أحق 
با للاشادة واحق بالتسجيل ! 

«... وجاء ما رکس وصفيه ا مجلر یتحدتان عن واقعية المادة وواقعية الاقتصاد : «إن 
حقيقة العام تنحصر ني ماديته » «إن وجود الناس هو الذي يحدد مشاعرهم » وليست 
مشاعرهم هي الي تحدد وجودهم . . ان علاقات الا نتاج ووسائله هي الي تحدد الصفة 
المهائية للمجتمع > وهي الي تحدد للناس مشاعرهم وأفكارهم وعقائدهم » . 

« وذلكک واقع .. ولکنه واقع صخر | 

« والواقع اللكبر الذي أغفله مار کس أن النفس الانسانية لا عكن أن تنحصر ي الطعام 
والكساء والحنس - وهي الطالب الأساسية كما سماها - ولا بمكن أن تنحصر تي نطاق 
المادة . وأن كل ما أنتجته البشرية في تار يها الطويل > وکل ما استوعبته من آراء وأفکار 
وعقائد » هو تعبير عن حاجة نفسية أصيلة » وتبير عن الواقع البشري الكبير . وأن الاقتصاد 
قد بكون «أساس» الحياة البشرية » ولكن الأساس شيء الا شيء حر . فضلاً عن 
وجود قم بشرية كثيرة ليست اقتصادية أي « اساسا » وإعا هي سيكلوجية أو روحىة أو 
فكرية » لا تقل توجباً للناس ي حيانہم عن وقائع المادة وحقائق الاقتصاد . 

«أما فرويد وعلم النفس التحليلي كله فيتتبع الإنسان من أعلى إلى أسفل . ينزل من 
الشمرة الحنية والزهرة الأر ية والأغصان الباسقة إلى البذرة الخارقة ني الطين . ثم يقول لك : 
أنظر ! أليس هذا هو «الواقع » ؟ ألست ترى معي البذرة الغارقة أي الطين ؟ 

نعم هذه البذرة حقيقة . ولكن من يقول إلا تشبه الشمرة والزهرة والأغصان ؟ أو يقول 
إن استمدادها من الطين قد منم أن يفوح منها الأريج العذب وتنعکس مہا امج الألوان ؟ 
حل كل ذلك ايس سقيقة ٠‏ والحقیقة او ر م ر والطين ؟ 

. وما أرید أن آقول ان البشر ملائكة » ولا إن الفن ينغي أن يصورهم ملائكة . 
ولکن الراقة الحقة ينبغي أن تشمل الواقع الكيير » وأن تكون أكثر إشادة باللحظات 
الشفافة الرائقة منها باللحظات المعتمة ا > الأن الواقع الأكبر يقول إن هدف الحياة 
ليس مرد استمرار الحياة على سطح الأرض ؛ وإنما هو الوصول بها إلى مرتبة الجحمال > 
والكمال . 

«صراع الجسد حقيقة . غلبة النوازع الفطر ية على الميادئ والثل حقيقة . ضعصفب 


oy 


منهج الفن الإسلامي 


الاأندان ورضوخه لنزواته حقيقة . ولكن ارتفاعه فوق الواقع حقيقة كذلك يلمسہا كل 
إنسان تي نفسه حين بحمق كيانه كإنسان . والفن ينبغي أن يشمل الواقعم كله بلا ييز . 
الواقع ا1 كبر والأصدق ني التصوير . 

وه نعى حين ندعو الى « تطهير » الفن من واقعيته السخيفة أن نغفل لحظات الضعف 
واطبوط » أو نلغي تصوير الشاعر الخسيسة من الحساب . أو نصور الانسان ملكا بلا حطايا 
ولا أخطاء . كاد ! وإعا نعني أن يكون الضوء مركزاً على لحظات الارتفاع فوق الواقع 
لا على اللحظات امابعلة الى عا الضرورة . 

« قصة همزات الشياطين لعبد الحميد جودة السحار مثال لا نقول . أا قصة شاب متدين 
يقح تحت إغراء الفتنة . وتتأذى روحانيته الصافية وتتحرج . ولكنہا رویداً رویداً تقع تحت 
سيطرة الدفعات الحسية الغليظة » تصرعها وتكتم أنفاسا . ويظل المؤلف يصور لنا مشاعر 
هذا الفتى بين الشد والجحذب » حتى يقع ني الخطيئة ويرتكب الفاحشة .. ولكنه لا يتركك 
والضوء مسلط على منظر الجر عة ! وهنا الفارق بين الواقع الصخير والواقع الكبير . إنه يرسم 
لك لحظة الأفاقة . إنه ينهي القصة عنظر التوبة . منظر الفتى وهو يتلمس ني ظلمة نفسه 
أضواء المخفرة . ثم يفتح الباب ليدحل منه النور : «كل ابن آدم خطاء . وخير الخطاتين 
التوابون » . ثم يتركك والنور مسلط هناك !»0 . 

ذلك موقف الواقعية اللأسلامية من تصوير « الأبيض » و «الأسود» ي النفس الانسانية . 
تصوير لحظة القوة ولحظة الضعف . . لحظة الارتفاع على الضرورة ولحظة الوقوع تي الضرورة . 

ما موقفها من تصوير الصراع الاجماعي والاقتصاد ي و « الطبني » وموقف «الانسان » 
من هذه القوى المتصارعة .. فانه هتدي بالروح داا الي اھتدی ہا ي تصویر الأبيض 
والاسود ق نفس الانسان . 

ان التقفسير المادي للتار يخ 0 عا يضخم من القوى الحادية والاقتصادية ویصغر من قوی 
الاإنسان إزاءها » و عا يصغر من قيمة العقيدة › وقيمة الأفكار وامثل › والقم الخلقية الروحية .. 
انه كله حقَيقة ! ولکنه حقيقة على المستوى الصغير المحدود › وليس حقيقة على المستوى 
الكبير للانسان ! 

إنه -حقيقة هذا الجيل من البشرية في الغرب .. وحقيقة كل جيل يقطع نفسه من سند 


القوة الكبرى > فينقذف في التيار » يسير به إلى مصيره «المحتوم » دون إرادة منه ولا اختيار . 


(۱) من کتاب « ي النفس والمجتمع » فصل «فوق الواقع » . 


eA 


كل جيل من البشرية - وكل فرد - لا يؤمن بالله والعقيدة › ليس له إلا مصير واحد . 
هو التضاؤل أمام كل القوى اي لا يعصم مها إلا الإبعان بالته > ولا مجعلها مسخرة لاإنسان 
دل أن يكون هو مسخرا ها إلا الإعان باقه . حين يتقطم الإنسان عن سند القوة الكبرى 
تأ كله الغيلان تي الأرض . غيلان الاقتصاد والادة والمجتمع والدولة .. والالة .. والقم 
امعكوسة .. وحين يرتبط بہذه القوة الكبرى ويستمد قوته منها » يقف ذه الغيلان الطاغية 
فلا مجعلها تنال منه » أو على الأقل يكون عنصراً إيجابياً ني الصراع معها » ولا يكون ضعيفاً 
مسلوب الارادة مقضياً عليه بالخضوع المطلق والتسليم . 

وهذا الجيل من البشرية ي الغرب قد قطع صاته بالله والعقيدة . لم تعد العقيدة ي الله 

تحكم شيثاً من حياته الواقعة . لا تنظيماته الاقتصادية ولا الاجتاعية ولا السياسية .. ولا 
سلوكه الفردي ولا الحماعي .. ولا قيمه الخلقية ولا الفكرية .. ومن ثم وقع فريسة للغيلان . 

وهو لم يقع فريسة هما لأن هذه هي «حتمية » النطور . . ولكن لأنه وقف يواجهها بلا 
ساح . فأحذت ترتطم به وختبط » حتى وصلته إلى ما هو فيه اليوم .. من راسمالية فردية 
عاتية ثي الغرب » وجماعية طاغية في الشرق . وهو ني كلتما مستعبد ذه القوة أو تلك › 
لا ملك ي نفسه کیان « الاانسان » . 

ولكن البشرية لم تكن هكذا أبد الدهر ! على النحو الذي يريد أن يفرضه هواة التفسير 
ادي للتاريخ على جميع التاريخ 1 

والا فما شأن الإسلام ؟1 

أية حتمية هي الي حر جت الإإسلام في الحزيرة العربية ني ذلك الوقت من التاريخ 
واحر جت الأمة الاسلامية إلى الوجود ؟ 

شعور العرب بضرورة تجمعهم ني أمة » واحتشاد القوى هذا التجمع المنشود ؟ 

فليكن ذلك .. 

كم أمة ي التاريخ تجمعت .. ثم لم خرج للإنسانية مثلاً ولا مبادئ ولا عقائد ولا أفكاراً 
متحققة في عالم الواقع لا في عالم الخال ؟ 

لقد تجمعت أم كثيرة في التاريخ من قبل ومن بع ١‏ واحتشدت ماقا ا اجن 
فأ مہا قدم للبشربة من بجمعه ذلك دستور حياة شامل كالذي قدمه الاإسلام ؟ 

وأهم من ذلك .. أين كانت الضرورة « الحتمية » الي أحرجت هذا النظام على صورته 
تلك » الفريدة ني تاريخ البشرية كله ؟ 

اين كانت الحتمية تي القرن السابع الميلادي › الي تؤدي الى ظهور نظام « عاي » 
شحدث الى الانسانية كلها » ویدعوها لبادثه ومثله ؟ ني أي مكان على الأرض » فضلاً عن 
شبه الحريرة الصحراوية البدوية قي ذلك الحين ؟ 


۹ 


منهج الفن الإسلامي 


ين كانت الحتمية ني القرن السابع الميلادي الي تؤدي إلى نوز یح لمال بين الناس « كي 
۱ ا دولة بين الأغنياء منكم » ؟ في أي مكان ني الأرض فضلا عن الحز يرة العر بية ؟ 
این كانت الحتمية ي تحر ير « الإنسان » من كل عبودية على الأرض لعب الله وسجكه - 
متحرراً ضميره من الخضوع لأي ثقل مادي أو معنوي يعرق تحقيق كيانه الأسمى ٠‏ وينقص 
من قیمته کإنسان ؟ 
أين كانت الحتمية في تحرير المرأة من ظلم ابجاهلية وعدوا ٣ا‏ وافتئا۔ ہا على کیا ہا . 
لتعطما كياناً إنسانياً يتصل مباشرة بالله » و بعارس ني واقع الارض حر بة اللاك وحر ية التصرف 
المباشر والأهلية الكاملة في كل نشاط حيوي نظيف » وحر ية الزواج ٠‏ وحر بة الشعور بعواطف 
الانسان ؟ 
أين كانت الحتمية ي تحرير الرقيق من وضعه السيئ ومنحه كرامة الإنسان ؟ وجعل 
قانونه الذي بتحا کم إليه هو شر يعة الله لا ارادة السيد كما كان الحال مم کل رقیق الارضی 
في ذلك الزمان .. شأنه شأن الأحرار سواء ؟ 
أين الحتمية في كل ذلك » والإسلام هو الذي أعطى هذه الكرامات كلها تدلوعاً 
دون قهر » ودون أن يطلب أحداً من أصحاب هذه الحقوق حقوقهم > او پثور ها › أو 
يصطدم ب «المالكين » لاستخلاصا من أيديهم ؟ 
وما التغير الذي حدث ني وسائل الإنتاح تي ال لحزيرة العر بية بل ني العام كله في ذلك 
الوقت » فأدى بطر يقة حتمية - على رأي ماركس وإنجلز . إلى تلك الثورة التحر یر ية الکبر ى 
اني لا مثيل نما ني التاريخ ؟ 
كلا ! لا حتميات هناك › ولا تفسير ماديا للتار يخ ! 
إنما هو الله ٠‏ سبحانه المنعم الوهاب » وهب للناس هذه الدفعة التحر ير ية الكبر تى . 
تقفضصلا منه ومنة » لا عن قهر ولا اضطرار . 
وحين وها هم ۰ وأمدهم بدستورهم الذتي بسیرون عليه › قاموا مموجب الم 
بالله ودستوره ٠‏ ينشئون هم نظمهم الاقتصادية والاجماعية والسياسية ٠‏ لا مقهور بن علا . 
وإ نما منشئين ها من واقع إ انهم ؛ فتتتقل الفكر ة الإعانية من وجدان القاب إلى واقع الأرض . 
وتصبح حقَيفة واقعة في التنظطم الاقتصادي والاجتاعي والسياسي . والسلوك الفر دزي و الما عي . 
والسلوك الخلي . طليقة من القهر والحتمية ؛ ويصبح الاإنسان قوة فاعاة موجحهة مر يادة » 
تنش هي الأوضاع ولا حضم للاوضاع ؛ تبسح تفسير ها هي للتار يخ والحياة ٠‏ وتازم :بسا 
التار يخ والحياة > ویصیح الاأنسان هو قدر الله الذي بقل ۴ الأرذ یں ما يشاؤه الله . 
تلك حقيفة قد حدثت بالفعل . 


الواقعية ني التصور الإسلامي 


حقيقة لا يستطيع أن يفسرها التفسير المادي للتاريخ › الذي يفسر التاريخ معزل عن 
ايه والعقيدة » وبمعزل عن عالم الروح . 

ومن أجل ذلك لا تني الفكرة الاإسلامية الله من واقع البشرية » ولا تني واقع الروح . 

ومع ذلك فهي لا تصور واقع البشر بعين الخيال الحالم الغافل عن واقع الأشياء . 

لا تتصور الناس أبطالاً كلهم يصارعون قوى الادة وقوى الاقتصاد وقوى «التطور» › 
فيصرعونها بعصا سحرية اسمها العقيدة . 

كلا ! فالإسلام يعرف جيداً واقع الحياة البشرية . 

يعرف أن الناس يضعفون عن الصراح لأنه مهمة شاقة ثقيلة عظيمة النكاليف في النفس 
والال والمتاع : لو کان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولکن بعدت عليم الم 
, ولنبلونکم بشيء ء من الخوف وا جوج ونقص من الأموال والأنفس والشمرات وبشر الصابر ين ؛ (( 
« ولنبلونکم حتی نعلم اللجاهدين منكم والصابرين » ۳ 

وليس كل الناس يصبر على هذا البلاء ... كثير منهم يؤثرون السلامة فيخضعون . 
عخضعون للقوى المسيطرة ني المجتمع » فيلغون كيان أنفسهم » ويتنازلون عن وجودهم > 
ويصبحون هملاً من القطيع : 

وحين ذلك يصدق التفسير المادي للتاريخ ! 

ولكنه - رغم ذلك - لا يصبح ضرورة حتمية | 

فليس من الحتم الضروري أن يضعف الناس عن الصراع في كل مرة وني كل جيل ! 

والذي يحدث عملياً انم بون بين الحين والحين حين يستيقظ ي كيام کان 
« الاإنسان» > ویرتفعون على واقعهم الصغير بكل حتمياته وجبرياته .. ويحققون إنسانيم 
عل درجات متفاوتة من لارا 

ثم هم حين يضعفون تكون الحقيقة نم هم قد ضعفوا ! ولا تكون الحقيقة أن حنية 
التطور قد أنشأت أوضاعاً - على رأي ماركس وإنجاز - مستقلة عن إرادة الإنسان ! 

إن «الناس » موجودول دائماً في كل حالة .. موجودون على مستواهم الأعلى فينشئون 
هم أوضاعهم عو جب ما يؤمنون به من عقائد ومثل . أو موجودون على مستواهم الأدنى 
فتخلبهم الأوضاع وتجرفهم الطريق . ولكن لا يحدث تي أية حالة أن يقوم تطور مستقلاً عن 


. ]٤١[ سورة التوبة‎ )١( 
. ]٠١٠١[ سورة البقرة‎ )۲( 
. ]١[ سورة محمد‎ (۳) 


1 


منهح الفن الاإسلامي 


کیان الناس - آین یقوم إذن ؟! - ثم پفرض نفسه فرضاً على الناس بحکم حتمیته وجبر یه 
المستقلة عن إرادة الناس !! 

وهذا هو التصوبر « الواقعي ١‏ لعحاة البشرية . 

التصوير الواقعي لكل ما يحدث في حياة البشر من تطورات اجتاعية واقتصادية وسياسية . 
تصوير لا يفيل مكان الفرد ني حياة البشرية ولا يغفل واقع الجماعة . ولا يَعْمَل عن نقط 
الضعف ونقط الفوة في حياة الإإنسان » ولكنه يصورها من منبعها الحقيتى » من داحل النفس 
الإنسانية المتفاعلة مع الكون والحياة » لا ما يسمى «الواقع المادي » الذي يفرض نفسه على 
الانسان والحياة . 

وهذا هو التكريم الحقيقي للإنسان »> حتی وهو قي لحظات ضعفه وعجزه وهبوطه 
والجرافه مع التيار . لاله يصور الواقع من خلال وجوده الإنساني » ويظلل هذا الواقع با 
يعتمل تي نفسه من ألوان المشاعر والأفكار . 

وهذا هو الخليق خليفة اله .. التفسير «الانساني » لحياة الانسان ! 

كلا ! لا يرس الفن الإسلامي صورة مزورة للبشرية . بل صورة واقحية عميقة الواقعية . 
صورة تشمل الاإنسان كله في جميع حالاته وجميع آفاقه . 

ولكنہا لا تسلط النور على الشر وجعل منه فضيلة . 

ولا تسلط النور على الضعف وتجعل منه بطولة . 

ولا تغفل الحوانب العليا من كيان الإنسان . 

ثم هي لا تأحذ واقعم جيل معين » مليء بالشذوذ والانحراف » جيل طحنته الصراعات 
الاقتصادية والاجتاعية فأيأسته من نفسه » وحولته عن الإبعان با يشتمل عليه من عناصر 
الرفعة » ومرغته ي الوحل » وأحضعته لكل ضرورة مذلة .. ثم تقول إن هذا واقع البشرية ! 

كلا ! إنه واقع جيل معين من أجيال البشرية . 

والواقعية الاسلامية على استعداد لأن ترسمه بأمانة كاملة » بكل ما فيه من نقائص وضعف 
وخحسة وهبوط .. ولكن على هذا الشرط : على أنها نقائص وضعف وخسة وهبوط . لا على 
أنها الأمر الواقع الذي لا مفر منه ولا أمل ي الارتفاع عليه ! 

إن أمانة الإسلام للبشرية قي مجموعها » بجميع أجيالما » هبي الي تفرض عليه هذا 
الموقف إزاء هذا الجيل المنحرف وكل جيل .. 

إلا تصور الواقع الحادث .. ولكنها تصوره مقيساً إلى ما ينبغي أن يكون عليه البشر 
ي حيانهم السوية . 

و «ما ينبغي » أن يكون عليه البشر ليس صورة خيالية مزورة . فهي تحمل ني أطوائها 


1۲ 


الواقعية في التصور الإسلامي 


عتاصر ضصعفھها انب عناصر قوتا .. ولکن المهم أا تحمل عناصر القوة »> وتسلط النور 
على هذه العناصر » لأنما هى الحقيقة بالاشادة والتسجيل . 

والإسلام يحمل ف فکرته وقائعه الي حدلت بالفعل ي واقع الأرض .. يحمل صورة 
ا وصورة ابي بكر وعمر وخالد وعلي وعمر بن 
معه صوراً اللواقع الذي عکن أن صل إل البشر بالتوجيه الص حب ويقيس إليهم واقم 
أي جيل » ايععله وزنه الح في ميزان لقم البشر ية . وها الوزن ذاته يضم الاس ي لو 
الفنية .. بحسب ما يستحقون .. بحسب ما يحققون من كيا نهم الأإنساني ٠‏ وما مجاهدون 
لائبات رفعة الاأنسان واشر أقه ے وام ابیته القعالة ف هده الحياة 

ولیس معنى ال يجابية الفعالة ي التصور الاسلا مى أن تنتصر الفضيلة أي کل صراع 
سواء الفضيلة الاجتاعبة أو الاقتصادية أو السياسية أو الخلقية .. أو ينتصر أصحاب العقيدة 
المنافحون عنها .. أو ينتصر الخير ي أية صورة من صوره . 

كلا ! فا هكذا يصور الإسلام الواقع . 

فقد ينهزم الخير مرة ومرة ومرة .. ويكون هناك سبب وحكمة ي كل مرة . 

قد تكون هناك فتنة جائحة تاح الحق والباطل : «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا 
منكم خحاصة »' 

وقد يكون الله يريد أن يفتن الطغاة البغاة » فييسر هم التصر على الحق : «ليحملوا 
أوزارهم كاملة يوم القبامة » " 

وقد کون | لزه بريد أن ' عحص الؤمنين ليحملوا العبء على سلامة وتعكن واستعداد : 
« ولا تہنوا ولا تحزنوا وأتتم الأعلون إن كنتم مؤمنين . إن عسسکم قرح فقد مس القوم قرح 
مثله » وتلك الأيام نداوها بين الناس » وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شہداء › والله 
للا يحب الظالمين . وليمحص اله الذين امنوا وعحق الكافرين » " 

وقد يكون غير ذلك من الأسباب ما يكون .. ولكن التصور الإسلامي يؤّمن بأن سنة 
الله ي : نصر الحق وأصحابه سنة ماضية لا تتبدل . واا أعمار الأفراد ليست هي المقياس . 
والحولة العارضصة ليست ھی الحولة الأخحيرة ووا جب « الاأتسان » ان يودي دوره الطلوب 
منه ثي عمره المحدود » ثم تسير السنة الماضية ي طريقها » ويتحقق النصر ثي موعده الموعود > 
وتظل القلوب ني كل جيل معلقة بهذا الوعد لا تيأس من روح الله . 
)١(‏ سورة الأنفال ]٠[‏ . 


(۲) سورة النحل ]۲١[‏ . 
(۳) سورة آل عمران [۱۳۹ - ]۱٤١‏ . 


1۳ 


منهج الفن الاإسلامي 
وهكذا يشمل التصور الإسلامي صفحة البشرية كلها »› في جميع حلقاتها وأجياها › 
مترابطة متشابكة متداحلة ي اللوحة الكبيرة > حية متحركة هادفة صحيحة الدلالة في جميع 
الحالات . 
ومن ثم لا بكون جاوزاً للواقع وهو يرسم صوره الفنية > ولا يكون متخذا مقاييس خيالية 
يقيس بها الناس والأوضاع والأشياء . 


14 


العواطلف البشَرتية يى التصور الإبتلاي 


الجانب الوجداني من الاإنسان هو بطبيعته أدخل الجوانب ني موضوع الفتون . 

فعنصر « التأثبر » هو العنصر البارز في الفن . وأقرب وسائل التأثير هو تصوير الوجدانات 
البشرية ي صورة جميلة موحية تؤثر ي الوجدان . 

ومم أن الفنون - وحاصة ني موجتها «الواقعية » الحاضرة - تتخذ من كل شيء موضوعاً 
للتعبير الفني » الا ان وجدانات البشر ما تزال رغم ذلك هي الموضوع الغالب على الفن في 
كل لغة وني كل جيل . وهذا أمر طبيعي بالنسبة للفن . وإلا انقلب علماً أو فلسفة أو أي 
لون آحر من ألوان التعبير الخارجة عن نطاق الفنون . 

ليس الموضوع في ذاته هو الذي يحدد نوع العمل إن كان فنياً أو غير في » وإنبما الذي 
يحدده هو طريقة تناول الموضوع . فحين يتناوله الكاتب ببرود الذهن - مهما يكن الذ 
صافباً ومشرقاً ولاحاً - فانه لا يكون فا - ولو كان موضوعاً متعلقاً بالعاطفة - لأته حاطب 
الذهن وحده ولا يصل إلى الوجدان . وعلى العكس من ذلك بمكن أن يدحل الموضوع في 
دائرة الفن - ولو كان عن مادة جامدة مغرقة أي الجمود - إذا استطاع الكاتب أن ينفعل 
هو به أولاً » ثم ينقل ذلك الانفعال بصورة مؤثرة تصل إلى وجدان الآخرين . 

والذي ينبي أن ينقله إلينا الفن أي كل موضوع يتناوله هو ذلك الجانب الوجداثي الحي 
المنفعل المؤثر .. لا غيره من جوانب الموضوع . ويدع للعلم والفلسفة والبحث الذهني كل 
جحانب تجر يدي » وكل جانب تسجيلي أو إخباري بحت » لا تدخل فيه « النفس » التي انفعلت 
به ثم رغبت آي نقل انفعاها للاخحرین . 

ومن ثم فان المذاهب الي تنحو نحواً علمياً حالصا ي الفن » فتسجل «الواقع » كما 
تراه العين الذهنية الباردة › أو کا ترام 0 الي لا يعتا ما تنقل من الصور › ولا 


تنفعل عا تلتقط من الأضواء والظلال » أ كما يراه المحلل التفسالي ثي امعمل .. حالة ترس 
ل ر بة شعررية تماش رتفرز ها التق افرازات 2 شتی وهي هضمها وعثلها . . هذه اذاهب 


تنتج فنا رديثاً مهما يكن فيه من دقة وبراعة وجهد مبذول لہا تتقص العنصر الأول من 
علاصر الفن : وهو حرارة الوجدان . 
وقد كانت مثل هذه المذاهب «الواقعية » و «الطبيحية » وغيرها نكسة ي عام الفن متمشية 


1© 


منهج الفن الاإسلامي 


مع النكسة الروحية والنفسية الشاملة الي أصابت أوربا ني القرنين السابقين » بسبب نفرتما 
المححمومة من كل شيء يحلق ي الخيال ويتخذ طابع الانقعال لغير المنظور ( فيما وراء الطبيعة ) 
ورغبتها المحمومة كذلك في أن تلمس «الواقع » كما « هو» بغير تزويق أو أضواء أو ظلال ! 

وهي نكسة .. للها تلغي واقع «النتفس » كله لتثبت فقط واقع «المادة» . الواقع الذي 
لا تدخل النفس البشرية في تقديره ولا تقو عه » واا تسجله وتقدره «الآلات » العلمية 
والأدوات وتحوّل العين البشرية من ثم إلى جرد الة علمية للالتقاط والتسجيل »› لا لتبدي 
رأا أو تدحل بذاتها في عملية الالتقاط والتسجيل ! 

وهي نكسة كذلك لأنہا تلغى قيمة «اللإنسان » وتصغره إلى جانب المادة .. متأثرة بالنظرة 
لمادية الحيوانية للانسان » الي لا تجعل له قيمة أعلى من قيمة المادة > بل بالعكس قيمة أقل › 
لن المادة تؤثر ني الانسان تأثيراً « حتمياً » مخضع له أراد أو ٺم ڀرد » ي حين لا يؤثر هو في 
المادة إلا برضاها ورغبتها ! وحسب قوانينها الذاتية ذات الطابع الحتمي والميروت ! 

والفن « اللإنساني » ينبغي أن يفيق من هذه النكسة . . بنبغي أن يرد للنفس الإنسانية 
اعتبارها .. اعتبارها الذاتي بوصفها قيمة كونية كبرى . واعتبارها إزاء المادة بوصفها شيئاً 
مسخراً للإنسان لا مسخراً له !! 

وحين يرد للنفس الانسانية اعتبارها فإن « القع » تعود فتتخذ وزنما من خلال النفس . 
ولا یکون ما واقع إلا واقعها ني داخل التفس . 

وهذه حقيقة .. حقيقة ينبغي أن تكون مقررة في الأذهان كالحقائق «العلمية » الي 
يتعبدها الناس يي هذا الرمان . فليس شيء موجوداً صلا - بالنسية للإنسان - إلا اذا وجد 
ي النفس وانفحلت به وتحركت مستجيبة له . 

خحذ هذا المنظر «الجميل» .. انك تقوب عنه إنه جميل حين ينفعل به حك ویتحر 
کو . حین « تحس » انت بوجوده تي داخل نفسك . وإلا فهو غير جميل »> أو غير 
موجود على الاإطلاق في عالمك النقسي . 

ولي الجانب الاألحر ء خحذ هذه الفكرة ة الي تملا مشاعرك وتحر وجدانك . إلا «واقع » 
نفسيي ضصخم بالنسبة إليك » تعيشه وتتفاعل معه وتنفعل به . ويؤثر في شعورك وسلوكك 
وعملك . ومن تم فهو هو «الواقع » بالنسبة إليك » ولو لم يبصره أحد غيرك ولم يكن له عند 
غير ك وجود . 

والمسألة - بعد - ليست فوضى ! فلن نعود إلى الفلسفة المثالية ا لجوفاء الى تنكر الوجود 
لذاتي للعامم المادي المحسوس ... وإنما هو مجرد رد الاعتبار للنفس الإنسانية > ورؤية العام 
المادي المحسوس - الذي لا شك ي وجوده الذاتي - من خلال هذه النفس » لأنه - في 
الواقع - لا يؤثر ني حياة الناس إلا من خلال تأثرهم النفسي به وتأثرهم الوجداني . 


1 


العواطف البشرية قي التصور الاإسلامي 


الاعتبار كذلك للوجدان البشري » لأن الواقع أنه لا يحدث تغيّر ني حياة الناس المادية إلا 
من خلال الوجود الإنساني الشامل » با فيه من طاقات » وما فيه من رغبات . 

وإذ قررنا قيمة الوجدان البشري في الحياة الإنسانية عامة وي عالم الفنون خحاصة . 
نعود إلى الحديث عن الوجدانات البشرية المختلفة ›» والمساحة الى تشغلها تي رقعة الفن . 

إن التناسق ني لوحة الحياة البشرية يقتضي أن تكون الوجدانات الى يصورها الفن شاملة 
لكل العواطف البشرية » ني مختلف حالاتما وجالاتما » لا مقصورة على لون معين من ألوان 
الوجدان . وذلك هو الذي يليق بالواقعية الحقة الي ينبغي أن ,عار سا الفن في تصويره للحياة . 

ولكن الذي يطلع على الإنتاج العالمي في الفن » وخاصة الحديث منه » ويطلع على الأدب 
العر بي المزور الذي يعيش ي هذه الايام بلا هدف ولا غاية ولا قواعد ولا ذاتية مستقلة ولا 
منهج مرسوم » يرى أن لوناً واحداً من العواطف البشرية هو الغالب على هذه الفنون كلها .. 
وهو عواطف الجنس . 

وما من شك ني أن عواطف الحنس أصيلة عميقة ني الكيان البشري » وأنما طاقة من 
أ کر الطاقات الموجهة لمشاعر الناس وسلوكهم .. ولكن .. من يقول إنها الدافع الأوحد 
المتفرد بالتاثير والتوجيه ؟ 

الجحنس - بجميع أحواله وجميع مستوياته - حقيقة عميقة ني حياة البشر » بل في كل 
كيان الحياة : « سبحان الذي خلق الأزواج كلها › ما تنبت الأرض » ومن أنفسمم › وما 
للا يعلمون » ”° . 

فالأزواج .. الذ كر والأنثى .. ليست حقيقة بشرية فقط » بل هي موجودة أيضاً في 
عام الحبروان وعالم النبات . بل يقول العلم الحديث انها موجودة كذلك ي عام الادة » 
تي بناء الذرة من بروتون وإلكترون » متقابلين ي الخلقة » متجاذبين على الدوام » ليحفظا 
بناء الخلية «الحامدة » وتواز نما » كما يحفظ الجنسان توازن الحياة لي عالم النبات والحيوان 
والانسان . 

بل يقول العلم أغرب من ذلك وأعجب : إن في ذرة كل عنصر من العناصر نواة ثابتة 
في مركزها وعدداً من الإالكترونات يدور حوها ني حلقات متوالية الأبعاد بالنسبة مركز النواة » 
وإن الحلقة الأخحيرة من هذه الحلقات تكون دائماً ناقصة . فإذا كانت كل حلقة مكونة 


. ١ انظر الكلام عن التناسق ني الفصل التالي : «الحمال ي القصور الإسلامي‎ )١( 
. ]۳٦[ سورة يس‎ )۲( 


1¥ 


منهج الفن الأسلامي 


من تمانية الكترونات مثلا . فقد تکون الحلقة الأخيرة إلكترونين اثئين أو ثلاثة » وإن آي 
عنصر لا يتحد كيمياثباً إلا مع العنصر الذي يكمل له حلقته الأخيرة الناقصة بحلقته هو 
الناقصة .. تماما كما يفعل الأزواج تي عالم الأحياء !! 

دقة معجزة ي الحامد والحى على السواء ! 

ومع ذلك فالجنس - على كل عمقه ني كيان الحياة - ليس هو الحقيقة الوحيدة ولا 
الحقيقَة الغالبة ني البتاء ! 

فينبغى أولاً أن نأل : هل هو وسيلة ني كيان الحياة أو غاية ؟ وما مساحته الحقيقية 
ي ذلك الكيان ؟ 

كل حقائق الحياة تشير إلى أنه وسيلة لا غاية . 

فهو تي بناء الذرة وسيلة للتاسك . والهاسك هو الغاية . أو هو بدوره وسيلة لغاية كبر »> 
هی تکوین الکون کله ما فيه من طاقات وکائنات . 
- وهو ني النبات والحيوان وسيلة لحفظ النوع وحفظ النوع هو الغاية » أو هو بدوره وسيلة 
لغاية أكبر > وهي تنويع الحياة في الكون » وتحقيق القدرة الخلاقة القادرة . 

وهو ني الإنسان كذلك وسيلة لحفظ النوع وترقيته » وليس غاية ني ذاته . 

كل ما أي الأمر أن الإنسان وهب قوة واعية مدركة » تجعله يعيش كل أهدافه ووسائله 
بوعیه ووجدانه جميعاً » فتتسع مساحتها ي نفسه وتتعمق > وتصبح أکبر من مثیلاتہا ني 
عام الحماد والنبات والحيوان . 

ومن ثم يأحذ الحنس مساحة واسعة في النفس الإنسانية لا يأخذها - مغلا - ي عالم 
لحیوان . 

فبينا ينحصر في عالم الحيوان في العملية الجنسية ذاتها » بقدمات بسيطة » عنيفة في 
غالب الأحيان وفظة » ويتهي عند الأنثى بالاخصاب والحمل » وعند الذ كر بالصيام الكامل 
عن كل نشاط جنسي حتى يحل الموسم الجحديد .. إذا هو ني عالم الإنسان مشاعر كثيرة 
وعواطف . وفنون من الغزل » والوان من المشاغل .. يدخحل فيه شوق الحنس » ومودة الإإالف »› 
ورغبة القرب . والتفكير أي وسائل الجحذب » واللإحساس بالجحمال .. كما يدخل فيه التفكير 
ي نتائج اللقاء .. التفکیر ف الأسرة والأبناء والأعباء .. وتنظم المجتمع الناشى من هذه 
العلاقة ‏ تنظيماً اجتاعياً واقتصادياً وسياسياً »> ووضع القواعد النظربة والوسائل العلمية هذا 

نعم .. يأحذ مساحة واسعة أي النفس البشرية . ولكنه ني أية حالة من حالاته لا ينقلب 
- ي النفس السوية - عن وضعه الطبيعي . لا ينقلب من كونه وسيلة إلى أن يكون غابة ! 

ثم إنه - ني النفس السوية - لا يأخحذ مساحته الواسعة لأنه يطغى على مساحات أخرى 


1A۸ 


العواطف البشرية في التصور الإسلامي 


مخصصة لغيره من المشاعر › ولكن لأن النفس الإنسانية هي هكذا واسعة شاملة فسيحة . 
ومن ثم تتسع لكل المشاعر على نطاق واسع » دون أن يطغى شيء منها على شيء » ودون أن 
ختل تناسقها الأخير في صفحة النفس . 

ثم إنه - مرة أخرى - حين يأخحذ مساحة واسعة ني النفس - السوية - لا يفسد تكو ينها 
الطبيعي المترابط . لا ينفصل بذاته عن بقية المشاعر . لا يتحدد ولا يتحيز بوصفه جنساً حالصاً 
لا علاقة له ببقية النفس . فذلك مستحيل في النفس السوية المترابطة » الي يلتتى كل جزء 
فيما بكل جزء وكل هدف ببقية الأهداف . لا تنفصل الروح عن الجسم عن العقل في باطن 
النفس » ولا تنفصل الأهداف الاجتاعية عن الأهداف الاقتصادية عن الأهداف الفكرية 
والروحية والسيكلوجية في واقع الحياة . ومن ثم لا يكون هناك جنس خالص ني أية لحظة 
من لحظات الحياة"“ . 

ذلك هو الوضح الحقيني لمشاعر الجنس . 

الوضع الذي لا تفرضه «الاخحلاق » ولا يفرضه «الدين » . ولكن تفرضه الحقيقة الواقعة 
المجردة من كل اعتبار . 

و «الواقعية » الصادقة ينبغي أن تعالج الأمر على حفیفته . فهي ليست مأذونة أن حدع 
الناس عن الواقع » أو تتخیله كما بتراءی ما وتصوره على هواها . 

نعم ١‏ توجد حقيقة «واقعة » في حياة البشر : إنهم كثيراً ما ينحرفون عن طبيعتهم السوية » 
فيضخمون جانباً من جوانب وجودهم على حساب بقية العناصر ا مكونة هذا الوجود . يضخمون 
مثلاً جانب ال جنس » حتى يبدو كأنه هدف ني ذاته » وكانه الشغل الشاغل والمم المقعد المقم . 

نعم . هذه حقيفة . ولكنها حقيقة منحرفة . والواقعية الصادقة ينبغي أن تصورها . ولكن 
تصورها على حقيقتها . على أنہا انحراف ! 

ومع ذلك ففي داخحل إطار الجنس ذاته - بصرف النظر عن الاعتبارات الأخحرى 
كلها - لا يكون الجنس لوناً واحداً ولا درجة واحدة . 

هناك الشہوة العارمة الي تتمثل ني الحسد المائج والموارح الظامئة » والعيون الي تطل 

مها الرغبة المجتونة . 

« وهناك الشہوة المادثة المتدبرة » الي تعد العدة في ترتيب وأناة » حتى تظفر ما تر يد على 
مهل ودون استعجال . 

« وهناك الأشواق الحارة ال ملنهبة الي تنبع من الحسد » ولكنها تمر تي طريقها على القلب » 


. » تر بية الروح » و" تر بية العقل » و تر بية الجسم‎ ١ انظر اترء الأول من كتاب ام منج التر بية الاإسلامية » فصول‎ )١( 


۹۹ 


منهج الفن الاإسلامي 


فیصفا من بعض ما ہا من « العكار » و بعطيبا قسطاً من « العاطفة » متزج بصيحة السد 
اللهرف . 

« وهناك الأشواق الطاثرة المرفرفة الي تنبع من القلب » ولكنها قد عر ني طريقها على 
الجسد . فيعطيبا بعض فيبه المحرق » وقد مخلط با بعض العكار » ولكنما تظل محتفظة 
بکشر من الصعاء 

ر وهتااك اشراتة الروح الحالة » قد صفيت من العكار کله » وصارت صفاء مطلقاً لا 
يعرف الحسد ١‏ واشعاعة لا تعرف القيود . تعشق شق الحمال خالصاً حتى من الإطار الذي يصب 
فبه ! 

وهناك ألوان أخرى لا تدركها الألفاظ » ولا يقدر علا التعبير ! 

وبين هذه الألوان المختلفة مثات من الأحاسيس ٠‏ تشترك ي الأصل › ولكنہا تختلف 
فما بسا اشد اخحتلاف ۾ . 

فأي مبرر من عا لم الواقع یبرر تصویر مشاعر الجنس کلھا عل آنا ہم حيواني مسعور › 
كذلك الذي يطفح به القصص الحديث ني العام كله » والقصص العر بي الممسوخ المدخحول ؟ 

# # هة 

والجنس ي نظر الإسلام حقيقة مهمة عميقة أصيلة . 

وقد مرت بنا الإشارة القرآنية الى «الأزواج » المكونة لبنية الكون « مما تنبت الأرض › 
ومن انفسہم > وما لا يعلمون» . وني القران إشارات أخرى كثرة تتعلق بحقيقة الجنس : 

اوسر ات آن خاق لک من آنفسک آزواجاًسکتوا لیا وجل ینک مردة ورسحمة 5 . 

وهذا النص يستحق وقفة عند قوله تعالى : «لتسكنوا البها» وقوله : «مودة ورحمة» . 

السكن - بكل ما يوحيه من هدوء وسكون وطمأنينة واستقرار وراحة - هو ادف من 
خاتق «الأزواج » في عالم اللإنسان . إنه ليس مشغلة الفكر والبال . ليس التعب والعذاب 
والقلق والاضطراب . ليس اللهفة الدائمة الي لا ترتوي والظماً الذي لا بدأ . ليس التطلع 
الدائم الذي يستنفد الطاقة ويورث الخبال . وإاعا هو السكن .. هو الحدوء والراحة .. هو 
الاستقرار الذي كن الإنسان من تحقيق أهداف حياته » ويقوي على أداء هذه الأهداف . 

والعلاقة بين الجنسين هي المودة والرحمة .. الرحمة الندية والأنس اللطيف الودود . 
ي هذا اجو الراضي المشرق الذي يكن شْمّي النفس الواحدة المتوادين المتراحمين : «خلق 

من أنفسكم أزواجاً ۲ . 


(1) ن تاب ۱ الانسان بعن الادية والاإسلام» : 
(۲) سورة اروم ]۲١3‏ . 


العواطف البشرية ف التصور الإإسلامي 


وفي نص آخر لون من العلاقة مكمل لذاك : «هن لباس لكم وأتم لباس ممن ۲“ . 
« في هذه الكلمات القليلة تصوير بارع لعلاقة الجسد وعلاقة الروح ني أن . فاللباس 
الصق شيء ببدن الاإنسان . وهو الستر الذي يستار به » وهو في الوقت ذاته مفصل على قده 
لا ينقص ولا يزيد . والرجل والمرأة ألصق شيء بعضہما ببعض : يلتقيان فإذا هما جسد واحد 
وروح واحدة . وفي لحظة يذوب كل مهما في الآحر فلا تعرف فما حدود . وما أبداً بهفوان 
الى هذا الاتصال الوثيق الذي يشبه اتحاد اللباس بلابسه . 

«ثم هما ستر » كل واحد للاخر . فهما من الناحية الجسدية ستر وصيانة . وهما على الدوام 
ستر روحي ونفسي . فليس أحد أستر لأحد من الزوجين التالفين » يحرص كل منهما على 
عرض الآحر وماله ونفسه وأسراره أن ينكشف مها شيء فتنهبه الأفواه والعيون . وهما كذلك 
وقاية تخي كلا منهما عن الفاحشة وأعمال السوء »> كما يني الثوب لابسه من أذى الماجرة 
والزمهرير . ٍ 

«وهما بعد ذلك كاللباس بي تفصيله مضبوطا على القد . يابسه صاحبه فيستريح إليه › 
ويتحرك نشيطاً في محيطه » ويكتسب به زينة وجمالاً تعجب صاحبها وتعجب الناظرين . 
فليس أبدع من تصوير هذه المعاني كلها أي تشبيه واحد شامل عميق » . 

وني نص ثالث جائب آخحر من هذه العلاقة : «نساؤكم حرث لكم»" . 

وهنا يذ كر الغاية من التزاوج وهي النسل . ويستعير له من عالم النبات صورة الحرث 
واللإنبات » فهي كلها حياة ذات وشائج قربى بعضها من بعض ! 

ومن ذلك تكتمل صورة العلاقة بين الزوجين » الذ كر والأنشى › في تصور الإسلام . 

» « 

ولا يخفل اللإسلام عما يحدثه التجاذب الفطري بين الجنسين من مشاعر وخواطر وأفكار 
وسلوك . ولكنه يقيسا عقياسه الدائم الذي يقيس به كل شيء : ها سار مع الناموس > 
ناموس الحياة والكون » فهو صالح وهو صواب . وما حالف هذا الناموس فهو خطأً وهو 
عمل غير صالح . 

إنه لا ينكر الجنس » وما يرف حوله من مشاعر وأفكار . لأن منهجه الذي يسير عليه 
تي معالحة النفس هو الاعتراف بالطاقات البشرية كلها » نظيفة وي معرض النور › لا مستقذرة 
وللا ميختلسة ي الظلام . 


. ]1۸۷[ سورة البقرة‎ )١( 
. من كتاب «الاإنسان بين المادية والإسلام»‎ )۲( 
. ]۲۳[ سورة البقرة‎ )۴( 


۷١ 


منهج الفن الاسلامي 


ان الله هو خالق الفطرة » بكل ما تشتمل عليه من ميول ودوافع وطاقات » وقد خحلقها 
لحكمة وغاية » لتؤدي دورها المرسوم هما في بنية الكون ونظامه « لا لتکبت ويقطع علا 
الطر يق . 

ولكن الته أي الوقت ذاته يطلب من هذه الفطرة أن ترتفع وتلبذب » لأن هدف الوجود 
کله كما يعبر عنه الإسلام وكما تقرره كل حقائق الوجود - ليس جرد استمرار الحياة » 
ولكن رفعها وتجميلها » والوصول بها إلى مرتبة الحمال والكمال . 

ذلك ناموس الكون الأكبر . وهو كذلك الئاموس الذي يقيس به الاإسلام كل عمل من 
أعمال الانسان . 

فكل شعور صاعد » وعمل صاعد ٠‏ وفكرة صاعدة ... فهي سائرة مع الأإسلام ي 
طر يه . 

وكل شعور هابط » وعمل هابط »› وفكرة هابطة .. فهي منحرفة ضالة عن الطريق . 

ومشاعر الجنس ككل ثيء آحر في الناموس الكبير . 

فكل ما بدي منها الى الصعود والرفعة . كل ما يؤدي إلى القوة والهاسك . كل ما يؤدي 
إلى التوازن . كل ما يدي إلى جمال المشاعر وصفاء النفوس وطلاقة الأرواح .. فهو جميل › 
ومباح » ومطلوب . 

وكل ما يؤدي إلى ابوط والنكسة إلى عالم الحيوان » والضعف والانحلال والتفكك > 
والانحراف الذي يفقد التوازن » وغلظ المشاعر وعرامة الشہوة الي تخنتق طلاقة الروح . 
فهو قبيح » ومنكر » وحرام . 

وليس ذلك حكماً «خلقياً » بالمعنى الضيق المحدود المتعارف عليه أي حدود الأرض 
وما عليها من الناس . فالأخحلاق في الإسلام لا تنحصر ني هذه الحدود . وإنما هي أوسع من 
ذلك جداً وأعمق ني بنية الكون . ألما جزء من الناموس الكبير الذي يحكم الكون والحياة › 
وليست شيا منفصلاً عنه > ولا مفصلاً على قد الانسان وحده . فالانسان ذاته جزء من بنية 
الكون ٠‏ بسير معه على تاموسه الشامل المحيط . 

لست الأخلاق صناعة « محلية » ي الأرض ¿ تحدد الأرض قيمها ومواصفاتا . 
ولا صناعة « بشرية » تتقلب مقاييسما بتقلب أهواء البشر وأحوالهم وتطور أفكارهم . وإنا 
هي صناعة كونية فطرها فاطر الكون والحياة والاإنسان . وهي تلتيي مع الكون في فطرته 
الشاملة : فطرة التناستقى والتوازن والجمال' . 


(1) انظر الفصل التالي «الحمال ي التصور الاإسلامي » . 


Y۲ 


العواطف البشرية أي التصور الإسلامي 


ومشاعر الجنس - ككل شيء ني حياة الإنسان - تحكمها الأخلاق الإسلامية بهذا 
اللفهوم الشامل » المستمد من ناموس الوجود . 

فالاإسلام لا يسير على نهج حاص ني المسائل الحنسية » وعلى نهج غيره ني بقية الأمور . 
وإتعا يسير في المسائل كلها على أساس نظرته الموحدة المتمشية مع الناموس الأ كبر . 

« إن الله كتب الاإحسان على كل شيء .. فإذا قتاام فأحسنوا القتلة ء واذا ذبحتم فاحستوا 
ا[ذريحة » وليحد أحد کم شفرته » ولیرح ذبیحته ٩‏ 1 

والإحسان المقصود هنا هو جعل الشيء حسناً ... أي الجحمال ... جمال الأداء وجمال 
الإإحساس وجمال الفكير .. الجمال في كل شيء » حتى ني ذبح الذببحة وقتل القتيل ”" . 

والإحسان بي أمور الجنس ليس إلا واحداً من نواحي اللإحسان الكثيرة الي يطلبا الإسلام 
يي القول والفعل والشعور . 

وهو حين يشترط النظافة ني أمور الجنس » فكما يشترطها ني التعامل الالي › والتعامل 
الاجتاعي » والتعامل السياسي » والتعامل الدولي » وتعامل الإنسان مع ربه وتعامله مع نفسه : 

« قد افلح المؤمنون » الذين هم في صلاتهم خاشعون ٠‏ والذين هم عن اللغو معرضون › 
والذين هم للزكاة فاعلون » والذين هم لفروجهم حافظون - إلا على أزواجهم أو ما ملكت 
أا م فانہم غير ملومين » فن ابتخى وراء ذلك فأولغك هم العادون - والذين هم لأماناتهم 
وعهدهم راعون » والذين هم على صلواتہم يحافظون › أولثك هم الوارثون › الذين يرثون 
الفردوس > هم فیا خالدون ٩»‏ , 

قاعدة واحدة » تشمل كل شرون الحياة . النظافة في الفكر والعمل والشعور . نظافة 
في الصلاة ونظافة قي اللسان . ونظافة في الال . ونظافة ي ي الجنس . ونظافة بي التعامل مع 
التناس ي رعابة الأمانة وحقظ العهد .. وما نظافة الجنس إلا واحدة من صنوف النظافة الي 
مجحب أن يعيش ني جوها المسلم المؤمن الذي يتعامل ني حسه مع الله . 
وليس مؤدى ذلك كله تحريم مشاعر الجنس . فهي ليست قذرة ي ذانما حتى تستبعد 
جال النظافات » وقد مرت بنا الشواهد الكثيرة من الآيات والأحاديث عن نظافة الجنس 
حس الا سلام ِ 
وليس مؤداه كذلك ألا يتحدث الانسان عن الحنس أو يحس به إلا ني دالحل علاقة 


sb. 


. ماحة‎ ٠ رواه مسلم وابو داود والنرمذدي والنسائي واہن‎ )١( 
. في كتاب «قبسات من الرسول»‎ ٩ وليرح ذبیحته‎ ١ اقرا فصل‎ )۲( 
. ]11 - ١[ سورة المۇمنون‎ )۳( 


Y۳ 


منهج الفن الاإسلامي 


الزواج . فالناس لا يولدون متزوجين . وإما تسبق الزواج مشاعر وأفکار وتجارب تؤهل له 
وتمهد له الطريق . 
وهذه « العواطف» ليست حراماً في نظر الإسلام . 
عواطف الاعجاب والحب »> وما يصحہا من أفكار وأعمال وسلوك . 
وإنعا الحكم عليا هو الحكم على كل عمل أخر وكل شعور .. الحكم المستمد من 
التاموس : 
هل تؤدي الدور الذي يتفتق مع فطرة الكون ؟ أم تنحرف عن الطريق ؟ 
فأما إن كانت هذه العواطف - وهي فطرية في صمي الخلقة - تہدف إلى تحقيق هدف 
الحياة ؛ تہدف إلى ارتباط شمَي الإنسانية ني علاقة نظيفة مثمرة منتجة ؛ تهدف إلى تقوية 
كيان كل من الشقين ودفعه في طريق الصعود ... فهي طبيعية » متمشية مع الناموس . 
والحديث عنها ووصفها وإبرازها في صورة فنية جميلة موحية » جزء من مهمة الفن الاإسلامي 
الأصيل . 
وأما إن كانت عبثاً .. لا يسعى إلى غايته الطبيعية » بل مجعل من نفسه غاية مستقلة 
منقصلة عن كيان الحياة .. فهي ليست جزءاً من مهمة الفن › لأنها ليست جزءاً من ناموس 
الحياة . 
وناموس الحياة في مسائل الجنس أنه ليس « ضرورة بيولوجية » تقضي على أي وضع > 
حتى ي عالم النبات والحيوان ! 
وإلا ففيم كان امال ؟ 
«الحمال فطرة «الطبيعة » . فطرة الحياة الى حلقها الله . 
١‏ والحياة لا تكتنى بقضاء الضرورة › ولکنہا تہدف دائہاً إلى الإإحسان ي الأداء . 
١‏ أرأيت هذه الزهرة الحميلة الفياحة الشذى المتناسقة الألوان ؟ 
« أتظن أن ذلك «ضرورة» ؟ 
« قالوا : لتجتذب إليها النحل فينتج مها العسل غذاء وشفاء للناس ! وتساعد كذلك 
ي تلقيح النبات ! 
١‏ فهل تظن ذلك ؟ هل من «الضرورة » بالقياس إلى النحل أن يكون ني الزهرة كل 
هذا الحمال ؟ 
« كلا والله ! فالنحل خلّق متواضع > وإنه ليحط على الزهرة الأرجة الفاتنة كما بحيط 
على الزهرة العادية الحمال . 
« فليس جمال الزهرة إذن ضرورة ! وكل الأهداف «البيولوجية » ر عكن ان تم ي سط 
زهرة کما تم ٤‏ اجمل الازهار . 


V٤ 


العواطف البشرية ني التصور الإسلامي 


« ورایت هذه الطبيعة ؟ 

«رأيت حمرة الشف المبدعة ورأيت جمال الصبح الوليد ؟ 

رأيت روعة الحمال الى تهر الأنفاس ونيز الوجدان ؟ 

« والبحر الممتد إلى غير نهاية منسرب الموج » تراه في الليل السا كن كأغا تعمره الأطياف .. 
أو الأشباح ؟ 

« والليلة القمراء .. هل ذقتها ؟ وذقت طعم السحر في ضوئها » وظلها » وأطيافها السار بة 
وحديا المهموس ؟ 

« هل تظن ذلك ضرورة ؟ 

« وأينت هى الضرورة ثي ذلك كله » والحياة ممكنة ومستطاعة بغير هذا الجمال ؟ 

« ورأیت هذا الأوجه ...؟ 

هاتان العينان الحالمتان اللتان يطل منہما عام عميتى الأغوار .. تلك التقاطيع المنسقة .. 
هذا المعنى المعبر .. تلك «الروح» الي تطل من وراء القسمات ؟ 

«تظن ذلك ضرورة ؟ وما الضرورة ؟ 

« ليست كل العمليات « البيولوجية » من طعام وشراب وتنفس تتم ني أقبح وجه وأجمل 
وجه على السواء ؟ 

« بل .. نداء الجنس ذاته . اليس يتحقق ني کل أنثی وکل ذ كر بصرف النظر عن 
ذلك امال ؟ 

« كلا . إنه ليس «ضرورة» وأعا هو «جمال» . 

« هو إحسان ني الأداء لا مجرد الأداء»" . 

ومن ثم لا يقبل الاإسلام تلك الفكرة المنحرفة الي تقوم عليما « الواقعية » الغر بية الحديثة ٠‏ 
فكر ة أن الجنس عملية بيولوجية خالصة » وهدف يتحقق ني ذاته بصرف النظر عن أية علاقة 
واي ارتباط . 

تلك فكرة قائمة على أساس حيوانية الانسان وماديته . 

أما فكرة الإسلام » فهي آصل في فطرة الكون وأعمق ي فطرة الحياة . 

ك 

والفن الاإسلامي يستطیح أن يتحدت عن المشاعر الي تر بط بين الجنسين ي هذه الحدود 
التظفة . 


وتلك قصة موسى مع ابنة الشيخ الصالح مثل لذلك الحديث : 


. | من کتاب «قېسات من الرسول » فصلل « ولیرح دبیحته‎ )١( 


منهج الفن الإسلامي 


« ولا ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون » ووجد من دونہم امرآتین تذودان . 
قال : ما حطبکما ؟ قالتا : لا نستي حتى يصدر الرعاء وأبوتا شيخ كبير . فسقی ما ثم تول 
إلى الظل » فقال : رب إني لا آنزلت إل من خير فقير .. فجاءته إحداهما عشي على استحياء 
قالت : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا » فلما جاءه وقص عليه القصص قال : 
لا خف نجوت من القوم الظالمين . قالت إحداها : يا أبت استأجره إن خير من استأجرت 
القوي الأمين . قال : إلي أريد أن أنكحك إحدى ابتى هاتين ... »'“ . 
فهنا عرض لعواطف أنثى نظيفة تجاه رجل . عواطف الإعجاب بقوته ونبله وشہامته . 
ثم أمانته المتمثلة في محافظته عليها وعلى عرضا وهي معه - وحدهما - ني الطريق إلى الدار . 
والفتاة تعبر عن هذه العواطف - على طريقة الأنثى الحيية الخجول - ويفهم أبوها عنما . 
ويقرها ويزوجها للرجل الذي أعجبت به وعبرت - بطریقنا - عما آأحست نحوه من 
إعجاب . ثم بجيء القران فيقر هذه العواطف وهذا السلوك › فيرويه رواية تقرير وصراحة 
وإتبات . 
وعلى هذا النسق يستطيع الفن اللإسلامي أن يتحدث عن كل علاقة حب نظيفة » لا 
تنحرف ولا تسف » وعن أثرها ني نفس صاحبیہا › وما تدفع کل واحد منہما إلى إبراز أجمل 
ما عنده من مشاعر واعمال › وما تقوي من عز عة كلما وتعينه على تحديد هدفه في الحياة . 
وما تر بطه بالله . 
كما يتحدث - قي جال الفن الواسع - عن تقلبات تلك العاطفة بين الشد والحذب > 
والااقبال والقتور › والمدوء والحجيشان .. ما دام ذلك كله قش حدوده النظيفة الحميلة المضيئة 
المشرقة .. الجارية على ناموس الحياة . 
o‏ 
ولكنه يستطيع كذلك أن يتحدث عن الات الحنس المابطة المنحرفة عن السبيل . 
ف «الواقعية » تقتضي عرض الابيض والاسود من ياطن النفس وواقع الحياة . 
وتلك قصة يوسف : 
« ولا بلغ أشده آتيتاه حكماً وعلماً »> وكذلك نجزي المحسنين . وراودته الي هو في بيتها 
عن نفسه » وغلقت الابواب وقالت : هيت لك . قال : معاذ الله إنه ري احسن مثواي . 
إنه لا يفلح الظالمون . ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه . كذلك لنصرف عنه 
السوء والفحشاء . انه من عبادنا المخلصين . واستبقا الباب . وقدت قميصه من دبر . وألفيا 
سيدها لدى الياب . قالت : ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً » إلا أن يسجن أو عذاب ألم ؟ 


. [YY Y۳} سورة القصصس‎ (١( 


۷٦ 


المواطف البشرية أي التصور الإسلامي 


قال : هي راودتني عن نضسي . وشہد شاهد من أهلها : إن كان قميصه قد من فيل فصدقت 
وهو من الكاذبين . وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين . فلما رأى قميصه 
قد من دبر قال : إنه من كيدكن . إن كيد كن عظم . يوسف أعرض عن هذا » واستغفري 
لذنبك انك كنت من اللخاطئين . وقال نسوة ني المدينة : امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه › 
قد شغفها حباً . إنا لثراها في ضلال مبين . فلما معت ممكرهن أرسلت إليهن وأعتدت هن 
متكا وآتت كل واحدة منهن سكيناً » وقالت : أحرج عليهن . فلما رأينه أكبرنه » وقطّعن 
أيديين . وقلن : حاش لته ما هذا بشراً . إن هذا إلا ملك كريم . قالت : فذلكن الذي 
لعتني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجان » وليكوناً من الصاغر ين 
قال : رب السجن أحب إلي ما يدعونى إليه » وإلا تصرف عي كيدهن أصب إليهن › 
وأ کن من الجاهلين » فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العلى ٠»‏ . 

قصة كاملة من قصص المبوط الجنسي . ودفعة من دفعات العرامة الحسية الي تنسى 
ني ساعة الشہوة الخليظة كل اعتبار . 

وصراحة ي الوصف والتعبير : وراودته الي هو ني بينها عن نفسه .. وغلقت الأبواب .. 
وقالت هيت لك .. ولقد همت به .. قال هي راودتني عن نفسي .. وقال نسوة أي المدينة 
امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه .. قد شغفها حباً .. فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديين .. 
ولقد رَاودته عن نفسه ... ولئن لم يفعل ما آمره ليسجان .. وإلا تصرف عى کيدهن صب 
إليهن .. 

ما بي شيء من الصورة لم يرتسم ني الخيال من خلال الألفاظ . 

ومع ذلك . 

فكيف جد طعم «الجنس » في هذه القصة الي تتحدث عن هبوط الجدس ؟ 

هل تجد فيها ذلك العرض الذي دف إلى اثارة التلذذ بالحئس والاعجاب بلحظة ابوط 
والمتعة بالمشاعر المنحرفة والفطرة الموكوسة ؟ 

أم تحس - مع جمال العرض ودقته وأمانته وصراحته - بالنفور من تلك الفطرة المنحرفة 
والتقزز من ذلك المبوط ؟ 

ذلك طريق التعبير عن مشاعر الجنس المنحرفة حين يراد التعبير عنها بطريقة الاإسلام . 

أمانة ي األوصف » بلا اثارة جنسية ولا تلذيذ ولا افساد . 


Ht ¥ 3# 


. ]"٤  ۲۲[ سورة يوسف‎ )۱( 


YY 


منهج الفن الإسلامي 


ولکن کم يشمل الجنس من مساحة الوجدان ومساحة الحياة ؟ 

کم قدره ي حقيقة الواقع › > لنقيس مساحته ني رقعة الفنون ؟ 

عل بيش الإنسان حياته في عام ابجنس ودم > لا تصطرع ي نفسه الدوافع > ولا 
تتداحل الانفعالات > ولا تتعدد المموم ؟ 

حنى اقارغون انهون الذين فرغت حياتهم من الاهتامات الجادة والأهداف الكيرة .. 
حتی هؤلاء لا یقضون حیا ہم ي مشاعر الجنس وحدد > وإنما تشتجر لي نفوسهم رغبات 

شت - تافهة نعم + ولكنها أوسع من عام الجنس على أي حال | 

والإنسان السوي لا يستطيع أن يعيش الحياة بعنصر واحد من نفسه - أياً تكن ضخامته 
ي سه حسه - ويغفل عناصر وجوده الأحرى » الي لا بد أن تحقق وجودها في مشاعر نفسه 
وواق حیاته ما دام یعیش . 

فطاقة « الحب » وحدها ني النفس - وهي إحدى طاقاتها فحسب - مدان واسح شامل 
بفیض بأحاسیس شتی › > کلھا معجب : وکلھا مؤثر › وکلها جمیل . 

اللحب هو بثية النفس الحية السوية الي ٦‏ تعيش منجاوبة مع حقيقة الوجود . 

ولکنه حب شامل .. يشمل کل الوجود . 

بشمل علاقة الإنسان بربه . وعلاقته بالكون والحياة .. وعلاقته بكل البشرية . 

والحب الافى وحده - وهو أحد ألوان الحب - عكن أن بستوعب فنا قائہاً بذاته > 
متكاملاً مستوفاً كل عتاصر الفن » باقياً ني صفحة الحياة ما شاء انه له البقاء .. 

هذا الحب . با يفيض على النفس من أنوار شفافة رائقة » وبا يوسع من آفاقها حتى 
تشمل الوجود كله > وعا برفع من کیالہا حتی تصبح وکأنہا نور حالص مشرق متلال › 
للا تدخحله عتامة الحسد ولا ثقلة الطن ... انه عجيبة من عجائب الأحاسيس البشرية .. وانه 
لني القمة من هذه الأحاسيس . 

ومضة واحدة من هذا النور الإمي تشرق على قلب البشر .. ومضة واحدة أي لحظة 
حاطفة .. تفعل أي التفس ما لا تفعله أجيال من التجارب والأحاسيس و« الثقافات » والاطلاعات 
الي توسع مدارك النفس وتعمق صلاتا بالكون والحياة . 

ومضة خحاطفة كومضة البرق .. تضيء صفحة الكون كله لي باطن النفس .. وتصل 
الانسان بکل عمقه واتساعه وشموله »› الذي لا يعيه ني أحواله العادية ولا يدرك حقيقة مداه .. 
تصله بالحقيقة الكبرى الخالدة » صلة تصل إلى أعماقه » وتنفذ إلى أبعد ذرات وجوده › 
وأعتزج بكل وشيجة حية ني النفس ٠‏ فإذا هي والنفس شيء واحد ممتزج الكيان . 

هذه الومضة .. هذه الارتعاشة الوجدانية الواصلة .. هذه الصلة العميمَة بحمَيقة الوجود .. 
هذه الانتفاضة المشرقة الي تشع من خلال الطين المعتم فيتلاألاً وينير .. هذه الإشراقة الرائقة 


YA 


العواطف البشرية في التصور الإسلامي 


اللي تضيء للإنسان طريقه بين الأشواك » أشواك الشر والباطل والظلام .. أو ليست تعبيراً 
من تعبيرات الحب الي عارسہا الاأنسان السوي » ولو مرة واحدة بي حياته المليثة بشتى المشاعر 
والانفعالات ؟ 

أو ليست فنا من أروع الفنون . لأنها لحظة من أروع اللحظات ؟ 

لقد امتلأت نفوس المتصوفة بہذه المشاعر الحميلة الرائقة الشفافة الواصلة .. وهى في 
صميمها ذخيرة للفن وذخحيرة للحياة .. وإن كان قد فات كثيراً من المتصوفة قدرة الأداء 
الفني عن هذه المشاعر العالية > لأن الطبائع الفنية لم تتوفر فيم على المستوى المطلوب للتعبير 
عن هذا الفن الكبير . ولكنه فن قائم في انتظار الطبائع الموهوبة » الي تطيق الصعود إلى هذا 
المرتقى السامق » وتجيد التعبير عنه في عالم الفنون . 

وحب الكون . المتمثل ني «الطبيعة » مجباها وأنارها وودياا » وأرضا و“ماواتبا > 
ونجومها وكوا كبا اليس لوناً من ألوان الحب مخطر في نفس الإنسان السوي ويثل جزءاً 
من «واقعه » الحي الذي يعيشه ي الحياة ؟ 

وحب الكائنات الحية .. الحب الذي جد نشوته أي التطلع إلى النبتة الصغيرة تشق طريقها 
من الطين » والورقة النابتة من البرعم »> والزهرة النابتة من الكَم » والشمرة اليانعة .. والتطلع 
إلى الحيوان الوليد يتبع أمه وأمه تدلله وتحنو عليه » والحيوان الرشيق بحري مختالاً مزهواً 
برشاقته » والحيوان القوي الكاسر الجسور .. والتطلع إلى الطير صافات ويقبضن › با لما 
من ألوان زاهية وحركات رشيقة .. أليس لوناً من ألوان الحب بخطر ني النفس ويشغل شيعا 
من فراعها ؟ 

وحب البشرية .. اللحب الذي لا يتجه إلى صديق معين ولا صاحب ولا منفعة .. وإعا 
يشمل الناس جميعاً بمودة لطيفة » تحب هم الخير » وتحس نحوهم بوشائج القر بى والأخحوة 
الودود .. أليس لوناً بل ألواناً من الحب » تفيض بها النفس السوية أحياناً على الأقل › ولا 
نقول كل الأحيان ولا غالب الأحيان ؟ 

أليس هذا الحب كله جديراً بالتسجيل الفني › وهو واقع له وزنه أي الحياة » بل واقع 
يستحق التسجيل والإشادة › لأنه هو الذي يبني الإنسانية على أصوطها الصحيحة › ويعينا 
تحقيق كيانہا الأسمى المدخحور في فطرتها ؟ 

هل الحب الحنسي وحده - وهو واحد فقط من الوان الحب - هو الحقيقة الوحيدة 
ي عالم التفس » والحقيقة الوحيدة الجديرة بالتسجيل ؟! 

من يقول ذلك إلا التافهون الفارغون » الذين لا تتسع نفوسہم لغير مشاعر الحيوان .. 
وحتی هؤلاء لا تنحصر حياتہم ي مشاعر لجنس ؟ 1 

إنه مسخ مشوه هذا الأدب الحنسي الذي تمارسه الفنون الأوربية » والأدب العر بي المزور 


۷۹ 


منهج الفن الاإسلامي 


الذي يعيش ني هذه الأيام بلا هدف ولا غاية ولا طریق مرسوم ! 
لقد كان الدب الإغر يش يفسح جال واسعاً مشاعر الجنس .. وذلك جاتب من جوانب 
احتلالاته الكثيرة - رغم روعته الفائقة وعلى مكانه ني المقاييس الفنية - وكانت أوربا وريثة 
التراث اللإغريتي تحافظ على سعة هذا المجال الجنسي ني فنونا . ولكنها مع ذلك كانت 
«معقولة » » موزونة الى حد .. حتى ظهر فرويد › يطبق تي عام النفس النظرة المادية الحيوانية 
للانسان » ويفسر السلوك البشري كله من حلال الحنس . وعندئذ انطلقت الحيوانات المسعورة 
تلطخ صفحة الفن ببحركات السعار الحتسي المنہومة الطائشة > وتعري الانسان من کل « ملابسه » 
الحسبة والمعنوية > لترسمه قي لحظة الحدس وحدها » وترسمه عريان . 
ثم جيء الأدباء المزؤرون ي الا نتاج العر بي )» فقلدون هذا السقه الف ي الملوث وعلاون 
إنتاجهم بالسعار المحموم الذي يستعفف عنه الحيوان ! 
ي » » 
وهل الحب وحده ‏ عمجالاته الصاعدة والمابطة - هو الوجدان الوحيد الذي بجيش 
به النفس الاإنسانية ؟ 
ألا تجيش فبا مشاعر الكره .. ومشاعر الصراع ؟ 
الكره طاقة يشرية مساوية وموازية للحب ني الفطرة*"“ » وها مجالات واسعة ي النفس 
والحياة . 
والکرہ - کالحب - یصعد و ہہط . ویکون خيراً مرة وشريرآمرة » بحسب ما یتوجه إليه . 
فالكره الذي يتوجه به الإنسان نحو الفساد ني الأرض > نحو الشر المنبث تي الأحياء › 
نحو الظلم والطغيان والانحراف » هو کرہ نبیل کالحب النبیل › وواسع شامل یشمل کل 
أمور الحياة . 
والكره الذي يتحول بي نفس صاحبه إلى كراهية الخير للتاس » والحقد علهم › وكراهية 
كل شيء جميل ٠‏ وكراهية الاستقامة والنظافة والصعود والترفع .. هو كره هابط منحرف 
شاثه مر يض . 
والحياة تعرف ني واقعها ألواناً من هذا الكره ومن ذاك . وأياً تكن نسبة أحدهما الغالبة › 
فالکره وجدان له وزنه وثقله ي واقع النفوس وواقع الحياة . والتعبير الواقعى الصادق عن 
الحياة لا بد أن يفسح مالا لتصوير مشاعر الكره > واشتبا كاتا ني النفوس » وتأثيرها في 
أعمال الناس وسلوكهم ومشاعرهم . وإلا فهو تعبير ناقص مبتور . 


¥ 3 3F 


(۱) انظر فصل ١‏ حطوط متقابلة في النفس البشرية » قي الإعزء الأول من كتاب « منبج اثر بية الإسلامية » . 


AI 


العواطف البشرية آي التصور الإسلامي 


والصراع ... 

إن الصراع يكاد يشمل كل الحياة البشرية ! 

يصارع الأنسان ي داخحل نفسه نوازعه ودوافعه المتداخحلة المتعارضة الي لا بعكن الاستجابة 
نما كلها في وقت واحد » إلا أن تضبط وتنظم » وتحدد «أولويتها» أي المرور ! 

ويصارع غيره في الحياة .. يصارع الناس والأشياء .. والتنظيمات والنظم .. والقم 
والقوى والتيارات ! 

ولا حكن أن تخلو حياته لحظة واحدة من الصراع ! 

والصراع - كالحب والكره - بط ويصعد » ويكون في سبيل الخير كما يكون في 
سبيل الشر . 

الصراع الخير يقاوم في داخحل النفس رغباتما المنحرفة » وميلها إلى الشر › وسعيها إلى 
الفساد . والنفس لا بد ھا من توجیھ دائم وتقویم › وإلا فإہا إن ترکت وشانہا هبطت بہا 
ثقلة الطين » وانفصلت عن إشراقه الروح . « إن النفس لأمارة بالسوء » بالجانب الأدنى 
من فطرتها » ما لم يتدخحل الجانب الأرفع من هذه الفطرة ليردها عن ذلك السوء ويأمرها 
في طريق الخير . 

ويقاوم بي المجتمع مختلف أنواع الشرور . 

يقاوم الظلم مجميع انواعه والوانه › الظلم الاقتصادي والظلم الاجتاعي والظلم السياسي 
يقاوم تفريق الناس إلى سادة وعبيد .. سادة بملكون كل شيء وعبيد لا بملكون إلا الذل 
واوان والحرمان . 

ويقاوم القم الفاسدة التي تستعبد الناس وتغلهم عن تحقيق كيا لهم اللإنساني الصحيح . 
يقاوم العبودية للمال أو الجاه أو السلطان .. أو الشهوات . فكلها عبوديات يرسف الإنسان 
أي أغلاها فلا ينطلق إلى آفاقه العليا الجديرة بكيان الإنسان . 

ويقاوم التصورات الفاسدة الي تقلب نظرة الإنسان لنفسه ونظرته للحياة والكون ونظرته 
الى الله .. 

تقلب نظرته الى نفسه فلا براها ني محيطها الشامل ولا يقدر طاقا تا حق قدرها »› 
فينحصر با أي نطاق ضيق » ويبرز بعض جوانبها ليحجب با البعض الاأخحر » ويغفل 
عن تكاملها وشموهما وارتباطها بعضا ببعض . 

وتقلب نظرته للحياة والكون فلا يتوجه مما بالحب ء أو لا يحس لما وجوداً على 
الإطلاق » فتنحصر نفسه ني حدود وجوده الضيق المغلق المنقطع عن الأحياء > ويورثه 


(1) سورة يوسف ]٥۳[‏ , 


A\ 


منهج القن الاإسلامي 


ذلك - فوق ضيق الأفق - أنانية مريضة متعفنة يشمثز مها الكيان السلي . 
ويقلب نظرته إلى الله » فلا يحس نحوه بالحب » ولا بتوجه له بالعبودية المحبة الخاشعة 
المتطلعة » المطمئنة الى قدره »› المسلمة كيانما له › المستمدة من هذا التسلي قوة وإبجابية ف 
واقح الحياة . ولا تدرك «الحق » المتمثل ي الله سبحانه ويي كل ما خحلق من الاشياء › 
والمتمثل يي وجود الناس ثي الحياة الدنيا ووجودهم في الاخحرة ثي دار الحزاء .. 
والصراع الشرير يتوجه إلى العكس . 
يكبت ني داحل النفس نوازع الخير الفطرية ويسكت صيحة الضمير . 
ويقاوم ي المجتمع كل نزعة إلى الخير . 
يقاوم الحق والعدل الازلين . ويحارب الله ورسوله ويسعى بالفساد ي الارض . 
ويژید الباطل وکن له . 
بيد الظلم الاجتاعي والاقتصادي والسياسي . يويد تفر يق الناس إلى سادة وعبيد . 
ويۆید القم الفاسدة ويقسح ها المجال . 
ويتشئ التصورات الفاسدة وينشرها بين التاس . 
ويشيع الفاحشة ويدعو ها ويحبا للراغبين . 
ويفسد علاقة الناس بالته والكون والحباة . 
وهذا الصراع ني اتجاهاته هذه وتلك واقع من اأ کبر الوقائع أي الحياة البشرية . 
ولحككة عليا أوجده الله ي الأرض : «ولولا دفع الله الاس بعضہم ببعض لفسدت 
الأرض ٠‏ ولكن الله ذو فضل على العالمين ۾“ . 
فلولا الشر الموجود ني الأرض » ومصارعة الخير له » لركد الخير وأسن وتعفن »› أو 
ترهل وضعف ولم تعد له إمجابية حقيقية في الحياة وهذا الدفع الذي يدفع الله به التاس بعضم 
ببعض ء هو الذي يحيي الخير ويقويه وينشطه ويدفعه إلى العمل الا ابي النتج › فلا 
تفسد الأرض . 
وإدراك هذه الحكة العليا قمين بأن يفتح بصيرة الإنسان على مساحة واسعة من الحياة 
والكون » و مجعلها تدرك ارتباطات أ كبر وأعمق وأشمل من جزئيات الحياة الصغيرة المتناثرة › 
الي قد تسجلها « العين الالية » الى تستتخدمها بعض الفنون الواقعية والطبيعية مكتفية بها 
عن جمال تلك الارتباطات وتناسقها وتواز نها » وحكتا البعيدة العميقة الي عنح الحباة 
حركة وجمالاً وتكاملاً > تفقدها ولا شك الصورة المحزثية المفرّقة » مهما كان فيا من 
جمال العرض أو دقة التصوير أو براعة الأداء . 


. ]١١[ سورة البقرة‎ )١( 


AY 


العواطف البشرية أي التصور الإسلامي 


وهذا الصراع كله بجميع ألوانه »> سواء في باطن النفس أو واقع المجتمع ٠‏ أو واقع 
الحياة كلها با فيما من إنسان وحيوان ونبات وجماد .. جال واسع للتعبير الفني » ذو مساحة 
واسعة تتضاءل جانا الفنون الجنسية كلها وتنزوي في ركن من الصورة صغير ! 

وقد اتجهت بعض المذاهب الحديثة ني الفن إلى هذا الصراع فتخصصت فيه وحده .. 
بل قصرته على جانب واحد منه هو الصراع الطبقي أو الصراع الاقتصادي على أي حال . 

وذلك اختلال في الصورة من جانب اأخر . 

فليس معنى اهتامنا بتصوير حقيقة الصراع أن نلغي مجانبها ما يعتمل لي النفس من 
وجدانات أخرى أهمها وجدان الحب الواسع الشامل العميق . وهذا فضلاً عن حصر محال 
الصراع ني هذا النطاق الضيق الذي مخنق الأنفاس ! 

کله انحتلال ! 

لاذا لا نصور حقيقة الواقع إن كنا نريد أن نكون واقعيين ؟ 

لقد كان التفسير المادي للتاريخ محنة الفكر الأوربي في العصر الحديث ! 

وقد ظل هذا التفسير بط بالحياة الاإنسانية ويضيق جالانما حتى حصرها ني نطاق 
الاقتصاد والمادة » ثم حصرها يي الصراع الطبقي › ثم حصرها ني « الحتمية » الاقتصادية 
الى تلغى وجود الانسان ! 
- وكانت النتيجة أن الفنون الي الترمت بمذا التفسير » أصبحت خالية من الوجود الحقيقي 
للانسان ! 

لا عواطفه ولا انفعالاته ولا اهټاماته ولا سبحات روحه ولا تأملات فکره ولا حتی 
نوازع جسده وأشواقه ها حساب يي ذلك الفن .. فيما عدا الصراع الطبقي الاقتصادي 
الدائر ي دائرة حتمية « مستقلة عن أرادة الأنسان » ! 

عام كريه يتقزز منه الكيان السلي لاإنسان . 

وما بنا من اعتراض على تصوير الصراع الاقتصادي والصراع الطبقي . فهو حقيقة من 
حقائق البشرية في هذا الحيل أو في أي جيل .. ولكننا نقول فيه شبياً با قلنا من قبل عن 


فنون الحنس . 
نقول فيه إنه ينبغي أن يأحذ مكانه الحق ولا زيادة .. ولا يطغى على الصورة فيلونما 
بلونه المعحدود . 


ونقول فيه إنه ينبغی أن يؤحذ على مستوى «الإنسان » لا على مستوى الحيوان ولا 
مستوى الآلات ! ۰ 

وحين يلترم هذه الشروط يصبح فنا « إنسانياً » جميلاً خحليقاً بأن يأحذ مكانه الحق في 
لوسحة الفنون . 


AY 


منهج الفن الإسلامي 


والفن الإسلامي المنبثق من تصور الإسلام الواسع الشاملل للكون والحياة والإإنسان › 
يفسح المجال للوجدانات البشرية كلها من محبة وكراهية وصراع . ويفسح المجال لمشاعر 
الجنس » وصور الصراع الاقتصادي والاجتاعي › ولكنه يضعهما ني موضعهما من الصورة › 
ليرسم ني بقية اللوحة مشاعر الحب الكبرى ومجالات الصراع الأكبر . فيكون أكثر واقعية 
من تلك الفنون الواقعية الصغيرة المحدودة » ويكون أصدق تعبيراً عن حقيقة الحياة العميقة 
الشاملة » وأجمل تصويراً للحياة من سائر الفنون . 


A 


الحمال سمة بارزة من سات هذا الوجود .. إن لم تكن أبرز سماته . 

والحس البصير المتفتح يدرك الحمال من أول وهلة وعند أول لقاء .. 

کیف یدرکه ؟ کیف یحس به ویقدره ؟ 

هل مت , جهاز » في داحل النفس » يحسب المقاييس والأبعاد » والأضواء والظلال › 
والخطوط والألوان ... ثم مخرج من حسبته بأ هذا جميل وذاك حاو من الجحمال ؟ 

لا شك أن هناك حاسة ني باطن النفس تمطن للجمال وتحسه وتستجيب له . ولكنها 
لا تَحسب ولا تقدر . وانما تدركه بداهة بغير تفكير .. على طريقة الروح في الاإدراك لا 
على طر بقَة الذهن ذي الابعاد والمقاييس . 

وقد يتدخل الذهن في « تقويم » الحمال » ووضع شروط له ومقاييس . ولكنه ليس هو 
الذي يقدّر ني الحقيقة . فهو حين يقوم بوضع الشروط والمقاييس يستمدها ي الحقيقة من 
البداهة الطليقة الى تدرك الحمال لأول وهلة ودون تفكير . 

وتلك من عجائب الله المعجزة في خلقة هذا الكائن البشري .. أن يهب له هذه الموهبة 
الفذة ؛ التي تتجاوب مع روح الكون العميقة تجاوباً مباشرا »> كما تحخفق العين للضوء › 
وتحفق الاذن للاصوات ! 

لحة .. جرد للمحة .. فإذا الجمال منطبع ثي الحس » وإذا النفس تتحرك لاستقباله 
ني فرح وسرور . وکأن روح الاإنسان وروح الکون شقیقان متعارفان › حیتا تلاقیا هش کل 
مهما للاخر > والتقيا أي عناق طويل ! 

« فتبارك الله أحسن الخالقين ۾“ . 

وإذ كانت البديمة هي الموكلة بالجحمال - لا الذهن - فن العسير أن توضع له القواعد 
الحاسمة وترسم له الحدود القاطعة » كالقضايا الذهنية او الفلسفية الخالصة . وحين يتعرض 
الذهن للجمال » فهو - كما قلنا - يستمد مقاييسه من البداهة » فلا تجيء هذه المقاييس 
ذهنية خحالصة ٠‏ ولا تجيء قاطعة حاسمة كالحقائق الرياضية ؛ ومع ذلك فن الممكن - ي 


(1) سورة المۇمنون [14] . 


منهج المن الإسلامي 


العمومانت على الأقل - أن تصدر أاحكاماً شاملة ونصح قواأعد عامة »> تیسر لنا الحكم ف 
قضايا الجحمال » وإن كانت لا تكفي - وحدها - للحكم على كلل حالة مفردة » حيث 
لا بد من استخدام الداهة الي تتذوق الحمال ! 

وع اي حال ما دمنا « نتحدث » عن امال وة - وهو مر غير وس 
اوصاف هذا الحمال . 

+ ج 

وأول ما يلفت الحس تي الحمال أنه ليس «ضرورة » .. وانما هو عنصر زائد عن 
الضرورة 

والكون الواسع الذي لا يدرك اللحس البشري وله واحره > مهما تيح له من وسائ 
الرؤية ووسائل النفاذ إلى الأبعاد .. الكون الذي تبعد بعض نومه عنا بعلايين السنين الضوئية . 
أي ملايين الملايين من الأميال .. وهو مع ذلك « معنا » ي وجود واحد ! .. الكون الذي 
يشمل من الحجائب والموافقات ما لا يحلم به خيال بشر ولو رصد خياله لتصور العجائب 
وألوافقات . 

هذا الکون لا یعلم سره سوی خالقه . م حل ؟ کیف خحلی ؟ متی خلق ؟ کم يظل 

قائ ؟ كيف بصير حاله غداً بحد آماد متطاولة من الزمان ؟ 

لا يعلم البشر شيا من ذلك وإن عرفوا - فيما تكشف لمم العلوم عنه - بعض أسرار 
ترکیب الکون وبحعض اسرار طاقاته . 

ولكن شيئاً ما . ني بنية هذا الكون » يلقت الحس حين يتوجه إليه مستطلعاً متفتحاً لا 
وراء المواد والأشكال : أنه طليق من الضرورة . 

فا الضرورة في خحلق هذا الكون الواسع العريض ؟! 

. إن الله لغني عن العالمين » "' وليس أي « حاجة » إلى هذا الخلق كله من جوامد وأحباء‎ ١ 

وهو نحأ ضح لناموس ينظم ح رکته ودورانه + ویشسیى عناصره وطاقاته ولکن ذلاک 
التاموس » نظام » ولیس ١‏ ضرورة ١‏ ! .. وإلا فليس هو النظام الوحيد الذي كان عمكن أن 
یکو ت عليه الکرن . ولحت موافقات « رياضية » شتی ؛ ملايين الملاين من الموافقات ۽ كان 
کن أن تکون نظاماً هذا الکرن ل و أرادها الله الخالق المبدع المريد ء الفعال لما ير يد . 

فهر قد خلقه من ر صرورة قاهرة , 


سورة العنكبرت ]١[‏ . 


۸“ 


الجمال ي التصور الاإسلامي 

وأعطاه نظامه عن غير ضرورة مقيدة لحريته سبحانه . 

وهذا ر النظام » الذي ليس « ضرورة » عنصر ولا شك من عناصر الجحمال في الكون › 
إن لم يكن هو ذاته الجمال . 

والانسان خليفة الله في الأرض .. الخليفة الذي كرمه الته وفضله »> ووعاه وعلمه › 
وزوده عختلف الطاقات . 

وهو بده الخلافة وهذا التكريم › أجدر مخلوقات الله أن يدرك امال في حقيقته 
الجحوهر ية الى خلقه بها الله . 

وقد لا يدرك الإنسان بذهنه كل أسرار الكون » ولا يصل إلى حقيقة جوهره لو أحذ 
يدرسه من الظاهر > ويتايع حركته الظاهرة للحس . ولكنه حين تتصل روحه بالله » قمين 
بأن يصل .. وهو الذرة الفانية الزاثلة .. إلى حقيقة الوجود كله .. حقيقة الأزل والأبد الى 
ليست ها هاية ولا بدء » ولا زمان ولا مكان . ذلك حين برى الله . ۰ 

والله يدعو خلقه أن يبحثوا عله ي صف الکون الواسع .. ون يتصلوا به ومجدوه .. 

« إن ني خلق السياوات والأرض » واختلاف الليل والار » والفلك الى تجري ني 
البحر با ينفع الناس ٠‏ وما أتزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتا » وبث 
فما من كل دابة > وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض » لآيات لقوم 
يعقلون » . 

4 ي« 

وأول ما يلفت الحس ني الجمال كما أسلفنا أنه « نظام » ولكنه ليس « ضرورة » .. 

وهذا النظام - كما يبدو في صفحة الكون - مظاهر متعددة » منها الدقة . والتناسق . 
والتوازن . والارابط . وخفة الحركة رغم ثقلة الاوزان . 

الدقة العجيبة المذهلة الى لا حتل قيد شعرة في هذا الفضاء العريض .. الدقة المضبوطة 
لا باليوم ولا بالساعة » ولا بالدقيقة > ولا بالثانية » ولا بالثالثة .. ولكنها مضبوطة بسرعة 
الشعاع ! الذي ينطلق بسرعة ۱۸١ ٠٠٠‏ ميل في الثانية ! 

فهذا الكون الذي يشتمل على بلايين البلايين من النجوم » كلها متحركة لا تفتر عن 
الحركة لحظة واحدة منذ الأزل السحيق الذي لا يدرك عقل البشرية مداه .. هذا الكون لا 
يصطدم فيه جم واحد بنجم » ولا يحدث الخطأً ي مدار واحد من مداراته الي تعد بالبلایین . 

وتلك دقة معجزة لا يقدر عليها غير مبدع الكون » الواحد المفرد الذي ليس له شريك . 

وهي دقة جميلة بلا شك .. تبده الحس وتهزه من الأعماق . 


. ]114[ سورة البقرة‎ )١( 


AY 


منهج الفن الاإسلامي 


والتناسق الذي يبدو جانب صغير منه ني مجموعتنا الشمسية بتركيبها الدقيق » والذي 
ينشاً عنه ي أرضنا ہار وليل > وضوء وظل » وشتاء وصيف »› وخريف وربيع » وحر 
وزمهریر › ومد وجزر ... ویبدو جانب منه أکبر في منظر السماوات عا تشتمل عليه من 
جوم ذات أبعاد مختلفة وأاحجام > وذات درجات مختلفة من الاشراق واللمعان » وذات 
محموعات متالفة ت تتحرك بكامل أفرادها في الفضاء العر يض . 

والتوازن .. الذي مسك السماء أن تقع على الأرض - إلا بإذنه .. هذه الأجرام المذهلة 
الحرم والوزت ٠‏ الي يعجر العقل عن تصور وزن أبسطها وأصغرها » إلا أرقاماً على الأوراق .. 
معلقة ي القضاء بغير عمد »› موزونة الحركة > تدور في مدارها المرسوم > لا تېتز عنه ولا 
تخرج على نظامه .. ولو حرجت قيد أعلة لاخحتل تواز نا وانساحت ني الفضاء المذهل الرهيب . 

والترابط .. الذي مسك تلك الأجرام بعضا ببعض ٠‏ برباط وثيقق يقول العلم إنه 
الجاذبية > ويقول الحس إنه قدرة اله في أي ثوب من أوابا وأي شكل من الأشكال . 
تترابط فإذا كلها - وهى البلايين الى يعجز عنها الحصر » في فضاء يعجز عنه التصور - 
أسرة واحدة متكافلة » فيا الصغير والكبير › والشباب والشيوخ » والخامد والمشتعل . 
بجحذب بعضمم البعض ويحمل بعصم البعض ٠»‏ ي تناسق وتوافق »› فلا يقع مهم احد ‏ 
سواء الطفل الصغير والشيخ الكبير > وإ نما يدورون دورتہم اطائلة متهاسكين بايد خحفية لا قبين » 
یبوصوص بعضہم إلى بعض کما فق عیون الأحبة بالمحبة والحنين . 

وخفة الحركة .. الي تبدو ي تلك الأجرام اهائلة الي يعجز الخيال نفسه عن تصور 
كتلتها ولقلها لو قيس بقاييس الأرض »> تتحرلك منطلقة في الفضاء بسرعات مذهلة : 
١‏ وترى الحبال تحسبها جامدة وهي ر مر السحاب . صنع اله الذي آتقن کل شيء » . 
وحين استطاع الإنسان أن يطلق قذيفة وزنما أقل من الباءة المنثورة بالنسبة لتلك الأجرام » 
بسرعة من أبسط السرعات الكونية › أدركته نشوة أخحرجته من كانه وأصابته بالذهول ! 

وهي حركة تتيحها همذه الأجرام الثقيلة الماردة أا في حقيقتها عبارة عن طاقة . طاقة 
متليسة لي المادة . طاقة متحركة في صميمها . متحركة حتى أعمق أعماقها . لي أبسط 
مكونا ہا المعروفة حتى اليوم . في الذرة الضئيلة الي لا يدركها الحس إلا حين يفرغ ما فيها من 
الطاقة فاذا هو مدهل عظم 

تلك سمات الحمال تي الكون .. وهي ذاتا سمات الحمال ني هذه الأرض وفي حياة 
الاأنسان ! « ماترى في خلق الرحمن من تفاوت . فار جع البصر هل تری من فطور ؟ » '“ . 


. ]۳[ سورة الللك‎ )١( 


AA 


الجمال في التصور الإسلامي 


الأرض عا فيا من جبال ووديان .» ومحيطات وبحار » وجداول وأنہار .. وما قي 
جوها من أبمخرة وسحب وأمطار .. وما عليا من نبات وحيوان وطير وإنسان .. جميلة كلها 
بديعة الحمال . 

هذه النقطة من الطل المتلالئة تي ضوء الشمس . 

هذا البرعم المتفتح تنطلق فنه الحياة . 

هذه الورقة النابتة كالطفلة الوديعة تبتز للنسمة الخافقة كما تمتز الطفلة بكل خجرية 
جديدة في الحياة . 

هذه الريشة البديعة ني جناح الطائر » منسقة الألوان دقيقة التركيب .. 

هذا الفرخ الناقف من البيضة › جميلاً في ضعفه »› لطيفاً في سذاجته .. 

هذه الأضواء والظلال تقصر وكتد في حركة دءوب . 

هذا الجدول الرقراق .. والهر امتدفق .. والبحر المتلاطم .. والخض الموار . 

هذه المدأة في الليل الساكن الغاي النعسان . 

والصبح إذا تنفس من هدأته » وتنفست معه الأحياء .. 

كلها .. كلها جميلة بديعة الجمال . 

وكلها جارية على ناموس الحمال في الكون الكبير . 

الدقة . والتناستق . والتوازن . والترابط . والحركة والانطلاق .. 

الدقة الي تبدو في کل شيء .. في مطلع الصبح ومغرب الشمس - بالنسبة للأرض - 
في موعد مضبوط شدید الانضباط »› پیحسب بأدق الات الحساب البشرية فيفوقها ي دقة 
الميعاد . كما تبدو ني لون الزهرة الصغيرة المتعددة الألوان التي تحجز الريشة الدقيقة عن 
محا كاتا بهذه الدقة المحجزة » بيا تنبت هي لي سہولة ويسر » حاملة ألوانبا على « اللي 
بلا كد ولا إرهاق . كما تبدو ني ريشة الطاثر البديعة اللي تحمل المحات من الريش المغرد 
بل الألوف › کل ني مکانه على وجه الدقة : مرتب کأ نما رتبته ید ماهرة > وکل يحمل نصیبه 

من اللون الذي يتكامل ي الر يشة الكاملة بمنظر بيج ل 
وهي جهاز حي متحرك يحمل كل مقومات وجوده ؛ وني عدد الكروموسومات الي تحملها 
- بعدد مضبوط لا عطی - وعدد اينات حاملات الصقات الوراثية > الدقيقة الى بعد 
حدود الوصف . کما تبدو تي عدد کرات الدم وعدد حفقاث القلب وعدد مرات التنقس 
وعدد درجات الحرارة الخاصة بكل مخلوق على هذه الأرض .. الخ .. الخ .. 

والتناسق الذي يبدو ي توزيع الألوان والظلال والأضواء والكائنات ني رقعة البسيطة . 
بصورة تلفت الحس وتستريح ها العين وتش ها النفس وتہداً ها الأعصاب . 

٫ألم‏ تر أن الله أنزل من السياء ماء فأخحر جنا به رات مختاقاً لوا نما ہا » ومن الحبال جدد 


A۹ 


منهج الفن الاإسلامي 


بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه 
کذلك ' . 

١أ‏ تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً» . 

٫واده‏ جعل لکم ما خلق ظلالاً > وجعل لک من المبال أكتاناً > وجعل لکم سرابیل 
تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسکم . كذلك یتم نعمته علیکم لعلکم تسلمون »" . 

أو لى دروا اف ما خلی أډله من شُيء بقفياً ظاد له عن اليمين والشہائل سجدا لله وهم 
داحرون  ٩۶(‏ . 

الخ .. الخ .. 

والتوازن الذي يبدو في اتزان حركة الأرض وثباتما » وني عدم طغيان ما عليما من الخلائق 
بعضها على بعض . كل له قدره الموزون الذي يكفيه لأداء دوره على الأرض كما أراده خالقه : 

«والأرض مددناها » وألقينا فیها رواسي » وأنبتنا فیا من کل شيء موزون »(“ . 

والاإشارة إلى الوزن - او التوازن ‏ هنا أشارة عجة 4 تر ٤‏ اللحس اة ظة ذه الصفة 
الي یتسم با خلى الارض كلها وما علا › كما تصل الحس ال تف بالله مباشرة › حخالق 
هذا «الكل شيء» الموزون . 

« حلی السياوات بعر عمد ترو ا وألقى ف الأارض رواسي أن مید بكم و بث فا 
“ن کل دارة : وانزلتا من السماء مأء فانبتنا فا ص‌‌ کل زوج کریم ٠۲‏ . 

وجعل فيا رواسي من فوقها » وبارك فہا › وقدر فا أقواتہا »“ . 

الخ .. الخ .. 

والترابط .. الذي يبدو ي اجتاع هذه الخلائق على أصل واحد » ومصير واحد » 
واشترا کھا ي نشاط واحد یربط بینہا جمیعاً . 

و و الله خا و“ يه # ٤‏ : : 

وله حل كل دابة من ما . مهم من عشي على بطنه ومنهم من عشي على رجلين › 

وم من عشي على آریع ‏ بحل الله ما یشاء . إن الله على کل شيء قدیر» ^ . 

فهنا ارتباط في المنشا » وارتباط في صفة الحياة الي تجمعهم فيا كلمة «مر» تربط 
نس العاة ۱ ة 3 = . . ۹ . ¥ 
بون العاقل وخير العاقل ون .شي عى بطنه ومن .عشي على رجلين ومن عشي على أربع . 


ولله مير اٹ السياوات والارض © . 


. ]١١[ سورة لقماك‎ )١( . ]۲۸  ۲۷[ سورة فاطر‎ )١( 
. [1°] سورة فصلت‎ (Y) . [%١ سورة الر قان‎ (۲) 


(۳: سورة النحل )۸١[‏ . (۸) سورة الثور ]٤٥[‏ . 


سوا 1 
(8) سورة انحل [4۸] . (۹) سورة ال عمران ]۱۸١[‏ . 


(د» سورة الحجر [1۹] - 


۹۰ 


الجمال ني التصور الإسلامي 

«وإنا لنحن نحيي ونعيت ونحن الوارثون»'“ . 

وهنا ارتباط في المصير . 

« ولته يسجد من في الساوات والأرض ٠»‏ 

«ولله يسجد ما قي السماوات وما ني الأرض »" . 

فن أي السماوات ومن في الأرض وما ني هذه وتلك يشتركون ني نشاط واحد هو العبادة 
لله خالق الحميع . نشاط يشمل الكائنات كلها من جوامد وأحياء . 

وذلك فوق الترابط « المحسوس » بين الكائنات > الذي يعرفه العلم » من ارتباط الحياة 
والأحياء على سطج الأرض بوجود الأ كسجين والإيدروجين وبقية العناصر بنسب موزونة 
محددة لو زادت أو نقصت لاختل کل شيء . وارتہاط وجود کل حي من الأحياء بو جود 
الآخحر زيادة ونقصاً » وتأثر كل واحد بنشاط الآخر : وما يعرف في العلم بامم « دورة الكربون» 
٤‏ الأرض . حرج من النبات في صورة غذاء فيتناوله الأنسان والحيوان . ٹم بعود هذان 
فيفرزانه ثي المواء فيلتقطه النبات ويعود الى صياغته غذاء .. وهكذا في دورة رتيبة مضبوطة 
تر بط جمیع هذه الكائنات . 

الخ .. الخ . 

والحركة الحية .. الي تبدو ني كل شيء على سطح الأرض . حركة الأحياء من نبات 
وحيوان وطير وإنسان . وحركة اهر والبحر والمحيط وحركة الحياة والموت › وما تنقصان 
من هنا وتزيدان من هناك . وحركة الأضواء والظلال والبار والليل . الخ .. الخ . 

والقران يبرز هذه الحركة إبرازاً حتی يصل إلى دقة مبدعة ني التصوير في مثل قوله ٠:‏ 

« وله يسجد من ثي السهاوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال ,“ ! 

فالحركة لا تشمل الأحياء من ني السياوات والأرض فحسب » ولکن تشمل ظلاهم 
أيضاً » فتحيبها » وتحركها » حتى لا يصبح شيء ني الوجود كله غير حي وغير متحرك 
مع الأحياء ! 

وكذلك : 

« والليل اذا عسعس > والصبح اذا تنفس » . 

حركة مصورة تبث الحياة في كل «معنى » من معاني الوجود . 

وهذه الح ركة جمال فائق فوق كل جمال .. 


3# ¥ ¥ 
)١(‏ سورة الحجر [۲۳] . (۳) سورة النحل ]٤۹[‏ . 
(۲) سورة الرعد )٤( . ]٠١[‏ سورة الرعد ]1١[‏ . 


۹۱ 


منهج الفن الاسلامي 


تلاك مجالي الحمال ني الأرض » فإذا انتقلنا إلى الإنسان وجدنا مقاييس الحمال فيه هي 
ذاتہا ‏ أو ينبغي أن تكون - مقاييس الكون كله المتمشية مع ناموس الوجود . 

ف اة اللأنسان لا تكون جميلة - بادئ ذي بدء - إلا إذا کانت « نظاماً » طليقاً من 
« الضرورة » . 

نظاماً .. فالفوضى المنفلتة من كل قيد ليست جمالاً » ولا كذلك الحياة ي داحل 
قيود الضرورة . 

الفوضى صورة من صور الوجود لا يعرفها الكون ولا يعترف بها ناموس الوجود . فكل 
شيء منظم منسق موزون . 

والقيد القاهر صورة من صور الوجود لا يعرفها الكون كذلك ولا بعترف با ناموس 
الوجود > لأنه حال ر من عنصر عنصر الضرورة ثي خحلقه وفي نظامه سواء . 

وا عا هو النظام .. النظام الدقيق الذي تتحوازن فيه الموى وتتناسق الطاقات ۽ ورج 
منپا كيان مترابط » حي » متحرك . طلیق . 

حين ينفلت الإنسان من كل قيد .. اجتاعي أو اقتصادي . أو إنساني .. وينطلق يستجيب 
لكل هوى أي نفسه وكل نازعة .. فإنه من تاحية لا يعود إنساناً » لأن الإنسان ذو قوة ضابطة 
بستخدمها بوعیه وارادته لتنسيتق الحياة الإنسانية وإشاعة التوازن فيا »> ذلك التوازن الذي 
بقتضي ألا تصطدم أهواء الناس ٠‏ ولا يتفكك المجتمع وينحل نتيجة لشرود كل واحد من 
أفراده على هواه . ومن ناحية أخرى يكون خارجاً على ناموس الكون » الذي لا تشرد فلا كه 
على هواها ٠‏ ولا تنفلت ما ير بطها بغيرها من الأفلاك من رباط جاذب متين . 

وحين يعيش الإنسان حياته في داحل نطاق الضرورة : ضرورة الطعام أو الشراب أو 
ا لجنس .. لا يرتفع عنها إلى مستوى «المشاعر النفسية » والعواطف والاإدراك والوعي › فإنه 
من ناحية لا يعود إنساناً » لأن الحيوان وحده هو الذي يعيش ضروراته على هذا اللحو › 
لا یتصرف فیا » ولا تار موقفه منہا » ولا يدرك بوعیه أهدافها » ولا تصاحبها ي « نقسه » 
مشاعر ولا عواطف ولا أفكار . ومن ناحية أخرى يكون خارجاً على ناموس الكون » الذي 
لا تتحرك فلا که عا لى هذا الحو المعين لضرورة قاهرة » وإ نا عن اختيار من خالقها » وعن 
تجاذب حي بينها ٠‏ يشبه «عواطت» الأحياء . 

ومن ثم يتعين الجمال في الحياة الانسانية بصفة عامة : أنه نظام مطلق من الضرورة . 

هذا «النظام» يقتضي موازنة الكيان البشري كله فضي داخل النفس وني واقع الحياة . 

يقتضي ني داخحل النفس ألا يصبح اللإنسان جسداً وحده أو عقلاًوحده أو روحاً عفردها . 
وإعا كياناً واحداً ينظم كل هؤلاء . 

فحين تغلب على الإنسان شهوة الحسد الغليظة . أو تأملات العقل المنقطعة عن واقع 


۹۲ 


الجمال في التصور الإإسلامي 


الأرض . أو سبحات الروح الي تعزل الإنسان عن الواقع وتحوله إلى سابية لا أثر هما في 
عام الحس .. فكل ذلك اختلال يفسد ترابط النفس وتواز ما .. ومن ثم فهو غير جميل . 

وحين يتسبب الإنسان ني إفساد توازن المجتمع الاقتصادي أو السياسي أو الخلني > 
فیشیع الفاحشة الاقتصادية بتركيز الثروة هنا وسلبها من هناك » او الفاحشة السياسية باقامة 
الطغيان ني الارض واذلال الضعفاء » او الفاحشة الخلقية بنشر الجر عة وتيسيرها والدعوة 
الما . فهو ني كل حالة من هذه الحالات غير جميل .. لأنه مخالف لناموس الحياة . 

والنظرة الى الحمال في الحياة الإنسانية على هذا المستوى الشامل » المستمد من حقيقة 
الكون » كفيلة بأن توسع مفهومنا الجمالي ولا تحصره ي حدوده الصغيرة المعروفة . 

جمال «الطبيعة» جميل › نعم . والاإسلام - كما اسلفنا - يوجه إليه النظر ويدعو 
إلى التمتع بكل ما فيه من جمال .. على ألا يشغل ذلك النفس عن الحياة المشمرة المنتجة وتحقيق 
الأهداف العليا من الحياة . 

وجمال الأجساد وجمال الجنس »› نعم » ما ني ذلك شك .. 

ولا يقول أحد إنه غير جميل .. ! 

ولكن بشروط .. هي نفس الشروط .. ! 

« نظام » طليق من «الضرورة» . 

نظام تراعى فيه حقيقة المجتمع وحقيقة النفس المغردة فلا عحتل هذه ولا تلك . 

لا تختل حقيقة المجتمع بإطلاق الشہوات الباحثة عن جمال الجسد وجمال الجنس > 
تفسد روابط الأسر وتحل قيود الأحلاق » وتتهي بالأمة ي النهاية إلى البوار . ولا تحتل 
حقيقة النفس فتصبح مستعبدة للشہوات . ٠‏ 

تلك بجر بة التاريخ لا ينبغي أن نغخفلها انسياقاً وراء الأهواء : 

« قد حلت من قبلكم سنن فسيروا أي الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين “٠‏ . 

كل أمة أطلقت لنفسا شوة عشق الحمال الجسدي والحمال الجسي » كانت نتيجتها 
واحدة ني الهاية : تحطمت وغلب علا غيرها من الأم القوية المهاسكة الي لم تفسد بعد . 
كذلك فعلت اليونان القدعة . وروما القدعة . والعام الإسلامي حين طغت عليه الشہوات . 
وكذلك فعلت فرنسا أي العصر الحديث . وكذلك تصنع بقية الدول الغربية الي تبدو اليوم 
قوبة مباسكة وهى منحلة من الداحل ينخر ني كيانہا السوس . نسبة الطلاق في أمريكا ٠١‏ ./'! 
لأن «عشق الحمال» يفسد الاستقرار ي داخحل الأسرة ومجعل الزوج والزوجة هائمين في 
الببحث عن جمال جديد ! وانجلترا » بدافع الاستمتاع بالحمال الجسدي والجنسي اطول 


. ]۱۳۷[ سورة أل عمراك‎ )١( 


۹۳ 


فترة ممكنة تؤخر سن الزواج وتحدد النسل » ومن ثم يتناقص تعدادها تناقصاً مريعاً يهد دها 
بالفناء .. وهكذا .. وهكذا سنة الله في جميع الأم الخارجة على الناموس ! 

والطلاقة من الضرورة من جانب اخحر تقتضى أن يكون الإحساس بالجمال الحسدي 
والجمال ا لجسي على طربقة الإنسان لا على طريقة اللحيوان الخاضع لنزوة الضرورة لا ملك 
التصرف فبا ولا علك الاختيار . 

وني عام الحيوان تكون كل أنشى مشاعة لکل ذکر يستطیع آن يحصل علیہا »> وکل 
ذكر أي شوق لحميع الإناث .. وهذه ضرورة . 4 

ولكن ثي عالم الإإنسان توجد الروابط النفسية والروحية بين الذ كر والانثى : «ومن اياته 

أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها » وجعل بينكم مودة ورحمة ٠‏ . 

ويوجد المدى الواسع في «درجات» الحنس وأنواعه » الي إعلك الإنسان من بيا 
الاحتار ١‏ 

فلكى يحقق الإنسان كيانه - وهو خليفة الله في الأرض - ينبخي أن يكون إحساسه 
بالجمال الحسدي وال محتسي على هذا المستوى الرفيع » الذي لا جعل الجحنس ضرورة.» وإغا 
سلوكاً حراً يتميز فيه إنسان عن إنسان . 

وي هذه الدائرة بحدودها المتمثلة في النظام والطلاقة » يبيح الإسلام اللإحساس بجمال 
الجسد وجمال الجنس .. بتفس الشرط الذي اشترطه ني الالحساس بجمال الطبيعة : ألا 
يشخل النفس عن الحياة المغمرة المنقجة وتحقيتق الأهداف العليا من الحياة . 

پبیح المتعة الحنسية كلها > في حدودها المشروعة . 

«أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم»“ . 

والرفث الحركات والأقوال المصاحبة للعمل الحسي . وعلماء البلاغة يقولون إنه كناية 
عن العمل . ولكن الحقيقة أوسع من الكناية . فالمقصود ألا يكون العمل الحنسي حركة جسدية 
حالصة » لا تتمثل فيا غير ضرورة الجحنس . وإ تما توسع مساحنہا » حتى تصبح أقوالاًومداعبات . . 
وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم » وما روته عائشة رضي الله عنها من حاله معها » يؤكد 
هذا العنى ويحض عل أقوال وأعمال تعبر عن عاطفة وشوق ورغبة ي الامتزاج » وهي 
كلها امور «إنسانية » ترفع الحنس عن مستوى المائم المقيد المحدود . 

وذلك هو «الاحسان» في امور الجنس .. أو هو الجمال . 


(1) سورة الروم ]۲١[‏ . 
(۲) انظر الفصل السابق «العواطف البشرية في التصور الإسلامي » . 
(۳) سورهة ألبقرة [YAY]‏ . 


۹٤ 


الجمال أي التصور الإسلامي 


والاإسلام كذلك لا یہی آن يحب الإنسان وجهاً جميلاً أو جس جميلاً ويقدر ما 
فيه من الجمال وينجذب اليه .. ولكنه لا يبيح ذلك فوضى .. فالطريق إلى الاستمتاع بهذا 
الجمال هو الطريق المشروع وحده .. لأنه هكذا يقتضي «النظام» . 

ولكن هذه الإباحة - وميدا نما واسع ما عدا الفاحشة - لا تتسي الاإأسلام مات الحمال 
الأخحرى الي يرمها اموس الوجود في نطاقه الكبير . 

لا تنسيه التناسق .. وهو شرط من شروط الجمال لي ذلك الناموس . 

والتناستق يقتضى تناسق الأهداف الإنسانية ونواحي النشاط . 

وحين تنقضى الحياة في تذوق جمال الجسد وجمال الجنس .. أو حين يأحذ هذا التذوق 
مساحة ني رقعة الحياة أكثر ما ينبغي له .. فتى .. متى نتحقق بقية أهداف الحياة وبقية 
لوان الجمال ؟ 

متی يتحقتق الحمال الاجماعي والسياسي والفكري والروحي ؟ 

ليست هذه كلها صنوفا من « الجمال » بالقياس إلى الان ؟! 

متى تشحقق العدالة الاجتاعية والسياسية والدولية » الي يتمتع فيا كل فرد بنصيبه المشروع 

من الرزق ٠‏ والكرامة »> والاستقرار › والاطمئنان ؟ ويتمع تع کل إنسان بوفرة من الحهد وسن 

المشاعر تتيح له أن مرج من قيود الضرورة » ويسعى إلى تحقيق أشواقه العليا » ويحس با 
في الحياة من جمال ؟ 

أو ليس يقتضي كل ذلك كفاحاً وكدحاً ومشغلة بالليل والہار ؟ 

فنى يتحتتق ذلك » وتحقيقه أمر لازم لتنظم حياة الإنسان ٠‏ 

وحين تستغرقنا متعم الحمال الحسي › > فاذا يقَضل لنا من الطاقة وماذا يفضل لنا من 
ارقت ومن الاهنام > تسى به إل تحقيق تحقق هذا الجمال الأكبر > الذي ممل حياة البشرية 
عامة » ويشرك خافاء الله كلهم ي طيبات الرزی وطبات الحاة ؟ 

انه لیس تحريم امال الجنسي وجمال الأجساد .. ولکنه التنظم والتنسيق والموازدة 
بین شتی أهداف الحياة . 


ا 3# * 


ومن هنا تصبح الفنون « الجسدية » كلها إسرافاً في التعبير وخوللاً يد امال ال کر 
تي حياة الإنسان . الرقص .. والنحت .. والصور العارية .. والشعر المكشوف .. والقصة 
الي تتحدث عن فورات الحسد .. والموسيقى الصاخحية الي تحبر عن هياج الشوق ي الجحسد 
الحيوان . . والسينا العارية الي تعرض خليط من كل هؤلاء . 

كلها اسراف من ناحية جسيمها للجسد » وعرضه معرض الفتنة أو معرض العيادة 
والتقديس . 


منهج الفن الأسلامي 


« فاللحن » الأنساني لحن متكامل » يعبر عن الإنسان عجموعه » لا عن جسده وحده › 
ولا عن طريق الأجساد . 
وار قص - مثا - مهما قيل فيه من تنغم وتوقيع › »> لن تعدو حقیقته أنه ابراز لجانب 
الحسد » وتعبير عن الحياة عن طريق المحسد .. أي أنه فن يفصل قبضة الطين عن نفخة 
الروح ويعرض جانباً واحداً من الانسان . 
وة الفنون «العارية » غنية عن الكلام ! 
والفن ينبغي له وهو يعبر عن الحياة الإإنسانية أن يراعى التناسق والتكامل والترابط ني 
هذه الحياة . ٠‏ ۰ 
وحین يبرز الحنس وحده أو جمال الحسد وحده » فهو مخل ولا شك بکل هذه الشروط . 
فاین يكون ني لوحة الفن الحنسي تصوير الحب إععناه الشامل » الذي تحدثنا عنه في 
الفصل السابق : الحب الأإلمي ٠‏ والحب الكوني › والحب الانساني ؟ 
وأين بي هذه اللوحة يكون صراع الخير والشر وتعاقب جولاتمما وتداخلها في واقع 
الحياة : ينيت الخير من الشر وينبت الشر من الخير : «وتلك الأيام نداوها بين الناس » ؟ 
وأين يكون موقع «القدر» .. تلك القوة المحركة الكبرى الي تنستق لوحة الحياة با 
توزعه على الناس والکائنات من أقدار : موت هنا وحياة هناك . وهز عة ونصر . والام وامال . 
وسعادة وشقاء . وحلاوة ومرارة . ومغانم ومغارم . وإقبال وإدبار . وإعطاء وحرمان ؟ 
وأين يكون موقع لأشراق اليا اي تحس برا البشرية حين تتطلق من القيد ٠‏ . ممثلة 
ي العقيدة والاعان بالله والإعان بالغيب والاعان باليوم الأحر .. وأثر ذلك کله في واقع 
الأفراد وواقع الحا ؟ 
الحمال الجنسي جميل . نعم . ولكنه لا ينبغي أن يجاوز مكانه المقدور في لوحة البشر بة 
ولوحة الفنون . 
والحمال الأ كبر المستمد من ناموس الكون › هو الذي بنبغي أن عارسه الفنون اللانسانية 
الرفيعة » الي تتجاوب جاو ا صحیحاً مع حفيقة الوجود . 
وذلاك هو امال الذي يتصوره الإسلام ٍ 


۹٦ 


القتدر ف التصورالامتلاي 


القدر ي حس الإنسان حقيقة هائلة » رهيبة معخوفة .. مرتقبة ومتقاة ! 

ذلك آنا تتصل بالقوة البي تدبر الكون وتصرف الحياة , . القوة الي نح ونع » وتسعد 
وتشي : وتقرح وتحُزن وتاحذ وتعطي : وتعذب وترضي : وتحرم وتغدق » وهب الحياة 
وتأحذ الحاة ! 

وتتصل ني الوقت ذاته بالمجهول .. بالغيب المحجوب عن الأبصار . 

وتتلفع بالكتان ! لا تفصح عن سرها قبل أن تقع > وقد تقع وهي مع ذلك مغلفة 

بالأسرار ! 

شيء هائل رهيب .. لا جرم يشعر الإنسان إزاءه بالضالة والانحسار ! 

 » » 

إن امال الإنسان لكثيرة . وإن مخاوفه لمتعددة . 

يأمل الانسان أن يعيش أبد الدهر ! 

فاذا أعجزه الخلود ني هذه الأرض »> وتوالت على حسه طرقات الموت تنذره بأن هذا 
الأمل مستحيل » راح يلتمس الخلود في وسائل أحرى ٠‏ ني الامتداد بالنسل تارة » ومحاولة 
الامتداد بالذ كر تارة » وتوسيع أفق الحياة تارة لتقسع عَرضاً إذا استحال اتساعها بالطول . 
وبامروب تارة من واقع الارض المحسوس كله » والالتجاء إلى عالم الروح » الخالد الذي 
للا بصيبه الفناء . 

ويأمل الإنسان أن يعيش المَدرَ المقسوم له من الحياة سعيداً » خالياً من المتاعب والالام 
والأحزان > هادئاً رضی الال .» لا تنوشه المشاغل ولا تفسد هدوءه المنغصات . 

ويامل ان يعيش مطمغناً .. لا تفزعه الأحداث بالأحطار . أخحطار الموت والاصابة 
والمرض والأذى والحرمان . 

ويأمل أن يعيش مستمتعاً بالقوة والجاه والسلطان .. «بالبروز» ني أية صورة › أو ني 
جميع الصور على الإطلاق ! 

وانه لیخاف .. 

حاف أكبر ما مخاف الموت .. فهو الذي يحرمه رغبته الأولى .. رغبة الحياة . 


%۷ 


منهج الفن الإسلامي 


ومخاف العجز والمرض والضعف والشيخوخة . 

و حاف الفقر . 

واف الأذى . 

واف الحرمان ... 

وترتبط اماله ومخاوفه بالغيب .. 

فهو لا يعلم » ولا يستطيع مهما أوتي من المقدرة أن يعلم ماذا يكسب غداً ولا بأي 
أرض عوت ! «وما تدري نفس ماذا تكسب غداً » وما تدري نفس بأي أرض توت ٩»‏ 
بل لا يستطيع أن يعلم غيب اللحظة القادمة الواقفة على الأبواب . بل غيب هذه اللحظة 
الداخلة عليه من كل باب ! اللحظة الي لا يكاد يقصلها عنه زمن »› ومع ذلك تفصلها عن 
علمه الماد والاباد ! 

فهو لا إعلك من أمر نفسه شيئاً ني واقع الأمر . وقد بتظاهر لحظة بالقوة . وقد يتمجح 
لحظة بالسيطرة . وقد بخيل إلى نفسه أحياناً أنه قادر ومدبر ومالك لا يأتي من الأمور . 

ولكنه ني حقيقة نفسه » ني أعمتق أعماقه .. يدرك الحقيقة . يدرك أنه لا بلك القوة 
ولا بملك التدبير . وأن ضربة من ضربات القدر عكن أن تأتيه في أية لحظة فلا يبقى شيء 
ما آمل . ولا یقدر على شىء مما يريد .. 

ضربة تفسد كل تدبيره » أو ضربة تخرجه هو من كل تدبيره » وتسلب منه الحياة ! 

لذلك يتطلع دائماً إلى القدر .. يرتقبه ... ويتقيه ! 


# چ ¥ 


وحقيقة القدر شديدة الضخامة ني حس البشرية منذ عهودها السحيقة .. وستظل كذلك 
إلى اخر العصور ! 

فالمفاجاة دائہا عنصر مرهوب . 

کل شيءَ بحدث دون أن يراه الإنسان يتضخم وقعه ي حسه . ولو كان أبسط الأشياء . 
قد يحتمل الإنسان قدراً كبيراً من الألم وهو ناظر إليه ء عارف لقدره » مشاهد لحدوثه »› 
ثم لا يحتمال شكة الاإبرة البسيطة حين تشكه على غير انتظار ! 

ذلك من صمح الفطرة .. جزء من كيانا أصيل . 

انظر إلى الطفل حين تفاجئه من وراثه بصيحة › أو لمسة لم يكن ها عنده حساب . 
كيف فزع ویضطرب واف ! 


ثم انظر إلى الشخص البالغ في ذلك الموقف نفسه .. ليس هناك فارق كبير ! 
(1) سورة لساك [ٍ۳] . 


۹۸ 


القدر في التصور الإسلامي 


وهذا الخوف من الأشياء المفاجثة - المتأصل ني الفطرة - يدي هذه الفطرة مهمة عظيمة › 
هي حفظ الحياة ! فلولا الخوف من الأحطار لم يحافظ الإنسان على حياته » ولم يحقق 
من الأهداف ما يحتاج إلى وجوده سليماً موقر الحياة . 

ولکنه - ككل شيء - حین جاوز قدره المعقول يصبح عنصراً معطلا عن الحياة 1 

وأياً كان القذر الذي مارسه الإنسان من الخوف . فالمفاجأة دائماً عنصر مرهوب بالنسبة 
إلبه » وهو شى القدر لأنه دائماً يفجره بالأحداث . 

o» # 

والقدر ي حس البشرية دائماً عنيف ! 

فالبشر لا يحسونه وهو سائر معهم ي التيار . وإ عا يحسونه وهو معا كس لحم ي الطريى ! 

«وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه » وإذا مسه الشر كان يئوساً» . 

« ولقن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عي 1 إنه لفرح فخور ! ۲" 

لا يحسونه وهو ہب مم أمانہم › و متعهم » ویحقق رغباتہم .. کما لا يحس الاإنسان 
ٻالتبار وهو سابح ي امجاهه » بنفس سرعته !| ٠‏ 
ولکنهم يحسونه وهو يحرمهم ما يرغبون . يحسونه وهو يأخحذ منہم حياة عزیزة علہم . 
أو يصيبهم ني ذات أنفسهم بصنوف مختلفة من الأ والعذاب والحرمان .. سواء ما يصيب 
الأجسام وما يول النفوس . 

ویزید من وقعه في حسہم أنہم لا یفهمونه ولا يدرکون أسراره . 

لاذا احتطف اموت تلك الطفلة البر بثة الي ليس ها «ذتب» »› والي كانت وحيدة 
أبويها » التعلقين بها » تتمثل فيها بالنسبة إليهما كل معاني الحياة ؟ 

ولاذا احتطف الموت ذلك الرجل وهو العائل الوحيد لأسرته » لا موئل لمم غيره > وهم 
عديد من زوجة واطفال واقرباء ؟ 

لاذا انہزمت الفئة المؤمنة المخلصة الى تقاتل ي سبيل الله › لا تبتغي سوى مرضاته › 

وتركت مز بها الميدان للباطل » ينتفش فيه وحده » ويعلو في الأرض ٠»‏ ويتمكن له السلطان ؟ 
لاذا انتصر الشر على الخير » فيئس الناس من مصير الخير على الأرض »> وتہاوت 
تفوس ہم » واندفعوا ي طريق هابط » لا يعملون لنصرة الحق ولا يتورعون عن ارتكاب الأثام ؟ 
لاذا رزق هذا الرجل الصالح بولد جرم بعيث فساداً ني الأرض » ويلك الحرث 
والنسل ؟ 


. ]۸۳[ سورة الاإسراء‎ )١( 
. ]١*[ سورة هود‎ )۲( 


۹۹ 


منهج الفن الإسلامي 

لاذا غرقت هذه السفينة واحترقت هذه الطائرة ووقع ذلك الزلزال المدمر العنيف ؟ 

لاذا عاش هذا الطفل وقد مات أبواه ني الحادثة وليس له من يرعاه ؟ 

لاذا يظل هذا الشيخ حياً وقد هده المرض والعجز والشيخوخحة . وبعوت ذلك الشاب 
الصاعد نحو القمة الممتللٌ بالحياة ؟ 

٠‏ وألوف من الأسئلة وألوف من التعجبات .. لا يدرك البشر كنمها ؛ فتتمشل هم «قسوة 

القدر» ثي تصريف الامور › او يتمثل هم كانه عبط خبط عشواء . 

والفنون البشرية منذ القدم تعالج أمر القدر ني الشعر والقصة والأقصوصة والمسرحية . 
الخ . وتعالجحه - في معظم الأحوال - ني ثوبه الفاجع العنيف . 

والأدب اليوناني بصفة خحاصة يفرد للقدر رقعة فسيحة ني لوحته الفنية . لا تخلو مأساة 
من ماسيه من هذه العقدة الي هي ني الواقع عنصر الأساة فيه : وهي موقف البشر العاجز 
الضعيف أمام القدر . مهما حاولوا تحديه والتغلب عليه » وعنف ضربات القدر للذين يتحدونه 
خحاصة » وير يدون أن بتصرفوا على ساس آنہم هم المالكون والمدبرون . حتی الآلهة الأسطورية 
ليست معفاة من ضربات القدر الجبار ! 

وعناية الدب اليوناني بحقيقة القدر أي حياة الناس وسير الأحداث هى ف ذاتا عناية 
صائبة . فهي كما قلنا حقيقة ضخمة في حس البشر . بل هي كذلك لي صمي بنية الكون . 
ولكن هذا الأدب مع ذلك لم يستقم ي تصویرها .. بل وقع - رغم روعته وضخامته - 
ي أحد الاخحادلات الكشرة الي تسم هذا القن . 

لقد صور العلاقة بين البشر والآهة - كما ذكرنا من قيل - علاقة مباغضة ومشاحنة 
وحرب دائمة لا تفتر من هذا الجانب ولا ذاك . وصور هؤلاء الآلمة طغاة بغاة تغلب عليهم 
شهوة السلطان والسيطرة ء ومحاولة إخحضاع البشر لأحكامهم الجائرة » الي لا معنى ها ولا 
هدف من وراتها غير هذه الشموة المتجبرة المحمومة . ثم صور هؤلاء الآلهة نزوات من الخضب 
ونزوات من العشق المنحرف . يتورع عنها الإنسان العادي فضلاً عن «الآلمة » المتصرفين ! 
ومن ثم جاء «القدر» في ادابم هذه الصورة العنيفة القاسية القاصمة » المتتحكمة ني الناس 
بلا متطى ولا ضرورة ولا هدف علوي . والي لا تريح القلب البشري في كل حالة الى عدالة 
السياء أو حكمة الأقدار . ثم انحرفوا انحرافاً تصورياً آحر » فصوروا القدر قوة عمياء لا 
لا تعقي هؤلاء الاهة المتجبر ين انفسهم من ضر با تا كمايضربون هم البشر » وهي تضرب البشر 
والآمة على السواء . 

وعن هذا التصور المنحرف - برغم ما فيه من روعة الأداء وقوة الإيحاء - القصور الذي 
يصور حقيقة القدر من الظاهر الصغر المكشوف لدارك البشر > والذي يصيبون في تصوره 


e 


القدر في التصور الإسلامي 


مرة ومخطئون مرات . ولكنه لا يصوره من حقيقته الكونية العميفة الشاملة .. عن هذا التصور 
أحذت كتير من الفنون الغربية - وريئة الأدب اليوناني - فصورت هذا «الصراع » بين 
البشر والقدر .. يبدو فيه البشر - ني معظم الأحوال - ني المحانب المعقول المفهوم المفسّر 
المرّر > ويبدو القدر في الحانب الغاشم الذي لا تفسير له ولا تدبير ء» سوى شبوة التحكم 
واذلال البشر ! 

ثم جاء وقت جنحت فيه بعض الأداب الغر بية الحديثة عن معا جحة القدر المتلقع بالغيب . 
المتعلق بإرادة الله - أو الآلمة - واستبدلت به قدراً الحر في صورة محسوسة ملموسة » شياً 
مع التحول الذي حدث ني الفكر الأوربي كله ني القرنين السابقين » أي الانتقال من وراء 
الطبيعة إلى الطبيعة » ومن المجهول إلى المعلوم » وما لا تدركه الحواس إلى ما تدركه الحواس .. 
استبدلت بفكرة الله والغيب المجهول قوئ أرضية خالصة > كقوة «الطبيعة » أو قوة « المجتمع » 
أو قوة «الدولة » أو قوة «الطبقة» .. محاولة منها أن تفسر «الله » في صورة معقولة مفهومة 
محَسّة » وأن تصغر من قذره ي ذات الوقت إلى جانب قوة الإنسان . انتقاماً « لبزوميثيوس » 
القديم الذي غلله زيوس ي الأغلال !! ولكنها مع ذلك ظلت محافظة على طبيعة العلاقة 
بين البشر وهذه القوى . على نفس الصورة الي كانت تشكل علاقة البشر باة اليونان .. 
صورة الصراع والبخضاء . ) 

فصار «البطل » ني الأدب الحديث لا يصارع الآلمة ولا القدر المغيب ني المجهول . وإنما 
يصارع الطبيعة . أو يصارع المجتمع . أو يصارع الطبقة الي تملك وتحكم .. وكلها صراعات 
تحكمها البغضاء والشحناء » ورغبة تلك.القوى ني سحق البطل وتفتيته . . ثم تكون « المأساة » 
حين تنجح تلك القوى ي التحطم کما کانت تنجح اة اليونان ي سحق المتمردين على 
سالطانها المهول » أو كما كانت تنجح الأقدار في تعحطم الآلمة والناس سواء ! 

وني الوقت ذاته أصغرت هذه الآداب - وهذا الا جاه الفكري كله - من قيمة الانسان 
حين أصغرت من قدر الله .. فقد كان اللإنسان - رغم سلبيته المطلقة إزاء الله - يقف على 
مستوى عال, من الإرادة والذاتية والتصرف ني قوى المادة وقوى المجتمع وخط سير الحياة › 
فصار - ي المفهوم الحديث - بقف موقف السلبية الخانعة من قوى الادة وقوى الاقتصاد › 
وقوة المجتمم »> كلها تفرض عليه سلطا نا وارادتہا » وهو وحده بلا أرادة ولا سلطان ! 

لقد رادت هذه المفاهم أن تلغي الله لترفع الانسان .. فكانت النتيجة أن ألغت كيان 
الانسان حين الت اه المعبود ؟ انه ف الحقيقة بستمد وجوده من ذلك الاله 1 

وهذا هو الانبحراف الذي يسيطر على هذه المغاهيم كلها > وما نشا علہا من آداب › 
رغم ما ها من روعة وقدرة فائقة ني التأثير . 


# ¥ ¥ 


منهج الفن الاإسلامي 


القدر هو إرادة الته .. المسيطرة على الكون والحياة واللإنسان . المسيطرة على كل دقمة 
من الدقائق » وكل تفصيلة من التفصيلات . 

لا شی ء ف الوحود بحدث مصادفة . ولا سىء بحدث جزافا بلا حساب 

ولا شيء يحدث بلا غاية . 
يذ كرون الته قياماً وقعوداً وعلى جنوبم » ويتفكرون ي خحلق السماوات والأارض » ربتا ما 
حلقت هذا باطلاً ¿ سېحانكڭ .. »7 . 

. ¢ أفحسبتم نما خلقنا کم عبتا ؟ وأنكم الينا لا ترجعون‎ ١ 

« وما حلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين "٠‏ . 

«وما اقتا السياوات والأرض وما بينهما الا بالحق »“ . 

« حلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صورکہ “٩‏ . 

وخلتی الله الساوات والأرض بالحق . ولتجزی کل نفس مما کسبت وهم لايظلمون» " . 

ويقول «العلم » الحديث كلاماً كثيرآً في خحلق الكون . دقته وانضباطه وترابطه وتناسقه .. 
وآنه لا عكن أن يحدث كل ما فيه من موافقات دقيقة بغير غابة ولا خحالق مدبر مريد . 

يقول جيمس جينز : العام الفلكى الذي بدا حیاته ملحداً شا کا : « إن مشا كل العلم 
الکہری لک بحلها إلا وجود اله » 

ويقول .١‏ كريسي موريسون » رئيس أكادعية العلوم بنيورك لي كتابه «العلم يدعو 
للإعان» : « ان وجود الخالق تدل عليه تنظيمات لا نہاية لها » تكون الحياة بدو نبا مستحياة . 
وإن وجود اللإنسان على ظهر الأرض ٠‏ والمظاهر الضخمة لذكائثه » إ نما هي جزء من برنامج 
يتفذه بارئ الكون . 

. إن الإإنسان ليكسب مزيداً لا حد له من التقدم أي كل وحدة من وحدات العلم‎ ١ 
غير أن تحط ذرة دالتون - الي كانت تعتبر أصغر قالب ثي بناء الكون - إلى مجموعة جوم‎ 
قد فتح مالا لتبديل فكرتنا عن الكون والحياة‎ ٠ مكونة من جرم مذنب وإلكترونات طائرة‎ 
تبديلاً جوهر ياً . ولم يعد التناستى الميت للذرات الجامدة يربط تصورنا بما هو مادي . وإن‎ 
المعارف الحديدة الي كشف عنا العلم لتفتح جالاً للإعان بوجود مدبر جبار وراء ظواهر‎ 


الطعة ١‏ . 
(۱) سو ة آل عىران ۱۹۰1 ۔ 11۹۱ . )٤(‏ سورة الحجر ]۸٥[‏ . 
() سورة المۇمنوت [119] . (ه) سورة التغابن (۳] . 


(۳) سورة الأنيياء )١( . [1T‏ سورة الحاثية [۲۲] . 


القدر ف التصور السلامي 


ويعدد هذا العام وغيره مئات من الموافقات الدقيقة ني خحلقة الكون . لو اختل أي 
واحد مہا لا انتظم الکون في دورته المنتظمة الدائمة .. ولا ظهرت الحياة على سطح الأرض 
ولا ارتقت . . لو زادت نسبة الأ كسيجين ي المواء فاحترق كل حي أو قلت فاتت الأحياء 
أو حملت .. لو زاد الماء على سطح الأرض أو قل . . لو زادت اليابسة أو قلت .. لو اقترب 
القمر من الأرض فزادت قوة جدره وارتقع مد المياه عل الأرض أو لو بعد .. لو اقتربتثت 
الأرض من الشمس فالتهبب كل ما على سطحها من الحياة أو بعدت ات كل حي .. الخ . 

وكلها تشہد بمذه الحقيقة الي تدركها الروح بداهة - من قبل ذلك العلم - أن للكون 
حالقاً مدبراً بخلق بقدر ما يشاء ويدبر الأمر . 

تلك أول بديمية من بديميات «القَدَّر» ني خلقة الكون 

ثم اله هو الذي يدبر كل أمر ني هذا الوجود كله . وني حياة الإنسان : 

ىده ملکوت کل شىء( ٍ 

« بيده الملك وهو على کل شيء قدیر ب ٩‏ 

« قل اللهم مالك للف . تۇي املك من تشاء وتنزع المللك ممن تشاء وتعر من تشاء 
وتذل من تشاء » بيدك الخير إنك على كل شىء قدير»" . 

ثم إنه يدبر الأمور كلها بالحق : ۰ 

خلق السماوات والأرض بالحق . 

وخلق الانسان بالحق . 

وتصويره في أحسن صورة هو بالحق . 

ورجعته إلى الله في اليوم الأخر بالحق » ومن أجل الحق . 

وهنا مفرق الطر يق بين الوثنيات القدعة والحديثة وبين الاساام . 

کل وثنیة تؤمن بأن الکون قد خحاق مصادفة بلا خالق » أو بلا خالق مدر .. 

وكل وثنية تومن بأن الإنسان وجد ف الأرض مصادفة - بتطور أو بغير قطور . 

وكل وثنية تؤمن بأن حياة الإنسان ني الأرض لا يحكمها ضابط . أو لا يحكمها ضابط 
عاقل » أو لا يحكمها ضابط عادل يقدر تصرقفاته ويصدرها بالحق . 

وكل وثنية تؤمن بأن حياة الإنسان محصورة ي نطاق الأرض الضيق » محصورة في 
الحياة الدنيا » > منقطعة عن حقيقة الأزل والأرد > مننهية بلا رجعة ولا جزاء . 


. ]۸۳[ سورة يس‎ )١( 
. ]١[ سورة الملك‎ )۲( 
. ]۲١[ سورة آل عمران‎ )۳( 


منهج الفن الإسلامي 


كل هذه الوثنيات ضالة منحرفة » منقطعة الصلة بناموس الوجود الأكبر › الذي يحكم 

الكون والحياة والانسان .. 

إن التظر ني هذا الناموس الأكبر يفتح البصيرة على «الحق » الشامل الكامل الذي 
يصر ف الامور . 

وقد سبتى من قول « العلم » ما يبين ما ي خلق الكون من حق .. وأنه ليس مصادفة بلا 
مدبر عاقل حکي . ا 

وليس من طبائع الاشياء أن تكون هذه الدقة العجيبة المتناهية موجودة ني خلت السماوات 
والارض ٠»‏ وغائبة بعد ذلك عن حياة الاإنسان ! 

فالحق الذي شمل هذا الكون الواسح الذي يذهل الانسان جرد يله » لن بتوقف عن 
السريان بالنسبة للك النقطة الصغيرة الضئيلة ني هذا الكون » ولا بالنسبة لكائن واحد من 
كائنات هذه النقطة السابحة ثي الفضاء . 

حقاً .. إن الله كرم الإنسان وجعله خليفة له في الأرض . ولكن هذا ليس معناه أنه 
أحرج حياته من الناموس الأ كبر الذي شاء سبحانه أن يحكم الوجود كله .. ناموس الحق , 

بل کان من التکر یم له أن يصله بالناموس الأكبر ٠‏ فلا يتركه ضائعاً منقطعاً > متفردا 
وحده بالتيه والضلال ني الكون المهتدي كله بداية الله . 

كان من التكريم له أن جعل لحياته غاية » وبجعل حاكمها هو الحق » ومجعل كل 
حطوة من ححطواتبا وكل تفصيل من تفصيلاتها : مرتبطاً بتلك الغاية ومحكوماً بذلك الحق . 

وكان من التكر يم له - إذ جعل حياته محكومة بالحق - ألا تنتبي حياته ي هذه الأرض › 
الي لا تكتمل فيها صورة › ولا يتبدى فيا الحتق - حين تقتطع عن بقيتها المكملة لها ولا 
تتتہي الأمور فبا نہايتها العادلة المستفادة من « الحق » .. وإغا جحل هذه الحياة الدتيا احتباراً 
وبلاء للناس . وفرصة للعمل من كل لون وصنف > ليم الجزاء العادل عن هذا الاختبار 
تي يوم الحزاء .. يوم تكتمل الصورة ويحق الحق : 

« الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عما . 

. “" » وخاق التهالسماوات والأرض بالحق . ولتجزی کل نفس ما کسبت » وهم لایظلمون‎ ١ 

وبذلك تستقر الامور على ركيزتها الحقة ي حياة الناس . 

إن « القدر » الذي يصرف حياة الناس هو ارادة الله . وهو الحق › لأنه قدر الله و ارادته . 

وهو لاا لجري با غاية . فكل ما ي الوجود جري لغابة . 


. ]۲[ سورة المللك‎ )١( 
. ]۲۲[ سورة الاثة‎ )۲( 


° 


القدر في التصور الاإسلامي 


وهو لا مجري بالظلم .. فالظلم محال على الله . 

وهو لا ينبي الأمور ني هذه الأرض » لأن الأرض ليست نہاية الحباة ؛ واقتطاعها 
وحدها من الصورة يفسد ما فيما من الحق » وجل بالنسب والموازين . 

وتنفسح الحياة بهذا التصور الشامل فلا تنقطع عند ية الحياة الدنيا . ولا نهاية حياة 
فرد ولا حياة جيل .. وإ عا عتد من الدنيا للاخرة .. ومن الأرض للسماء .. فسحة للنفس 
البشرية تعيش فيا على نطاق أوسع » وفسحة للفنون .. ! 

# ي ي 

والبشر لا يدركون حقيقة الصورة لأنبم يقطعون رباطاتما » وينظرون إليها أجزاء وتفاريق . 

بنظرون إلى حياة فرد بعينه أو حياة جيل . . ويقفون عند الحادث المغرد كأنه «المقطع » 
الأحير ني الصورة .. أو يقفون عند هذه الأرض .. فلا تتبین مم اللامح » ویظنونه خریل 
عشواء .. 

اذا ماتت الطفلة .. ولاذا عاش الشيخ .. ولاذا وقع الزلزال .. ولاذا هزم الحق وانتصر 
الطغان ؟ ! 

والإسلام برد الناس عن الوقوف عند تلك الحوادث المجزأة المنقطعة > ويدعوهم إلى 
لوحة اوسع > بشاهدون فا سير الحاة : 

«واذ قال موسی لفتاه : ٠‏ لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا . فلما بلغا 
مجمع بينهما نسيا حوتهما فامحذ سبيله ي البحر سربا . فلما جاوزا قال لفتاه : آتنا غداءنا » 
لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . قال : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة ؟ فاي نسيت الحوت › 
وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا . قال : ذلك ما كتا نبغ . 
فارتدا على آثارهما قصصا » فوجدا عدا من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا 
علما . قال له موسى : هل أتبعك على أن تعلمن نما علمت رشدا ؟ قال : إنك لن تستطيع 
معي صا وکیف تصبر على ما م تحط به جرا . قال : ستجدني إن شاء اله صابرا ولا 


حتى إذا ركبا في السفينة خحرقها ! قال : أخرقتها لتغرق أهلها ؟ لقد جه ت شیا امرا ! قال : 

ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ؟ قال اني ا یت ٠‏ ولا ترهقي من آمري 
عسرا . فانطلقا . حتى إذا لقيا غلاماً فقتله . قال : أقتلت نفساً زكية بغير نفس ؟ نقد جثت 

شيثاً نكرا ! قال : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا؟ قال : إن سألتك عن شيء بعدها 
فلا تصاحبني » قد بلغت من لدلي عذرا . فانطلقا . حتى إذا أتيا هل قرية استطعما أهلها 
فأبوا آن پضیَفوما » فوجدا فیہا جداراً يريد أن ينقض فأقامه . قال : لو شئت لاحذت 
عليه أجراً ! قال : هذا فراق بيني وبينك » سأنبثك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً . أما 


۰٥ 


منهج الفن الإسلامي 


السفينة فكانت لمساكين بعملون في البحر » فأردت أن أعيما » وكان وراءهم ملك يأخذ 
كل سفينة غصبا . وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا › فأردنا 
أن يبدهما ر هما خيراً منه زكاة وأقرب رحما . وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين أي المدينة 
ركان تحته كتر مما » وكان أبوهما صالحاً . فأراد ربك أن يبلغا أشدهما »> ويستخرجا 
كنزهما » رحمة من ربك . وما فعلته عن أمري . ذلك تاويل ما لم سطع عليه صبرا» . 

قصة موسى مح عبد اله الصالح الذي أتاه الله رحمة من عنده وعلمه الحلم اللدني الذي 
يتعجاوز الحادثة المغر دة واللحظة الحاضرة إلى ما ورا ءها من الحوادث وما وراءها من الأجيال .. 
ويربط ذلك كله بعلم الله الشامل وأمره التافذ بالحق . 

إنها تفتح للقلب البشري جال التأمل ني ي اللوحة الواسعة » فلا يحصر انتباهه أي اللحظة 
الحاضرة بحاول تفسيرها وحدها منقطعة عن ارتباطا نا اللا مهائية بالاأشياء والأشخاص 
والأحداث . 

وهي لا تقول له - مع ذلك - إن البشر سيدركون في كل حالة حكمة الأحداث ! 

فعمر الفرد القصير وعلمه القاصر لن بتيحا له الاطلاع على اللوحة بأكملها > وفہا جانب 
حوب عته ق عا اليب ٠‏ هو الجائب الذي ل بتحقق بمد ف واقع الحياة » اندي يحت 
تكملة أحداث اليوم ٠‏ وما بيترتب عليها من نتائج لا تدخحل في الحسبان ! 

وانما تقول له فقط إن هناك حكمة وراء الأحداث ! إنہا ليست اعتباطاً » بلا غاية 
ولا ضصابط . إنہا ليست منفصلة كل منہا قائم بذاته لا يترتب عليه شيء . إلا ليست مقطوعة 
عن علم الله وتدبير أله ! 

وتقول له : إن هذه الحكمة حق وعدل لا باطل فيها ولا ظلم ! فمن وراء علم البشر 
القاصر علم الته المحيط . ومن وراء الحادث الذي يبدو ظالاً ايوم - لأنه مقتطع من صورته 
امتكاملة ‏ بتحشق عدل وحير كشر . 

وتقول له : إن الله هو الملجاً لأنه هو العام با وراء اللحظة الحاضرة » و عا بمكن أن 
يترتب على الشر الظاهر من خير حقيتي ١‏ أو يترتب على الخير الظاهر من شر حقيتي : 
«وعسی أن تکرهوا شیئاً وهو خير لکم > وعسی أن تحبوا شيئاً وهو شر لکم» . 

ومن ثم يطمئن القلب البشري إلى قدر الله » ويستسلم له ويرضاه ! 


# 3 2 


ذلك هو فارق ما بين الإسلام والوثنية لي تصور القدر . 
وهو فارفی عطم » 
)١(‏ سورة الكهف ]۸٣ - ٠١[‏ . 
C7‏ سورة القَرة ]1١}‏ . 


١٠٦ 


القدر ف التصور الإإسلامي 


ليس أقل ما بترتب عليه تصحيح التصور وتصحيح المقايبس . 

فالانسان - خليفة الته ي الأرض - لا ينبغي له أن يعيش ي تصور خاطي* وهو علك 
أن برى الصواب لا تشي أن كود نكوء وتصوره محصوراً في دارة غيقة متقطمة عن 
ناموس الحياة الأ كبر > وهو ملك طلاقة الفكر وطاااقة التصور والاتصال بالناموس الكيير 

وليس أقل ما يترنب عليه تصحبح المشاعر بعد تصحيح المقاييس . 

فحین يستم للإنسان تفکره ؛ حن مجعل تصوره مساوقاً لناموس الحياة لا منقطعاً عنه 
ولا مصادماً له ؛ حين تنفسح أمامه الصورة فلا يشوهها النظر إلى جزئيا تا المتفرقة بلا رابط ؛ 
حين يرى رقعة الحياة الكبيرة ووجود القصد من ورائها واستقامة الغاية .. حينقذ تستقر نفسه 
وتنطلق مشاعره سليمة من القلى والاضطراب . 

إن القلق العنيف الذي يستولي على النفس حين لا ترى حكمة القدر وغايته ؛ حين تؤمن 
بأن الوجود بلا غاية والحياة بلا أهداف ؛ حين تؤمن أن الحادث المفرد واللحظة الحاضرة 
هي القول الأخير ني أي أمر ؛ حين تؤمن أن الحياة تتهي هنا » بانتهاء هذا الفرد أو بانتباء 
هذه الأرض .. هذا القلق مدمر محطم مميت .. 

إنه هو الذي عل الحياة نهبة تهب » وصراعاً وحشياً على لذائذ الحياة . 

وهو الذي يشيع ي العام اليوم ما يشيعه من انحلال وتفكك »> وحيرة ولحبط > وصراع 
بوشكڭ أن بصیب العام بالدمار . 

فأما حين تطمئن النفس إلى قدر الله .. والحق الذي خلقت به السماوات والأرض . 
والعدل ني البلاء والعدل لي الجزاء .. فعند ذلك تنطلق من القلقى المدمر المشتّت > تنطلى 
تعمل نشيطة ي سبيل الخير . لأنها طليقة طلاقة الناموس الذي يحكم الوجود » ويربطه 
بعضه إلى بعض برباط الجاذبية الرخية الودود » لا برباط التوتر الصارم العنيف ! 

وذاك موقف المسلم من القدر : التسليم للمخبب المجهول » والعمل ني نطاق الظاهر 
المعلوم . 

إن المسلم الذي يؤمن بالتصور الإسلامي على بصيرة » لا جرع ولا يقلق ولا يضطرب 
لما يترقبه من قدر الله > لأنه قد سلم أمره إلى الله > واطمأن إلى إرادته فيه »> واطمأن إلى أنه 
لا يريد له بي الهاية الأ الخير هده ي ذلك علاقة المودة لله واللحب . والرضى المتبادل 
من الجانيين « رضي اله عم ورضوا عنه » ولا تحكمه قط علاقة البخضاء والشحناء 
والصراع » الي لوثت أساطير الإغريق وأفسدت شعورهم بالله . 


. ]1١1۹4[ سورة المائدة‎ )١( 


وهو أي الوقت ذاته لا يتوا كل عليه بحجة أن القدر مكتوب » ولا يتمذ الا ما أراده الله !. 

حقاً . لا ينفذ إلا ما أراده الله . ولكن قدر اله مغيب عن الأبصار . وليس يدري أحد 
مقدماً ما سيكون . ومن ثم ينبغي العمل .. الحمل الدائب الذي لا يفتر : «خحلق الموت والحياة 
يبلوكم أيكم أحسن عملا» “ . «فاستجاب همم ر بهم أني لا أضيع عمل عامل منكم ٩»‏ 
«وقل : اعملوا فسیری الله عملکم ورسوله والمۇمنون »“ . 

العمل الدائم في كل لحظة .. ولكن بلا قلق ولا جزع ولا اضطراب . 

والصراع يحدث ني الأرض . ولكنه ليس صراعاً مع القدر ! 

ليس هناك ما يوجب الصراع مع القدر » فقد اطمأنت النفس إليه » ورضيت بحكم 
الله مطمئنة أنه الخير .. ولو لم يتكشف لصاحبه في حينه » بل لو لم يتكشف لعدة أجيال ! 

وإ عا يكون الصراع مع الشر الكائن ني الأرض .. ويكون من أجل الخير ي سبيل الخير : 

« ولولا دقع الله الاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض » ولكن الله ذو فضل على العالمين » ( 

يصارع الاإنسان قوى «المجتمع » » وقوى «الطبقة » .. إذا طغت عن حدها ومالت إلى 
الظلم . ولكنه لا يصارعها وني حسه آنا «القدر» ! ولا ألما البديل من الته ! 

وإعا يصارعها وهو مرتبط بالله » مترقب لقدر الله » مطمئن إلى حماه . 

ولا يستعجل نتيجة الصراع .. 

إن الصورة لا تحكتمل ني حياة الفرد ولا في حياة جيل .. ولا من الحادث المفرد واللحظة 
الحاضرة . 

وقد يستغرق ا كتال الصورة حوادث متعددة وحيوات أفراد متعددة وحيوات أجيال . . 

أو قد يستغرق الحياة الدنيا كلها .. ولا يكتمل إلا في الآخحرة يوم الجزاء . 

ولكنه يكتمل ني كل حالة .. فذلك هو ناموس الكون المتكامل الشامل المحيط »› 
الاثم بالحق ف جمیع الاحوال . 

وانفساح الحياة على هذا النحو » وانقساح التصور » فوق أنه حقيقة واقعة يشہد با 
ناموس الوجود كله - فهو حقيقة « فة » رائعة حين يراد تصويرها ف الفتون . 


(1) سورة الملك [۲] . 
(۲) سورة آل عمران ]٠۹۵[‏ . 
(۳) سورة التوبة ]٠٠٠١[‏ . 
)٤(‏ سورة البعرة ]١١[‏ . 


A۸ 


القدر في التصور الاإسلامي 


والأدب اليوناني مثل من الروعة الفنية في تصوير القدر .. ولكنه تصوير ناشي* عن 
تصور ناقص ومنحرف . تصور يأخذ الصورة من جانب واحد » غير متكاملة الترابط مع 
بقية الأجزاء .. وياخذها من جانب انحراف وتي في تصور العلاقة بين البشر والله . 

والتصور الاسلامي المستقم لمتكامل حري بأن ينشئ فنا آخر .. فناً يعرض حياة الأفراد 
والحماعات ٠‏ والحوادث والأحداث » خلوأً من اختلالات الفن اليوناني » ويعرض الصورة 
على حقيقتها المحمثلة ي كل كيان الوجود . 


حَقيقة العقي دة ف التصورالاستلاي 


ما العقيدة ؟ 
اذا يؤمن الإنسان بوجود إله .. ثم يتجه له بالعبادة .. ويحبه ويحشاه ؟ [ 
م تقف البشرية لتسأل نفسا هذا السال .. سواء وهي تؤمن بالله الإبعان الحق › أو 
وهي تعبده على ضلالة .. ني صورة وثن أو طوطم“ .. أو تعبده وتشرك به اة أخرى 
ليقر بوهم إلى الله زلفى . 
ل تقض لتسأل نفسا هذا السؤال » لأنه كان في حسما بديمية لا تحتاج إلى سوال .. 
حتى أصابت أوربا النكسة في الحقبة الأخحيرة . فراحت تسأل نفسها منكرة وجود 
الته » بل منكرة وجود إله على الإطلاق .. زاعمة أن ذلك كله كان أساطير الأولين ! 
هذه الحقبة ذاتما التي اضطربت فيا الموازين ني أوربا > واهتزت القم › واحتلت 
الأفكار . 
الحقبة الي آمنت فيما بحيوانية اللإنسان وماديته . وأبت أن تؤمن إلا إا تدركه الحواس . 
الحقبة التي أرادت فيا أن «تحرر» الإنسان من عبادة الله .. فأحضعته لجحبرية المادة 
وجبر ية الاقتصاد وجبر ية التاريخ .. والغت كيانه الذاتي من الوجود . 
ي هه 
في فترة من الفترات كانت أوربا مسيحية . 
وأياً كانت درجة إعا نما بالمسيحية » ودرجة تغلغل العقيدة الإمية ني النفوس الى درجت 
على الوثنية ردحاً طويلاً من الزمن يعد إلى عشرات القرون .. فقد كانت المسيحية هي الطابع 
العام للتفكير الأوربي » وكانت العقيدة ني اله هي القاعدة هذا التفكير . 
ثم حدث تطور كان ني ظاهره ني صالح الدين » بيا كان عدوا للعقيدة ني حقيقة 
الأمر . ذلك هو ازدياد نفوذ الكنيسة ٠‏ وامتداد سلطانما > -حتى أصبح هو المسيطر على 
كل شؤون الحياة . 
)١(‏ الطرطم ( ٠٠٠١٠۳١‏ ) معبود تعبده القيلة يكون في الغالب حيواناً معيناً تعتقد القبيلة أن دماءه تجري في كل فرد من 
أفرادها . وهم يقدسونه فلا يذبحونه إلا في مناسيات دينية خاصة » وعندئذ يشربون دماءه لتجري قي عروقهم 


مئل جيك . ولکل قالة طوطمها الخاص . 


11۰ 


حقيقة العقيدة أي التصور الإسلامي 


لقد صار للكنيسة سلطة لا في داحل نطاقها الروحى وحده - المستفاد من تصور الكنيسة 
ذاتها للدين - بل صارت الكنيسة سلطة زمنية إلى جانب السلطة الروحية » صارت تعزل 
الوك وتولهم » وتجيّش الجيوش »> وملك الإقطاعيات كأمراء الإقطاع » وفوق ذلك كله 
تتحكم ي الناس بالاإتاوات الحشعة » والہديد بالطرد من ملكوت الله » والإحضاع المذل 
لرجال الدين . 

ولم يقف الأمر عند هذا الحد . بل قامت الكنيسة تؤلف نظر يات ١‏ علمية » عن الكون 
والأفلاك » وشكل الأرض وعمرها ›» وعمر اللإنسان .. الخ . وتلزم الناس بالإبعان بها على 
آنا جزء من العقيدة من لم يمن به فهو كافر وخارج على الله . 

فلما قام العلم النظري والتجريي ٠‏ القائم على أساس البحث والاستقراء والتجربة » 
والذي ترجع جذوره إلى طرائق العلم الإسلامي ومناهجه ي الأندلس كما قال «بريفولت » .. 
لا قام هذا العلم يثبت خحطل هذه النظريات «المقدسة » » قامت قيامة الكنيسة » اعتزازاً 
منها بسلطانہا » وخوفاً على القطيع البشري الذي تحكمه أن يفلت من بين أيديها » فيذهب 
عنها نفوذها وهيبتٻا » ودهَبها وفضما » وما تتمتع به من استعباد للناس . وراحت ني فظاظة 
ووحشية تقتل العلماء وتحرقهم لأنهم قالوا بكروية الأرض ٠‏ وأنہا ليست مركز الكون . 
ونال کوبرنیكوس وجاليلو على يدا ما يكني لتكفير الناس من ذلك السلطان . 

وظلت اوة تتسح بين الكنيسة والعلماء من ناحية » وبين الدين والعلم من ناحية أخرى » 
والنفور یزداد » حتی کان دارون › الذي يوسم ي الفڪر الأوربي باليطولة › لأنه وجه الضر بة 
القاضية للكنيسة »› > فلم يعد وجودها بعد ذلك الا لوناً من القصور الذاني » لا وزن له في 
حقيقة الأمور “ . 

ني هذه الفترة » وعللى هدي ذلك الصراع بين الكنيسة والعلم > وترنح الكنيسة تحت 
معاول الحدم الي تعخذ «الحقائق » العلمية سلاحا ها ضد « أساطير » الكنيسة .. انفلت الئاس 
من السلاطان الحا ئر الذي كان مخضعهم من قبل ويذهم . وشعروا أنهم «يتحررون » . ولکنہم 
في ورتم الحامحة المنفلتة من القيد » م يقفوا ليسألوا أنفسم : هل الكنيسة هى الخاطئة 
أم الدين هو المخطىئ .. بل أحذوها حسبة واحدة مختلطة الأجزاء » ورموا لک والعقيدة 
ي الله معاً من قلو بهم وأفكارهم » وعادوا إلى وئنيتم اليونائية الرومانية الأولى .. ولكن مع 
فارق خحطیر .. 

في تلك الوثنية الأولى كانوا يؤمنون ب «الدين » ثم تنحرف أفكارهم في تصور طبيعة 


: ٩ مع ركة التقاليد » فصل « جولة التاريخ‎ ١ انطر کتاب‎ )١( 


القوة الخالقة المدبرة > فيتصورونا المة متفرقة » ثم يتصورون العلاقة بينها وبين البشر علاقة 
مشاحنة دائسة وبخضاء 

اما اليوم فهم رشتلعون الدين من أساسه . 

لقد «تقدموا» ! لم تعد تنطلي عليم الأساطير ! 

لا حقيقة إلا ما تدركه الحواس ! 

و «الدين » و «الته ‏ و «العقيدة » امور لا تدركها الحواس ! 

x» » 

لقد كانت ١«أزمة‏ ثقَة» . 

أزمة أفسدت العلاقة بين الناس وبين كل ما كان يصل الهم عن طريق الكنيسة ورجاها 
سواء أكان حقيقة منزلة أم كان خرافة ابتدعها رجال الدين . 

ولكن هذه الأزمة لم تقف عند حدها المعقول . ولم بق مها الأوربيون من قريب . 

فبدلاً من أن بنظفوا الطر يى من الأوحال والقاذورات » ويسيروا فيه على نظافة لان 
السير فيه جزء من طبيعة الحياة ذاتها » وضرورة لازمة لكيان اللإنسان . . بدلا من ذلك فإنم 
ملو الطریتی کله وجعلوه من وراء ظهورهم ۰ وراحوا يزوون وجوههم عنه ي ضیق وعناد 
ونشور . 

لقد اثروا أن يقطعوا الحناح الذي يرفرفون به أي ثي عام العقيدة > وعالم الطلاقة › وعالم 
الروح . . لأن أثقالاً قد علقت ببذا الجناح ٠‏ أو وخزات, قد أدمته . .ثم .. جشموا على الأرض 
لا بستطيعون التحليى بأرواحهم ي عالم النور . 

آثروا أن بقطعوا صلتہم ل . لأن بعض المدلسين قد استغفلوهم ردحاً من الزمن 
اسي الساء . فلم تعد وجوههم تتطلم 1 لى أعلى ء وإ نما صارت تنظر إلى تحت .. إلى الطين . . 
إلى الأوحال . ويقولون هذا هو الواقع .. لأنه هو الذي تدركه الحواس ! 

وانطلتق «العلماء “٠‏ يشُرَعون أسلحتم لمهاجمة العقيدة وتشويه صورتها وتسخيفها 
ورمیپا بكل منكر من القول غايظ . 

فرويد - في حمأة الجنس الي عاش فيا بتصوراته وأفكاره - قال إن العقيدة افراز 

جنسی نشا م عقدة أوديب . من كبت الطفل لرغبته النسية نحو أمه » يسبب وجود 
الأب الذي بز احمه ویعارده من ریق ت وراه اس ا قل تا فرویں کی انش عق 


4 


الود - ا في سے ° مو 
17( ۾ ححا هة مثا قرو بد ومارکس - الاين وجدوا ي لورة اللاس على الكنيسة فر صبة مناسبة لتحطم المسيحية 


تاھ لے ادبہ 


۹1۴ 


حقيقة العقيدة في التصور الإسلامي 


ني نفوس هؤلاء الأطفال وكيف ينشأً الدين . وهما الإفراز المباشر لتلك العقدة اللعينة الي 
عذبت ذلك » العام » العظم !( . 
ومارکس - في حماأة الاقتصاد الي عاش فیا بتصوراته وافکارہه - قال انیا افراز 
اقتصادي تنشئه طبيعة المجتمع « الطب » » وتستغله الطقة الي علاك وتحكم . لالحضاح 
الطبقة المحكومة . والتغرير بها لتنسى حقوقها المسلوبة » تحت تاأثير المخدر الذي نيا 
بالتعويض عن حرمان الأرض بحياة أخروية مزعومة ( و بهذه المناسبة لم بقل لنا ماركس لاذا 
وجد الدين ي المجتمع « الشيوعي » الأول الذي م يكن بمارس الملكية الفردية - لي ظنه - 
وم ينقسم إلى طبقات ؟ وما المهمة الي كان يومد يستخل فيها الدين ؟!) . 
وقال غبرهما من «العلماء» أشباهاً من هذه الانحرافات . 
وأحذت الفنون الأوربية - والماركسية خحاصة ‏ تجند طاقا تيا للتشنيع على العقيدة والزراية 
ہا .. أو في ليل تملها كيا ليس هما وجود في واقع الحياة ولا خط سير البشرية .. ثم 
نجي ء الفنون المزرة الي تعيش في الشرق العر بي اليوم بلا غاية ولا هدف ولا أصالة ولا وعي ء 
فتقلد هذا الأدب المنحرف » بل تز يد إسفافاً عنه > فتمثل الحقيقة الإهية الكبرى أي حقيقة 
بشر بة محدودة فانية . وتمثل الملا الأعلل وساحة الوجود الكبرى ي حديقة أرذ ضية . وعثل 
حقيقة البشرية الواسعة المديدة بي حياة حارة . وتمثل حقيقة النبوة والرسالة ي شخصية 
حشاشین !! 
نكسة مخزية ي عالم الإنسان وني عالم الفنون ! 
ه ‏ # » 
العقيدة حمَمَة عميقة في كيان هذا الوجود . 
کل ما ي الوجود مهتد الى الله » سائر على هداه : 
« ربتا الذي أعطی کل شيء خلقه . ثم هدی ۲ 
وليست هذه « حقيقة روحية » فحسب » تدركها الروح الواصلة » المتصاة بضمير الوجود › 
الشاعرة بوحدة الاتجاه ووحدة العبادة » وان كل شيء يسبح بحمده : «وإن من شيء إلا 
يسبح بحمده » " «ويسبح الرعد بحمده والملائکة من خحيفته  »‏ وکل شيء یتجه لعبادته : 
۱ سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكى »© . 


. ]5۰[ سورة طه‎ )١( 
. ]٤٤[ سورة الاإسراء‎ )۲( 
. ]١۳[ سورة الرعد‎ )۳( 
. ]١[ سورة الحديد‎ )٤( 


1۳ 


ليست حقبقة روحية فحسب . تدركها الروح الواصلة » وإعا هي كذلك «حقيقة 
علمية » . 

فأي شيء ني هذا الوجود لا يسير على القانون الذي أراده له الله ؟ أي فلك من الأفلاك 
حجري على مزاجه الخاص » غير مراع لناموس الخلق ؟ أي كائن من الكائنات لا يسير 
على الفطرة الى فطره عليہا الله ؟ أي كائن ينشي” له قانوناً حاصاً يضاد قوانين الله ؟ 

ذلك معنی العبادة .. الطاعة للخالق » والعمل عفتضى ارادته . 

الا اللإنسان : المخلوق الذي كرمه الله وفضله » ومنحه اللإدراك والوعى » فجعل طاعته 
لله واعية مدركة > لا كبقية الطاعات الي بتقدم پا الكون لمولاه .. ومنحه حر ية الاختيار 
بعد أن علمه ووغاه .. 

عندئذ اختار فريق من بني اللإنسان أن مخرجوا على طاعة الله » جزاء التكريم الذي 
کرمهم به اللہ ! 

الكون كله يتوجه إلى الله بالطاعة والعبادة . 

«ثم استوى إلى السماء وهي دخان » فقال ها وللأرض اتيا طوعاً أو كرهاً » قالتا أتينا 
طائعين ١‏ "° . 

وما كانت تملك السماء والأرض إلا الطاعة حين يأمرهما الله . فهو الخالق > وهو الذي 
أودع فيما الناموس الذي تتحركان به وتأتيان به إلى الله .. ولكن التعبير الجميل الكريم › 
لا يريد أن يشعر الخلتق بالقهر . لا يريد أن يقول : إلهم لا بملكون إلا الطاعة . وإنما يجعل 
الطاعة منبعثة من كيانبم هم » فكأ نما حين يطيعون يستجيبون لفطر تم الذاتية لا لقهر ينصب 
عليم من خارج الفطرة . وهذه حقيمة وتلك . فإ عا عند الله تلتني الحقائى كلها > من کل 
زوايا الوجود ! 

وکل شيء يسبح بحمده : « وان من شيء إلا يسبح بحمده . ولکن لا تفقهون تسبيحهم » . 

لا تفقهون تسبيحهم إذا حکمم بظاهر الأشياء . عا تدركه الحواس .. فعندثذ سيبدو 
لكم الكون صامتاً لا يسبح ٠‏ جامداً لا يحس » ميتاً لا حياة فيه . 

ولكن الروح الواصلة تفقه تسبيح كل شيء » لأنها - ككل شيء - تتصل بالله » وتعطلع 
إلى حماه . فتلتيي بشقيقاتها من أرواح الكون . على نهج واحد » واصل إلى هناك . 

والروح مزية الأنسان العظمى .. إنها المنحة الكبرى في خلقته . المنحة الى نقلته نقلة 
بعيدة عن سائر الخلائق في الأرض . فرفعت عالمه أن ينحصر ني نطاق الادة » أو بتقيد 


. ]١١[ سورة فصلت‎ )١( 


N1 


حقيقة العقيدة تي التصور الاسلامي 


بقيود الحس . وأعطته القدرة على أن ينطلق من كل قيد » فيتصل بالمجهول . بتصل بضر 
الكون . ويتصل بالله . 


والعقيدة غذاء الروح .. 

ومن ثم فهي حقيقة بدية في كيان الإنسان » بقدر ما هي حقيقة بديية في كيان 
الكون والحياة .. مع ذلك الفارق الذي يتميز به الإنسان . وهو «الوعي » بكل ما بيش 
خاطره من فكر أو وجدان . 

وللا مناص للانسان > حين يواجه الكون من حوله » وتنفعل به نفسه انفعال الأحياء .. 
أن يدرك بوعيه كما يدرك با وراء الوعي أنه لا بد ذا الوجود من موجد . 

ولا مناص له أن يدرك أن هذه الدقة المحجزة الي يتسم بها الكون » وهذا التناسق » 
وهذا الترابط » وهذا الإبداع ء لا بمعكن أن يكون اعتباطاً بغير قصد » ومصادفة بغير 
تديير . وأن الموجد الذي أوجده لا بد أن يكون عاقلا مدبراً حكيماً » له غاية من الخلق 


والاإبداع . 

ولا مناص له حينئذ أن يدرك أن الموجد هو الله . الواحد الأحد الذي لا خالتق غيره 
ولا شريك . 

ذلك حين تستقم الفطرة . 

ولكن فطرة الإنسان تنحرف أحياناً فينحجب عنما النور . 


تنحرف فلا ترى هذه البدييات الي تنطق بجا فطرة الوجود . 

وتروح تخبط ني التيه .. وتتصور تصورات شتى ما أنزل الله بہا من سلطان . 

وقد كان أشد هذه التصورات انحرافاً تلك النكسة الحيوانية اي أصابت آوربا ني 
جاهليتها الحديئة » حين أرادت أن تحصر الانسان ني النطاق الحيواني الضيق »› نطاق ما 
تدركه الحواس » وتحجب عنه فاق الكون الطليقة الفسيحة التي لا تدركها الحواس وحدها 
وإعا تدركها الروح . 

ومع ذلك ف «العلم » الحديث ذاته » الذي فتن أوربا حقبة من الزمن عن حقيقة الله ء 
بأبى ايوم أن يسابر الفطرة الأوربية المنحرفة الي تريد أن تنكر الله » وتنكر من الحقائق 
ما لا تدركه الحواس ! 

العلم لم يعد يعرف « المادة » فقد أطلقها التفجير الذري فأصبحت «طاقة » ! 

وصار العلماء يعرفون اليوم أن الكون ليس مجموعة مواد » وإ نما هو مجموعة طاقات . 
طاقات متحركة يتجاذب بعضما مع بعض برباط متين . ومن ثم ارتقع ذلك الحاجر البغيض 
الذي وضعته أوربا بين «الطبيعة » و «ما وراء الطبيعة » أي قترة الانحراف والجمود . 


11٥0 


منهج الفن الإسلامي 


وبي أن تتفتح بصيرة القوم كما تفتحت أبصارهم > فيعرفوا أن هذه الطاقات حية 
ي حقيقتها » وأن الرباط الذي يربط بينها هو الحب › وأنها كلها مهتدية إلى الله »> لأنها 
تسير وفق التاموس الذي آراده الله . 

أما العقيدة فقد أدركت ذلك منذ القدم . . ي عهود سحيقة من التاريخ .. قبل أن يصل 
العلم إلى شيء ي هذا السبيل .. لأن الروح المهتدية إلى اله هي أ كبر منابع «المعرفة » ثي 
هذا الوجود . 


 #‏ # هه 

والعقيدة في الله هي أضخم الحقائق ني حياة الإنسان » كما هي أضخم الحقائق تي 
کیان الوحود. 

انبا هى الى تحكشف له حقيقته الحوهر ية الفذة . 

ھی انی تکشف له عمق نفسه واقتدار طاقاته . 

هي التي تكشف له عن مهمته الخطيرة في كيان الوجود كله .. مهمة الخلافة عن الله . 

وعندئذ تكشف له عن حمَيقَة صلاته بايه > وصلاته بالكون والحياة .. وأخيه الانسان . 

ي ي 

حين تتأصل العقيدة ثي النفس فاا تصل بين الانسان وبين الحقيقة الكر ى - حقيقة 
الألوهية - بشتى المشاعر » من الحب والرهبة والخوف والطمع والأمل والرجاء . 

وتصل بين الانسان والكون والحياة بصلات من التعاطف والمودة والقر بى . 

وتصل بينه وبين أخيه اللإنسان برباط من الحب الحى المتدفق الفياض . 

وتربط كيان النفس » فتستقم على المنيج الواصل » توحد بين طاقاته المتفرقة وأوجه 
نشاطه التباينة . فتجعلها طر يا واحداً ذا غاية واحدة . وتوحد بين الدنيا والاحرة > والعمل 
والعبأادة » والأرض والسأآء . 

وكل واحد من هذه المشاعر يصلح ميداناً لألوان لا نهاية ها من الفن . هي من الضخامة 
والشمول والعمق » بحيتث عغاطب «الانسان» يف جميع حالاته وأجیاله وبىثاتە . لأنيا 
تخاطبه في أعمق أعماقه . حاطبه من حيث هو «إنسان» لا من حيث هو قطعة من هذا الجيل 
أو هذه اليئة أو ذلك اكان . 

ومن تم فهي فتون «إنسانية» باقية ما بقيت الحياة . 


ا 8 


وليس من الضروري أن تكون تعبیراً مباشراً عن مشاعر العقيدة وسبحاتما ووجدانا تا . 
وان کانت هذه بطبيعة الحال فنا أصيلاً رائعاً يصل إلى القمة من عال القن » جين بژدی 


بأداء صح 


۱1۳ 


حقيقة العقيدة في التصور الإسلامي 


ولكن المهم هو تصوير الحياة من خلال العقيدة › وإبراز حغفيقة الحفيدة الحميقة في 
كان الحباة . 

إن العقيدة هي الي قادت نحطى البشرية في ظلام القرون » وأخرجتها من الحس الحيواني 
الذي لا يؤمن إلا بالمحسوس » إلى الحس الاإنساني الذي يؤمن بالغيب والمجهول › ويدرك من 
التناسق والقصد ني هذا الوجود ما يبحث له عن مبدع . وهي الي تربط الكيان البشري بہذا 
الوجود » كما تر بط بين الإإنسانية وبين خحالقها الذي انبثقت من إرادته بر باط وثيق من الحب 
والتطلع والرجاء . 

هي التي أطلقت الإنسان من إسار جسده الجاثم على الأرض فاستطاع أن يحلق بروحه 
في السياء . 

هي التي وسعت له جال حياته وجال مشاعره وأفكاره » فحررته من حدود هذه الأرض » 

وهذه الحباة الدنيا » ومنحته الاتصال بالكون الأ كبر > والاتصال بالاأخحرة وهو بعد ف 
دنباه. 

والفن الصحيح لا بعكن أن يغفل هذه الحقيقة . 

ينبغي أن يصورها من خلال النفوس الحية التي تعيش فيما وتتأثر بإيحاءاتها . يصور 
کیف تتأثر هذه النفوس بالعقيدة وکیف یصبح سلوکها وکیف تکون تصرفاتہا . وکیف یتحدد 
موقفها من كل حدث وكل إنسان وكل شيء ني هذه الحياة . 

كما يصورها من خلال النفوس الي تفرغ من العقيدة » فتنحرف وتضل › وينحصر 
تفكيرها وتصورها وشعورها في نطاق صغير محصور »› اسن لأنه محجوب عن الاتصال 
الكون التحرك الكيير . 

ويصور البشرية كلها ني تار يخها كله على أساس هذه القاعدة الاإرعانية وأثرها في واقع 
الحياة » ني حدود الواقع الصادق الذي لا تكتمل صورته ني حياة فرد أو حياة جيل › وإغعا 
تكتمل على اللوحة العريضة الي تسع الأفراد والأجيال . 

امهم أن تحس دائماً بحقيقة العقيدة » سواء كانت موجودة في النفس ومؤثرة في 
توجیها إلى طريق معين وسلوك معين » أم غائبة علا » موث غيابما في توجيه هذه النفس في 
طريق الضلال والحيرة والاضطراب . 

وهنا يفترق الفن اللإسلامي عن الفن الخربي الحديث > والفن العربي المزور الذي ينقل 
عنه نقل القرود ونقل العبيد . ۰ 

في هذا الفن الأخير لا تحس بوجود العقيدة وأثرها ني الحياة . لا تحس أن الحياة 
مرسومة من خلال العقيدة » سواء من خلال وجودها أو غا . بل جد تعمّدا ني إغضال 


11¥ 


منج الفن الارساامي 


العقيدة وعدم ذكرها في جال الفن ٠‏ ولا التعرض ها .. إلا أن يكون التعرض سخرية بالدين 
والمتدينين ! 

وقل کون جذ | واقعاً ) با لنسة لأوربا لأا نعيش اليوم ععزل عں العقدة . 

ولکنه واقع صغير منحرف ضصال .. واقح جيل من الأجيال شردته الأحداث وأحر جته 
عن صوابه . 

والفن الأصيل ليس مأذوتاً أن يصور هذا الواقع الصغير المنحرف على أنه الأمر الواقع 
فحسب ! وا عا پصوره عل حقیفته : على انه ضلال وانحراف . فالاشیاء - کما قلنا من 
قل ١‏ لا تستمد کیا ہا من کرد وجودها ¢ واا ستمده من وجودها الصحيح واا 
فهي خطا » ولو بقيت ألف عام . 
انعا يستمد كيانه ومقاييسه من حقائق الكون الكيير . ذلك أنه تعبير جميل عن حقيقة الكون 
و-حميقة وجوده ۔ 

ومن ثم ينبغي أن يبرز الفن حقيقة العقيدة عقدار ما هى حقيقة كونية عميقة شاملة »› 
وينبغي أن يرسم من خلاها كل حقاثق الحياة . سواء كانت موجودة وحية ومستولية على 
التقوس » أو غائبة عنها ٠‏ تاركة إياها للانحراف والضلال . 

وحين يعبر الفن - بوسائله التعبير ية الحمالية الخاصة - عن حقيقة العميدة ي ذلك 
الاأطار الواسع »› فإنه لا يعمل على رفعة البشرية وإطلاقها من إسار الضرورة والقيد والانحسار 
ني التطاق المحدود فحسب ٠‏ بل انه - من الوجهة الفنية البحتة - يكون فنا « كونياً » واسعاً » 


. » فصل « الواقعية قي التصور الإسلامي‎ )١( 


۹۸ 


النكن اللاي 


ص فقت 5 ا کر 


في الفصول السابقة استعرضنا الخطوط العريضة للفن الإسلامي ومجالاته المختلفة › 
وصارت لدينا - فيما أحسب - فكرة عن حقيقة هذا الفن › والمجالات الي يعمل فيا › 
والرقعة الي يطل علا من صفحة الوجود . 

رقعة فسيحة تشمل كل حقائق الوجود . 

ولقد تبين لنا من خلال استعراض هذه الخطوط العريضة أن الفن الإسلامي ليس هو 
لفن الذي يتحدث عن حقائق العقيدة مبلورة في صورة فلسفية » ولا هو مجموعة من الحكم 
والمواعظ والإرشادات . وإعا هو شيء اشمل من ذلك واوسح .. إنه التعبير الجميل عن 
حقائق الوجود » من زاوية التصور الإسلامي طمذا الوجود . 

ونريد ني هذا الفصل أن نجمّع هذه الخطوط العريضة فنخرج منها بصورة شاملة للفن 
الإسلامي » حتى إذا عرضنا عاذج من هذا الفن ثي الفصل القادم »> عرضناها على ضوء ما 
ندركه من خحصائص هذا الفن ومفاهيمه . 

4 # « 

ليس من الضروري أن يتحدث الفن الإسلامي عن الإسلام : حقائقه » وعقائده › 
وشخصياته » وأحداثه » وإن كان من المحائز بطبيعة الحال أن يتناول كل هذه الموضوعات .. 
ولكنه يتناوطما » كما يتناول الوجود “كله » وكل ما حجري فيه » من زاوية إسلامية » ويستشعرها 
بحس إسلامي . 

قد يتحدث لنا الفنان عن البرعم النابض الذي ينبثق من ضمير الحياة . 

قد يتحدث عن الجبل الشامخ الاش 

قد يتحدث عن نبتة وحيدة تي الصحراء . 

فد يتحدٺ عن الليلة المقمرة . 

قد بتحدث عن طفلة شريدة . 

قد يتحدٿ عن مواجع البشرية . 

قد يتحدث عن ضربة من ضربات القدر . 
قد يتحدث عن صراع الناس ني الأرض . 


۱۱۹ 


منهج الفن الاأسلامي 


قد يتحدث عن بطل أسطوري . 

قد بتحدث عن ذلك کله فيكون فنه إسلامياً » إذا تلقاه ني حسه بتصور الاإسلام 
الصحيح وعبر عنه بروح ذلك التصور . [ 

وقد يتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم » أو عن غزوة من غزواته »› او عن حقيمة 
من حقائتى العقيدة » فلا يكون فنه اسلامياً إذا تحدث عنه بغير هذه الروح > ودون إدراك 
لحقيقة التصور الاإسلامي . 

لو حدثنا عن الرسول حبلى الله عليه وسلم - مثلاً - على أنه ١‏ بطل » من أبطال البشرية . 
على أنه جماع الخير ومثل الفضائل . على أنه شخصية عبقرية متعددة الحوانب عميقة الغور .. 
فإلی هنا لا یون فنه إسلامياً مع أنه يتحدث عن رسول الإسلام ذاته » ویتحدث عنه بروح 
الاأعجاب والتقدير ! 

انه يتصور الحياة البشرية - فضلاً عن قمة هذه الحياة المتمثلة ني النبوة - على ألا 
حقيقة أرضية منقطعة عن حقائق الكون . ويتصور النبوة على أنها ضخامة بشرية منقطعة 
عن الحقيقة الكبرى - حقيقة الألوهية . 

وليس هذا تصور الإإسلام ..! 

ولكنه حين يصورها على أنہا حدث كوني » يلتتي بناموس الوجود الأ كبر المهتدي إلى 
الله مجميع طاقاته وجميع کائناته .. حين يصورها على أنہا نور كوي مشع لاله قبسة من 
نور الله .. حين يصورها على أنها إشراقة كونية أشعلت الحياة على وجه الأرض وانارت 
ها الطريقى لكي تسير على الهج » وتتوحد ني اتجاهها مع اتجاه الكون الكبير .. حين يصورها 
على أنها حقيقة واصلة بين السماء والأرض » تسير بقدميما على الأرض وترفرف بروحها في 
السماء . حين يصورها على أنها الصورة المشرقة للخلافة عن الله ني الأرض .. فحين ذاك 
يكون فنا إسلامياً صادق التصوير لحقائق الإسلام . 

وحين يصور غزوة بدر - مثلاً - على ألا معركة حدثت ني الأرض بين جنود الخير 
وجنود الشر » وأن جنود الخير على قلتهم قد انتصروا على ضِعّْف عددهم من الناس لأنمم 
أصحاب عقيدة أو لأنہم على الحق وأعداؤهم على الباطل .. فر بما يكون قد دخل مرد 
دخحول تي عالم الإسلام والفن الإسلامي .. ولكنه م يرق فيه صعداً » ولم يصوره ي الرقعة 
الفسيحة الي يحققها الفن الواصل المنير . 

أما حين يوسع رقعتها فيصورها على أنها سنة من سنن الكون : أن النور يطرد الظلمة > 
والهدى يطرد الضلال . حين يصورها ي ساحة القدر العليا .. كيف تدخحل قدر الله فقاد 
الجماعة المسلمة من حيث أراد المسلمون لأنفسيم » من معركة صغيرة أي سبيل الخلبة المادية 
على متاع من متاع الأرض ٠‏ إلى المعركة الحقيقية الكبرى العميقة ني كيان الوجود » معركة 


۰ 


الفن الإأسلامي ‏ حقيقته ومجالاته 


العقيدة » معركة الفرقان بين الحق والباطل إلى احر الزمان ‏ فانتصروا من حيث لا يشعرون 
على معنى الشرك كله ومعنى الضلال كله . وتقررت حقيقة العقيدة ي هذه الأرض ناصعة 
جلية خالدة . وارتفع الاإنسان على نفسه . على عالمه المباشر الذي يعيشه بحواسه ٠‏ إلى العام 
الأكبر الذي يعيشه بروحه : « وإذ يعد كم الله إحدى الطائفتين ین آنا لکم » وتودون ان غير 
ذات الشوكة تكون لكم > ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين › ليحق 
الحتق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون » ”"“ .. حين ذلك يكون فنا إسلامياً عالياً » لأنه 
بنقل الحادث المفرد واللحظة العابرة إلى دلالهما الكونية ي الساحة الخالدة .. فيكون صادق 
التعير عن حقائق الوجود وحقائق ق الاإسلام . 

وعلى هذا النسق نستطيع أن نتصور حقيقة الفن اللإسلامي ومكانه ي الفنون . 

® # 

ومجالات الفن الإسلامى هي كل الات الوجود مرسومة من خحلال النفس المؤمنة 
المتفتحة بالا ان . ٠‏ 

فحين يتحدث عن الكون .. عن «الطبيعة » .. فهو يراها خليقة حية متعاطفة » ذات 
روح تسبح وتخشع › وتغضب وترضی »> وتصادق وتعادي .. تصادق الح وتغضب على 
الباطل .. ویری تي کل کائن نوعاً من الحياة والروح > من وراء الأشكال الي قد تبدو 
جامدة أو ميتة . كما يقول القران عن السماء والأرض : : «فقال هما وللاأرض ائتيا طوعاً أو 
كرهاً » قالتا أتينا طائعين » . وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن جبل أحد : «هذا 
جبل يحبنا ونحبه » . 

وحين بتحدث عن الخلائق «الحية » من حيوان وطير ونبات » فهو يحس نحوها 
بالتعاطف والمودة ووشائج القر بى الي تصل کل الکائنات بعضہا ببعض ؛ وتصل بين الأحياء 
خحاصة في هذه الأرض . 

وحبن يتحدث عن الإنسان فهو يرى فيه حليفة الله ني الأرض . فهو ليس إا ولا 
راغباً ني أن بكون إاً أو شبه إله . فذلك كله ليس حقيقة . والحقيقة الواحدة أن للكون 
إلماً واحداً هو الله . ولا ينبغي أن يكون فيه أكثر من إله » ولا أشباه اله . والإنسان من جهة 
أحرى ليس كمية سالبة تتحکم فہا قوی الاقتصاد والادة ومختلف الجر يات الأرضية . 
فذلك كله ليس حقيقة . والحقيقة أن الانسان عنصر إمجابي ني هذا الوجود . محسوب 


)١(‏ د بع التعبير القرآي بتقر ير هذه الحقيقة الكبيرة ف قوله تعالی : د يوم الفرقان يوم التقى ا لحمعان » ويبلم الفن 
الإسلامي قمته حين يتناوطا من هذه الزاوية الي يشير إلا التعبير القراي . 
() سورة الأنفال [۷ - ۸] . 


منهج الفن الاسلامي 


حسابه ني تصمم الكون . ومسخْر له السهاوات والأرض من عند الله . والحياة متأثرة بأفعاله 
سواء في الخير او الشر . وإرادة الله ماضية عن طريقه ومن خلال وجوده وتصرفاته . 

وهو كذلك مخلوق ليس بالملاك ولا بالشيطان .. وإنما هو إنسان ! 

وهو مشتمل على قدرات وطاقات ترفعه الى أعلى حین بعرفها ويیحسن استخدامها . 
ولكنه مشتمل كذلك على منافذ للضعف ومنافذ للغزو » ينفذ منها عدوه الأصيل وهو الشيطان 
والمعركة دائرة على أشدها لا تفتر بين الإنسان والشيطان منذ بدء الخليقة حتى يرث اله الأرض 
ومن عليها . واللإنسان الأعلى يقضي حياته - رغم ضعفه البشري - يحاول أن يسد أي نفسه 
متافذ الشيطان . وهو إنسان بقدر هذه المحاولة » وبقدر ما يصطبر عليما أمام شتى المغريات . 

وف ميدان الصراع بين الاإنسان والشيطان جد الفن الاإسلامي افاقاً وأسعة وجوانئب 
رائعة » وحقولاً خحصبة للاإبداع الفي الأصيل . 

والانسان يصور ني ر القوة ولحظة الضعف . ولكن يهتف له دائماً من جانب 
الصعود . فجانب الهبوط موجود من نفسه لا يحتاج إلى هتاف | ولحظة الضعف لا تحتاج 
إلى تسجيل ! 

لحظة الجنس الطاغية الي تَمَقِدٌ اللإنسان ضوابطه » فلا بملك نفسه وينجرف ني التيار . 
هذه اللحظة بكل ما فما من انفعالات عليفة ودفعات دافقة »> لا تستحق أن قف عندها 
الفن يصورها تصوير المعجب با » المهتز ها » المتفان في تسجيل دقائقها » الحريص على 
اراز کل جزثية من جزئياتها » المستمتع بها » الذي يريد أن ينقل هذه المتعة للآخرين“ . 

لا تستحق . لأنها لحظة هبوط وليست لحظة ارتفاع . 

لا تستحق أن يقال فبا الشعر وتصفها القصة وتصورها اللوحة المرسومة أو الصور المتحركة . 
لأا ليست قي سيل وكيد حفيقة الإسان واتما م تود الما الاش الس ر 
الإنسان . وهذا ليس ي حاجة إلى توكيد ! فهو حقيقة غليظة جانمة بكل غلظها على الأرض . 
حقيقة واضحة مقررة يشترك فرها الحيوان والإنسان . ومن ثم لا بختص بها الفن الإنساني . 
وإ عا الفن الإنساني موكل بتسجيل « الإنسان » . تسجيل الخصائص الي تفرد بها هذا الإنسان 
ويز با عن سائر الكائنات ني الأرض . فإذا سجل لحظة الوجود « الحيواني » فعلى آنا 
وجود حيوالي ۰ لا على ألا قمة يرتفع إلا اللإنسان ! 

اود غيل لاإنسان ف ساعة الشوة الحارفة الي يسما ر البحب » خحطا منه › آنه بحقق 
کبانه الأسعى ٤‏ ويرتفع على الواقع الصغير واللحظة العابرة فيتصل باقاق الوجود العليا وحمائى 


)١(‏ لاأ يدحل في حسابنا بطبيعة الحال أولئك الذين يريدون أن يفسدوا المجتمع عن عمد ويشيعوا الفاحثة فيه لغرض 
ملتو خحبيث ٠‏ واا نتحدث عن الذين بظنون - مخلصين - أن ذلك فن من الفنون . 


۲ 


الفن الإسلامي - حقيقته ومجالانه 


الكون الكبير . وذلك ليس حقيقة .. إلا أن يكون هذا الحب خالياً من الدنس : دنس 
الخالفة عن نواميس الحياة . وكل ما يحدته اللحب الشہوالي س أحاناً - من « ؤات » 
الرفعة والطلاقة » فهي كتيؤات اللخمورين .. لا تعبر عن الحقيقة . ومن ثم لا تستحق 
حفاوة الفن > ولا تستحق حفاوة الإسلام ! 

ولا يبحتاج الامر إلى جدل بشان ما تشتمل عليه تلك اللحظات المابطة من لذة وإمتاع ! 
فتلك بديمية من بديميات التجر بة البشرية الحسية الأولية : أن الشوات كلها مخر ية ومحببة 
للإنسان : «زين للناس حب الشموات .. » ولكن للنسان طاقات أعلل وآفاقاً أرحب « 
يستطيع أن يحس فبا « بجمال » أرفع وأعلى » هو ضبط هذه الشوات - رغم ما لها في 
نفسه من إغراء وتزبين - والاكتفاء مها « بالطيب » النظيف .. ثم هناك درجات أعلى » 
قد لا يصل إليها كل إنسان - ولكنها موجودة رغم هذا ي عالم الواقع - وذلك حين لا يقف 
الانسان عند «ضبط » هذه الشہوة وهو منجذب إلا ي داخحل نفسه - وتلك ي دانها مرتبة 
رفيعة وعالية - بل يستطيع كذلك أن يحس إحساساً حقيقياً بالنفور من كل متعة هابطة › 
والتقزز من كل عمل فاحش .. ولا يشعر أنه محروم مع ذلك من المتاع » بل كاسب متعة 
الشعور بالنظافة والاستعلاء ! 

وتلك قمة الإنسانية .. القمة الي تحاول التر بية الإسلامية أن تصل إليها . بهذي من 
الله ورسوله » واي یرسم الفن الإسلامي لمحات منها » حين يستطيم الفنان المسلم أن يصل 
إلى هذا المستوى الرفيع ي بجاربه الشعورية الذاتية . 

وإنعا يعالج الفن الإسلامي موضوع العلاقة بين الحنسين من خلال تصوره هذه العلاقة .. 
من حلال تحقيقها لأهداف الحياة العليا .. من حلال رفعها للرجل والمرأة كليہما إلى مستوى 
الإنسانية .. من خلال حثها كلاً من الرجل والمرأة على إبراز أجمل ما عنده وأرفع ما عنده .. 
من خلال توسيع دائرة الشوق الجنسي حتى يشمل الأشواق العليا المعصلة بصمي الكون وفطرة 
الحياة » والني لا تقف عند اللحظة العابرة واللقاء العارض بل تد حتى تشمل الحياة كلها › 
ونظام الحياة المستمد من الحقيقة الكبرى المسيطرة على كل ثيء ثي هذه الحياة . 

وقد يعالجها كذلك من زاوية المبوط والضعت .. حين تصبح هي شاغل الحياة » ومزلقا 
يؤدي إلى المبوط عن فاق الحياة العليا . حين تصرف الانسان عن الاشتغال بالمشكلة الكبرى 
ني حياة الأرض : مشكلة إحقاق الحق والعدل الأزليين › ني السياسة والاجتاع والاقتصاد 
وعالم الفكر وعالم الروح .. مشكلة الصراع مع الشر في جميع صوره وأشكاله .. مشكلة 
تحقيق الغاية العليا من وجود الانسان وخلافته عن الله في الأارض . ولكنه يعاللحها حينئذ 
على أنها هبوط لا على أنها ارتفاع . 

فإذا أراد شخص أن يقول : إما لحظة الجنس واما لا فن على الاطلاق .. فليقل ذلك . 


۳ 


منهج الفن الااسلامي 


ولکن فليعرف أنه - بالمقاييس الكونية والمقاييس «الإنسانية » - شخص منحرف . وأنه 
لا يستطيع - مهما بدا في نظر نفسه جميلاً ورشيقاً ومتعاً - أن يفرض انحرافه ذلك على 
سنن الكون والحياة . 

والفن - لا شك - أوسع من عالم الجنس لأن الحياة أوسع وأرحب من أن تنحصر 
ني هذا النطاق . وحين « يحرم » الناس من متعة الشوة في عالم الفن - ولا حرمان ني الحقيقة 
للإنسان المترفح > الذي بتعود حسه على النظافة ي کل شان من شؤون الحياة - فعلهم ان 
بتعودوا تذوق مستويات أعلى من الحمال : المستويات الفسيحة الرحيبة » الي تشمل الحياة 
في نطاقها الأوسع » واي تعوض عن اعمال الأصغر الذي تفوته بالجحمال الأكبر الذي 
تسعی ال تحققه .. جمال «الخير » وجمال «الحق » وحمال «العدل » .. وجمال اقأمة 
الحباة البشر ية على هذه المعاني الحميلة كلها » والنضال المستمر أي سبيل هذا المدف » الذي 
يتصل - حين يتحقق - بسنن الكون كله والحياة . 

e 

ومراعاة «التناسق » ذاته - وهو عتصر من عناصر الجحمال الكولي - تقتضي أن تكون 
رقعة الجحنس ني مكانها الصحيح من لوحة الفن » الي هي ني الواقعم تصوير جميل موح 
للوحة الحياة . 

وقد يقال إن الفنان شخص « مختل النسب » بطبعه ! وإن الحمال هو هذاالاختلال !. 

وتلك نظرة سطحية منقطعة عن الحقيقة الكبرى .. حقيقة الكون المناسق ني كل 
حركة من حركاته وكل جزئية من جزئياته » تناسقاً لا مختل - مع حركته الدائمة منذ الأزل › 
حقباً لا يعرف مداها إلا الله . 

نعم إن الفنان كائن ذو حساسية خاصة . فهو لا يحس الأشياء كما يحسما البشر 
العاديون » ولا بالنسب الي تراها بها العين الالية المجردة ٠‏ الي لا «تنفعل » يما تراه . 

ولكن ذلك ليس معتاه اخحتلال النسب أي حس الفنان ! 

انه - بتأثبر هذه الحساسية المنفعلة بالأشياء - يخس كل شيء أضخم من « حقيقته » 
الظاهر ية التي تراه با العين الالية المجردة . ولكن مع احتفاظها بنسبها بعضہا إلى بعض › 
لأن تكبير اللوحة كلها لا يقتضي الإحلال بجزئياتها » وإنما هو يبرز هذه الجزئيات كلها › 
ويجعلها - لي مجموعها - واضحة قريبة يتملاها الحس بلا عناء . 

وتلك هي موهبة الفنان وعبقر يته . فالفنان هو العدسة المكبرة الى تكبر حقائق الحياة 
وتوضحها للرؤية . أو العدسة المقربة الى تقرب المنظر للحس حتى تبدو جزئياته البعيدة 
الختاطة المهمة واضحة مفصلة مححددة َ_ مح ترابطها وتناسقها . أو هو العدسة «الكاشفة ) 
الي تكشف عن حقائق الأشياء الباطنة الي لا تراها العين الظاهرة . 


4 


الفن الإسلامي - حقيقته ومجالاته 


ولكن هذه العدسة - أياً كان وصفها - حين تقوم بعملها ني التكبير أو التقريب أو 
الکشف - لا تخل بنسب الاشياء بعضہا إلى بعض › ولا تفسد ما بينا من تناسق وارتباط . 

وانما أقرب إلى الحق أن يقال إن « بعض » الفنانين قد اخحتلت السب لي نفوسهم » 
فهم يرون الحياة كلها من خلال جزئية واحدة من جزئياتها : من خلال الجنس » أو من 
حلال الصراع الطبني > أو من خلال التفسير المادي للتار يخ .. وهؤلاء مختلون بوصقهم 
بشراً وكذلك بوصفهم فنانين . فليس للفن مقياس وحده ينعزل به عن مقاييس البشرية 
الحقيقية ٠‏ الي هي في مجموعها إحدى الزئيات الناسقة ني مقياس الكون الكيير . 

وعلى الرغم من كل الحقائق الحميلة الي قد يعثر عليما فنان له هذه الاحتلالات > 
فن المسلم به من بديميات هذا الكون - وبديميات الحس البشري - أن الحقيقة الأشمل 
هى الحقيقة الأجمل » وأنه كلما اتسعت رقعة اللوحة وتناسقت جزياتها كان ذلك أقرب 
لحقائق الوجود » وأقرب للتصور البشري السليم » الذي كان من نعم الخالق الباهرة أن 
مجعله متجاوباً مع روح الكون الكيير ا 

ومن ثم يصبح هذا الفنان المختل فناناً صغيراً مهما أوتي من براعة التصوير لي الجزئية 
المفردة الى يتلفى الحياة من خلانهما ويصورها من خلاها كذلك . ويكون الفنان الذي يتلقى 
الحياة ويصورها من نحلال مساحة أوسع وجزئيات أكثر عدداً وأكثر ترابطاً .. أعظم من 
الفنان المختل » بجميع المقاييس .. المقاييس البشرية والمقاييس الكونية على سواء . 

ونجىء الآن إلى لبس قد يتبادر إلى الذهن من هذا التصور : إن العمل الفنى - وخاصة 
اذا کان قصيدة غنائية أو خاطرة أو أقصوصة › لا قصة » أو كان لحناً موسيقياً أو لوحة 
مرسومة - لن يتسع لكل حقاثق الوجود دفعة واحدة . لن يتسع ها ي حس الفنان » ولن 
يتسع ها لي الرقعة المتاحة للتعبير . 

ومهما يكن ي حس الفنان من شمول وفسحة فلا بد من لحظات ر متخصصة » يحس 
فيها بخاطر مفرد » أو لمحة عابرة تلتقط جزئية واحدة من جزئيات الكون أو الحياة . 

وهذا كله صحيح . ولا بد من «التتخصص » لي الالتقاط والتعبير ساعة بعد ساعة »> 
ني نفس الفنان ونفس كل بشر لي هذا الوجود . فالحس البشري لم بيأ بفطرته للنظرة 
الشاملة المتكاملة ني كل لحظة من لحظات الحياة . 

ولكن هذه الحقيقة لا تصرفنا عن أمرين مهمين . 

الأمر الأول أن الفنان الكبير - وهو الانسان الكبير - لا «تنفصل » ي حسه الجزثيات 
بعضہا عن بعض » حتى وهو يلم ني حسه أو أي تعبيره بجزئية واحدة من الجزئيات . 

ولنتتصور مثلاً أنه يلم بجزئية الجنس . أو جزئية الصراع الطبي . 


إن شيئاً من ذلك لا يقوم ني حسه منفصلاً عن بقية الوجود . إنه في «هذه» اللحظة 


1Y0 


منهج القن الاسلامي 


يحس بخاطرة من خواطر الجنس .. ولکنہا لا تستغرقه بوصفها جنساً منقطعاً عن حقائق 
الحياة » إلا حين تبط إلى مستوى الحيوان الذي يعيش حياته جزئيات منفصلاة لا يرتبط 
بعصا ببعض .أ ادا أحسہا « عواطف » حب نظیف فيه استعلاء وترفع .. فهو هنا مرتبط 
بناموس الوجود الا كبر وجماله الشامل » ولو لم يذ كر لا شيئاً عن هذا الناموس . وهو ليس 
تي حاجة إلى هذا الذ كر الصريح في كل مرة ولا في أية مرة » فإنما يكني أن ينقلنا - بالإيحاء 
والتأثير - إلى هذا العالم الفسيح » لندرك أنه غير مقطوع الصلة مجمال الكون الكبير . 

وكذلك حين يلم في « هذه » اللحظة الرائعة بالصراع الطبتي . إن هذا الصراع لا يستغرقه 
بوصقه ظاهرة علمية » ولا بوصفه الحمَيمة المفردة الي بتلفقى من خلاها كل حمائق الحياة . 

ولكته ليس ني حاجة إلى حطبة وعظية ليثبت لنا أنه مدرك لنواميس الكون العليا › 
وأن الحتق والعدل الأزليين يستنكران الظلم الاقتصادي والظلم الاجتاعي .. وإنما يكني 
أن يعطينا هذا الإيحاء - بصورة من الصور - لندرك اتساع الرقعة في حسه > وعدم انحصارها 
في «مذهب » فكري معين » أو نافذة واحدة من نوافذ الحياة . 

و بهذه الطريقة يلم الفنان الكبير مجزئيات الحياة » المتتخصصة في كل مرة » دون أن 
تکون في خصصا منقطعة عن حقائق الوجود . 

وبطبيعة الحال لاأ يفتعل الفنان هذه المشاعر افتعالاً لنقول عنه إنه فنان كبر واسع 
الآفاق ! فكل افتعال هو تزوير ني الحقيمة البشرية وتزوير ني الحقيقة الفنية » سرعان ما 
ينكشف لحس القارئ البصير . الذي يدرك بفطرته تزوير الافتعال وحقيقة الانفعال . 

والأمر الثاني أن الكيان البشري المشتمل على جسم وعقل وروح »> ومگات من المشاعر 
لمتباينة والأحاسيس التشعبة » يحوي قدراً من المرونة يسمح ببروز جانب من الحوانب في 
لحظة معينة وانحسار جانب اخر كما سمح ببروز شعور معين في إحدى اللحظات يطفو 
على بقية المشاعر ويغطيها .. ولكن في هذا الكيان في حقيقة حقيقة الأمر من الترابط والهاسك ما 
لا يسمح بانفصال جانب عن بقية الجوانب ني أثناء بروزه في لحظة معينة > وا بانفصال 
شعور واحد عن بقة المشاعر > وإن بدا للنظرة القريبة أن ذلك يحدث في ٍ بعض الأحيان ! 

الذي يحدث بالفعل أن جانباً أو شعوراً يغلب لي لحظة على بقية الحوانب أو المشاعر . 
ولکنه لا ينفصل عا . إلا إذا أصيب الإنسان باختلال مرضي كانفصام الشخصية 
أو ازدواجھا ۔ اما الكيان النفسي السليم فلا ببحدث فه قط ذلك الانفصال . 

والنفس السليمة المتكاملة تتداول هذا البروز والانحسار مجوانها المتحددة ومشاعرها 
المتباينة . بحيث تصبح - ني مجموعها - شاملة لكيانها كله . لأنها ني الحقيقة لا تلبت على 
بروز معین او انحسار معین إلا إذا اصيبت بالاخحتلال . 

والفنان الكبير - ني مجموعه - يعبر عن مداولات اللفس كلها ني مختلف حالاتما . 


۲7 


الفن الاأسلامي ‏ حقيقته ومجالاته 


أي يعبر عن وقع الوجود كله تي حسه » من مختاف منافذه و بجميع أبعاده .. لا عن جانب 
واحد من جوانب هذا الوجود . 

ومخلص لنا من هذين الأمرين حقيقة متكاملة : هي أن الفنان الكبير لا يعطينا ني أية 
لحظة من لحظاته لمسة « متخصصة » معنى الانقطاع عن حقائق الوجود العليا » وإغا منحنا 
ي كل جزئية متخصصة قبسة من الوجود الأ كبر » تعمّق هذه الجزئية ذانها ني إحساسنا › 
وتعطبا نكهة جميلة » لأن فبا سن شذى الوجود كله بالاضافة إلى شذاها الخاص . وأنه 
- آي مجموعه - لا يعطينا الوجود من خلال جزثية واحدة ثابتة - كجزئية الجنس أو جزئية 
الصراع الطبتى - إلا أن يصلها في حسه وني حس القارئ بالوجود الكبير ونواميسه » فيعوضما 
بذاك عن ضيق المساحة وضالة القدر . ومح ذلك فهو اضخم ي عالم الفن وعالم الاإنسانية 
كلما استطاع أن يعرض لنا الوجود من خلال نوافذه المتعددة ومجاليه التباينة .. فذلك أقرب 
إلى إعطاء «حقيقة » الوجود . 

«» @ +» 

و عقتضى هذا الشمول والتكامل يعرض لنا الفن اللإسلامي حياة البشرية من جميع 
جوانہا وي جميع لحظاتبا » فلا يقف - مثلا - عند لحظة الجنس يفصصبا ويحللها › 
ويعيدها ويكررها > ويضخم كل جزئية فيا .. بينا يترك بقية اللوحة البشرية خاوية من 
التعبير . 

انه يعبر عن العلاقة بين الجنسين - بقدرها » و مواصفا تما الي سبق ذ كرها - ثم ينطلق 
يصور بقية جوانب النفس وجوانب الحياة . 

يعبر عن «الحب » في مجاله الأكبر ٠‏ الذي يشمل الحب الإهي › والحب الإنساني . 
ركل لون من ألوان هذا الحب _عكن أن يستغرق فناً بأكمله » ولا يكون ضيق المساحة كالحب 
ا لجنسي ٠‏ لأنه حقيقة كونية كبيرة تتصل بالناموس الشامل كله » ولا ختص يزئية بسيطة 
من ذلك الثاموس . 

ويعبر على «الكره » ني مجاله الأكبر » كره الشر كله والانحراف كله » والجهاد ضد 
هذا الشر جميع صوره وأشکاله . 

و يعر عن «الصراع » ي اله الا کبر .. صراع الشيطان وصراع البشر وصراع القوى 
وصراع القم وصراع الأشياء . وكل لون من ألوان هذا الصراع ,عكن أن يستغرق فنا بأ كمله .. 
على شرط الا «يتبلور » في صورة مذهب > ولا ينقلب الى وعظ مذهى كذلك الذي مارسه 
كاب الصراع الطبقي أحياناً وكتاب التفسير المادي للتاريخ . 

إن التعبير عن هذا الصراع هو ني الحقيقة تعبير عن واقع البشرية » بكل خيوطه المتشابكة 
ونسيجه التباين الألوان . ومن ثم ينبغي أن يعرض من خلال نفوس بشرية لا من خلال 


YY 


منج الفن الاإسلامي 


« آفکار » ولا ر مذاهب » ولا « فلسفات 1 . وليس هذا تحر جا على اعتناق الأفكار واللذاهب.. 
بل الأمر عل العكکس من ذلك . فالفن الاسلامي « يلتزم » تصوراً معيناً للحياة > وللحاة 
البشرية بصفة خحاصة ٠‏ ويعبر من خلال هذا التصور وحده . ولكن طريقة الفن في التعبير 
تختلف عن طريقة العلم وطريقة البحث الذهني المجرد . فإذا تحدثنا عن الصراع الطبتي أو 
التطور الاقتصادي أي صورة مذهبية حالصة » أو صورة بجريدية » فذلك لا تلف من 
الوجهة الفنية عن نظم المواعظ الخلقية في شعر » أو تضمينها بصورتما المباشرة ي حوار قصة 
أو مسرحية .. وهو ليس عملا فنياً على أية حال . إنما ينبغي أن تبرز هذه المعاني كلها على 
حقيقتها « البشرية » أي من حلال تأثيرها ني نفوس التاس . من خلال المشاعر والانفعالات 
والتصرفات التلفائية للناس . 

والقن الاسلامى يعنى عناية خحاصة بحقيقة الشمول والتكامل لي النفس البشرية . فلا 
بحب مثلا - أن بعرض الجانب المادي من الانسان وحده ميعزل عن الحانب الروحي . 
ولا يحب أن تعرض الصراعات الاقتصادية والطبقية كأنا الحقيقة الكاملة للحياة البشرية ٠‏ 
وتغفل بجانما الق المعنوية والروحية والأشواق الانسانية العليا » لأن ذلك بتر للحقيقة البشرية 
وتشو يه لصورتا .. 

إنه يحب - وخاصة أي الفنون الي تعرض بطبيعتها رقعة واسعة من الحياة كالقصة 
والمسرحية - أن تعرض الصورة كاملة » بماديا تما ومعنويا تما » وقيمتها الاقتصادية والاجتاعية 
والفكر ية والروحية . مترابطة متداخلة ممتزجة كما هي لي حقيقة الواقع » مؤثرة كلها بعضہا 
ي بعض ٠‏ ومتأثرة كلها بعضها ببعض ٠‏ مع إبراز الق الروحية والمعنوية » لأن بروزها ذلك 
حقيقة كونية متصلة بصم فطرة الكون » المحجه بروحه إلى الله » السائر على هداه . وسحقيقة 
بشرية متصلة بصم فطرة الاإنسان »> الذي م يصبح «إنساناً » مكرماً إلا بنفخة الروح العلوية 

أما الفنون الي تعرض بطبيعتها لمحة من الحياة البشرية أي لحظة معينة » كالقصيدة 
واللوحة » فاللإسلام يرحب فيا باللمحة الروحبة والأشواق العليا » أكثر مما يرحب بالحقيقة 
لمادية وأشواق الحسد الغليظة .. تمشياً مع نظرته العامة الي ترى الروح أبرز ني كيان الوجود 
واحق بالاإشادة والتسجيل . 

وليس معنى ذلك أن الحديث عن الصراع الطبتي في قصيدة أو لوحة أمر غير مياح .. 
كلا ! ولكن معناه فقط أن يعرض الموضوع من خلال عذابات الروح » والقيود الحاثرة 
تغل النفس عن تحقيق كيانها الإنساني الكامل » الخليق بخليفة الله ني الأرض الذي كرّمه 
الله واجتباه » ورمم له آفاقاً عليا من الحق والعدل ينغي ان تحکم الحباة . ومعناه ألا تتسحدث 
عن المصانع والإنتاج المادي على أنها - لي ذاتا - تحقيق لكيان الإنسان . وإنما نتبحدث 


YA 


الفن الاإسلامي ‏ حقيقته ومجالاته 


عنها - إذا لم يكن من ذلك بد - على ألما وسيلة يصعد بها الإنسان فوق عالم الضرورة ليستقبل 
الكان الاعلى للحياة . 

أما شوق الحسد الفائر فقد سبق الحدبث عنه أنه لحظة هبوط لا تستحق التصوير 
والتسجيل . 

أما حين تعبر القصيدة أو اللوحة أو اللحن الموسيقي عن أشواق الروح العليا ورفرفاتبا 
الطائرة وسبحا تا الطليقة . . فذلك ني نظر الإسلام فن صادق أصيل > لأن هذه هي ١‏ اللمحة» 
المناسبة للقتسجيل . اللمحة الي تحقق لللإنسان كيانه الأعلى وتكمل له وجوده الأرضى المحدود. 

وليس معنى ذلك أن تقتصر هذه الفنون على الرفرفات والسبحات .. وإلا فاین يذهب 
الال والمواجح والأحزان .. وثقلة الضرورة القاهرة والضغط والصراع ومختلت الوجدانات 
الي تلم بالإنسان ؟ 

انما نريد فقط أن نرد مذه الرفرفات والسبحات قيمتها الفنية وقيمتها الإنسانية في وسط 
الصراع الطبني والتفسير المادي للفنون ! 

u #  # 

ویرسم الاإسلام صورة الحياة البشرية من خلال « الواقع ۸ کما یر مھا من خاال التکامل 
والشمول . 

ولكن نظرته للواقع تحختلف عن نظرة المذاهب الواقعية المعفشية الآن ني الفنون . 

الواقع الإنساني ني نظر الإسلام هو الواقع الأ كبر الذي لا يننحصر ي واقع المادة وواقع 
الحيوان . ولا يننحصر ني واقع فرد ولا واقع جيل . ولا ينحصر في لحظة ضعف ولحظة 
هبوط . 

فان كان هذا كله حقيقة واقعة . فأين بقية الحقائق الواقعة ي حياة الإنسان ؟ ولاذا 
ينفرد هذا الواقع الصخير وحده بالتعبير الفني دون سائر الوقائع الحديرة بالتسجيل ؟ 

أن کان الواقح حاضر هذا اليل فاين تاريخ البشر ية الماضي كله » واين مستقبل البشرية 
المنظور ؟ ولاذا يستولي الحاضر وحده على لوحة الفنون ؟ 

وان کان الواقح هو النروع الحيوالي وحده ي نفس الفرد المعاصر > فأين سائثر النوازع 
وسائر الأشواق > وساثر الطاقات الكامنة ي الكيان الأنساتي الضخم العجيب الأسرار 
والتکوین ؟ 

وإن كان الواقعم هو الأنانية والخسة والنذالة وحدها ء فأين المشاعر النبيلة والأشواق 
الطليقة للكيان الانساني » وهى تتمثل لي مساحات ضخمة من حياة البشرية لي تاريحها 
الغابر وأشواقها لي المستقبل ؟ 

وكذلك قصة « الضعف البشري » .. فالضعف البشري سمة من مات الكائن الإنسالي › 


۲۹ 


منهج الفن الاإسلامي 


ولکنہا لیست کل سماته . فال جانب لحظات الضعف البشري توجد جوانب القوى . وإلى 
جانب القيد الكابح والثقلة المقعدة يوجد الجناح الرفاف والشوق الطليق . وحياة البشرية 
ليست كلها «لحظة ضعف» . بل ليست كذلك حياة أي حيوان من الحيوانات الراقية ولا 
أي طير من الطيور ! 

فاذا جعلنا لحظة الضعف : تشغل مساحة اللوحة الفنية كلها وتحجب بقية اللحظات > 
فذاكف عافاة « للواقع وافساد ر للتناسق » الدي ينبغي أن یحکم الفتون . 

والاسلام « يعطف » على لحظة الضعف البشري » ولكنه لا مجعل ما بطولة تستحق 
الاشادة والإعجاب .. والفن الاإسلامي يلم بلحظات الضعف . ولكنه لا عملا ا اللوحة . 
ولا يقف بمجد للانسان ضعفه »› ويثله له أمراً « واجب » الحدوث . أو أمنية المي ! 
ذلك أن التصور الإسلامي يقوم ابتداء على آساس تكريم الإنسان وضخامة دوره ني الأرض 
وعظمة مركزه ي الكون . ومن ٿم فهو لا عجد الضعف البشري - وإن كان لا يحتقر الااإنسان 
من اجله م متف له دائماً لينض من الكبوة وتستقر قدماه على الأرض الصابة » و مضي 
صعداً ای الأفى السامق الوضيىء . 

وكذلك موقف الإسلام من «الواقع » ني بيئة حاصة أو أي جيل من الأجيال .. إنه لا 
يعتبره الواقع الابدي ٠‏ إا هو مرحلة من مراحل البشرية ي طريقها الصاعد .. مرحلة 
مهتدية إلى النبج صاعدة نحو القمة » أو مرحلة متنكبة منتكسة .. ولكن الطريق صاعد 
أبداً .. والإسلام حداء إلى الصعود . والفن الاإسلامي أحد الموحيات القوية للهوض والحركة 
والصعود . لا بالوعظ المباشر . ولكن بالايحاء عا ي طاقة الانسان من مكنونات » وما في 
الكون من موافقات لاستعدادات الانسان وطاقاته ء» وما هو مكلف إياه من مهمة ضخمة 
ني الوجود » محسوب حساا في تصمم هذا الوجود . 

بذلك لا ينحصر عام الانسان في لحظة الضعف ولحظة ابوط . ولا يقف عندها 
يتطلع إلا تطلع المعجب المشوق فيسترسل فما ولا يفيق ! 

س 

والفن الإسلامي يوسع رقعة الحياة بوصل ما بين السماء والأرض » والدنيا والآخحرة ؛ 
وما بين الانسان والكائنات الأحرى ؛ وما بين الانسان الفرد والحماعة › وما بين الإنسان 
الفرد والاإنسانية الي تعمر هذا الكوكب منذ حقب موغلة في التاريخ . وما تزال تتطلع إلى 

و بهذا الشمول والتعدد والامتلاء تصبح اللوحة الفنية أجمل وأكمل وأمتع . و 
أزخر بالحياة والحركة من كل لوحة تعرض جانباً واحداً من الجوانب » وتهمل بقية عناصر 
الحركة والحياة . 


۳۰ 


الفن الإسلامي ‏ حفيقته ومجالاته 


والفنون الي تصر على أن تكون رقعتها هي الأرض وحدها - معزل عن السماء - لأنها 
تستنكف أن يكون للقوى «الغيبية » دحل ني حياة الناس » هي فنون ترتكب حماقتين في 
ان واحد ! 

الحماقة الأولى أنها تنكر حقيقة واقعة لا سبيل إلى إنكارها مهما بلغ البشر من التبجح 
والغرور ! 

حقيقة أن الانسان لا قوم وحده ! ولا یدبر حیاته وحده » ولا یحدد مصیره وحده ! 

أبن - ني هذه الأرض كلها - ذلك الإنسان الذي يحدد لنفسه أين يولد ومتى بولد ؟ 
أو يحدد لنفسه أين إعوت ومتى موت ؟ 

وأين ذلك الانسان الذي يحدد لنفسه الصفات الي يحتسا والصفات الي يرثا من 
أبويه » فضلاً عن تحديد البيثة الي يولد فيها والظروف الي تتفاعل مع هذه الصفات وتلك 
البيئة » ليكون من تفاعلها حط سيره قي الحياة ؟ 

« وما تدري تفس ماذا تکس غد »> وما تدري نفس باي أرض غوت (١‏ 

انا لحاجة مضحكة أن ينكر الانسان تدحل القوى «الغيبية » في حياته » وأن يزعم 
أنه يقرر مصير نفسه ععزل عن الله ! 

وليست دعوى الاشادة بامجابية الانسان وفاعلیته - کما بنا من قبل ” - إلا ستاراً 
ا O DS‏ وال ققد وع هذا الانسان 
رکلها مذل لكرامة الإنسان ! 

والحماقة الثانية الى ترتكا هذه الفنون هي تضييق رقعتا وحرمان نفسها من فرص 
عديدة لابراز ألوان من الحمال الفني كانت حر بة أن تہتدي الها وتبرزها لولاا هذا اللاصرار 
الأحمق على فصل ما بين السماء والأرض من صلات . 

فھی اول تعرض «الانسان » في صورة مشوهة مبتورة » إذ تعرضه ي جانبه الأرضي 
وحده » جانب الضرورات القاهرة » والواقع المادي القريب المحسوس » ولا تعرضه - إلى 
جانب ذلك يي جانبه الرو حي العلوي » جانب الاشواق المرفرفة › والواقع البحيد الذي 
تدركه الروح من وراء الماديات والمحسوسات . وبذلك تقص منه جناحيه المرفرفين › وتت ركه 
جئة جانمة على الأرض لا تقدر على التحليق . 

وهي ثانياً حلي الصورة من جمال الحركة الخفية الي تدير الأحداث والأشياء والأشخاص › 


(۲) راجم فصل «الواقعية في التصور الاإسلامي » . 


۳4 


منهج الفن الإسلامي 


وترتب ها موافقاتبا ومفاجآا » حين تجعل « الأقدار » المسيطرة على هذه الأحداث والأشياء 
والأشخاص هي الأقدار المكشوفة المعلومة اللموسة المقدّرة » من صراع طبتي » أو مشاعر 
جسدية . أو قم اجتأاعة أو اقتصادية تعطي جا قو ة الحتمية والاجبار ا 
ودلك بدعوى الواقعية ...! 

ی حن صرح ال واقع الحشيو ي الذي تدركه الفطرة الحقة « في وجه تاك الواقعية الزائفة : 
أن قو ی الأرض کلھا تملك أن « تلد » انساناً بعینه ي بيئة معينة وظروف معينة أو تحدد 
له عمره ي تلك البيئة . أو تضمن له ألا بقع له كذا أو كذا من الأحداث ! 

ان الوجود ف « واقع ١‏ معن لا څوز ان نسسنا أن ذلك الواقح کله - بکل ما يشتمل 
عليه من سنن ١‏ حتمية » - هو جزء من إرادة الله الحرة الطليقة » الي ملك تغيير هذا الواقع « 

وملك ألا : تنشئه ابتداء . ولا تركب فه تلك «الحتميات » ! 
ومن ثم لا تغنى «الأقدار » المكشوفة المعلومة الملموسة المقدرة » عن قدر الله الفح 
بالغيب . المحجوب عن الأنظار ! 

والفن الاإسلامي حر بص على ابراز هذه الحفيفة . 

حريص على ابراز قدر الله من وراء الأحداث والأشياء والأشخاص . 

وذلك لحملة أسباب : 

السب الأول : أن هذه حقيقة ! حقيقة واقعة لا تم « واقعية » الفن دون إثباتها وإبرازها 

ووضعها أي مكانها الصحيح من اللوحة الفنية المعبرة عن حقيقة الحياة . 
والسبب الثاني : أن تتبع هذه الحقيقة واثارها ني الحياة اللي تعرضہا الفنون المحتلفة › 
عملية متعة أي ذاتها KT‏ تستجيب لحقيقة فطرية في داخل النفس : هي حقيقة التطلع 
الدائم الى قدر الله المجهول » الذي لا غلك کل قوی الأرض أن تکشف عنه »> مھما تلهفت 
إلى كشف الحجب واجتلاء الاسرار . والفن - ومهمته » او جزء من مهمته الاإمتاع - قمين 
بان تج ذه الترعة الفطر ية ويقدم ها غذاءها الذي تشيه . 
والسبب الثالث : أن رسع هذه الحركة الخفية الي تحرك الأحداث والأشياء والأشخاص 
دون أن تظهر بذاتها للعيان » عطي اللوحة جمالاً أخاذاً » لأنه يستجيب لنزعة فطرية أخرى 
تي بنية النفس ٠‏ هي نزعة الاإيعان با لا تدركه الحواس . وهي نزعة عميقة لا تقل أصالة 
ولا عمقاً عن نزعة الأبعان عا تدركه الحواس ! كلاها خطان متقابلان ني التقس البشرية » 
يعسلان معا . كل ني اتجاه" . ومن شأن هذه التزعة أن تحب إبراز القوى الخفية › الي 
تملك السلطان ولكنا لا تين . 


. ٠ منهج التر بية اللإإسلامية‎ ١ خطوط متقابلة ني النفس البشرية » في الحزء الأول من كتاب‎ ٠ راج فصل‎ )١( 


۳۲ 


الفن الإسلامي - حقيقته ومجالاته 


والسيب الأحير : أن هذا نح اللوحة سعة هائلة > حين بجعل وراء الأقدار المكشوفة 
المعلومة المقدرة » الي تسير الناس ني ظاهر الأمر ء قدراً احر حفياً هو الذي مرك تلك 
الأقدار المكشوفة . وبذلك لا ينبي «المنظر» عند هذه «المقاطع » الحادة البارزة الملموسة › 
واا يأخذ امتداداً آحر .. هو آي حقيقته امتداد لا نہائى . لأنه يتصل بالقوة الأزلية الأبدية 
الى لا بدء ها ولا اناء . ۰ 

- ثم إن إبراز القدر على هذه الصورة يحدث من توه تغيراً حاسماً في « ج» اللوحة المرسومة . 

فليس ببہرز ”ماتا ویوضح معالها فحسب › بل كذلك عنح الأشياء والأشخاص والأحداث 
معنی أحر »و «قوة» أحری .اال تصبح أشياء وأشخاصاً وأحداثاً مفردة » مقطعة 
الأوصال . منقطعة عن حقائق الكون الكبرى وناموس الوجود الشامل ٠‏ وإنما تصبح لتوها 
بلمسة واحدة سحرية - أشياء وأشخاصاً وأحداثاً ذات دلالة كونية > وذات وجود عميق 
لا زول » لألما اتصلت بالقوة الكبرى الكائنة وراء ظواهر الأشياء .. قوة الخالق المدبر 
المريد . 

ومن ثم يطمح هذا الفن ي «الخلود» ! 


* # 3 


والفن الإسلامي حريص على أن يلفت الحس إلى الناموس الأ كبر الذي يحكم الكون 
والحياة والإنسان . إنه يأحذ من الإسلام شموله وسعته وتعبيره عن فطرة الكون . ولذلك 
لا يحب أن يعرض الحياة مقطعة الأوصال مفرقة الأجزاء » فتفقد معناها الشامل ومغزاها 
العميق . وإنْا يعرضا كما هي ني الحقيقة متصلة متناسقة مترابطة » محكومة كلها بقائون 
واحد کر . 

وقد وصل العلم إلى شيء من أسرار هذا القانون الشامل الذي ممع في طياته الوجود › 
على هدى الطاقة الذرية وما تحويه من ممكنات . ولكن القن الغربي المعاصر ما يزال متاثراً 
ي أغلبه بروح العلم في النصف الأول من هذا القرن » حين كانت مته الغالبة هي العزل 
واللإفراد والتخصيص > لا التجميع والتنسيق والكشف عن القوانين العامة من وراء القوانين 
الجزئية المشتتة الاتجاهاث ! 

لذلك ما يزال هذا الفن يعرض الحياة البشرية في عزلة عن ناموس الكون الشامل . ثم 
يعرضہا هي ذاتہا أجزاء وتفاريق . فهي أحیاناً لحظة جنس منقطعة عن اشتبا کات لا 
الأخرى الاجياعية والاقتصادية والروحية والفكرية . وتارة هي صراع طبي > أو حتمية ) 

من الحتميات الي تحكم - في نظر أصحا بها - الحياة » دون النظر إلى كيان النفس الشامل »› 
الذي يتسع لكثير من المشاعر وكثير من أوجه النشاظ كلها ني آن . 


۳۳ 


منهج الفن الاإسلامي 


ولكن الفن الاإسلامي المعبر عن روح الاإسلام الشاملة لا يبحب هذا التمزيق المشوه لكيان 
البشر وكيان الحياة . بل يحب أن يعرض الحياة البشرية في شموها المتكامل الذي يشمل 
كل جوانب النفس الانسانية الفاعلة ني هذا الوجود » المنفعلة به » المحصلة دائماً بجا وراء ٠‏ 
حواجز الحس القريبة » الواصلة بقطرتما الى فطرة الوجود الكبير . 

وتصوير الحياة البشرية على هذا النطاق الواسع الذي لا يقف عند حدود الأرض القريبة › 
وإ نما يتعداها إلى ناموس الوجود الأكبر » ويصلها بالله خالق الحياة والأحياء » يضني عليبا 
ولا شك جمالاً لا تعرفه معظم الفنون الحديثة الي تقطع صلة الأرض بالسياء » وصلة الانسان 
بالته » ني الوقت الذي لن يفقدها هذا الشمول وسعة الأفق شيئاً من دقة تفصيلا تما وروعة 
تحلياا ا وعمق نفاذها إلى الجزئيات الصغيرة . واعا هو ,عنح هذه التفصيلاتث والتحليلات 
فا ذا أعمق حین يصلهھا بالعنی الكير الشامل الذي يشمل جمیع الوجود 

وف سبيل هذه الصورة الشاملة الواسعة للحياة البشرية . هتم الفن الاإسلامي بابراز دور 
العقيدة ي حياة اللإنسان “ى الاحتياط الكامل من أن تصبح طا وعظية أو بلورة فلسفية 
تبعد بالفن عن طر بقته وأهدافه وميدانه الخاص . 

وليس من الضروري آن تذ كر العقيدة صراحة و يذ كر الدين . وإنما ترسم الحياة - كما 
أسلفنا - من خلال العقيدة وأثرها في النفوس . ) 

فالا حساس مال الكون وروعته عبادة 

والاإحساس بالارتباط الحي مح الكائنات عبادة . 

والتوجه للناس بالحب والعطف والرعاية عبادة . 

والحهاد ثي سبيل الحق والخير عبادة . 

والتسلم لقدر الله عبادة ° ) 

والتطلع إلى الله في المحن والأزمات عبادة . 

وتحمل الألم والاصطبار عليه عبادة . 

وشكر المنعم على نعمه عبادة ... 

وغلظ الإاحساس والعزلة عن الكون وتقطح اأروابط الخية الأحاء > والحقد على 
الاس > والقعود عن الكفاح في سبيل الحق والخير › والتحدي الأحمق لقدر الله > والح 

في المحن والأزمات والبطر بالنعم .. . كلها دلالات على انقطاع الصلة باه وجفاف القلب 
من نداوة العقيدة . والفنان ملك أن يبرز دور العقيدة في هذه املاح المختلفة إمجاباً وسلباً» 
كما يستطيع أن يرسم تقلب النفس البشرية بين مختلف المشاعر والأوضاع ¢ دون أن يتاج 
إلى كلمة وعظ واحدة أو بلورة فاسقية للعقيدة والدین 


۳٤ 


الفن الاإسلامي ‏ حقيقته ومجالاته 


ولكنه - حين يرس هذه الملامح النفسية كلها من خلال العقيدة . وبطريقة القن لا 
بطر ية الوعظ - يكسب الحياة البشرية سعة مؤكدة . فضلاً عن إعطاء هذه الحياة معنى 
وهدفاً وأصالة وعمقاً ۰ حین یکلها إلى قم ومعايبر أكبر من حياة الأفراد » بل أكبر من 
حياة الإإنسان كله » لأنما معايير الكون كله المتجه إلى الله بالعبادة » والذي ارس - في 
هذه العبادة - التناسق والتعاطف والطلاقة والحركة الموزونة اي لا تصادم فيما ولا انحراف . 

والفن الاسلامي موکل « بالحمال» .. پتتبعه ي کل شيء وکل معنی في هذا الوجود . 

الجمال عناه الواسع الذي لا يقف عند حدود الحس ٠‏ ولا ينحصر بي قالب محدود . 

جمال الکون بنجومه وشموسه وأقماره وما بینہا من تجاذب وارتباط . 

وجمال الطبيعة ما فيها من جبال وألہار وأضواء وظلال » وجوامد وأحياء . 

وجمال المشاعر ما فيا من حب وخير وطلاقة وارتفاع . 

وجمال الق والأوضاع والنظم والأفكار والمبادئ والتنظيمات . 

كل ذلك ألوان من الجمال يحتني با الفن الإسلامي وجعلها مادة أصيلة للتعبير . 

بل هو يعرض الحياة كلها من خلال المعايير الجحمالية » سواء بالسلب أو بالإجاب . 
فهو حين يعرض للاختلالات الاجتاعية أو الاقتصادية أو السياسية أو النفسية أو الخلقية .. 
بعرضہا على آنا « قبح » يناي حقيقة الجمال الي ينبغي أن تكون راسخة في حياة البشر > 
لما راسخة في بنية الكون كله والحياة . 

الظلم الاجاعي قبح لأنه ينافي جمال العدل . 

والحقد النفسي قبح لأنه ينافي جمال الحب . 

والانحلال الخلتي قبح لأنه يناثي جمال التسامي والارتفاع . 

وهكذا كل ما يعرض لحياة البشر من انحراف واختلال . هو قبح لأنه خروج عن 
ا لجحمال الواجب الذي يتسق مع إرادة الله في خحلقه الكون . 

وتصوير الجحمال ي هذا المعنى الواسع والنطاق الشامل › قمين بأن يرفع النفس البشرية 
من حدود الحس القريبة ومن قيمها المحدودة الضيقة › إلى عالم أوسع وأفسح » ومجالات 
شعورية أرفع وأعلى .. تحقق للإنسان معنى التكر يم الذي أراده الله حين قال : «ولقد كرمنا 
بي آدم ...» وتجعل للفن هدفاً .. هدفاً أعلى من دغدغة الغرائز واستثارة الميول الحسية 
الهابطة . هدفاً توجمياً يردي فعله ني النفس دون أن تحس . ودون أن ينْفرّها الوعظ المكشوف 
ني غير جال الوعظ .. هدفاً تتقبله النفس راضية مستجيبة » لأنه يدحل إلا من طريق 
«الجمال» » وهو طريق قريب إلى الفطرة حبيب إلى الشعور . 


* ¥ ¥ 


o 


منهج القن الإسلامي 


وبعد فتلك أبرز صفات الفن الاسلامى ... 

وعلى ضوء هذه السات نستطيع أن نستعرض « عاذج من الفن الإسلامي » > في القران 
والشعر والقصة » وغيرها من الفنون «الكلامية » الى عاك الحديث عنها ي هذا الكتاب . 
وقد استبعدنا الحديث عن الفنون الأخرى المحخصصة التي تحتاح إلى خبرة المتتخصصين ! 

وقد استبعدنا كذلك النحت والرقص بوصفهما فنين يعبران عن طريق الجسد وحده » 
فيخالان بشرط من شروط الفن الااسلامي 

أما السينا .. فني اعتقادي أنها آخر فن بمكن أن يدخل في نطاق القن الإسلامي › لا 
لأن السينا ي ذاتها محرمة » ولكن لأنها بصورتما الحالية › الابطة العارية المنحلة » بعيدة 
جداً عن الجو الإسلامي . ولكنها - ككل فن آخحر - تستطيع أن تكون إسلامية حين تتبع 
مفاهي الفن الإسلامي الي وضحناها من قبل في فصول الكتاب . 


۳۹ 


اله قران والفَنا لاس لای 


لفن الإسلامي ني حاجة شديدة لأن يراجع القرآن ! 

فهو الذخحرة الموحية هذا الفن » كما هو الدخيرة الموحية للحاة ! 

وقد قلت ني مقدمة الكتاب إن القرآن - بتأثيره الساحر ني نفوس العرب - كان واحداً 
من اسباب انصراف المسلمين الأوائل عن التعبير الفني قترة من الوقت » لأنه أغناهم - مؤقتاً - 
عن جمال الأداء مجمال التلى والانفعال ! 

ولكن العرب حين عادوا إلى التعبير بعد تلك الفترة المؤقتة لم يلجثوا مع الأسف إلى 
الرصيد الحديد يستمدون منه مشاعرهم وإيحاءانہم » واغراض تعبرر هم وطرائقه » واا 
عادوا إلى الحاهلية كاملة ني مجال التعبير : اغراضه وطرائقه على السواء . 

وتلك حقيقة تار ية مؤسفة » ضيعت على الفن العربي فرصة الاإفادة من أ كبر رصيد 
فلي بملكه المسلمون . بل أ كبر رصيد تملكه البشرية كلها حين تتفتح له بصيرتها »> وتتلقى 
وحيه بحس مرهف مفتوح . 

وأياً ما كانت أسباب هذا الانصراف ني الماضى » فا تزال الفرصة قائمة للافادة من 
هذا الرصيد الضخم » وإقامة فن إنساني سامتق رفيع » على أساس من التصور الإسلامي 
للكون والحياة والانسان . 

وقد كانت الفصول السابقة من الكتاب كلها دراسة هذا التصور مأخحوذة من القرآن . 

وهذا التصور هو الذخيرة الي يستمد مها الفن موضوعاته ومجالاته » ثم تعمل البراعة 
الفنية عملها › فتخرج من تلك المغاهم أي شتى مجالاتما فنوناً جميلة رائعة > دار ما تطیی 
التي » و عقدار ما تتفتح بصيرتما لارتباطات الكون والوجود . 

4 ي« هه 

والقرآن - أولاً - يعرض تصوراً شاملا للكون والحياة والإنسان » لا يعرضه كتاب 
آحر أي الأرض ثل هذا الشمول والإحاطة » و ثل هذه السهولة والوضوح . وهذا التصور 
كما قلنا هو الذخيرة الموضوعية للفن . 

وهو - ثانياً - يضم نماذج من الأغراض الفنية والأداء الفني › لا تتمشل ثل هذه الوفرة 
المعجزة ني كتاب ! 


۳¥ 


منهج الفن الإسلامي 


ومن ثم فهو - من ناحیتيه هاتین - دستور كامل لأي منهج قبي بريد أن يعبر عن الحياة ء 
بشصور إسلامي أولاً »> وكذلك على مستوى كوني . 
والقران کتاب دين . 
ولكن «الدين » ي المفهوم الإسلامي أمر شامل محيط . 
إنه ليس عبادات معينة بنقطع ها الناس فترة من الزمن عن تيار الحياة . 
وإما الدين هو المج الشامل للحياة .. حياة المشاعر وحياة الأفكار وحياة السلوك وحياة 
الو-جدان . 
والفن - من ناحية أخحرى - هو التعبير الحميل الموحي عن هذه الحياة . 
ومن ثم يلتتى الدين والفن التقاء كاملا تي الحس المسلم » حين يكون الفن قائماً على 
التصور الإ اني للوجود وللمشاعر والأفكار والسلوك والوجدان . 
وقد بيّنا في فصول الكتاب السابقة أن «التزام » الفن بالمفاهي الإسلامية لا يضيق رقعته 
ولا يضيق حدوده . بل هو على العكس من ذلك يوسع الرقعة ويوسع الحدود » حتى تشمل 
الكون كله والحياة كلها والانسان .. تي أشمل نطاق بمكن أن مخطر ني حس الانسان . 
کل ما ف الأمر انه « بنظفه » . . 
وإذا كانت النظافة قيداً من جانب › فهي فسحة من جانب آحر » لأنها تطلق النفس 
من قيود الضرورة القاهرة ء إلى عالم الطلاقة والحرية والجمال واللإشراق ”"“ . 
ومع ذلك فاللإسلام - كما مر بنا في فصول الكتاب - يعمل حساب الضرورة القاهرة 
كما يعمل حساب الحرية والانطلاق . ويوازن بين الضرورات والأشواق . 
والفن الاإسلامي كذلك › لا بجانب الفطرة »> ولا يتجاهل الواقع » ولكنه يعرض الحياة 
من خلال الواقع الكبير الذي يشمل الضرورة ويشمل الأشواق . 
والقران هو هو المرٍجح الذي ينبغى أن ترجح اليه الفنون الاإسلامية الي هي بالعنی الذي 
شرحتاه تي الاب تون انان رمه ساق تصل إلى آنحر حدود ما يستطيع أن يصل 
إليه الإنسان من عمق ورفعة واتساع ؛ وفنون كونية يتسق مدارها مع مدار الكون › ويتسق 
جماها مع جمال لکون > وتقوم موازينها على قواعد التناسق الكوني الدقيق الجميل . 
وقد كان أول تفتسحى للقرآن - ني جال الفن - على كتاب «التصوير الفنى ني القرآن » 
وكتاب « مشاهد القيامة ن القرآن» . 


. » انظر فصل «القيد والحرية » من كتاب « في النفس والمجتمع‎ )١( 


۳۴۸ 


القرآن والفن الإسلامي 


وظللت أقرأً القرآن بعد ذلك وفي حسي الحانب الحمالي منه واضحاً بارزاً ملموساً لا 
أملك ألا ألتفث اليه » حتى وأنا أدرس القران - ي اتجاهي الخاص - من الجانب النفسي 
والتر بوي بصفة خحاصة . 

ولكني أذكر أن كلمة واحدة معينة آي إحدى آيات القرآن هزت نفسى أكثر من أي 
شىء أحر في مجال التوجيه الفني والحمالي في هذا لكاب المعجز العجيب : 

« ولكم فہا جمال حین تریحون وحین تسرحون ٩(۲‏ 

الحديٹ هتا عن الأنعام > ولكن السياق لا یکتي بذ کر « فوائد ) الأنعام : « والأنعام 
خحلقها » لکم فیہا دفء ومنافع ومنہا تأ کلون » . وإما يشير كذلك إلى الجحمال الذي تنطوي 
عليه تلك الأنعام « حين تر يحون وحین تسرحون » . 

لقد فتحت لي هذه اللفظة المغردة آفاقاً مشرقة ومنافذ عدة » ظلات أعرج فيا فترة من 
الزمن ليست بالقصررة » حتى انتہت بي إلى كتابة هذا الكتاب ! 

إن الكتاب الذي يوجه الحس البشري إلى الحمال » لا تي «المصابيح » الي تزين السماء 
فحسب ٠»‏ ولا ني « الحدائق » ذات البهجة » ولا في «الجبال » و «الأنار» > ولا في « الضحى » 
الرائق و «الليل» الساجي .. وإعا ي «الانعام» كذلك . 

والكتاب الذي يعبر عن توجيهه لحمال الأنعام ني هذه الصورة .. الصورة المطلقة الطليقة : 
«ولكم فيها جمال ...» لا الصورة الحسية القريبة المحدودة » من مثل : وإن هذه الأنعام 
لحميلة »> أو : وإنکہ ترون جمال الأنعام .. ثم يضيف هذا الجحمال «لكم» .. «ولكم 
فیا جمال .. 

هذا اا لا عکن بحال أن یکون معادیاً للفن ! وقصة العداء بين اللإسلام والفن 
قصة لا بعكن أن يكون ها أساس من الصحة على الاطلاق ! 

إن الآيات البي وجهت للشعراء العرب ني الجاهلية لم توجّه ضد الشعر لي ذاته . ولا 
وجهت ضد الشعراء على إطلاقهم . وإنما ضد نوع معين من الشعراء : 

« والشعراء يتبعهم الخاوون ألم تر آنېم ئي کل واد یمون » وآنہم یقولون ما لا یفعلون . 
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذ كروا الله كثيراً .. 0 

صحيح أن سياق الآيات يوحي أن الشعراء اللعوتين هم الأصل » والمستتون هم الل" 
ولكن ذلك من ناحية كان يصدق على الشعراء الموجودين في الجزيرة العربية يومثذ - وقد 
يصدق على كثير من الشعراء في كل وقت - ولكنه من ناحية أخحرى لا يلعن الشعر كشعر » 


. ]١[ سورة الننحل‎ )١( 
. ]۲٣۲۷ سورة الشعراء [۲۲۲ د‎ )۲( 


۳۹ 


منهج الفن الاأسلامي 


ولا يطلتق اللعنة على الشعراء عامة » وإعا يصم سلوكاً نفسياً معيناً يتبعه اوكك الشعراء ؛ 
فن خلس منه فلا تر يب عليه » ولا على فنه الذي يعبر فيه عن مفاهيمه ألا عائية . 

الملعون اذن هو الكفر . والمطلوب هو الأعمان . 

ولا على المؤمنين - حين يكونون شعراء - أن يقولوا الشعر ني حدود تصورهم الاإعاي 
ومفاهيمهم الاإعانية » وهم آمنون من اللعنة » بل مثابون على قوم بما ينال المؤمتون من 
الثواب . 

u 

وهذا الكتاب الذي يوجه الحس البشري الى «الحمال » بلقظه الصر يح للا برل فرصة 
دون توجيه هذا الحس إلى المجحمال بكل الوسائل « الفنية » الي تطيقها الألفاظ . 

وهو يوجه الحس لا إلى جمال واحد » ولكن إلى كل لون من ألوان الجمال . 

الجمال ني الطبيعة > والحمال ني الأحياء > والحمال ني النفوس والمشاعر والتصرفات 
والسلوك . 

وسوف نستعرض فيما يلي عاذج من القرآن تتمثل فيا بعض أغراض التعبير الفنية وبعض 
طرائقه . ولكنا نريد قبل استعراض الهاذج أن نشير إلى معنى اللإفادة من القران في عالم الفنون . 

ليس المقصود هو « تقليد » القران ي طريقة معالحته موضوعاته . 

فالغرض الديني الواضح والأصيل لي القرآن » هو الذي يحكم کل موضوعاته وتوجیہاته 
وتعىيراته . 

ولكنه - مع وفائه بالغرض الديني كاملا - يحمل خصائص فنية تصل إلى حد الإبداع 
والاعجاز 9 

وذلك إلى جانب المفاهم الي يعرضها عن الكون والحياة والإنسان . 

وحين نحاول الاافادة من القران في جال القن › فنلجاً الى الناحيتين معاً : لفاحم 
وطرائق الأداء . ولكن لا لتقليدها كما ذكرنا » وإنما لالتقاط «التوجيه » الذي تحمله › 
والنسج على منواله فيما تنش من القنون . 

فحين جد - كما يظهر لنا من الماذج الي سنستعرضها - أن القرآن يحتفي بمشاهد 
الطبيعة إلى حد يلافت التظر .. فإننا نكون إسلاميين ني فننا وقرانيين حين يتشبع حسنا بهذه 
الحفاوة » ونحس بالتجاوب الحي مع الطبيعة ›» بوصفها مشاهد جميلة متناسقة خارجة 
من يد المبدح العظيم ٠‏ ثم نحاول التعبير عن هذا التجاوب ي صورة حية موحية جميلة . 

وحين جد القران يستخدم القصة للتر بية » ويضمما كل توجياته المتمشية مع مفاهيمه 


. » انظر بالتفصيل كتاب «التصوير الفني ف القرآن‎ )١( 


N 


القران والفن الاإسلامي 


عن الكون والحياة والاإنسان . فإننا نكون إسلاميين ني فننا وقرآنيين » حين ننشي* القصة 
الهادفة » ونستخدمها للتوجيه - الفني لا الوعظي - ومجعل هذا التوجيه ني سبيل رفعة الانسان 
وطلاقته لا في سبيل هبوطه وانحلاله والتصاقه بطين الأرضس ٠‏ مع عدم الإخلال «بالواقعية ٠‏ 
الي تحماها الفكرة الاسلامية ويحملها القرآن : واقعية الواقع الكبير الذي يشمل الضرورات 
ويشمل الاشواق » ويوازن بين الضرورات والاشواق » ويعطف على لحظة ابوط »› ولكنه 
بحاول أن يصعد منہا إلى لحظة الرشد والافاقة والانطلاق . 

وحين بجد القران يستخدم في التعبير طريقة التصوير › فإننا نكون إسلاميين في فننا 
وقرانيين حين نتخذ هذه الطريقة في تعبيرنا الفني عن المشاعر والخلجات والح ركات 
والتصرفات ء لاأحياء الصورة ومجسيمها وخلع الحياة عليما حتى تصل إلى الوجدان حية 
متحركة عميمَة التاثر ' . 

والفن الارسلامي مع ذلك لیس «مقيدا ۲ بالموضوعات القرانية > ولا بأغراض التعببر 
القرانية ولا طراثق التعبير . 

فله أن مختار من الموضوعات والأغراض والطراثق ما يشاء . 

ولكنه مقيد بقيد واحد : أن ينبثق من التصور الإسلامى للوجود الكبير » أو - على 
الأقل - ألا يصطدم بالمفاهم الإسلامية عن الكون والحياة والإنسان » ولا يتحرف عن 
هله المغاهيم 

والمسألة هنا ليست مسألة «الدين» عفهومه الضيق » ولا مسألة «العقيدة» ععناها 
التقليدي . 

إنها مسألة أن التصور اللإسلامي كما يعرضه القرآن » هو - كما رأينا فيما سبق من 
فصول الكتاب - التصور الصحيح المتمشي مح فطرة الكون كله والوجود › والذي تنطق 
به الفطرة البشرية ذاتبا حين ”بتدي إلى الناموس . والذدي يصح ان يقال فيه إن مقاييس 
ا لجمال فيه هى مقاييس كونية » تستند إلى التناسق الملحوظ في الكون الكيير . 

وأي تصور آخر يصطدم به أو يعارضه » هو تصور متحرف عن الناموس الا كبر 
الذي يشمل الوجود . 

وليس من حق الفن أن ينحرف عن ذلك الناموس ء لأنه بذلك يرج عن «الحمال » 
الفني » الذي يتسق مح الحمال الكوني الكامن أي فطرة الوجود . 

تماما كما لا جوز للنجم أن حرج عن مساره ويصطدم بغيره من الأفلاك .. 

والنجم - بعد ذلك - طليق ني مساره الصحيح ٠‏ خفيف الح ركة رشيق الانطلاق . 


. انظر كتاب «التصوير الفني في القران»‎ )١( 


منهج المن الإسلامي 
وهكذا نفهم التزام الفن الاإسلامي عفاهيم القرآن وطريقة القران . 
ولکنه بعد حر ني اختیار موضوعه » حر بي طريقة أدائه » حر ي اختيار اللسب 
والأبعاد والأضواء والظلال ي كل لوحة ءفردة ير مها » ما دام لا حرج على اللسب العامة 
اي ترس مها مفاهي القران الكونية الكبيرة 
والآن فإلى الهاذج الفنية ي القران .. 


۲ 


اولك : تمشتاهد الطبية ين القنرآن 


يعجب الإنسان حين يستعرض مشاهد الطبيعة ني القران » كيف خلا الشعر العربي 
الإسلامي من وصف الطبيعة إلا في النادر » ولي وصف لا يكاد بتعمق الطبيعة إلا قليلاً ء 
ولا يكاد يصل بينها وبين الوجدان البشري إلا في الأقل ! 

هذا مح أن احتفال القران بالطبيعة أمر بارز يلفت النظر ويلفت الحس » ولا عكن 
أن يقرأ القرآن قارئ دون أن تلفته هذه الظاهرة لي ثناياه ! 

والقران - كما قلنا في مقدمة هذا الفصل - كتاب دين » ولكن على المفهوم الإسلامي 
للدين > الذي يشمل كل جوانب الحياة . 

وهو كتاب تربية ... ٩‏ 

يستخدم للتر بية كل وسيلة إعكن أن ينفذ با إلى منافذ النفس المختلفة ومسار بها الخفية . 

و «الجمال » من أوسع المنافذ إلى النفس .. تهش له بقطرتها » وتلتي روحها بروحه أي 
احوة واستجابة واشتياق . 

وجمال الطبيعة من أروع ألوان الحمال الي تہش ها النفس » وتستجيب ها آي فرحة 
وانطلاق . 

ولكن اللإلف والعادة يفسدان التطلع إلى ذلك الجحمال الفذ » فتتبلد الحواس لما ترى 
وما تسمع > وتمر بکل شيء کانا لا وجود له » وتنسى بحكم التعود أنه رائع وأنه جميل ! 

وعندئذ لا بد من إيقاظ النفس من سباتما لتتفتح و « تستنشق » الحياة ! 

وتلك مهمة الفنون . 

ولكن القرآن - وهو منهج حياة » وهو كتاب تربية وكتاب دين - يمه كذلك أن 
بوقظ النفس من تبلدها لتتفتح وتستنشق الحياة ! 

فان الإإنسان حين تدرك حسه هذه البلادة ينحصر لي دائرة ضيقة رتيبة خاملة لا تنبض 
فها الحياة . ومن شأن ذلك أن يفسد نفسه جميعها . فالنفس المتبلدة لا تجيش لحمل أمانة 
الخلافة ني الأرض : لا تنزع إلى الخير › ولا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر » ولا 


. انظر كتاب « منهج التربية الاإسلامية»‎ )١( 


E 


منهج الفن الأإسلامي 


تبنی ولا تنمى ولا تحور ولا تبدل ني هذه الأرض › لأن ذلك كله حركة جياشة فعالة 
مريدة . والح ركة لا تنش من التبلد » والحيشان لا ينبع من الخمول ! 

فن أجل حير هذه النفس وصلاحها » من أجل رفع الحياة البشرية وترقيتها » يسعى 
القرآن إلى تحريك هذه الحواس التبلدة لتنفعل بالحياة ني أعماقها » وتتجاوب تجاوبا 
حیاً مع الأشياء والأحياء . 

وهنا يلتي الدين - مفهومه الإسلامي - مع الفن › ويلتفيان في أروع صورة ي نايا 
القران ! 

« والقرآن حافل بہذه الدعوة للاإنسان أن يفتح بصيرته على آيات الله أي الكون > 
ويستشعر من وراثها يد القدرة القادرة الخلاقة المبدعة .. تي أسلوب أخاذ يأخذ بعجامع 
النفس » ويوقظها من إلفها وعاد تما فتتفتح للكون كأنه جديد . 

. فإنه بحدث أعجب الأثر ني الكيان البشري‎ ٠ وحين يحدث هذا التفتح‎ ١ 

« إنه يشبه - مع الفارق - ذلك النشاط الحي الذي يحس به الإنسان ني أعضائه حين 
بخرج من الغرفة المقفلة الفاسدة الواء » فيتلقى النسي المنعش على صفحة وجهه ويستنشقه 
إلى أعماقه . إنه يتجدد .. يتجدد حقيقة .. حساً ومعنى .. وينطلق ني خحفة نشيط الحركات . 

« والتفتح النفسي يشبه ذلك الأثر › ولكنه أعمق وأشمل وأروع . إنه يمز الكيان النفسي 
کله ویوقظه وینشطه وبجدد حیاته . کل فکرة تر به جدیدة . وکل احساس حطر له 
جديد . وكل مجر بة عر بها فهي حية .. حية تطلق شحنة من النشاط وطاقة من الاإشعاع . 

« وما أعجب كل شيء يبحدث لأول مرة ! إنه تجربة نفسية رائعة حية .. كأنا لمسة 
رقيقة تلمس طرف عصب مكشوف . فيتفزز ويتأثر » وينقل اللمسة إلى مركز الحس 
بكامل وقعها وكامل تدفقها .. إلا عملية جميلة متعة .. تملا الحياة ثراء وسعة ومتاعاً 
متجددا عل الدوام 
« ولو استطاع الإنسان أن يعيش كل شيء كأنا يحدث لأول مرة .. ! إذن لاستطاع 
أن بحس بالشباب الدائم الذي لا يدب إليه العجز ولا الشيخوخة ولا الفناء ! 

« ولكنها عملية عسيرة . فمطالب العيش الداثمة » وزحمة الحياة »> وقصر العمر > 
ووفرة المشكلات > كلها تستنفد الطاقة وتستنقد الاهتام . 

«ومع ذلك فالقران يصنع هذه العجيبة ! 

« إن أسلوبه الساحر » وجوه المشرق » وروحه الصافية » لتنقل الإنسان نقلاً من إلفه 
وعادته » وتهزه ليستيقظ + تلمس - برفق - أعصابه المكشوفة ! فتعطيه الشحنة كاملة »> 


E3 


القرآن والفن الاإسلامي 


يتقلها إلى مركز الحس بكامل تدفقها . . ومن ثم يعيش الأشياء كأنہا تحدث لأول مرة » 
و يستمتع بسحر هذه الجدة ومتاعها العجيب . 

« واللانسان يعيش في القران مح الكون ني لقاء دائم جميل حبيب . لقاء يلذ النفس 
و بعتع الحس ويطلق الروح .. نشيطة طليقة تسبح لله . 

« والقران في ذاته کتاب جميل ممتع » لا يتېي منه قارئه حتی بحب ان يعود اليه 
من جديد . ومن ثم كان اللقاء متجدداً في داحل النفس وني صفحة الكون › لا ينفد » 
ولا يسام » ولا يزول» ‹ 

و « هه 
ونتأخذ بعض الأمثلة شاه الطبيعة أي قران : 


ب س ر و ر ر ۶ و ر 


ر ج 


اا ل ) 0 EE‏ نالب رشنت س الف خان ذلك 


r‏ ا قر اص 2 د س وهو اد اا من : وحاة 3 د 2 ر 


سے ےا سا وص و ص اص کو س وص ry‏ 


قد فصلا الایلت لموم يمقهون بي وهو آلدی أ ّم اا ما4 قان جتا هتات 


کے س م وا و يج زر ول ر ر ا ضر اا سے راق ص صر 
L1‏ 


ع 
کیل ۽ فالحرجتاأ مله خضرا حرج منه حبامترا کیا وين اشخل ن اوها نرا داليه وح 


س > اع د سے سل کت س کي س جا س ع م ج z2‏ 
من اعت ب وآلر یون وآلرمان مشا ويه متشيه آنفردآ إل مه2 5آ مر وينه 2 ِن 
سر ارال یس سے ہیں سے سو ري اکر مص 


ف للبت قز يۇمنون ى ° 


مثل من أمثلة كثىرة 1 في القران . 

توجيه للقلب البشري إلى ايات الته ني الكون : اله فالق الحب والنوى . وفالق اللإصباح . 
ومخرج الحي من ال ميت والميت من الحي .. والليل والہار .. والشمس والقمر .. والبر والبحر . 
النخل والأعناب .. والزيتون والرمان .. إنه حشد هائل من مالي الطبيعة الحية .. الحية بكل 
ما فيا ومن فيها . فا يترك التعبير شيئاً منها جامداً لا يتحرك ولا تدب فيه الحياة ! وقدرة 


. » منهج الر بية اللإسلامية » فصل تر بية الروح‎ ١ الجرء الأول من كتاب‎ )١( 
. ]۹4- ٩۵[ سورة الأنعام‎ )۲( 


٥ 


الته القادرة الي حلقت هذه الآيات كلها هي الي تبث فا الحياة على هذا النحو المدهش › 
وبالألفاظ المجردة لا بالريشة ولا بالألوان ! . 

اللحركة الحبة هي الظاهرة الملموسة ني المشهد كله . 

الح ركة في الحب والنوى وهو يفلق لي باطن الأرض ليخرج منه نبات حي . 

والح ركة الدائبة أي إخراج الحي من الميت وإخراج للميت من الحي . وهي حركة 
حين يتدبرها الحس التفتح تملا النفس من أقطارها > وتشمل رقعة هائلة من الكون الذي 
لا تي الحياة فيه تحرج من الموات ٠‏ والموات حرج من الحياة . 

وح ركة النهار والليل والشمس والقمر والتجوم . 

وحركة النسل الى أحر جثٹ البشرية من نفس واحدة » وما تزال داثبة ني المستودع 
والمستقر . 

وح ركة الماء النازل من السماء فيخرج منه نبات كل شيء . 

ثم حركة « التنويع » ني النخل والأعناب والزيتون والرمان .. تنويع بالأصناف المختلفة › 
ثم باختلاف کل صنف على حدة «مشتہا وغیر متشابه» . 

وتنويح بطريقة التعبير ! 

لكأني ألمح ني تنويع نسق التعبير أي كل مرة أمراً مقصوداً لإيقاظ الحس » حتى لا 
يستنيم لرتابة العرض وهو يستعرض أيات اله تي الكون ! 

انه للا قول هنا : بحرح الحي من اميت ورج الميت من الحي » كمايقول ني مواضع 
اخری ! وإغا یقول : « يحرج الحي من الميت » ومخوج الميت من الحي » . فيبده الحس 

بتغيير النسق قبل أن يسترسل مع رتابة التعبير فلا يتفتح تفتحاً كاملا للآيات المحشودات ! 

ثم لا يقول : فالق الإإصباح وجاعل الليل سكنا ! 

واا يقول : «فالق رصاح وجعل الليل سكتا» ! 

تنويع احر لكي لا ر يبستنم الحس للنسق الرتيب ! 

ولا يقول هو الذي نام من نفس واحدة وجعل لنشاتكم مستقراً ومستودعاً ( كنابة 
عن دور لذ كر والأٹى في كل نسل جديد) فيع الفعل «أنشأكم » فعلاً آخر مشاباً له »› 
وإعا يتبعه باسم : «ممستقر» ! 

ثم يقول : « فأخرجنا منه حضراً نخرج منه حباً متراكباً» فلا يتبع الماضي ماضياً مثله ! 
(ولا ننسى هنا الموافقة التصويرية بين قوله : «فأخرجنا به نبات کل شيء » فأخرجنا منه 
خضراً نخرج منه حباً» ثم قوله : « ترا كبا » بعد ذلك ء بعد أن تہياً الحس بالتکرار المتوالي 


. انظر كتاب «التصوير الفي ي القرآن»‎ )١( 


12“ 


القران والفن الإسلامي 


للفظ الإخحراج » لاستقبال شيء «متراكب » بعضه وراء بعض أو فوق بعض !) . 

ثم يقول : «مشتبماً وغير متشابه » فينوع في اللفظين المتشا مين . 

هل تری كل ذلك مصادفة ! 

آم هو أمر مقصود هنا للتنويع بكل وسائل التنويع ٠‏ وهو يستعرض أنواعاً مختلفة من 
الحياة في صفحة الكون » ويريد أن يلفت الحس للقدرة القادرة اي تخلق كل هذه الأنواع 1 
وينسق ني اللوحة المعجبة بين تعدد النماذج وال عاط ي المشد وي التعبير عنه سواء . 

الا إنه لون من الإعجاز في التصوير والتعبير 

هذا ولا جوز أن نسى ني هذا المقام تلك اللفتة العجيبة في قوله : «انظروا إلى مره إذا 
ار وينعه) . 

إن الأشياء الو بى يستعرضما هنا أشياء تشتهى وتؤكل : النبات واللخضر والحب والنخل 
والأعناب والز بتون والرمان . . ولکنه لایقول هنا کمایقول ي مواضح أحری : « کلوامن مره اذا 
آمر» ! وإنما يقول : «انظروا» ! انظروا إلى الشمر إذا نمر والينع إذا ن ! انظروا الى 


, الجمال » ! انظروا بعيون مفتوحة وحس مستشرف لتملي الجمال . انظروا واس ستمتعوا بالنظر . 
ولا يقول هنا كلوا. . لأن المعرض معرض الحمال المبثوث في الطبيعة › والقدرة القادرة اتی 
تبدع الحمال ! 


والاستعراض يطول لو مضينا نستعرض كل مشاهد الطبيعة ني القران . فا تكاد سورة 
خلو من مشهد أو عدة مشاهد » ني اتجاهات شتى وبطرق للعرض متباينة . وإنعا نكتي 
باذج متفر قة تعطينا «عينات » فنية مختلفة . ٠‏ 

فاذا كانت مشاهد الطبيعة حشدت حشداً في الآيات السابمة لعرض ايات القدرة الاإهية 
الي تبدع «الأنواع » المختلفة من الكائنات › واستخدم لبيان التنويع أداة فنية محينة هي 
تنويع اسياق ليساعد على استكناء التنويع في الطبيعة » فهذا مثل خر من التويع يستخد م 
أداة أخرى : 


سد سرس ٤ے‏ سرس ع سے سرغ م سے چ ص TY‏ سے 


3 ال تر أت الله ألرل من السماء ماء قار جتا په م : ت محتلفا ا الونبا ومن 


ر ررم وو ورو ےم ا اواام سے سے اسر از ار إو سے س 


ابال جدد رو ومر حرف ار نا وغم ابيب سود 0 ومن اناس وآلدواب 


ر ت چ ّ 2 ص 


کے 


. ]۲۸ - ۲۷[ سورة فاطر‎ )١( 


NEY 


منهج الفن الاإسلامي 


إن الحس يوجه هنا إلى ظاهرة معينة آي قدرة الله هي تنويح ۱ الألوان » في الخليقة . ولكنه 
لا بوجّه إلى ذلك في صورة لفظية تجريدية . و إا ترسم له - ني تلك الألفاظ القليلة المعدودة - 
لوحة واسعة فا مخلوقات الأرض جمیعاً من جماد ونبات وحيوان وإانسان ! التبات ممختلف 
الوانه .. وهذا ركن من اللوحة الواسعة » أو وحدة من وحداتها » متناثرة على رقعة اللوحة 
تناثرها يي الطبيعة الواسعة . والحبال ذات قمم بيض وحمر وسود .. وهذه وحدة آخری من 
وحدات اللوحة تنتثر فيا الألوان هنا وهناك لتنسجم مح الوان النبات المتباينة في الأرض . 
ثم .. ناس مختلفة الألوان » ودواب وأنعام مختلف ألوالبا كذلك . 

والتنوع والاحتلاف هو محور الصورة .. ولكنه هنا يرسم بطريقة مخالفة نة للوحة السابقة 
عنصرها توزین الأشياء والأحياء والألوان على الرقعة وتثبيتها ي مكانما » وکانت هناك عنصرها 
الحركة ني مختلف الاتجاهات . 


وهنا حركة من نوع اخر : 

هط واية م الأرض آلميتة يدها ارتا متها حبا فته يا ون و وجملتا فا 
جني نيبي واغتي وجرا ها من ليون ري لبا کوان مره وما نه أبس 
افلا سرون ری س سحن آآذی خلق آلا زوج لها ما تنيت لأر ومن افم وم 
لا يعلمونَ و © و اة هم الل سخ مثه لار قدا هم مظلمون <( وآلشس 
ری س JE‏ لك تَمُدير العزبز آلْعَليء والقمر قدرتله مناز حتن عاد 
کالعرجون الْقَدِم ل آلشس بی ها أن ندرك الْقَمر ولا الَبْلْ سای النہار رک ف 
و حون ن وڈ حارم الماك اون و وعلق م ن تنو 
ےو ام رہ ا ا ی ر ي و يو ر ھم کر ررر ا 


ن اسا نغرفهم فلا صرج مم ولاه ينْمَدُونَ إلا رة مناومتعًا 


لوحة وأسعة شاملة شه ٤‏ بعص سیا پا اللوحة الأول . فقا الليل والہار ٰ والشمس 
والقمر > وفما تبات الأرض المختلف الأنواع . وفيا البر والبحر . ثم يزيد عليما العيون المفجرة 


(1) سورة یس  ۳۳[‏ ؟؟] . 


A۸ 


الفران والفن الإسلامي 


في الأرض ٠‏ والإشارة إلى « الأزواج » المختلفة » وتزيد علا كذلك الفلك المواخحر ني اليحر . 

ولكن المسألة ليست مسالة هذه الزيادة في جزئيات الصورة . فحتى ا لحز ثيات المشتركة 
لا تؤدي وظيفة واحدة هنا وهتاك ! 

«الحركة» هنا من نوع اخر غير الحركة هناك . 

هناك كانت الحركة - سواء حفية أو ظاهرة - حركة اطيفة وثيدة رتيبة هادئة . 

فلق الحب والنوى - وهو الحركة الوحيدة الي أي لفظها شيء من العنف - تمم ثي بطء 
شديد وخحفاء واستتار . وخروج الحي من الميت والميت من الحي حركة كذلك وئيدة خحمية 
مستترة . وانفلاق الصبح يتم أي بطء خحني حتى يظهر النور المادئ قي انحر الأمر . وهنا 
الليل سكن . والشمس والقمر حسبان . حسبان لا حركة ! والحسبان حركة رتيبة متتابعة 
تتم في بط ء وئيد . والنجوم الي ببتدي بها الناس ني «ظلمات » البر والبحر » تتبحرك ولكن 
حركة وئيدة خحفية مستترة . وظلمات البر والیحر - وهی خحفاء مستتر - تناسب ظلمات باطن 
الأرض الذي ينفلق فيه الحب والنوى . وحركة اللسل ني المستقر والمستودع حر كه كذلكف 
بطبثة وثيدة » وحركة تم في حفاء واستتار » فالنطف المخفية في الأصلاب والأجنة المخفية 
في الأرحام کلتا۳ما ت تتحرك ولكن في خفاء عن العيون وفي بطء ويد مديد . ثم التبات الختلف 
يقال فيه : انظروا إلى مره إذا أنمر وينعه .. والإنمار رک لطيفة وئيدة تنم ي خفاء حتى 
تظهر اخحر الامر ي هدوء .. والنظر ذاته هادئ وديع ! 

ما الحركة يي هذه اللوحة فن مستوى خر > وهي دات «نغمة » أعلى وأحد ! 

فهنا العيون مفجرة .. والتفجير حركة عنيفة » والخيال بتصور الماء الذي حرج من العيون 
المتفجرة منطلقاً في سرعة وتحدر . ثم الأزواج .. «كلها» ! إنما لفظة جامعة ولكن في حسم 
بشبه العنف ! والخفاء هنا هنا : « سبحان الذي خلق الأزواج كلها ما تنبت الأرض ومن أنفسم 
ومما لا يعلمون» ليس خفاء هيا ليناً كظلا م الليل الذي ينفلق منه الصبحح > ولا ظلام الأرض 
الي ينفلق ما الحب والنوى . ولكنه خقاء حا سم قاطع ! ثم اللیل لیس «سکنا» کہا کان 
هنال .. ولکنه هنا بشارك في حركة عنبغة تم فی کیان .. هي حركة « سخ » الہار منه ! 
« واية هم الليل نسلخ منه الہار فإذا هم مظلمون» !1 والسلخ حركة يعرف الحس عنفها وشد تا » 
وا-حهد الذي تعطلبه لفصل ما ينساخ ما يسلخ منه ! ثم بعدها « فإذا هم مظلمون» همكذا في 
مفاجاة ١‏ بإذا» وقي حسم ظاهر 1 والشمس والقمر ليسا حسباناً هادا وئیداً کہا انا هناك . 
بل ما ي حركة شديدة كبيرة دائبة : «الشمس تجري » وحتى كلمة مستقر « تجري لستقر 
ها » لا تسكن الحركة في الحس . فإ نما تلتي ي النفس ظل الشيء المندفع » الذي يستقر - حين 
پستقر فی شدة وعنف ! والقمر في منازل تفر شکله تغییا واک لا نحفیاً ‏ « حتی 
عاد كالعرجون القديم » ٤‏ ثم حركة السباق الماثلة بين تلك الأجرا م السماوية : «لا الشمس 


۹ 


منهج الفن الا/سلامي 


ينبعي ها أن تدرك القمر » وكذلك بين هذين ال مخلوقين المتداولين : «ولا الليل سابق الار » , 
والفلك ١‏ مشحوںل ١‏ وحر كة الح ن معروفة تلقي ظلاً معيناً في النفس فيه فته کئير من الشدة 
والتهد وأخيراً : «وإن نشا نغرقهم فلا صربخ همم ولا هم ينقذون» ! وهنا تتمشل حركة 
الإاغراق العنيفة وما توحيه من تشبث عنيف من جائب العْرّقين . ومع أن عملية اللإغراق 
لا تتم فعلاً . فإن حركتا تتم كاملة ني الخيال » ويسمع جلبة «الصريخ » بالفعل وإن كان 
ي الصورة منفي الحدوث ! 
3 # 3 
وازن بين تلك الحركات العنيفة كلها وحركة الظل ي الاية : 


سو رص کے مسو ری مسرا ب ع ماو ص 


$ الر تر إل ربك کیت مد آلظل ولو شاءَ عله سانام جعلتا آلشمس عليه 


گت ج سے ار ریس سے کر ص (۱) 


دلیلا ر م قبضتله ینا قبضا سرا ې 


إا حركة ييل من لعافها أن تكاد لا تتحراك ! ويزيد من لطفها والإيحاء يبعي 
الشديد كلمة «ساکناً» مع انبا لا تم في واقع الامر : «ولو شاء عله سا کنا ۲ ! مع انه 
سبحانه لم يشأً أن جعله ساكناً » إلا أن وجود اللفظة يلقي ظلها ني النفس » وهذا بعض 
الملقصود من إيرادها . وظلها هو تبطى حركة الظل حتى لتشبه السكون . وتلك حقيقة 
« طبيعية » فحركة الظل وئيدة جداً لا تكاد تظهر تظهر . ولكن التعبير جسم هذا البطء ويعطيه 
« مساحة » ي الخيال » م يكن ليكتسبا لو كان الوصف جر يديا بحتاً بغير تصوير ولا 
خييل . وكذلك تتم صورة البطء بتكملة الحركة ني الاتجاه الآخحر : «ثم قبضناه إلينا 
قيضا يسبرا » . ولكن لفظة معينة هنا تعطي المشهد كله معنى عميقاً عجيباً يغير « نغمة » اللوحة 
كلها » ويعطيما روحاً جديدة لا بتيسر بيانما بالألفاظ ! إلا كلمة «إلينا» . «ثم قبضناه 
الينا . .. هذه الكلمة حرج اللوحة من نطاق الأرض المحدود الذي كانت فيه » فاذا فيا 
أمر آخر غير هذه الأرض .. إنه يد الله سبحانه تمتد لتقبض الظل « إلينا » . إلى الله سبحانه 
الذي لا يتحدد معمكان ولا حير ولا نطاق ! إن الظل « المتجسم » هنا ني الأرض ل يعد كائنا 
أرضياً محدود النطاق .. ولکنه صار . . صار ماذا ؟ صار شيا کونياً غيبياً مبدۇه هنا في 
الأرض .. ونايته عند الته الذي ليس له انهاء ! 
وهذا كله يتناسق مع سياق الاآية الذي ترد فيه مشاهد الطبيعة ني صورة الرحمة الالية 
على الاس : 


, ]4١ _ ٤٥[ سورة الفرقان‎ )١( 


(۲) يراجم كتاب «التصوير الفني ني القرآن» . 


e٠ 


القران والفن الاإسلامي 


سے سے سر می مر سر ار سا اس سے بے اص۱ و ص سے اے چ 


SIR:‏ إل ربك کیت مد آلظل وکو شاء عله, ساكنا م جعلتا الس عليه 


o‏ مر ار روس سوک 


دللا و م قہضتله لتا قبا سرا ر وھ وای جل ککر الل لباسا وآلتوم سان 

سے ہے سے نے م م ےر ر ہر ین سر سے ا سے کے سے ہے سے کا سرت 

وجعل آلنهار سور e‏ وهو ای ارس ل لر بلح سرا بین یدی رحمتهء وانزلنا من ن السماء 
سے وکر کے لے کر مارو رل ے رس چ ر سے وص کے رم 


ما۶ طهورا ری لحت به بلدة میتا واسقیهر مما خاشا انعلما واناسیّ گنیرا که ٩‏ 


وهو جو كله رحمة وعطف وود وإينتاس . 


وشذه اللوحة ف البحر : : 
3 هوآلّدی سر کف لبر وال حح إا ڪنت ف الماك ورين جيم برج 


سے ایی سے مرس اکر و اص از رای اا۱ 1 HE‏ و 


غ ص > 
مور فف و ا رع ی م چون و او ا 


اس سے 


2 ری ارچ سے ام > کے ر سرا مص مرت ب 


سے اوس > 5E‏ و 
کی اا ايان ˆ 

إا قصة كاملة ني لوحة ! قصة تشمل مشاهد الطبيعة وخلجات النفوس متداخلة 
متشابكة ؛ يصعب انتزاع جزئياتها بعضها من بعض ! فهذا هو الفلك حجري أولاً في ريح 
رحاء » والنفوس فر حة رأضة مستبشرة › ثم جيء ء الريح العاصف والموج من كل مكان . 
وهنا يرتسم الذعر في القسمات ووجيب القلوب » متناسقأ مع الر يح العاصف والموج الضطرب ؛ 
ومختلطاً بهما كذلك › ثم تسكن الريح وتنتبي «الأزمة » ني البحر » وتتبي كذلك من 
النفوس .. و عضی کل في حال سبیله › غیر عابئ با کان قبل لحظات ! 

دقة عجيبة ي التصوير » وإحياء لمشاهد الطبيعة » ومزج ها بمشاعر النفوس ء بجعلها 
حية ي الحس » حتى وهي تقسو أحياناً فتصيب النفوس بالملع والاضطراب ! 

تلك أمثلة غيبرها كثير بي القرآن . 

ولكن الذي يلفت النظر حا ليس هو جرد ذكر الطبيعة ي بي القران . 


(۲) سورة يونس [۲۲ - ۳؟] . 


1٥1 


منهج الفن الا سلامي 


وإنما الذي يلفت النظر هو أنه لا يكاد يوجد غرض من أغراض التعبير ني القران 
لم تستدخدم فيه الطبيعة لاإحيائه ي النفس وتوسيح مساحته ي الحس ! 

فهو لا يڪتفي بتوجيه النظر إلى خجالي الطبيعة المباشرة كالاأمئلة الي بينا > واي ترد 
ها مشاره كثيرة جداً في القرآن . واا يعبر عشاهد الطبيعة عن ١‏ المعالي » اللفسية والفكر ية 
والاجماعية . الي لا حطر ثي بال بشر أن يستخدم الطبيعة للتعبير عنہا وتوضيحها ! 

فالانفاق عن مخادعة ورباء ٠‏ والانفاق عن صدق وإخحلاص › لاأ يصفهما باللفظ 
المباشر المجرد » وإ ما يرسم هما لوحتين من مناظر الطبيعة الحية اقح ركة : 


بک يتا الین را ل یا تقو الین ا ائ یی می راه رن 


2٤ر‏ مار سے ول r‏ 


سے سے ہےر چ سے چ فار ت رر 


رار ا یو ی چ کے کی سے سے ۶ گے ر ر 


ا و و الله کدی ا گر د کل اأ رة 
اموم آبعغاء مرضات آله وندیامن نمسم کنل جنع رربوة أصابها وال عات اڪ 


سے صر سے سے ی ص ہے سے راق اص ری کارا کے ېغ ص سے سراق سے ج 
ضعقن إن ل بصببا واب فطل والله یما تعملون بصیر ر اود احد کر آن کون لهر جنه 
2 سے اکر سے کے سرع ج رار رار سرا کس ور 


من تیل وأعتاب ری من نا آلا نہر لر فیہا من 3 آلثمرات ت واصابه آلكبر ودر ذرية 


طا ا إعصارٌ فيه تار فاحترقت كلك بين کک الت ی لا" 


مرس سے ا ار 


1 1( 
شفروت ې 

فيتحول المعنى اجرد إلى معنى حي متحرك ٠‏ حين تشترك فيه الطبيعة برسم هذه المناظر 
المتتابعة . 

ويرسي للكفر هذه اللوحات : 


سے ص راق ےپ عاص 


< اوس رت 
f‏ أولتيك آلذين أشتروا الضكة لدی ا ارت رکم وما کانوا مهتدين و ( 


E 


سے کے ر چ ا کر سے کے ص ہے ہے سے اکس سر کر سی ہے ب را اسر دی اص چ سے سر سر سے ا ے 


0 ت ماحوله, ذهب آله پنور م وتر هم فی ظاملت 
2 ۶ اا یق ررر رل و س سو = ہے سے لو سول 
لايبصر د صم بکر ی فهم لا زجعو ت دي او گصبب من السماه فيه طلست ورعدٌ 


. ]۲١١  ۲٠٣٤[ سورة البقرة‎ )١( 


e۲ 


القران والفن الاإسلامي 


ت 


سر ست لر ورا بے کا ری عر ۶ 
و برف يجعلون اصلحهم ‏ ف ٤اذان‏ ىم م من الصواعق حدر الموت والله عبط اله 


واتار سو رق 


كاد آلبرف طف مرم م كا اصا٤‏ مم مشوأفيه وَإذاً E‏ 


سر سے سےا ےن وت اا پے اص موص ااي 7 مث سے مر ل و س ےک 

$ والذین کفروا الهم كسراب بقيعة بحسبه الظمعان . ٤‏ حيج دا جاءَم لر جده 

سے ا کر سے ف سے صے ہر ا برت ار و رر ار صم وص غد ر ا ارس ار و 
شيعا ووجد الله عند فوفله حسابه, الله ربع الاب ا او کظلہلت ق بحر جي 
سے ا ص سر اا س م سر وق ن و سے سے و ۴ور و ےا ع وان ٤‏ ر سو 
یخشه ٧وج‏ رن فو قر د د موچ من فوقه. حاب ظلہلت بعضہا قوق بعض ادا انح يدم لر 


سے سس سے ت صو برقل کر کر سے رار 


گر ومن لر جل آله که نو را ما له مه من نور که ٩‏ 


إنها صور عجيبة تهز النفس من أعماقها > وتستدرج الخيال يتتبع تفصيلا تا المح ركة 
اأتعالية . فالصتيب ى اللماء فيه ظلمات ورعد ورق .نظ الماسن مک کل ا في 
من رعب وفزع . يجعلون أصابعهم لي آذالهم من الصواعق حذر الوت .. الموقف واضح 
بتفصيلاته . والخيال يتملاه كأنما يشاهده على شاشة الصور المتحركة أي أروع «لقطاتها ‏ 
المثيرة .. كلما أضاء هم البرق مشوا حطوة » مذعورين مفجوئين » فاذا أظلم علیہم وقفوا 

او .. كسراب بقيعة .. المنظر ممتد على اخحر البصر حيث ايل السراب . كامال 
الذين كفروا متدة إلى ما لا نباية » وهي كلها خحداع ! «حتى إذا جاءه » .. والخيال يسير 
معه هذا «المشوار » الطويل الجاهد حتى يصل إلى مكان السراب : « لم بجده شيئاً» ! روعة 
المغاجأة » حتى والإنسان يعلم من قبل أنه لا شيء هناك ! ثم المفاجاة المذهلة الكيرى 
« ووجد الله عنده» .. «فوقاه حسابه » والخيال يتخيل منظر الفاجاة المرعب المهول . 
إعلك الانسان نفسه من هزة التاثر فال العميق . 

«أو .. كظلمات أي بحر لحي .. 

اپا أروع لوحة من لوحات اطلام في مشاهد الطبيعة عکن أن تر “مها ريشة أو الة 
مصورة ة . ومع أن المشهد لم يكن معروضاً هنا لذاته ‏ وإنما لتصوير حالة الظلام النفسي الذي 
يورثه الكفر للنفوس . فانه أمدنا بلوحة طبيعية رائعة يتملاها الحس والخيال » ويعمل فا 
« الفن » بحر ية وانطلاق ! 


. ]۲١ - ٠١[ سورة البقرة‎ )١( 
- ]٤١ -۳۹[ سورة التور‎ )۲( 


\or 


منج الفن الإسلامي 


والحق والباطل يرسي هما هذه الصورة من مشاهد الطبيعة : 
سے او بے ےت ہے 5 سے ت ار ار سے سے 


٥ 
نر من آلسماء ما سات أودية بقدَرها فاحتمل آلسیل زبدا 3 ما يوقدون عليه‎ 


N 
ا‎ 


KET HETE‏ اك يشرب آل الح الط اما ار بد فدهب 


سے س سوا ا » zÊ‏ 


٩ واما مابنفع الاس فیمکت فآلا رض ڪد الك یرب أله لاما کے‎ ۶ ed 


والكلمة الطيبة والكلمة الخيثة : 


رال اسر کے سے لیے کے سے سے سے ا رای لے اواس ص 


رین اسر ا و سے عرص ےل 
| ار تر یف ضرب الله م مثالا مثلا كامة طيبة كشجرة طيبة أصلها ابت وفرعها فى آلسماء رى 
رو ا 7ے ج چس ےج سے ر ےا فصر ا کے ص صر مر کے صر 


تۇل ج اهال حن بن را ويضرب الله لمال الاس لَعلهم بعد وود ر ومشل کلمة 
خريثة كشجرة حيحة جنات من قوق آلأرض ما ها من قرار ۳ 


بل تصل الحقاوة مشاهد الطبيعة إلى حد استخدامها في جال التنز يه المطلق والتجر يد 
الكامل قيرسي هذه اللوحة الحجيبة ٠‏ لوحة «النور » ني مقابل لوحة «الظلام » هناك : 
* ر ال ت جص اوج وص ار اص 
ج آله نور ألسملوات وآلرّض مل وره ء کشکوة ق فيا رصاح آلمصباح ف زجاجزٍ 


اس رار ایس و وو اکڑرے ال ار رل ر ی سے اص مب رکه سے 2ے 


آازجاجة کا نبا کو گب دری بوقد من رة ريشو لا شرقية ولا رة کا 


سر ارس ال رو 2ت رو ص وا 4 ا مص سرس سے 
ز یتہا ىء وو سنه تار تور على تو یی آله ورو من با وضرب الله 
الأنل لاس و الله کل شىء عل ي 7 


تلك ظاهرة تلفت النظر ني القرآن . وهي ظاهرة يلتقي فما الفن والدين التقاء كاملا 
کا ہما متطابقان . ويعمل فا الاعجاز الفني جنباً إلى جنب مع التوجيه الديي الطلوبتب 


. ]١۷[ سورة الرعد‎ )١( 
. ]۲١ - ۲٤[ سورة ابراه‎ )۲( 
. ]۳١[ سورة النور‎ )۳( 


Nef 


القرآن والفن الإسلامي 


من وراء تلك الصور الحميلة الحية المتحركة الي توقظ الحس للجمال > لتوقظه لاآيات 
الله في صفحة الوجود . 

فاذا وازنا بين هذه الوفرة العجيبة من مشاهد الطبيعة ني القران - كتاب الدين - وبين 
ندر تما الحجيبة في الشعر العربي - وهو كتاب الفن ! - ادركنا - بي هذا الحانب كما 
ني الجوانب الأخحرى - مدى الخسارة الي أصابت الفن العربي من عدم استمداده من 
الرصيد القرآني المذخور » ومدى ما كان ,عكن أن يكون عليه من الأراء الفنى » لو أنه اتجه 
إلى هذا الرصيد الغني يستمد منه الوحي والتوجيه ! ۰ 


تاشا: القصة ف الق ,ان 


القصة ني القران ذات هدف ديني بحت . فهي مسوقة للموعظة وار بية والتوجيه . 
ولكنها مع ذلك تفي بكل مطالب الفن القصصي الخالص " . 

وحين نتحدث عن الاستفادة من القران في مجال الفن القصصي › لا نقصد بطبيعة 
الحال أن يلتزم الفن الإسلامي بالقصص الي وردت ني القرآن » سواء ي الموضوع أو ني 
طريقة الأداء . ولكنا نقصد أن يلتقط «التوجيه » الذي تحمله تلك القصص مدلوله الواسع 
لا معناه الحري » ويعمل في محيط هذا التوجيه على نطاق واسع دون أن يتقيد بقيد موضوعي 
أو قي . . ملتزما فقط بأن يستمد تصوره للحياة والأحداث والأشياء من التصور الاسلامى › 
أو على الأقل لا يصادم أي النباية شيئاً من المغاهي الإعانية .. فلا يحسن الشر ولا بقح 
الخير » ولا يدعو الى المنكر ولا يبارك لحظة الضعف و مجعل منها بطولة » ولا يقبع داخحل 
الواقع الصغير الذي تحكمه الضرورة القاهرة » ويممل الواقع الكبير الذي يتسع للضرورة 
كما يتسع للانطلاق من الضرورة . وعليه كذلك ألا فصل بين الأرض والساء لأن هذا 
الانفصال ليس حقيقة . ولا بين الانسان والله › فذلك أيضاً ليس حقيقة . وأن يوسع اللوحة 
الي نجري عليا أحداثه وأشخاص > فلا تقف فما الحادئة عند دلالها المغردة › ولا الشخص 
عند كيانه الفرد » واا تشير الحادثة الى السنة الشاملة » ويشير الشخص الى «الانسان » 
من وراء الظروف والملابسات . وترتسم بد القدر من وراء الأشخاص والأحداث » على أن 
القوة الموجهة المريدة الي تسير كل شيء بقتضى الناموس الأ كبر الذي يحكم الوجود . 

إنه فن «ملتزم » . ولكن ليس بالمعنى الضيق للالترام . فهو لا يلترم « عذهب » معين ؛ 
ولا هو كذدلك فن وعظي يدعو إلى فكرة معينة بطريق الوعظ والدعاية المباشرة . وإنما هو 
١‏ يلتزم » فقط عجاراة الناموس الكوني في جماله وتناسقه وتوازنه وطلاقته من الضرورة . 
ويدف إلى إنشاء إنسان صالح » إنسان يتوافق مع ناموس الكون » ولا يشذ عنه بطريق 
الانحراف . ويتخذ وسيلته الى ذلك عرض « الحمال » و «القبح » ععناهما الواسع وجالاتہما 


. أنظر فصل «القصة في القرآن» في كتاب «التصوير الفني في القرآن»‎ )١( 


CÎ 


القرآن والفن الإسلادي 


الشاملة : ني المشاعر والأفكار والتصرفات والسلوك . بحيث تشتاق النفس ني الہاية إلى 
الحمال وتنفر من القبح » دون أن تتحس « ضغطاً» ني هذا الاتجاه أو ذاك . 

ومن هنا حرج من جال الفن الإسلامي كل القصص « الحنسية » الي لا دف إلى شيء 
سوى إثارة الغريزة › والي تصور الحياة كلها كأنها لحظة جنس مسعور . فليس ذلك 
حقيقة . وكل القصص الي ترين الفاحشة - أية فاحشة : نقسية أو اجتاعية أو اقتصادية 
أو سياسية أو حلقية - وتبينها في صورة جميلة . فليس ذلك حقيقة . وكل القصص الى 
تعرض نقائص الإنسان في صورة علمية بادرة على أنها هي وحدها حقيقة الإنسان الأصيلة 
العميقة . فليس ذلك حقيقة . وكل القصص الي تقلب الق فتصور انتصار الشرّ على الخير 
عل أنه سنة كونية . فليس ذلك حقيقة (وان بدا في فترة معينة م ن الزمن أنه حقيقة !( 
وكذلك كل القصص الى تہدف إلى شىء ! فليس حقيقة أن هناك شيئاً بلا هدف في هذا 
الوحود ! ٠‏ 

ثم يبقى بعد ذلك جال واسع جداً لتصوير الحياة البشرية في شتى حالاتها وجالاتبا . 
وتصوير النفس البشرية في شتى انفعالاتها وتقلباتها > وتصوير القيم الأإنسانية ي شتى 
مستو ياتا ودلالا تا .. مقيسة كلها بنواميس الوجود > وبفكرة «الحمال » الأصيلة العميقة 
في بنية الكون والحياة والاأنسان . مجال تلتقي فيه « الحقيقة » الكونية «بالحمال » الكولي > 
بلا تعارض ولا اصطدام » لأنه لا تعارض ني فطرة الكون بين الحقيقة والجمال ! 

# هه 

وقد استخدم القرآن - قي أغراضه الديتية البحتة - كل أنواع القصة : القصة التار خخية 
الواقعية الممصودة بأما کہا وأشخاصا وحواد ہا . والقصة الواقعية الي ی تعرضص موذجاً أحالة 
بشر ية » فيستوي أن تكون بأشخاصما الواقعيين أو باي شخص بتمثل فيه ذلك النموذج . 
والقصة المضروبة للتمثيل » والتي لا تمشل واقعة بذاتها ء ولكنها إعكن أن تقع أي أية لحظة 
وأي عصر من العصور . 

من النوع الأول كل قصص الأنبياء . وقصص الكذبين بالرسالات وما أصابهم من هذا 

التكذيب . وهي قصص تذ كر س اء أشخاصا وأما كنبا وأحدالبا عل وجه التحديد والحصر : 
موسى وفرعون . عيسى وبني إسرائیل . صالح وود . هود وعاد . شعیب ومدین . لوط 
وقریته . نوح وقومه .. الخ . 

ومن النوع الثاني قصة اني أدم : 


ہر و ار رص ے سا رد ت ج ص رھ سرا ای سے ج E‏ ہے یری ال ص ع ا و ص 

$ وآنل لیم نبا آبنی ٤ادم‏ باحق إذ قر 5 3 نافتقیل من آحدها ولر یتقبل من 

ای اص ساس صر غو ص اس راس ر ا رار سر وار می ۳ راص سر سر سے کے ول سر ہے ر0 
الاتر قال لا فتلنك قا ام ات م ن طت إل يدك لقتل ما آنا 


منهج الفن ا 


ص 7 صرصے ہے ا iî‏ ا ران £ » سے 
س ر م ر 

سر سے م سے سے کے بے رار سے اال سے سے سے سے لے 
رين تيئر ولك جز وأ الظلاہين دم قە نقسهرقتّل أحيه فقتل 
ع 

۴ ا راص مع ر رر لر کر مرو مر 4 رض م ر < 2 م 
سے و iF ٤‏ سی سے ر 
قال ا ارت ان ڪون متل هدا اقرب قاری سوه انی فاصبح من 

Vy 

نین ) 
ومن اس الأخير قصة صاحب اتن : 

۰ مرا ر 5 ج 7 7 ر سے 82 
ای کے نے بے ار مد م ر و اور ر ےر ر سے سے کے بے سے سے رار سے سی سے کے 
وحعلناين زا 2 LE‏ قرا حا > او 

مر سے ےا صر و امرس سرا مر از ارق ر غم ل رص می سے سے سے صاش 


و کان ەر مر فال لصاحبهء وهو اور ا تاأكرمنك مالاواع م ر ودخل تار 


مر کر سر اص س ےو ر ر ص ع ل سے سے ے۱ رر سرس غ2 ق کہ سے سے سے سے کے سے ۳ شّ ص 
وهو ظالم لَنَمّسه لما اظن آن تید هذه ا بدا وم اظن آلساعة قايمة ولين رددت إل 
ہرس غ ر یوک پوس ا سے ر اراز رار از ارال اس نے مص 


ری لاجدن خیرا متا منقَلَبا ر قال ل صاحبهر وهو جاور ا كرت اذى حَلَقَك من 


لا ارس ر رر یں س 


تراپ م من َة م سوك رجلا د لکنا هواه ری ولا شرك پر ادا ر وکوآ| ا 


د خلت جنك قات ا ءآ ا لاقَرةَ إلابال ب ترن اناقل منك مالا وولا ر فعسین 
رنج آن وتن حيرا من جنك وپرسل علا حسبانا من السماء صح صعیدًا رمَا ر أ 
صح ماما ورا قان ليع آ, کی ت واج روء اض بمب گنی ی ا 
انی فيا وهی ڪاو دابعو یکی آ شرك رر أحدار وآ تن ل" 
پو او رو رور 


فئه ينصرونهر من دون الل وما کان منص ت منتصرا پې ٩‏ 


. ]١۷  ۲۷[ مورة المائدة‎ )1( 


(۲) سورة الکهف  ۳۲[‏ 4۳] . 


6A 


القرآن والفن اللإسلامي 


وقد كان أمراً طبيعياً أن تكون القصة ني القرآن « موجَهة » خاضعة للأغراض الدبنية 
الي جاءت لتحقيقها . فليس القران كتاب قصص ني أصله . وإ نما هو - كما قلنا - كتاب 
تر بية وتوجيه ٠‏ وانشاء حياة انسانية كاملة . ولكن الدقة ني الأداء : وبرور القواعد الفنية 
فيه » تجعل القصة - مع خضوعها للغرض الديني - طليقة من الوجهة الفنية . وتتيح لنا أن 
نتحدث فا عن بعض السات والخصائص الفنية البحتة من حيث دلالها ي مج الفن 
الإسلامي . 

من السمات البارزة ي قصص القران ألما قصص « نظيفة ٠‏ . 

وليس المقصود بالنظافة ألما تعرض النفس البشرية بيضاء من غير سوء ! فالقران يعرض 
تلك النفس ني جميع حالاتما : حالة القوة وحالة الضعف . حالة الارتفاع وحالة المبوط . 
وحالة التأرجح بين القوة والضعف والارتفاع والمبوط . كما يرس الدوافع المختلفة الي 
تتناوش نفوس البشر ني الأرض فتدفعهم حيناً إلى اللصوق بالطين » وتتيح هم حيناً فرصة 
الرفرفة والانطلاق . 

ولكن منشأً النظافة آنه حين يلم بلحظة «الضعف البشري» لا يصنع مها بطولة تستحق و 
الإعجاب والتصفيق ! إنه يعرضها عرضاً « واقعباً» حالصا » ولكنه لا يقف عندها طويلاً ء 
وإ نما يسرع ليسلط الأنوار على لحظة الإفاقة . لحظة التغلب على الضعف البشري » لأنا 
الحديرة بتسليط الأنوار علا . وهى ني حقيقنما «الإنسان» الذي كرمه الته وفضله على 
كثير من الخلق » وعهد إليه بالخلافة الراشدة ني هذه الأرض . 

فهو إذ يعرض الفتنة الي وقع فيها سليمان أو داود أو يوسف أو موسى .. يعرض لحظة 
الضعف كما هي بلا «رتوش» . إا فتنة . إا ضعف . إا حضوع لدافع من دوافع 
النفس الفطر ية . ولكنا - على واقعيتها - لا تستحق الاحتفال » إلا من جانب واحد .. هو 
أن الإنسان يفيء منبا إلى نفسه » ويعرف ألما كانت لحظة ضعف فيرتفع عنها » وينيب 
الى الله . 


می سے ہو م و سر ج سر ار عے سے ص۱ 2 
3% وهل اتلك تبۇ حصي | اذ سوروا مراب e)‏ اذ إذ دخلوأ على داورد فزع منم 


سے سے راض سی یی صر سے لے ا 


راا ف حصمان بغ بعضنا عل بعض فاخ بیننا باحق ول طط رادا إل 


سے سے سے مرار وار س وا سے سے مرک سے صر و ل ر 


سوا ء الصراط ‏ لن ددا ای لھ اسم وسعو َة ولي نعجة واجدة فقا فلي 


کے 


ونی فی الطاب ج قال مد لمك سال تعجتك لل نعاجهت ولك گثیرا من اتلعاطاء 


1۹ 


منهج الفن الاإأسلامي 
ليبغى ب 5 بعضهم عل بعت بض إلا لذن ٠۶‏ منوا ولوا أ الصللحلت وليل ا وطن 


مر ار کر اتی مرت کر یروصم ا عا م کر اص سے (۱) 
داوود ما فته فاستخق رار وخر را كماو تاب 4 


ووا لداورد ا آل إو اواب ر إذ َيه ي 

ا ووسنا لد د نعم و اواب بي" عرص ٤‏ بالعثی 
2 سر ر ر وسے؟ راس ص بے واوا وس و سرس سے و 
از اهت الحياد ر فمَال ٍف احت سحب ب لیر عن E‏ رن حن توارت 


سر ماسر راس سے چ سے صر کے راص س س اووس سرس 


باخجاب اا ردوھا عا طفق محا بالسوق اعناق ا ولقد فتنا سليمدن وألقينا على 


ا 


ر r‏ سر سے 


ع 
سیه جسدا تم أَابَّ e‏ قال رب عفر لی وب لی ما لا نی لحد من بعّدی إنكَ 


ج اسل نے 


` کی سے اس یو ا ا چ ا سے ہے سے سے بے 3 سے 9 سے ہے ار 


ولذ نت پوه وهم کول أن ر٤1‏ برهن رب ذلك لنصرف نه وء 


رالمَحَْآء م من عبادن الْمحْلَصينَ لي ایج أحث ل ما دعوتي لبه وإ 
سرچ چ صي ور رو ل ج5 سے ری س و رل رر ي 
تقرف نی دمن صب وون وا گن من ابقولین و اتباب لور بر قمر 
سے اکر رچ رو ول ارم 
عنه کیدهن إنه راتات ٠‏ 
سے سے سے تھے ہے ع کے سے ت کاچ سے عرس اس فر سل ارس عو 

$ ودخل المدينة على حب غفلة ن هلها فوجد فیبا رجلین يقتتلان هلڌا من شيعتهء 
سے یی سے سے ص ر ل ریو اس سرا ج ارس سے سے سےا ا لے سے 
وهلذامن یو فأاستچلثه 1 من شیعته ع اذى من عدوهء فو هر موسون 


اوت 


کے ار عر سر ی کے ge‏ 


سى علي ل دامن ل ايان اه عدو مضل مین د ال رب إن ظامت نفسی 


سے سے ررر ور ا ت ر صر س 
قاغیرلی فغفر ار نهر مرالقفرد ارج o‏ درا اعت عل ين اکن و 
د مور فی المد ر ر ر ت ر ا > Ê‏ 2 
ا کر تام ص اغ وو I‏ ور رو پا کرس راص ن ا ص۱ 


قال و إت کر ج ا ایی لی رع کیا ل ر 


. ]۲٤  ۲۱[ سورة ص‎ )١( 
. ]۴٥١ ۳۰[ سورة ص‎ )۲( 
. ؟]‎ . ۲٤7 سورة يوس‎ )۳( 


1° 


القران والفن الإسلامي 


عر کر £ یام سے سر سے سے ۳ ہے ج + =٤‏ ر کر 


آترید أن قتان یگما قحلت تفا امس إن ترد | إل ان کون جبّارا فی رض وہ رید 


سے سے رور ےو کم rT‏ 2 
ان کون مر آلمصلحينَ د وجاء رجل من أقصا الْمدينة بسع قا ل لمو إن 
مرس مغ قر مص سر سر و و پا ت ص سے می عل سے ا واس سے اکل سرا سے ے م 
آلملا بأتمرون بك ليقتاوك فارج ج انى ك من التلصحین د فخرج منہا خا فا تر قب 


یی سے ا۱ اکر سے ب ےی ا پت اک سے نے کے۱ سے ام چ۱ 


قال رب نی م من آلْقَوم آلظلہين دي ولما وجه مء مدن ال سی ربح آن ينی 


تلك وأماها لحظات « ضعف بشري » يعرضا القران دون مداراة على أصحا ا . 
ولكنه لا يصنع منها بطولة . لأنہا في الحقيقة ليست كذلك ! 

كما ان هناك مة بارزة اخرى ي القصص القراي وهو يعرض قصص « القاحشة » . 
انه للا یعرضہا لاثارة تلذذ القارئ أو السامع عشاعر الحنس النحرفة کما تصن اذاهب 
« الواقعية » و «الطبيعية » ني المذاهب الحديغة الضالة . فلحظة الجنس - منحرفة أو غير 
منحرفة - لا تستأهل الوقوف الطويل عندها . فإنها ليست هي الحياة ٠‏ إنما هي وسيلة 
من وسال الحياة . إنها عارض يعرض ني الحياة ويقّضى . يقضى ليفسح المجال لأهداف 
الحياة العليا ا لجديرة بالتحقيق . يفسح المجال للتصور الأبماني الكبير للكون والحياة والاانسان . 
للء المشاعر بذلك التصور ٠‏ وإطلاق النفس في واقع الحباة تحاول ان تحقق من كماله 
ما تقدر عليه : من إقامة مجتمع نظيف . من تربية نفوس مستقيمة . من إقامة الحق والعدل 
في الأرض . من تمتيع الناس بحقوقهم » وتجميل الحياة هم بحيث تستحق أن تعاش » 
ي غير فثنة ہا ولا انحراف . وتلك كلها أهداف ضخمة تشغل الحس البشري »> وتشغل 
هم اللإنسان الرفيع الذي ينبغي أن يعمر وجه الأرض . ومن ثم لا تستحق لحظة الجنس 
الوقوف الطويل عندها » وتفصيصا » وإعادتا » والتفان في عرضا > لأن ذلك اسراف 
ثي المقادير بالنسبة لما يلزم للحياة البشرية ٠‏ وتحويل للوسيلة حتى تصبح غاية . وهي ليست 
كذلك ولا ينبغي أن تکون . 

تلك قاعدة مرعية تي كل قصص القران عن « الفاحشة » . وهي كذلك ينبغي أن تکون 
مرعية ني كل القصص الإسلامي . إن الإسلام لا يحرم وصف المشاعر الجنسية - نظيفة 


. ۲۲۲۰-۱۵ سورة القصص‎ )١( 


7١ 


منهج الفن الاإسلامي 


أو غير نظيفة - ولا يحرم وصف لحظة ابوط والضعف . ولكنه يعرضها كما ينبغي أن 
تعرض . لحظة ضعت لا لحظة بطولة . ولحظة عابرة يفيق منها الانسان إلى ترفعه الواجب » 
ولا يظل دائراً في حاقتها المرتكسة على الدوام ° . 
o» «8‏ 

أما الخصائص الفنية فى فصل «القصة ني القران » في كتاب «التصوير الفني ي 
القرآن » حديث مفصل عنما لا أجد بأساً من تلخيصه في هذه السطور : 

أولى هذه الخصائص الفنية تنوع طريقة العرض : 

فرة يذ كر ملخصاً للقصة يسبقها » ثم يعرض التفصيلات بعد ذلك من بدثها إلى 
ايتا . [ 

ومرة تذ كر عاقبة القصة ومغزاها ٠‏ ثم تبدا القصة من اوها وتسير بتفصيل خطواتها . 

ومرة تذكر القصة مياشرة بلا مقدمة ولا تلخيص » ويكون ني مفاجآتا الخاصة 
ما غي . 

ومرة يحيل القصة تمثيلية . فيذ كر فقط من الألفاظ ما ينبه إلى ابتداء العرض ٠»‏ ثم يدع 
القصة تتحدث عن نفا بوساطة ارطالما . 

وثانية هذه الخصائص تنوع طريقة المفاجأة : 

فرة يكتم سر المفاجاة عن البطل وعن النظارة حتى يكشف همم معاً في آن واحد . 

ومرة يكشف السر للنظارة ويترك ابطال القصة عنه في عماية » وهؤلاء يتصرفون وهم 
جاهلون بالسر » وأولئك يشاهدون تصرفاتہم عالين ء وأغلب ما يكون ذلك ني معرض 
السخرية ٠‏ ليشترك النظارة فيها منذ أول لحظة » حيث تتاح هم السخرية من تصرفات 
الممشلين ! 

ومرة يكشف بعض السر للنظارة وهو خحاف على البطل ني موضع » وخاف على النظارة 
وعن البطل ني موضع آخر ني القصة الواحدة . 

ومرة لا يكون حناك سر » بل تواجه المغاجأة البطل والنظارة ي آن واحد » ويعلمان 
سرها ي الوقت ذاته . 

وثالثة الخصائص الفنية ي عرض القصة . تلك الفجوات بين المشهد والمشمد » الي 
يتر كها تقس المشاهد و « قص » المناظر » بحيث تترك بين كل مشهدين أو حلقتين فجوة 
عاؤها الخيال ويستمتع بإقامة القنطرة بين المشمد السابق والمشد اللاحق » وهذه طريقة 
متبعة في جميع القصص القراني على وجه التقريب . 


» عن کتاب ج الثر بية الأسلامية‎ )١( 


۹۲ 


القران والفن الإإسلامي 


والخصيصة الرابعة هي التصوير . إن التعيير القراني يتناول القصة بريشة التصوير 
امبدعة التي پتناول بها جميع المشاهد والمناظر الي يعرضا » فتستحيل القصة حادثاً بقع 
ومشدا حجري ٠‏ لا فصة تروى ولا حادثا قد مضى . 

وهذا التصوير ني مشاهد القصة ألوان : لون يبدو ني قوة العرض والاحياء . ولون 
يبدو ي ييل العواطف والانفعالات . ولون ېدو في رسم الشخصبات . ولست هذه 
الألوان منفصلة › ولکن أحدها يبرز آي بعض المواقف ويظهر عا لى اللوتين الاخرين قفیسمی 
راسیه . ولكن الواقع أن هذه اللمسات الفنية كلها تبدو ي مشاهد التصص جمىعاً . 

والاآن نستعر ضس عوذجاً من عاذج القصة ني القران > لرى بعض هذه الخصائص 
والسات . 


وصة اد ّ 
س لے اسوم 


} ولذ َل ربك للملتبكة نی جاعل E‏ الوا اجعل فیہا من بقسد 


فيا ويس فك الما ون سس دك ونقذس لك ل | | اما امون د 
وع ادم آل ناء لھا م عر ضہم عل الملتیگة فا ل نووني باتماء هتلاه إن كنت 


ال 


ن حش ا ج ر س سے 2 ےر سے E‏ 


صلدقرش ر الوا وا سبحدنك لعل لل إلا ماعلا إنك 1 


5 


تاد | € ج اماي 2 سات مہ اساھ اسما ږ ال ا E‏ ۹ س 1 زت اعا ع رج 7 
١‏ د 8 e r‏ 
ید E‏ م کےا س اروا سے سا ری ع واا ج اوا ور چ سرا یراس سے 


وآلارض را اوو تكتمون () وإد E‏ لادم فسحدواً 4 
سے بو سے ع Ds: eT‏ 
لیس ابه واسش گور و کا ين اليرت 2 ا 


د2 ر لار ہے می و سے سار ت ار 


2 واس ار دم iH‏ مر کر صر ۾ سو اکر ار ص رو سرس ا چ 


افع ج فاترجھما ما کات فيه ا امبر بعضکر لبعو عدر َر ف رض 
قر وع حین ت کاو ٤اد‏ ن رو کت قاب ابه إل راقواب الیے ب 


ار م وص سات ار یں اراک ہے سے سر ب افص سے سرس سے اا رص و س اج 


فلت هبطر متا جميعًا فما باتين » می هدی فمن تع هدای فلا حوف علیوم ولا هم 


1۳ 


منهج الفن الإسلامي 


سرو م سے ت م س رار وام رام اوس ص اوس ا a‏ 2د ت ٌ ګٍ م 
بحرنو ر وآلدين كفروأً و كذبوأ بعايدتنا اوليك اعحب انار ھم فیہا للد ون پې ٩‏ 


تلك قصة ادم .. قصة البشرية كلها من المنشأً إلى المصير .. قصة الانسان من مبدئه 


إلى متاه . 
«وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل أي الأرض خليفة» . 
فالانسان ليس نباتاً شيطانياً > حرج إلى الوجود حيا اتفق . بلا قصد من خلقه ولا 
غاية .. وليس هو كذلك ١‏ حلقة » من حلقات التطور » أوصاتما الحلقة السابقة إلى مكانها » 
ثم تركتہا لحظها ني حط التطور العشواني المتشعب الذي تلعب المصادفة فيه دورها على غير 
واتما هو من خلق الله . عن قصد منه سېحانه وتدبیر : 
«اني جاعل ي الأرض خليفة » . 
فهي إرادته العليا الي « جعلت » الإنسان إنساناً » وهي إرادته العليا كذلك الي « جعلت » 
لمذا الانسان مهمة معينة .. مهمة الخلافة عن الله في الأرض . 
مولد اللانسان تحتفل به السماوات ! 
هذا هو اللا الأعلى من الملائكة يعن بالنبأً العظيم » يعلنه الله سبحانه وتعالى بذاته : 
« و اذ قال ربك للملائكة .. » 
ومنذ اللحظة الأولى تحدد له مهمته ني إعلان ووضوح . فهو مخلوق مير الوضع منذ 
اول لحظة . تفرد في ظروف وجوده وخلقته » لأ كغيره من المخلوقات ! «حليفة» .. ! 
والملائكة يحارون ي أمر هذا المخلوق » ويدهشون لقرار الله سبحانه في أمره - وهم 
الذين يقابلون أمر اله كله بالتسلم المطلق والترحيب - ولكن كأنا يبحسون بعظم النبا 
وحطورته > ويحسون بعظم النتائج الي ستنتج من وجود هذا اللإنسان وخطورتها .. ولعلهم 
قد رأوا « عينات » سابقة تنذر عا ذكروه من سفك الدماء والافساد ني الأرض › أو رعا 
کشِف هم عن علم ذلك » فهم مشفقون من وجود هذا المخلوق الخطر الذي سيغير صورة 
الحياة على وجه الأرض ! 
ولكن اله العليم الحكي يرد عليهم بأنه يعلم ما لا يعلمون . فعلمه الشامل المحيط . الذي 
يعلم بدء کل شيء ومنتېاه ۽ لأنه هو خالق كل شيء من بدئه لمنتهاه .. هذا العلم الشامل 
يعرف حقيقة الدور المعد هذا الكائن الجديد » الذي يعلن الله سبحانه بذاته نبا مولده ني 
العالمين : « قال : إني أعلم ما لا تعلمون» . 


. ]۳۹ -۲۰[ سورة البقرة‎ )١( 


4 


القران والفن الإسلامي 


«وعلم آدم الأسماء کلها» . 

إنهاالمزية الموهوبة هذا المخلوق .. إتها الموهبة الي يزود با منذ مولده ليستعين بها على 
أداء دوره ثي الأرض . إا « المعرفة » زاد الانسان الأكبر ى هذه الحياة . 

وحين يكشف الله للملائكة عن هذه الموهبة الي ميز با ذلك المخلوق .. لا بعلكون 
أنفسمم أن يسبحوا له العليم القادر ٠‏ الذي يخلق ما لا يعلمون . 

« واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم قسجدوا ) . 
الي أعطيت له » بدوره الذي بيأ له .. معجزة تستحق السجود للخالق العظح . 

وکل خلق الله معجر . وکله عظم . والحياة ذاتها من أ كبر معجزات الخلى . واللاتكة 
يسبحون لله لیلهم ونہارهم ولا یفترون . ويسجدون لله في كل حين . ولكن التبا العظي هنا 
يرز ابرازاً » وتعطى له أهمية واضحة ْ و «تحشد» له وسائل الاحتفال حشدا ترز هہمته 
كلها منذ البدء . 

وذلك «فن » .. مجيء لخدمة الغرض الديني هنا » ولكنه ني ذاته يحمل كل خصائصس 
الفن الخالص » لأن الدين والفن ني الإسلام كلاهما يعبر عن الحقيقة الكبرى 

« الا اليس » ! 

انه وحده قد أ كلت الغيرة قلبه من هذا الوافد الحديد » الذي تدل النذر كلها على عظمة 
دوره المقسوم له ئي هذا الكون ! فلولا عظمة هذا الدور ما كان هذا الاحتفال الذي يجَمَع 
املا الأعلى لتلى أنبائه مباشرة من الله العلي العظيم ! 

أبى واستكبر وكان من الكافرين» . 

« وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجلك الحنة» . 

لقد خحلتق لآدم من جنسه زوجاً » م جيئ ذكرها بالتفصيل هنا - وفصّل غي أما كن 
أخرى - ولكن الاشارة واضحة . 

وقیل لادم وزو سه اسنا النة : 

والإنسان منذ مولده مخلوق للأرض ! «إني جاعل في الأرض خليفة » . فهو لم لق 
ليبقى ني الحنة » التي شهدت مولده . ولم تكن إرادة الله له أن يبقى ني الحنة » ولا أن يكون 
ل ا ا ا ا ا ليتلوق طعم اة ويام کم 
شقا ا ولا أمبة اة وا وإنما هى حقيقة يشمدها بتفسه قبل أن بيط إلى الأرض لدوره 


11٥ 


المقسوم .. لتظل ذكراها أي تفسه حية نابضة » وحنينه إليها مشاعر واضحة »› وسعيه للعودة 
الا حقيقة واقعة “ . 

. » وکلا ما رغداً حیث شتا‎ ١ 

النعم کله مباح .. .. «رغداً».. . فهو ميسر وقريب النال . 

ولكن الدور الذي بيأ له هذا المخلوق المظم الوزن ني السماوات » يحتاج أن تکون له 
قوة ضابطة » يستطيع أن رعتنع ا عن بعض ألوان النعيم » حين تقتضي ظروف الأرض ذلك 
الامتناع . ولا بد من تربية هذه القدرة بالتجر بة العملية . فالتر بية النظر ية لا غناء فيما حتى 
توضع على محك التجربة . والتدريب لا يكون إلا بالممارسة الفعلية . 

ولا تقر با هذه الشجرة فتكونا من الظالمين» . 

أي شجرة هي ؟ ولاذا « هذه » الشجرة ؟ ذلك علمه عند الله . ولكن يستوي أن تكون 
أية شجرة . فالقصد هو التدريب على الامتناع . هو تربية القوة الضابطة . فإن اكلا من 
هذه الشجرة فقد أحفقا في التجر بة وسقطا ني الامتحان . وكانا عندئذ « من الظالين» . ظالين 
لنفسمما ٠‏ إذ يعزفان عن تزويد نفسما بالقدرة اللازمة للدور العظم > ویعرضان نفسہما 
لدخول المعركة من غير سلاح . 

« فاز ضما الشيطان عا» . 

وي مواضع أخرى ترد صيغة الإغراء الي فتن بها الشيطان آدم وزوجه . فرة ترد هذه 
الصيغة : قال يا ادم : هل ذلك عَلى شَجَرَة الد وملك لا بى 1 ۾ ومرة ترد ي هذه 
الصورة : «وَقّال ما نها كما رَبکمًا ع" هذه الشجرة إلا أن کون ملکين اؤ تکوتا م 
الخالدر» ( . إا إذن «شوة » الخلود هي الي استزل با الشيطان ادم وزوجه فاكلا من 
الشجرة .. او شوة «الملك » .. القوة والسيطرة والسلطان . 

اذن .. لقد صارت هذه الشجرة «شهوة» . 

وهذا المخلوق العظيم الذي يتلقى الملا الأعلى نبأ مولده من الله سبحانه مباشرة > وتحتفل 
به السهاوات كل هذا الاحتغال » والذي يعد لدوره الضخم › ويزود بإمكانيات ذلك الدور . 
إنه - على هذا كله - يحمل نقطة ضعفه الي يستزله منها الشيطان › عدوه اللئيم الذي أ كلت 
قلبه الغبرة منه . 


بضعف ازاء الشہوات . 


. » انظر تفسير هذه الآيات في الحرء الأول من « ني ظلال القرآن‎ )١( 
. ]۱۲۰[ سورة طه‎ )۲( 
. ]۲١[ سورة الأعراف‎ )۳( 


٦ 


القران والفن الإسلامي 


يستوي أن تكون شہوة علم › أو شہوة قوة » أو شوة سلطان » أو شهوة ملك ٠‏ أو 
شهوة جنس ٠.‏ أو شہوة خلود . 

إا « شہوة» حين تركبه فلاا بعلك نفسه متها .. لا إعلك الامتناع عنها حين يريد الامتناع . 
وعندئذ تد حل عدوه الواقف له بالحرصاد » فیقوده من خطامه ي طر بق الشپوات . وعندئذ 
يبعد به عن الدور المعد له . دور الخلافة عن اله . فهو مشغول بشہوته . عاجز عن ضبط 
نفسه إزاءها . عاجز عن الارتفاع عا . عاجر عن توجيه وجهه إلى أعلى .. إلى الله . 

« فازطمما الشطان عا ء فاخرجهما مما كانا فه» . 

أحرجهما من نعي الحنة حسيّه ومعنويه سواء . أخرجهما من مستوى الرفعة الكر رة 
الي ارسان فہا اجمل ما ي کیان ہما من إشراق . 

ولكا تما كان ذلك هو الموعد المضروب ما أن ببطا إلى الأرض » ليؤديا دورهما الأصيل : 

« وقلنا اهہطوا . بعضکم لبعض عدو . ولکم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين» . 

ولكن لم يكن بد من التجر بة قبل المبوط .. ليعرف الإإنسان - من بجر بته الذاتية - لاذا 
هبط من النعم . ليعرف أن الذي بط به هو شہواته . نقطة الضعف المركبة فيه . وأنه يرتقع 
حين يضبط هذه الشهوات . حين متنع إذ يريد الامتناع » أو يقتضي الأمر الامتناع . وأنه 
هبط حين لا يضبط هذه الشوة . حين لا ملك القدرة على الامتناع .. 

واذ يعرف ذلك تدركه رحمة الله . 

«فتلقی آدم من ربه کلمات فتاب علیه» . 

انه لا هبط الى الأرض منبوذاً محتقراً مطروداً من رحمة الله . كلا ! فاللّه قد خلقه 
ليؤدي دوره ني الأرض . ومركز خلافته وميدانها هو الأرض . وهو قد جاءها ليؤدي المطلوب 
منه › المقسوم له منذ الأزل . وإعما كان الغضب عليه للحظة الضعف الي أصابته » فكان 
الرضا عنه حين عرف ميزان نفسه » وأدرك متى هبط » وكيف السبيل إلى الارتفاع . 

«انه هو التواب الرحيم ١‏ . 

« قلنا اهبطوا مها جميعاً . فإما يأتينكم مني هذى » هن تبع هداي فلا خوف عليمم 
ولا هم يحزنون . والذين کفروا وکذبوا بایاتنا اولئك اصحاب النار هم فيا خالدون » . 

لقد ا كتسب الانسان التجر بة المناسبة لدوره الخطير . انه خليفة الله في الأرض ٠‏ المزود 
بوسائل الخلافة ومواهيا » والمشتمل كذلك على نقطة ضعف ينفذ منها الشيطان عدوه الحاقد 
اللئي . ومن ثم كانت تلك التجر بة الي تكشف له نفسه على حقيقتها ليحترس . ليغطي نقطة 
الضعف ويقو ما بعد أن لمسہا بنفسه حقيقة واقعة . وليحترس من العدو الواقف بالمرصاد » بعد 
أن لمس بنفسه قدرته على الخديعة » والمنفذ الذي يتاح له الولوج مته إلى نفس الإنسان . 

ومن ثم تصبح هذه التجر بة ذاتها - على مرار تما - جزءآ من مقومات الخلافة ني الأرض . 


11¥ 


منهج الفن الاسلامي 


جزءا من «القوة النفسية » الممنوحة للإنسان . جزءاً من الزاد الذي يزد به لأداء الدور . وهي 
فوق ذلك عبرة لكل بي ادم » الذين یشېدول ف أنفسمم ذات التجربة . والذين يعرفون 
قصة ہم ادم فيتوقون للعودة إلى الحنة الي احرج مہا أبوهم القديم . 

وهم عائدون .. 

عائدون بعد أن يردوا الدور الذي خلقوا لأجله من الأصل . دور الخلافة عن الله ي 
الأرض .. 

عائدون بشرط : 

. )» من تیج هداي فلا خحوف علہم ولا هم يەحزنون‎ ١ 

ان الله بعد أن زود الإنسان بالتجر بة الكاشفة » والقوة النفسية المستمدة من التجربة > 
یترکه وحده وهو یقوم بدوره على الأرض . لم یترکه لنفسه وفیہا ما فہا من ضعف . وم 
بتركه لعدوه الواقف له بالمرصاد ٠‏ دون أن يديه السبيل إلى مناجزة ذلك العدو › والسبيل 
لعقوبة ما في النفس من ضعف » والسبيل إلى القيام بالخلافة كما ينبغي لخليفة الله . 

انه مده باهدی .. 

عده بالدستور الذي ينظم حياته على الأرض ٠»‏ ويرفع من شأنما » ويوجهها وجهة الخير . 

عده بالنصائح والتو جات والتحذيرات في كل خطوة من خطواته . ويزوده بال معرفة 
النافعة الي تعينه على خطي العقبات › والني تيسر له المهمة الشاقة » وتكشف له عن طاقات 
نفسه الحقيقية » وما تستطيع أن تكون عليه من رفعة وعظمة واقتدار »> لو سار بها على الهج 
القويم .. بي طريق الله . 

فن تبع هذا الهدى .. من سار على هذا النبج .. من عمل بهذا الدستور .. فهو ناج 

من المهالك . ناج من العدو . ناجے من عارات الطر يق ق . « فلا خحوف علہم ولا هم یحزنون » 
وموعدهم الحنة ف خر المطاف » يعودون الما عوجب وعد اله الثابت > ان يعيد الى النعم 
المفقود من تبع هداه . 

أما المكذبون الكافرون .. أما الذين يصرون على المخالفة › ولا يتوبون لله التواب الرحم .. 
اما الذين يفتحون للشيطان منافذه ي نفوسيم > ويسيرون ني طر يق الشهوات .. أما هؤلاء 
فقد حقت علهم عقوبة الطرد الابدي من النعي الموعود . و «اولئك اصحاب النار هم فيا 
حالدون » . 

# » هه 

تلك قصة البشرية .. بدأها آدم » وما تزال تتكرر في حياة البشر على صورة من الصور 
على نمر الاجيال . 

والقرآن يعرضها بطبيعة الحال دف ديني بحت » هو التحذير من نزغات الشيطان > 


1۹۸ 


القران والفن اللإسلامي 


والحض على اتباع هدى الته ١‏ والترغيب في الطاعة والترهيب من العصيان . . وذلك إلى جانب 
بيان نظرة اللإسلام إلى اللإنسان » وإشعار هذا الإنسان بقيمته في نظام هذا الوجود » وبكرامته 
على الله سبحانه »> وبتكاليف هذه النظرة وهذا التكريم 

ولكن هذا الهدف الديني البحت تستخدم له هنا الوسائل الفنية بدلا من إلقائه موعظة 
مباشرة . فتستدخدم له القصة ٠‏ وتستخدم ي القصة كل وسائل التشويق والعرض الي تستخدم 
في القن الخالص . 

وتلك ذخيرة فنية صالحة للاقتداء سا من ناحيتين : ناحية استمداد النظرة إلى الإنسان 
من خلال هذه النظرة الالمية إليه > وهي عئل حقيقته كما خلقها الله . وناحية التناول الفى 
للموعظة الي توجه الناس إلى الخير والكرامة والنظافة .. « فالموعظة ١‏ المطلوبة ٠‏ أو « التوجيه » 
الخلى امطلوب عكن أن يصاغ في قصة فنية فيؤدي هدفه أبلغ آداء ‏ دون أن تظهر 
فيه الموعظة بصورة مباشرة » ودون أن يکون التو جيه أوامر ونواهي جردة » حالية من «الكساء» 
الحي الذي يوسع مساحتها تي الحس » وجعلها أبلغ وصولاً إلى أعماق النفس . 

م ان هذه القصة تحمل ايحاءات شتى في ٠‏ الموضوع ( الي ينبغي أن بتبقظ هما المن 
الإسلامي وهو يحاول الاستفادة من القران ثي مال الفن . 

فالايحاء الأول أن الانسان كائن فذ متفرد ني خلقته ومواهبه » وأته مخلوق لدف جاد › 
هو الخلافة عن الله في الأرض . 

ومن ثم ينبغي أن يكون القَصَص - والفن كله - جاداً ني عرضه للحياة البشرية . 

ولا نقصد « با لجد» أن نلغي الفنون « المزلية » (الكوميدية ) من الحساب ! كلا فالملهاة 
بعكن أن تكون جادة جداً في الموضوع الذي تتناوله بالسخرية والإضحاك . 

ولا نقصد أن يفقد الفن نداوته وطلاوته وعذوبته » ليصبح نصائح وقواعد خلقية وإرشادات ! 

إ نما نقصد بالحد هنا أن نؤمن بجدّية الحياة وأهميتها » وعظم الدور الذي يقوم به الكائن 
الانساني ف هذا الوجود » وارتباطه بارادة الله العليا »> وسريان قدر الله في الأرض عن طريق 
أعماله ومشاعره وأفکاره : إن الله لا یغیر ما بقوم حت يغیروا ما بأنفسهم » .. فلا ترسم 
الحياة تفاهة وانحلالاً وفراغاً من القم والأهداف (إلا أن نريد هذا العرض عن قصد لننتقده 
وتر منه) ولا نرسمها ذات أهداف واطية قر يبة كأهداف الحيوان .. فذلك عغالف «القصد» 
العلوي من خلتى هذا الكاثن البشري › والاحتفال به يوم مولده ثي اللا الأعلى بكل هذا 
التكر يم والتفخيم والاإعلان . 

ولا علينا بعد ذلك أن تكون الصورة الي نعالج مها القصة مأساة أو ملهاة .. فال ملهاة بمكن 
أن تكون جادة - كما قلنا - وهي تعرض اختلالات البشرية وتسخر بها » لألما تخل السخرية 
والمزل وسيلة فنية لتضخم الاختلال وإبرازه › لیتبدی من وراء ذلك ما ينبغي آن تکون عليه 


۹۹ 


منهج الفن الاسلامي 


البشرية من رفعة واستقامة وتوازن واتساق . ولا علينا كذلك من اعطاء الفن كل ما ملك 
من نداوة وعذوبة وطلاوة فهذه كلها عنصر أصيل ف اشن لا نطبم الاأستغناء عنه . 

إعا المهم أن نحس من خلال هذا الفن أن الحياة شيء له قيمته الحقيقية › واللإنساد 
كائن ذو مكانة ورفعة وقصد وأهداف . 

x #  # 

والايحاء الثاني هو «نقطة الضعف» في الكائن البشري »› وطريقة عرضها وإبرازها . 

إن القرآن - وكذلك ينبغي أن تفعل الفنون الإسلامية - يعرضا على أنہا نقطة ضعف . 
« ولق عَهدنا اک ادم من قبل فتَرِ ي ولم تنجد که عَرمًا ٩»‏ . «َارَلَهمًا الشَيْطًان عَنْهّا ‏ “ 
١‏ وعصی مره قَعّوّی » ۳ وهذه في داعا حقيقة . فهذا المخلوق الفذ الفر بد الذي تسجد 
له الملائكة يضعف إزاء شہواته فہبط إلى الحضيض .. ولا رتفم إلا حين يقدر على ضبط 
ما رکب ي طبیعته من شہوات . 

والفن الصادق ني التعبير عن الحياة » وعن «الواقع » » وعن نواميس الكون الكبرى › 
ينبغي ان يعرض هذه الحقيقة كما هي بلا تزوير . ينبغي ان يعرضا على انها نقطة ضعف 
الت بادم - وتلم من بعده بکل أبناء آدم - ثم استطاع أن يستعل علا > وکذلك یستطیہ 
نوه . 

أما الآداب الأوربية المنحرفة الضالة فإما تعرضها على ألا مفخرة لآدم وبطولة ! إذ 
لحظة العصيان هي اللحظة الي حقق فيا أدم كيانه وأصبح سيد نفسه ! وهي اللحظة الى 
أصبح فيا القوة المسيطرة الفعالة . ولتذهب إلى الأبد تلك الحنة الي كان فيا آدم » فإلما 
لا تساوي شيئاً إزاء تحقيق اللإنسان لكيانه وذاتيته » واختياره مصيره بنفسه » بحرية » بعيدا 
عن وصاية الله ! 

كذلك تعرضہا الآداب الأوربية المنقطعة عن هدى الله » المتأثرة في صميمها عا رسب 
آي کیانہا من أساطر اليونان القديمة الي تصور الصراع الدائم بين البشر والآلة » وتتمنى 
انتصار البشر على الآلمة ء الظالين الطغاة ! 

وهي ادات ذات ایحاء خحبیٹ لا بحفی . فهي تو حي للناس بعصيان رم والإغراق 
ي الشهوات لكي يحققوا ذوا تم ! كأنما الطريت الوحيد لاثبات الذات هو الشہوات 
والعصيان ! وكا نما الطاعة له هي انعدام الشخصية وزوال الكيان ! 


. ]١١١[ سورة طه‎ )١( 
. ]۳١[ سورة البقرة‎ )۲( 
. ]۱۲١[ سورة طه‎ )۳( 


(V۰ 


القرآن والفن الإسلامي 

إنها نظرة - فوق ما فيا من مرض وانحراف - فجة تعيش لي مستوى الأطفال ! 

فالطفل وحده هو الذي يظن أنه ثبت ثبت وجوده حين يعصي » ويلغي کیانه إذا أطاع ! 
ولکنه حین یکڊر و ينصح > حين يفهم الحياة في عمقها وحقيقتا ء يعرف أن هناك طر يقين 
لا طريفاً واحداً لاثبات الذات : طريتق الطاعة وطريق العصيان . طريق الهدى وطريق 
الضلال . وأن اللانسان لا يئبت وجوده بطريق الانحراف عن الادة والعناد مع الحق » إلا 
ي حالة الضعف والمرض والمبوط . أما ني حالته السوية » حالة الصحة والارتفاع » فإنه جد 
ذاته ي مستواها الأعلى حين يطيع دوافع الخير والهدى والاستفامة والصعود . ويحقق كانه 
بقدر ما يستطيع من إطاعة تلك الدوافع الخيرة المهتدية إلى الله .. أي بقدر ما يستطيع أن 
بضبط من شہواته لبقدر على الصعود . 

هذه حقيقة البشرية على الأرض . وهي الحقيقة الي ترمز ها قصة آدم ني القرآن . 

وهكذا ينبغي أن تعالحها الفنون كلها ›» لكي تكون واقعية صادقة التعبير عن ناموس 
الحياة . 

لحظة العصيان هي لحظة الضعف والمبوط لا لحظة القوة والارتفاع .. لحظة تقع لبني ادم 
ي آية لحظة وفي كل لحظة ٠‏ ولكنها تظل كما هي ني حقيقتها : لحظة هبوط » ويظل 
التوجيه الواجب هو الإفاقة منها > والتحول إلى طريق الارتفاع . 

والضحف البشري ليس هو البطولة الي تستحق التشجيع والتسجيل ٠‏ و إا البطولة الحقة 
هي محاولة البشر الدائمة للخلاص من نقطة الضعف » والانطلاق من ضغط الضرورات . 

 «# # 

ولن نستعرض هنا كل القصص القراني » فذلك وحده يحتاج إلى كتاب ! 

وإ نما نكتنى بذا النموذج الذي يحمل هذا الحشد من الإيحاءات الموضوعية والفنية سواء . 

وحين يستمتع الأإنسان 0 « الفن » ني قصص القران » يدركه الأسف ولا شك » على 
أن الأدب العر بي قد خلا تقريباً - الى ما قبيل العصر الحديث - مما عكن أن يسمى قصة 
فنية حقيقة وجوه هلا الخ الفي كله ي كتاب العرب الملسلمين » الذي يتلونه اناء 
الليل وأطراف اللہار ! وأنه حين وجد هذا الفن يستمد من هذا الأصل الكبير »> اما استمد 

من التصورات الغر بية مادته وأيحاءاته > كما استمد طرائق الاداء . وطرائق الآداء لا ضير 
م استمدادها من هناك . أما التصورات والايحاءات فقد كان استمدادها من النبع الأصيل 
أجدى علينا وعلى البشرية > وأ كمل وأجمل » وأكثر اتساقاً مع جمال الكون وجمال الحياة . 

إنجا حسارة كبيرة أن العرب لم يتوجهوا إلى القران يستمدون منه وحيهم الفني . وإذا 
كنا لمسنا هذه الخسارة من قبل في ندرة فن «الطبيعة » ي الشعر العر بي › فنحن نلمسما هنا 


۷1 


منهج الفن الاإسلامي 


أشد » ني حلو الأدب العربي من القصة المستفيدة بتوجيه القرآن الموضوعي أو الفني ء 


سواء ! 
وكم كان هذا الأدب علك أن يسبق الآداب العالية كلها ني هذا الفن ٠‏ ويظر 
فيه » لو فتح بصيرته لتلك الذخيرة الضخمة الي يحوا هذا الكتاب ! 


VY 


الا : مَشتَاهد القيَامَة ق القلران 


ليس من همنا في هذا الكتاب أن نستعرض كل فنون التعبير الفني ولا موضوعاته في 
القرآن . وإنما نحختار فقط نماذج من الموضوعات تشير إلى تلك الأروة الفنية الضخمة ولا 
تحصرها . وقد تحدثنا من قبل عن مشاهد الطبيعة ثم عن القصة . وهنا نتحدث - بغر 
تطويل - عن مشاهد القيامة ني القرآن » وهي من أوسع أبواب الفن فيه » ومن أكثرها 
وروداً في نايا القران . 

وقد استفاد من هذه المشاهد شاعران عاليان » أحدهما عر بي وهو آبو العلاء المعري 
في « رسالة الغفران » والآحر هو « داني » الشاعر الاإيطالي الذي عاش أي نہاية القرن الثالث 
شر الميلادي و يذأية القرن الرايعم حشر ( وذلك ٤‏ « الكوميديا الالهية» ¢ الي بغلت عل 
الظن أنه استمدها وتأثر فا برسالة الغفران .. وإن كانت المصادر الأدبية الأوربية تستنكف 
أن تعترف اعترافاً واضحاً بهذا الأمر . 

ولكن الموضوع من ناحية » وطريقة العرض الفني من ناحية أخحرى » أكبر وأوسع 
من أن يقتصر عليمما هذان العملان الاأدبيان › وما يزالان يصلحان لاإيحاء الفني لي شتى 
الاتجاهات » لو أرادت الفنون المختلفة من شعر وقصة ومسرحية وموسيقى وتصوير .. أن 
تتعخذ مهما مادة فثية حصبة راثعة الخيال . 

و « الموضوع » ٤‏ مشاهد القامة موضصوع ديي قبل کل سُيءَ ۰ ولکنه ذو دلالات 
فكر ية وخلقية وجمالية . فهو أصفى تصور عرفته البشرية لفكرة المحزاء الأحروي عن 
أعمال اليشر ٤‏ العحاة الدنا ۰ ولکن « الفكرة » فيه لا تقف عند حد الجراء 4 الي وصلت 
الى شىء قريب ما أفكار الفراعنة ني « كتاب الموتى » ' 

إن من أبرز سمات هذه الفكرة اتصال الحياة الدنيا بالآحرة اتصالاً وثيقاً بحيث تكون 
الاحرة هى « الامتداد » للدنيا > أو الاية الطبيعية الحتمية هما > بلا فواصل حاجزة تفصل 
ین هاه وتثلك : وهدذه السمة بالذات لا بعر ضا القرآن بالاةظ المجرد ْ ولا بطر ية الجر يد 
)١(‏ يعتقد البعض أن بين الرسل الذين أشار اليم القرآن دون أن يسميهم » من أرسل إلى مصر وبشر فيا بدين اله . ثم 

تحول شيء من هذا الدین إلى أساطیر كما حدث في کر من بقاع الأرض 


Y۳ 


منهج الفن الاإاسلامي 


الذهني الفلسيي » وإنما يستخدم لذلك وسيلة عجيبة من وسائل العرض الفني - سنذكر 
موذجاً منہا - تنقل اللحس نقلاً مياشراً من الدنيا للاخرة بلا انقطاع ولا فاصل › حتى يقر 
في التفس أنها رحلة واحدة » أوها هنا أي الأرض وآخحرها هناك قي العالم الآحر .. ولكنا 
منذ البدء موحدة المد موحدة الاتجاه ! 

ومن ”ما ہا الى تدخحل ي باب «الفلسفة » اذ تتناول التصور «الكمالي » و «الجمالي» 
للحياة » أن الآخرة - بصورتيما من ثواب وعقاب - ليست نہاية الرحلة فحسب ٠‏ ولكنها 
« التطور » النبائي ها كذلك . 

« فالنفس » البشربة تولد ي صورتها الحسية الحسمية على الارض › ثم حوض التجر بة 
الكبرى » تجربة الحياة » وتتطور تي أثناء هذه التجربة تطورات مختلفة بعضها صاعد 
وبعضہا هابط › وبعضہا يتأرجح بين الصعود والمبوط .. حتى إذا ممت التجر بة الأرضية 
کان التطور كذلك قد تم > وأخحذت النفس صورتها النائية الصاعدة أو اهابطة > وكان 
الجزاء - بصورتيه - هو التطور الہائي للحياة با يناسب تطور النفس وينسجم مع ”ماتا 
الأحيرة . 

فالذين آمنوا » وخاضوا تجربة الحياة محاولين أن يترفعوا ويحققوا أفضل ما ني 
إنسانیتہم » > يصلون في النهاية ملا إلى أن يقال عنهم : «ونزعنا ما ي صدورهم من غل ” » 
کا ا هذا هو التطور الأحر لنفوسېم > نتجة المجاهدة الطويلة للارتفاع على هذا «الغل » 
في الحياة الدنيا . وتشف ٠‏ نتيجة هذه المجاهدة المستمرة فيقال عم في الأحرة : 
«سيجعل ضحم الرحمن ودا ” » . كأنعا الود هو قمة الجزاء الإلهي هم على هذه المحاولة 
الدائبة في الحياة الدنيا للوصول اد الشفافية الطليمَة من وراء قيد ااښرورة الصفيق ! 

فاذا كان القرآن برسم للنعم صوراً حسية ( وهي ليست حسية خالصة > فقد ذکرنا 
ثي المثالين السابقين كيف يصل النعم إلى قمة الشفافية الروحية والنورانية الرائقة ) فذلك لأن 
الإأنسان» ثي الألحرة هو انسان هذه الدنا - متطوراً ي صورته الہائة الي | کتسہا من 
التجر بة » ولكنه ليس منقطعاً عن صورته الأرضية عام الانقطاع . 

و بهذا تصبح الأحرة هي ١‏ اكنال » الحياة الدنيا » ولا تصبح شيا مخالفاً ما في طبيعتہا . 
منقطع الصلة جا . ويحس الإنسان بنفسه أنه «هو» هنا وهناك » وأن الذي سيتلقى العم 
أو يذوق العذاب ليس شخےا اتحر منقطعاً ومختلفاً عنه > واا هو ذاته في صورته الہاثية 
الي تطور إليما نتيجة مسلكه في أثناء تجر بة الحياة . 


. ]٤١[ سورة الأعراف‎ )١( 
. ]۹1[ سورة مريم‎ )۲( 


VE 


القران والفن الإسلامي 


وبصرف النظر عن الجانب الديني من هذه الحقيقة الكبيرة . فانه من الوجهة النفسة 
البحتة » ومن الوجهة الفنية والحمالية » تصور مريح للنفس - وجميل آي حد ذاته . أن 
يكون المستقر الأحر بعد التجر بة المرة الكادحة الشاقة . امتداداً للنفسس داعا الي ذاقت 
التجربة » لا لأحد غريب عليبا » > مقطوع الصلة بيا 

وهذه العاتي كلها موضوع حصب لاتصور الفني يستطیع أن ینش منه عشرات 
الصور والأشكال والموضوعات » فضلاً عن الاستفادة من طريقة العرض اراي المعجزة . 
في احياء هذه المشاهد » وهز التفس بها هزاً عنيفاً ليبلغ التأثر فيبا إلى الأعماق ! 

وليس لي أن أنشئ شيئاً جديداً ي هذا الباب ٠‏ فسأكتفي بعرض هذا النموذج من 
كتاب « مشاهد القيامة ي القرآن » ففيه الغناء كل الغناء ! 


ZC‏ سے لے ازور ہے کے ر غ سےا کس غو مس سی وق 
بی ۶ادم إما یاتیشکر رسل منک بقصون علیک ٤۶اب‏ تی آنآ ساح تآ وی 

جرس بے لے سے اکر سوسا ہے روص غ 
علیرم ولا هے يحزنون ‏ والدین كبا بڪايلتنا واستکرواً عنہا ولتك اب آلتار هم 
فا حددود »قن اغ من آفتری عل اللہ لھ کد أو کب ابه كتك با 


ګرق ‏ يم سر ہے وارے ازا ا نے سے کے وا سے کے لے ایو غوس ص ا مص 


صلم م اکتا بح إا جانيم رست يفوتم الاين ما نم عون ين دون 

جن 

ال وا اوا عا ویوا ع أن م نمم کانوا کلفرین دي ل دار مرد 
ر 


لار ا اص و بے اص۱ اس سے سرا غ2 ر 2 


خلت : ن شی رن اوي وآآإ نس فی آلنار کم د خلت امه تاا س ج إا آدار کو فیا 


سے کے سےا کک س ل و تم م E rS‏ 


معا قالت انرم لوه رتاھتۇلاء اضلوتا کات ابا ضما مالاا لکل ضنْفُ 
ت سے ن سرا سے لے اس ارو اون ار س م ت ت ر روص رام ار ویوس ص 
وکن لا تعامون 2 وقالت اولتهم لانحرلهم فا کان لكر عليتا من فضل فذوقوا العذاب 
a‏ ر و س ی سرا ای ص وم ر رر ر س چ اوم نے را 
ن سیون ر ی الین كبوا اتتا واستکرروا عا لا لا شنح کم آبواب آلسماءٍ و 

سے ار اکر لے لے بوا سے سے ت و س ار 


اد بلج اتل ف سم اباط و كلك جزی المجرمين د هم من 


سے ر س اسا ص سے ص ا برص ل ي 


جهام مهاد ون فوقهم غواش وكذالك تجزی آلظللمينَ ا ودين ٤امنوا‏ وعملوا 


\Yo 


ے ‏ سے ار ی سرو -ے رو سس غوس ر غوس ا ہے ا وہ اہ س م » 
الصلحّت لا تلف َمْسا 1 وسعها ا اححلب آلحنة هم فیہا خحللدون ي 


سر 
م ر ج بے جر و دس کر عرس ار م ور گر م ج کراس 1 ہے لے 
لر ا کے سے یں سے دس ل 


وما کا لدی i‏ أن هد سنا ا ات روسل ربتا الي ونودو أن تک 1 


ار ےا اس سے بے سے سے ج ی ص۱ 


اورّْموها ا کن ماود د وناد أب آبلمئة حصب تار أن قد ودنا موتا 


سے اص صر ے رس ص و ع ی لر سے ار ر ع د وص 

را اھ وجدم ماود ربح ات ادن مود بينم أن لعنة الله عل 
سے سے ےار سرس 

الظللمين ب اين يصدون عن سيل آله ویرت عوج رم رة رود ب 


و سے ےج 4 س ار و عر صوق 


اچاب ول العاف رجا بع رفول کا یمه ونادوا مَل ب اة اَن 


سے سر ا سے E‏ ل يد خاوها مار پو رو تا ود 5 
1 خلوها وهم بطمعون ودا صرفت أبصرهم بلقا اقب ار 


سے ا سر لے سی ی کے م نے ی چ ہے اک مرا از ال 


رتا لاعلا . اک اش وناد أب لاعراف رجالا يعرفوتمم يمهم 


الوا i‏ عنک عك وما کنتم سرون ې هتوا ا 


5 کر کے ® و سے سے بے اس ےکس ہے ےو سے سے سے غ لے سے بے سے اکر 0 
2 


خلواآلنة لاخو بک ولا تم زود ن ونادیٰ الب اقار اغب ابللتد اد أن 


Î 2 ٤‏ و 9E‏ م 2 رع ےہ له مهما سے ال ری اص 


رر و صالر چ یواک مرس کش مورا ی واس ير و اس سے ےل سے اک عرس کر وھ 
ارا ۲ موا ولعبا ا فاليوم گرا يومهم هلدا 


سے بی سے ار م 


وما کا نوا پاتتا بجحدون )١(‏ سورة الأعراف ٠٠7‏ - ١ه]‏ 


r 3 ¥ 


ربعا كانت هذه أطول مشاهد القيامة وأحفلها بالمناظر التتابعة والحوار المتنوع » وهي 
تجيء ي السورة تعقباً عا لى قصة أدم وخروجه من اللسنة باغواء الشيطان له ولروجه » وتحذیر 
الله لأبتائه أن يفتنهم الشيطان كما أحرج أبومم من الجحتة » وإخبارهم بأنه سيرسل ! 
رسلا يقصون علیہم آياته - عل نحو ما أثبتنا في أول الآيات امنقولة هنا ثم يأحذ ني 
عرض مشاهد القيامة > فإذا الذي يقع فيا مصداق لا ينبئ به هؤلاء الرسل ؛ وإذا الذين 
يطيعون الشيطان فيكذبون قد حرموا العودة إلى الحنة » وفتنوا عنها كما أحرج الشيطان 
ابو ہم منہا ؛ وإذا الذين حالفوا الشيطان فاطاعوا » قد ردوا الى النة ونودوا من الملا الاعلى › 


۱۷٦ 


القران والفن الإسلامي 


آن تلکم الحنة أورثتموها ما كنم تعملون » . فکاتا هي أوبة المھاجرين وعودة المغتر ہیں 
الى دار النعم . 

وني هذا السياق بين القصة السابقة ومشاهد القيامة اللاحقة من التناسق الفنى ما فيه . 
فهي قصة تبداأ ني الحنة على مشد من الملائكة يوم أن خلق آدم وزوجه وأسكنا الحنة ففتنبا 
الشيطان عن الطاعة وأحرجهما من العم - كما جاء في قصة آدم في السورة - وتتهي 
كذلك ني الحنة على مشهد من الملائكة ني اليوم الآخر » فيتصل البدء بالنہاية » ويضان 
بينهما فترة الحياة الدنيا فيما لا يتجاوز صفحتين من كتاب u‏ حافلتين بالمشاهد » ومنبا 
مشمد الاحتضار › وهو يتسق ثي الوسط مع البدء والنهاية كل الاتساق . 

اا ملحمة رائعة لا بنقصا الشعر ٠‏ فهي مصوغة في القالب الفني الذي يتضا تضاءل أمامه 
الشعر > وتجتمع له كل عناصر امال . 

والآن نأخحذ ني استعراض هذه الملحمة ومشاهدها العجيبة : 

ها نحن أولاء أمام مشد الاحتضار - وهو برزخ بين الدنيا والآخحرة - احتضار الذين 
افتروا على الله الكذب أو كذبوا باياته > وقد حضرتہم رسل ربہم یتوفونہم ویقبضون 
أرواحهم . فدار بين هؤلاء وأولاك حوار : «آين ما تم تڏعون من دون الله + » أين امتكم 
الي اعتصمتم بها ي الدنيا وفتنتم ها عن الإبمان بالخالق الأعلى ؟ أين هي الآن أي اللحظة 
الحاسمة الي تسلب منكم فما الحياة فلا تجدون لكم عاصاً من الموت يحفظ عليكم الحاة ؟ 
ويكون الحواب هو الحواب الوحيد الذي لا معدى عنه ولأ مغالطة فيه : «قالوا : ضلوا عنا» 
وغابوا » فنحن لا نعرف لمم مقراً » وهم لا بسلكون إلينا طريقاً . ألا ما أضيع عباداً لا 
تتدي اليم آهنم ٠‏ ولا تسعفهم تي مثل هذه اللحظة الحاسمة ! وما أخحيب آفة لا تبتدي 
الى عبادها ي مثل هذا الأوان 1 واليوم اذن لا جدال ولا محال «وشېدوا عا لی انفسہم 


اہم کانوا کافر ین ٠ ١‏ 
فاذا اہی مشېد الاحتضار فحن آمام المشيد التالي له ٤‏ النار سس فالزه‌ان ہیں الاحتضار 
والمعث بطوی هنا طا وکا عا بۇ نح أولئك اللحتضرون من الدار ا النار | «قال : 


ادحلوا ي أمم قد حلت من قبلكم من الجن والاإنس ني النار ٠‏ انضموا إلى زملائكم من 
الجن والانس » أليس ابليس هو الذي عصى ربه وهو الذي أخرج آدم من الحنة وزوجه › 
وهو الذي أغوى العصاة من أبنائه ؟ فليدخلوا جميعاً سابقين ولاحقين ي نار الجحم . 

ولقد كانت هذه الأمم ي الدنيا من الولاء بحيث يتيع آخرها أوما » و علي متبوعها 
لتابعها » فلننظر اليوم کیف تکون الأحقاد بینہا › وکیف یکون التنابز فہا : « کلما دخلت 
أمة لعنت احا » .ف اباسا من عاقبة تلك الي يلعن فيا الأخ أحاه ! « حتی اذا ادارکوا 
فما جمیعاً» وتلاحق الحرهم بأوهم > واجتمع قاصیہم بدانہم > بدأ الخصام والجدال : 


V۷ 


منهج الفن الإإسلامي 


« قالت أحراهم لأولاهم : ربنا هؤلاء أضلونا » فاتهم عذاباً ضعفاً من النار : . وهکذا 
تبدأً المهزلة الأليمة ويتكشف المشد عن الأصفياء والأولياء وهم متنا كرون أعداء » يتهم 
بعضہم بعضا > ویطلب له من «ربنا» شر الحزاء . من «ربنا» الذي کانوا من قبل ینکرونه » 
وهم اليوم يتوجهون إليه بالدعاء ! فيكون الحواب طمأنة للداعين باستجابة الدعاء » ولکنہا 
طمأنة ساحرة واستجابة أليمة : «قال : لکل ضعف ولکن لا تعلمون» فاطمشنوا › فأتتم 
وهم ستنالون هذا الضعف الذي تطلبون ! .. وكأنما شمت المدعو عليهم بالداعين حينا 
سمعوا جواب الدعاء » فإذا هم يتوجهون إليهم بالشماتة يقولون : لستم بأافضل منا فتنجوا » 
ولسنا أولا کم بالعذاب » فكلنا فيه سواء : «وقالت أولاهم لأخحراهم :ف کان لکم علا 
من فضل ١‏ فذوقوا العذاب عا کنتم تکسبون » 

و بهذا بتي ذلك الحانب السانحر الاليم › ليتبعه تقرير وتوكيد هذا المصير الذي لن 
بتبدل أبداً - وذلك قبل عرض الجانب الاخر الذي يصور المؤمنين ي جنات النحي - «إن 
الذين كذبوا باياتنا » واستكبروا عنها » لا تفتح هم أبواب السماء ولا يدخلون الحنة حتى 
يلج الجمل ني سى الخياط » . ودونك فقف يالك ما تشاء امام هذا المشہد العجيب . مشيد 
الحبل الغليظ تجاه ثقب الإبرة الصغير ! “ فحين جد ذلك الحبل الغليظ يلح في هذا 
الققب الصغير » فانتظر حينئذ أن تفتح أبواب السماء ؤلاء المكذبين » وأن يدخلوا إلى جنات 
انعم ! أما الآآن - وإلى أن يلج الجمل في سم الخياط - فهم ني النار التي تداركوا فيا 
جميعا وتلاعنوا « وكذلك بجزي المجرمين» . وإليك صورتہم فما : لحم من جهنم مهاد 
ومن فوقهم غواش » فالنار فراش هم » يدعوه للسخرية مهادا - وما هو مهد ولا لين 
ولا مر یح - والنار غطاء هم يغشاهم من فوقهم . «وكذلك بجزي الظالين » ! 

والآآن فانظر إلى الجانب الأحر : «والذين آمنوا وعملوا الصالحات » ما بال هؤلاء ؟ 
« أولئك أصحاب الحنة فا خحالدون» أصحاما وملا كها » فقد أورثوها جزاء ما عصوا 
الشيطان الذي اخرح آبو مم من احنة . 

واذا كان أولعك الكافرون المكذبون يتلاعنون ني النار ويتخاصمون وتغلي في صدورهم 
الأحقاد بعد أن كانوا أصفياء أولياء » فان الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثي الحنة اخحوان 
متصافون يرف عليہم السلام والولاء : «ونزعنا ما في صدورهم من غل » وإذا كان أولئك 
يصطلون النار من فوقهم ومن تحتهم فهؤلاء « تجري من تحتهم الألهار » وإذا كان أولئك 
(1) « بعض المفسرين يفسر الجمل هنا بأنه الحيوان المعروف . ولكن الذي يدرس طريقة التصوير في القرآن وتناسق 

اجزاء اللوحة ووحدة اليو في المنظر : يلحظ التنافر بين الجمل والاإبرة » كما يلحظ التناسق إذا كان الجمل هو 
الحبل الغليظ أمام ثقب الإبرة الذي يدخحل منه الخيط الدقيق . والاستحالة متوافرة ي المعنيين » ولكن المعنى يتحقق 
والصورة تتناسق بهذا التفسير الأخير» . 


YA 


القران والفن اللإسلامي 


يشتغلون بالتنابز والخصام فهؤلاء يشتغلون بالحمد والاعتراف «وقالوا : الحمد لله الذي 
هدانا هذا » وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . لقد جاءت رسل ربنا بالحق » . واذا کان 
أولئك ينادون : «فذوقوا العذاب ما كت تكسبون» زيادة ي الإيلام والتحقير . فهؤلاء 
ينادون بالتأهيل والتکر يم : «ونودوا : أن تلكم المحنة أورثتموها با كنتم تعملون» . 

ثم يستمر العرض فاإذا نحن أمام مشهد لاحق للمشهد السابق . لقد استقر أصحاب 
الحنة في الحنة واستقر أصحاب النار في التار . واذا الأولون بتادون الاخرين من هناك 
أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ‏ فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟» - وتي هذا السرال 
من اكم المر ما فيه > فالؤمنون على ثقة من تحمّق الوعيد كتحقق الوعد سواء . ولكنه 
سوال ! - ومجيء الجواب من هناك : : انعم ! » حیث لا جال لنکران أو محال . وعندئذ 
ينهي الحدل ويغلق الحوار « فادن مدن بینہم : : أن لعتة اله على الظالين » . 

ثم يتوجه النظر الى جانب من الساحة - ساحة العرض الفسيحة - فاذا مشمد أخر » 
مشہد «الأعراف» الفاصاة بين الحنة والنار » وكأنما هي ١‏ نقطة مرور » يفرز فيا أهل النة 
وأهل النار » ویوجه کل الى مستقره هنا أو هناك . وعليا رجال بعرفون هولاء وهولاء 
بسيماهم ٤‏ يوجهونیم إلى حيث هم ذاحبون . ویشیعون گلا نیم یا يستحق من تفم 
أو تکریم ! 

وهژلاء هم بتو جهون إلى آهل الجنة بالترحيب والسلام ء ویتوجهون ای اهل التار 
بالتىحیت والایلام «أهؤلاء الذين أقسمتم ۹ يناهم الله برحمة ؟» انظروا این هم الآن ؟ 
إنبم في الحنة يتلقون السلام | 

وأخيراً ها نحن أولاء نسمع صوتاً اتيا من التار ملوه الرجاء والذلة والاستجداء : 
«ونادى أصحاب النار أصحاب الحنة : أن أفيضوا علينا من الماء أو ما رزقكم الله » ! 
وها نحن أولاء نتلفت إلى الجانب الآخر ننتظر الحجواب > فإذا هو المعذرة والتذ كير : 
« قالوا : ان الله حرمهما على الكافرين» ! 

وحين بتي الاستعراض الكبير على هذا الحو المؤثر جي ء التعقيب متناسقاً مع الابتداء : 
تذ کیراً بهذا اليوم الذي مرت مشاهده » وتحذیراً من تکذیب ایات الته الي جاء با الرسل 
إلى بني آدم انتظاراً لتأويل هذه الآيات . فا تأويلها إلا وقوعها على النحو الذي عرضت به . 
وحنئذ لا فسحة ولا شقیع : هل بنظرون الا تأو يله ؟ يوم بتي تأو يله بقول الذين نسوه 
من قبل : قد جاءت رسل ربا بالحق ٠‏ فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فتعمل غير 
الذي :ا نعمل ؟ قد حسروا آنفسہم وضل عنم ما کانوا یفترون » ! ٩‏ 


. من الطبعة الرايعة‎ 4۲ - ۸٦ «مشاهد التيامة ني القران» ص‎ )١( 


۷۹ 


منهج الفن الاإسلامي 


والآن وقد اننا من استعراض هذه المشاهد الخلابة » واستعراض تلك الألوان 
الثلاثة من الفن ني القرآن » الى استعرضناها على سبيل الخال لا الحصر > نحس مدى الثراء 
والامتلاء ني هذا الكتاب المعجز ومدی ما مكن أن يستوحيه الفن منه › في جميع أغراضه › 
لا ني الأغراض «الدينية » وحدها . وإن كان الدين عفهومه الإسلامي القراني › لا ينعزل 
عن الحياة لأآنه يشمل كل الحياة . 

إنها ثروة لا تنفد في كل منحى من مناحي الفن » ومجال للاستيحاء الدائم »> ورصيد 
لفن إنساني رفيع سامتق يحمل كل خحصائص الفن الحمالية .. ويقود البشرية دائماً نحو 
الور والكجال . 


A‘ 


ف الطربق ال ادت الاي 


الأدب الإسلامي - في صورته المتكاملة الي استعرضنا أسسا من قبل - شيء لم بوجد 
بعد في الإنتاج البشري ! 

ولكن هذا لا ينفي وجود بواكير متفرقة من هذا الأدب » تنبئ بأنه قد ولد بالفعل ء 
وأنه في طريقه إلى التكامل والنضوج . 

وهذا وحده شيء لیس بالقليل .. 

فحين يطمئن الإنسان إلى هذه البواكير » وإلى دلالتها على النضج المقبل » يستطيع 
أن يتطلع إلى اليوم الذي يتكامل فيه هذا الأدب - والفنون الأخرى كذلك - فتعطي 
الاأنسانية كلها ذلك القبس المشرق الذي لم تد إليه بعد » وإن كانت قد وفقت إلى لمحات 
منه بين الحين والحين ؛ وتعطما ذلك الطعم المتكامل الذي افتقدته منذ مولدها وم تصل إليه 
في تمامه » وان كانت قد ذاقت بعض نكهاته متفرقة هنا وهناك : «القبس الكوني » الذي 
يعبر عن معنى الوجود كله .. و «الطعم الانساني » الذي يعبر عن كل وجود الاانسان . 

والأمر في حاجة إلى مسلمين .. فتانين ! 

مسلمين يعيشون اللإسلام في حسم حقيقة واقعة » ويتلقون الحياة كلها بحس إسلامي > 
ومن خلال التصور الإسلامي ؛ فنانين في ذاث الوقت » بعبرون عن هذه الحقيقة الواقعة 
ثي حسمم بصورة جميلة موحية » تتحقق فيها شروط الفن ومقاييس الحمال التعبيري . 

والعنصران لازمان معاً ثي ذات الوقت . 

فليس يكني أن يكون الإنسان مسلماً لكي ينشئ فناً إسلامياً تتحقن فيه شروط الفن . 

وليس يكنى بطبيعة الحال أن يكون فناناً - أي فنان - ليصل إلى التعبير عن الفن 
الإسلامي ٠.‏ 

الإسلام وحده لا يكلي لاإنشاء فن إسلامي .. ٍ 

فقد يستطیع مسلم صادق الااعان وهب المقدرة عل التعبير “ أن يدش * « أفكاراً» 
إسلامية عن الله . أو الكون . أو الحياة . أو الإنسان . أو كلها جميعاً .. وقد يستطيع أن 
« جرد » من حياته وجار به الإسلامية صوراً فلسفية ومفاهي عامة عن الإسلام . 


۸1 


منهج الفن الإسلامي 


وهذا كله إنتاج له وزنه ولا شك ني عالم الفكر وعالم الفلسفة وعالم التجريد .. 

ولكنه إنتاج لا صلة له بالفن .. 

فالفن ليس « فكرة » ولا «فلسفة» ولا « مفاهم ڪر ده ) کالي تعنی ہا « الببحوٿ ) 
الفكر ية ي شتی اليادين . 

وإما هو «الانقعال الذاتي الخاص» بالأشياء والأشخاص والأحداث . الانفعال 
الذي تتلقاه كل نفس مفردة على طريقتها الخاصة في التلي » وتنفعل به لي أعماقها › 
و «تعانيه » معاناة كاملة بكل جزئياته وتفصيلاته » ثم حرج من هذه المعاناة المشتبكة 
بوشائج النفس ٠‏ النافذة إلى حناياها ودروبما ٠‏ المختلطة برصيدها الخاص من المشاعر 
والتجارب والامجاهات والميول .. حرج مہا بتجر بة شعورية معينة » أو «بإفراز » معين › 
يحمل السات الذاتية لصاحبه » ويحب صاحبه أن ينقله إلى « نفوس » الاأخحرين ي صورة 
جميلة يتوافر ها التأثير والإمتاع . 

والفن «رؤية» للواقع من خلال ذلك الانفعال الذاني الخاص بالاشياء والاشخاص 
والأحداث . و «تفسير » هذا الواقعم ني ذلك الضوء الخاص » تفسيراً شعورياً - لا فلسفياً 
فكرياً - كما أنه هو «رؤيا» للمستقبل ٠‏ وللمجهول » وللماضي كذلك بنقس الشروط . 

والفن الارسلامي - من ٿم - ينبغي ان يصدر عن فان مسلم > أي « انسان » تکیفت 
نفسه ذلك التكيف الخاص الذي يعطيا حساسية شعوربة تجاه الكون والحياة » والواقع 
ععناه الكبير » وزود بالقدرة على جمال التعبير ؛ وهو أي الوقت ذاته إنسان يتلقى الحياة 
كلها من خلال التصور الإسلامي » وينفعل بها ويعانيما من خلال هذا التصور ؛ ثم يقص 
علينا هذه التجر بة الخاصة الى عاناها » في صورة جميلة موحية . 

وهذا هو الذي لم يتيسر من قبل ي الأدب العربي - لسبب من الأسباب - والذي 
توجد منه اليوم بوا كير متفرقة تنبئ بأنه قد ولد بالفعل » وأنه ي طريقه إلى التكامل والنضوج . 

ولكنه - ببذا المعنى - ليس وقفاً على المسلمين وحدهم من الفنانين ! 

صحيح أن المسلم الحق بطبيعة إسلامه - جد الطر يق أمامه ميسراً - حين يوه 
الموهبة الفنية - لأنه يعيش المفاهي الإسلامية بالفعل » وينفعل بالأشياء والأشخاص والأحداث 
من خلال هذه لفاحم > دون جهد مبذول منه ولا افتعال » بل دون قصد واع منه إلى 
هذا الانفعال ! 

وصحيح - من ناحية أحرى - أن المسلم وحده هو الذي تتسع نفسه للقصور الإسلامي 
الكامل ء لأن هذا التصور هو المقتضى الطبيعي المباشر لحقيقة إسلامه » ولأن الانسان 


(1) انظر في شرح مفهوم الإسلام كتاب : «هل نحن مسلمون ؟» 


A۲ 


تي الطريق إلى أدب اسلامي 


لا يصل إلى هذا التصور الكامل الشامل حتى يكون قد أسلم نفسه لله على طريقة الإسلام 
و مفهوم الإسلام 

ومع ذلك فإن التصور «الفني » الإسلامي للكون والحياة والإنسان » هو تصور كوني 
إنساني .. مفتوح للبشرية كلها » لانه حاطب «الإنسان» من حيث هو إنسان . ويلتي 
معه كذلك من حيث هو إنسان . ومن ثم يستطيع اي « إنسان» ان يتجاوب مع هذا التصور 
ويتلقى الحياة من خلاله - بمقدار ما تطيق نفسه هذا التتى وذلك التجاوب - فبلتی مہ 
لفن الإسلامي بدلك المقدار . ۰ ۰ 

ومن أجل ذلك لم نقصر الماذج الي أخذناها من «بواكير » الأدب الإسلامي على 
امسلمين من الفنانين » بل احترنا إلى جانبما ماذج من فنانين غير مسلمين ء لأنها تلتنى - التقاء 
جزياً على الأقل - مع التصور الإسلامي » وتصلح بذلك أن تسير مع اليج الإسلامي 
للفن ثي هذه الحدود . 

ثم يبقى لدينا وراء ذلك نتاج عالمي ضخم - رائع ني كثير من الأحيان - لا يلتي 
بالتصور الاإسلامي » ولا يسير مع المنبج الاإسلامي للفنون . ها موقفنا منه ؟ وما راينا فيه ؟ 

إننا لن ننبذه كله بطبيعة الحال » ولن عتنع عن قراءته ودراسته والاستمتاع با فيه 
من جمال جزئي .. على أن بظل ي مفهومنا أنه جمال جزئي ! وأنه - بل ما فيه من جمال 
وروعة - يقوم ابتداء على قاعدة أدنى وأصغر من القاعدة الي ينبغي أن ينشاً عليها الفن 
الإسلامي .. الكوني الإنساني .. الشامل المتكامل › الذي يشمل كل الوجود وكل الاإنسان . 

وسنجد كذلك فا « محایداً » للا يحمل مات معينة تقربه من المنهج الاإسلامي ت 
وللا يحمل كذلك مات تصطدم بهذا الهج وتسير منه ي انجاه مضاد . 

وقد يكون تي هذه الفنون كذلك لون من الجمال .. 

ولکنہا لن تکون - على وجه اتا كيد - من روائع الفنون ! 

فالفن « الكبير » - بطبيعته - يحمل بالضرورة تصورا معيناً للكون والحياة والإنسان › 
وارتباطات بعضما ببعض » وارتباطاتا بالله حالق الحميع . ومن ثم بتحدد مکانه تلقاثيا 
من منهج الفن الإسلامي : إما أن يلتقي معه التقاء كاملا أو جزئياً » واما أن يتعارض معه 
وبصادمه . 

ولذلك لا نحفل كثيراً هذه الفنون « المحايدة » وإن كنا كذلك لا نسقطها من الحساب ! 

ونأحذ - بعد - في ذ كر بعض الأمثلة من « بوا كير » الأدب الإسلامي تنير الطريق ! 


1A۳ 


اولا: من‌الشعتر 


)١(‏ محمد إقبال 

إقبال فيلسوف مسلم مفكر .. وله ني عالم الفلسفة والفكر إنتاج ليس بالقليل . 

ولكنه كذلك شاعر . 

وفي غير قليل من شعره إمتزج الشعر بالفلسفة » وتلمس بصورة واضحة أنه يصوغ 
أفكاره - أو بالأحرى تجاربه الفلسفة - في شعر ! ولكنه حتى عندئذ لا يعطيك تجربة 
فلسفية ذهنية » واعا يعطيك جر بة «عاناها» ي شعورہ وانفعل ہا وجدانه وجاشت با 
نفسه » فعبر عنما في نسق منغم موزون » ولم يعبر علها بالثر - كما يصنع ني الأحوال 
الأخرى - لأنها ليست بجربة ذهنية يعبر عنها بالنشر . 

ثم إن له - إلى جانب ذلك - شعراً حالصا .. تحرر من جفاف الفكر ومن قيد الذهن .. 
وانطلق ي خفة وطلافة يعبر عن حرارة الوجدان . 

وهو ني معظم حالاته يعبر عن تصور مسلم » وإن شاب هذا التصور أحياناً أحلاط 
من تصورات صوفية هندية وغير هندية » خرج به قليلاً أو كثيراً عن التصور المستقي لاإسلام . 

وأشد ما يروعه من الفكرة الاسلامية الصافية » وأشد ما تنفعل به نفسه كذلك » هو 
«الحركة الحية » .. الحركة الحية في كل شىء ني هذا الوجود . 

إنه لا يوجد شيء سا كن على اللإطلاق » لا في الأحياء ولا ني غير الأحياء . كل شيء 
حي . وكل شيء متحرك . وكل شيء يقتحم السكون لكي يوجد . لأنه « طاقة » والطاقة لا 
تطيتق السكون . وإن أراد شيء لنفسه السكون فقد أراد الموت » وقد حرج بذلك عن الناموس ! 

وشيء اخر من الفكرة الإسلامية الصافية يروعه كذلك وتنفعل به نفسه »> هو «النفس 
الانسانية » . 

الاأنسان - في حس إقبال - طاقة كونية ضخمة تتمثل فا كل طاقات الوجود . إا 
قبس من النور . قبس من القدرة الخالقة - وذلك معنى أن الإنسان خليفة الته ني الأرض . 
وهو بذلك أنمن ما ني الوجود كله » وأقدر ما ني الوجود كله .. وذلك حین يستمد من 
الله . فهكذا حلقت الروح الإنسانية . أو «النفس » .. بحيث تستمد من قوة الأزل والأبد > 
فتشرق و «تشتعل » وتصبح طاقة كونية مريدة فاعلة . 

و «الاشتعال » مسألة حيوية جداً بالسبة لاقبال ! 

إنه لا يطيتق أن يتصور الحياة إلا اشتعالاً في صورة من صور الاشتعال ! 


A4 


ي الطريق إلى أدب إسلامي 


إنه لينفر من كل شيء خامد أو ميت أو غير مشتعل ٠‏ لأنه يتصوره كافراً بحقيقة 
الحباة وحققة الوجود ! 

ولكنه لا يتصور ذلك كله حقائق مجردة ني عالم الفلسفة والفكر .. وإنما هو يعيش 
هذه المشاعر في داحل نفسه » و «يعانيها» كما قلنا معاناة شعور ية حقيقية ٠‏ ويكتب الشعر 
من خلال هذه المعاناة . 

ولا ریب أن حياته في الفترة المضطر بة الحياشة من تاريخ الحند » وهي تكافح الاستعمار ؛ 
والمسلمون فما يعانون ألواناً كثيرة من المظام » ويناضلون ليثبتوا وجودهم ويحققوا كيا نم 
الذاتي » و «تشتعل » في وجدالم الرغبة القوية في أن مجدوا لأنفسمم كياناً مستقلاً واضح 
الوجود .. لا ريب لي أن هذا کله بمكن أن يكون قد شكل نفسه هذا التشكيل الخاص : 
وجعل «الحركة الحية » و «الاشتعال » و «الكيان الفاعل المريد» ي نظره هى حقيقة الوجود . 

ولكن هذه كاها - من جانب اخر - حقائق اسلامية داثمة بصرف النظر عن هذه الشترة 
بعينما من حياة الشاعر أو البيئة الي عاش فما .. ولم تتملك العقيدة الإسلامية نفساً من النفوس 
ى أي وقت إلا استحالت فيا إلى حركة حية فاعلة مريدة .. هكذا منذ محمد بن عبد الله 
صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وغداً .. للها هكذا في حقيقتها . ولأنها تصل القلب بالله 
وبالكون .. فيتحرك .. و «يشتعل» ! 

ومن هنا فإقبال في هذه المشاعر مسلم - بصرف النظر عن ظروفه الخاصة - وهو كذلك 
مسلم أي هذه الظروف الخاصة » لأن العقيدة الإسلامية تلتي مع الفطرة الإنسانية ي جميع 
حالاتہا وجمیع ظروفها » وتكيفها في كل حالة مقتضى حقيقة الاإسلام . 

وهذان موذجان من شعر إقبال › من ديوان بيام مشرق “ أو ( رسالة المشرق ) تتجلى 
فا هذه المعاني واضحة شديدة الوضوح > إلى جانب المعاني الأخرى الكثيرة الي يفيض 
مہا شعر إقبال : 

من قصيدة طويلة عنوانما « شقائق الطور» منظومة ي رباعيات : 


۰ — وکم ۴ ف الو جود من الحبور آری الذرات ف شوف الظهور 
ويصدع نه برعوم زهر فیبسم للحياة من السرور 


1 تقول فراشة من قبل خلق‎ - ١ 
رمادي فاذره حرا ولکن ادقی‎ 


. ترجمة المرحوم الدكتور عبد الوهاب عزام‎ )١( 


Ao 


-— £ 


۰ 


— ۰4 


—- ۲ 


€ 


—- ۲٦ 


—- ۹ 


۱۸٦ 


منهج.الفن الاإسلادي 


أرالك بر الاك بول 
فوجَّةٌ ‏ كالنواة - إليك عيناً 
دع الشطان لا تركن اليا 
عليك البحر صارع فيه موجاً 
HE 34‏ 
بوت ٤‏ صدرنا مم کبار 
من الخمر الي فينا أضاءت 
HF ¥‏ 
لنا کون لازمیل ولحت 
مثال من تراب یکمل 
E‏ ¥ 
تری رمز الحياة بكل کم 
بترب مظلم ينمو ولکن 
4# * 
بضيء على المروج وكل سهب 
وما تغشی الوری ظلمات لیل 
# 4 
بقلي سر جمان وروح 
فاما غاب عن عي کون 
¥ 
مزاج الزهر اعرف ي يقين 
وحببني إلى الأطيار أي 
¥ ¥ 
فق ما القلت بالأنفاس یحیا 
| ر 


# # 
أثرت بغمتي كل النوادي 
* 


ضعيف عندها جرس الحياة 
حياة الخلد فى لصب تواني 
بطينتنا فواد فيه نار 
مقم ٤‏ زجاجتنا شرار 
بقلّبه صاحك والمساء 
لسو ىسةك گر ده أ اق ضاء 
از فىه ا قلي الحقفة 
له عين الي شمس الخليقة 
وکاس الورد فيه نور حب 
فحرقته السراج لکل قلب 
فلا فزع اذا أجلى ااني 
فباق الت کون ني جناي 
وريح الورد ني خلد الغصون 
عرفت شا مقاماتث اللحرن 
ولا هو رهن ما یبقىی ویفی 
فان تفس مضی فالقلب ببقی 
حعلت عار عقي ف فؤادي 


ي الطريق إلى أدب اسلامي 


۲ - أيا طفل السجايا اسمع عتابي ‏ أإسلام وفخر بانصاب ؟ 
فإن تعتز بالأنساب عربا فإن جزاءها هجر الصحاب 
o» ¥‏ 
۴ - اافغان وتاتار وترك وي مرج ومن غصن بوتا 
حرام بينا تفريق لون ربيع واحد فنا زهونا 
3# * 
۱١‏ - رأبتك لا تزال أسير طين إلى ترك وأفغان برد 
أنا بشر بلا لون وريح وللتوران أو للهند بعد 


في الر باعية الأولى (رقم )۲١‏ يعبر عن فرحة الكائنات «بالوجود» . فوجودها ذاته 
یثہر في كيالا الفرحة والسرور . وهي تواقة لأن «توجد » وأن تَظْهِرَ وجودها ي عام العيان 
بعد إذ هي طاقة في طي الكان . وتكافح ثي سبيل ذلك با هو مرصود في كيالہا من 
«الإرادة» و «الفاعلية » . فبرعم الرزهر «يصدع » غصنه .. يشقه شقا . . ليظهر إلى الوجود .. 
وني اللحظة الي يوجد فيا بالفعل »› يبتسم .. يبتسم من السرور .. للحياة والوجود . 

وي رباعية )١١(‏ يعبر عن طريقة إحساسه بالحياة ومعناها : إنه اقلق .. إنه الحرَق .. 
هذه هى الحياة الحقة ! الحياة « المتحركة » من ناحية » الى ينشأً من حركتها ني النفس هذا 
القلق المعبر عن الرغبة الدائمة في جديد من صور الحياة » وعدم الركون أو السكون إلى 
وضع واحد من أوضاع الحياة مهما كان جميلاً في ذاته ! والحياة «المشتعلة» من ناحية 
اخحرى » اليي تصل المشاعر فيا إلى درجة التوهج والاشتعال من قوتها واندفاعها . وهذا 
القلق وهذه الحرق هي خلاصة الحياة وامنية الاحياء »> بحيث لا يساوي «العمره أو 
« الزمن » شيعا جانا ٤‏ فليس لمهم أن تطول الحباة وعتد » اا لمهم أن عتلی ) ٍ 
معتل بالحياة وبالحرق .. ولو ليلة واحدة أو محة واحدة ! تساوي ي «جوهرها» كل 
اللحياة . 

وهذا المعنى الحميل لا يقدمه لنا الشاعر تي صورة فلسفية مبلورة . واإلا ققد سحره 
کله وجماله > واعا يقدمه لنا من خلال « نفس » حية » هي الفراشة التواقة للحياة » الي 
تعبر قي ذات الوقت عن نفسه هو › وطر بقة احساسما بالحياة . 

وقريب من هذا المعنى - تي صورة تعبيرية أحرى - الرباعية )٠١(‏ الي يقول فيه 
إن « جرس » الحياة ضعيف عند الشطان ! لأن الحياة هناك خامدة ليس فيا معاناة ! وإنعا 
حياة الخلد تواتى عن طر يق التعب والنصب والصراع والاقتحام .. 

وتي الرباعية )۲٤(‏ يسخر من الانسان الذي يبحث جاهداً ني أسرار الفاك الخارجية 
- أو الظاهر ية - وهو مهل سر ذاته » وأنه هو «الحياة » أو منبت الحياة . وأنه لو تدبر 


AY 


منهج الفن السلامي 


طاقات ذاته وعرف حقیقا لاستطاع أن عل منہا قوة نامية حية متحركة « منشئة» .. لأنه 
يکن فيها سر الحياة . 

وقريب منه - ني صورة أحرى - رباعية )۸٤(‏ الي يقول فيا إن الطينة البشرية تشتمل 
على نار مقدسة هي الي تضيء للكائن البشري حياته . وان «شرر » هذہ النار مقے لا یررح 
الكيان البشري . 

وني هاتين الرباعيتين نلمح ما سبق أن أشرنا إليه من غرام الشاعر بالحياة «المتحركة » 
من ناحية ٠‏ «المشتعلة » من ناحية أخرى . 

وقي رباع ا ر ل ر ر ا ا 

ء . انه ليس بلا غاية . إنه ليس شيا يترل بالبشر بلا ضرورة . وإنما الكيان البشري 

سنال مز اراب م یکشم تکریه (أو م یکتدل نضجه بتمیر آعر) = بقلبه تداول 
اپار والليل كما بقلب النحات التمثال بالازميل والبرد » ليسوي فيه قطعة هنا أو یحفر 
قطعة هناك .. حتى يكتمل التمثال وينضج الكيان | 

ومرة أحرى ل يقل لنا الشاعر هذا المعنى تي صورة فلسفية مبلورة » وإن كان يتناول 
معنى من المعاني الفلسفية > وإعا يصوره لي صورة فنية تشخل مساحة لي الحس والخيال 
والوجدان . 

ولي رباعیتي (۱۰۸ ۰ ۱۰۹) نرى غرام الشاعر بالنور .. النور جميل رائق صاف . 
انه نور «الحب » .. وع ذلك فهو بحب النور على طريقته الخاصة في تلي الحياة کلھا 
والاأحياء .. ان النور ليس کما يراه غیره من الناس - ضياء حالاً ناعساً هادئاً « مر يحاً 
للأعصاب !! كلا ! إنه « اشتعال » ! إنه «حُرّق» ! فالنبات ينمو ني باطن الأرض المظلم 
ولکنه يتطلع الى و الشمس » . وتلك حقيقة «علمية » ! ولكن الشاعر يلتقطها هنا من خحلال 
مزاجه الخاص › فالذي يلفته فا أن النور المشرف الحار المشتعل هو أصل الحباة .. وهو 
الذي تقبسه الكائنات وتوزعه اشراقاً وحباً .. والأصل فيه هو ر الاحتراق » .. أو هو اثارة 
«الحرق» .. ومن تم لا بوجد ظلام ي الكون حتى ي الليل حين تغيب الشمس الادية 
الملموسة . أن الأصل ف اللور وي البحباة » وهو الحرق والاحتراق »> باق ي الليل 
يضيء ء للقلواب کالسراح ! 

وني رباعية )۱١١(‏ يعبر عن حبه للطبيعة بکل کائناتہا من زهور وورود وأطيار .. كلها 
جميلة لأنه «يعرفها» . فالمعرفة - وهي المعرفة «الباطنة » بلخة الصوفية -- هي الي تنشى 
الحب » وهي الي مزج بين أرواح الكائنات فتلتني كلها على الحب . 

ولي رباعييي )١۲١ › ۱١۲(‏ يعبر عن حقيقة الحياة ني نظره . فليس الحسد هو الذي 
بقرر الحياة أو الموت .. وإنعا هي الروح .. والروح باقية وإن فني الجسم . ومن ثم فلن 


AA 


في الطريق إلى أدب إسلامي 


برشب اموت . فهو باق من بعد الوت . وإذا كان الموت سيحرمه کوناً واحداً هو الذي 
تراه عيناه > فيي قلبه الف كون لن يفقدها لا نها حية معه ي قلبه الحي . 

وي ر باعية (۱۳۹) صورة من صور « الحيشان » ي نفس إقبال . انه یثیر بنغمته ١‏ کل » 
النوادي . هذا على الاتساع ! فان یکون حیا تي نظر نفسه حتی پحدث دویاً ئي کل ناد ! 
وزاده هو «شرر » الحياة ! مرة أحری عزج بعن الحياة «المتحركة » والحياة «المشتعلة » . 
انما عنده متا الوجود . لا وجود بلا حركة واشتعال ! 

ولكنه ني الشطرين الثالث والرابع من هذه الرباعية ذاتبا بنش معنى جديداً . نادراً 
بي اندفاعات اقبال الياشة ! انه «التوازن » .. التوازن بين القلب والعقل . بين طاقتين من 
طاقات الحياة . إن قلبه يستمد الضياء من عقله . ولكن عقله مع ذلك يستمد توازنه من 
فاده أي من قلبه . وهکذا « تتزن» مشاعر إقبال » ليكون متمشياً مع « توازن » الإسلام ! 

أما ر باعیات (۸۲ » ۸۳ » )١١١‏ وقد غيرنا ترتيبما لتجيء متجاورة ›» فهي تعبر عن 
نزعة اقبال « الانسانية » الاسلامية .. إنه ينفر نفوراً شديداً من تقسم المسلمين الى عرب 
وأفغان وتتار وترك .. إلخ . إ ما هم جميعاً مسلمون . ولا جوز أن تقوم الفرقة بينهم وهم 
جميعاً من غصن واحد » وي مرج واحد » وروا ئي ربیع واحد (ولا یفوتنا هنا آن ناتفت 
الى تعبيره بالطبيعة الحية وبالر بیع عن معنى من المعاني التجر يدية وهو الأخحوة ي الاسلام) 
ثم ينهي ي الر باعية الأخحيرة ای الأحوة ني قي البشرية عامة وهي اللأصل الكبر الذي تلتي 
نيه الأحات جميعاً ‏ والذي ينبني أن برتد إليه البشر كلهم في علاقات بعضيم ببعض ؛ 
قبل أن يتعصبوا لقوميا هم .. فهذا التعصب لون من الأسر .. أسر الطين الذي يأسر الروح ! 


x ¥ 3 


وهذه قصدة اھا « الربيع ١‏ : 


)۱( 
هلم فإن سحاب الريى حم فوق الربى والوماد 
وشدو العنادل في كل واد 
ودراجه والقطا تي ادي 
على حافة اهر جذلى شوادي 
شقيق وورد ضحوك ينادي 
فطرّفقك سرح ذا المراد 
هلم فإن سحاب الربيع بم فوق الربى والوهاد 


۱۸۹ 


منهج الفن الاإسلامي 


)۲( 
هلم فلء الربى والسمول ‏ - قوافل أزهاره والسورود 
نسم الربيع على كل عود 
وللاطير إبداعها ني النشيد 
ومرقت اجيب حمر اللخدود )١‏ 
جی الحسن ناشئ زهر نضيد 
وللعشق إبداع غم جديد 
هلم فملء الربى والسهول قوافل أزهاره والورود 
)( 
صفرر البلابل ملء الحواء وصوت الصلاصل "“ ملء اللسيم 
دم ارج ي جسوفه كالحمم 
فيا قاعدا صامتأ لا يريم ! 
دع الصمت واترك وقار الحلم 
وخحمر المعالي اشربن يا سقم 
تدثر بورد وغن النسديم 
صفير البلابل ملء الجواء وصوت الصلاصل ملء النسم 
)٤(‏ 
دع الدور واطلب فسيح البراري وانظر الى صفحات الحمال 
على حافة ال اء دون لال 
تأمل ترقرق ماء زلال 
وحدق إلى نرجس ذي دلال 
بئات نیسان ذات اخحتيال 
دع الدور واطلب فسيح السيراري وانظر الى صفحات الحجمال 
(9), 
وعين البصيرة فانظر مها ايا غافلا عن عيان الخلق 
شقيق بدا حلا في حلسق 


. شقائق النعمان‎ )١( 
. الصلصل الفاختة أو طاثر بشبها‎ )۲( 


1۹۰ 


ي الطريق إلى أدب إسلامي 


بأعطافه هب قدعلق 
على كبد فيه ذات حرق 
بلوح ندى من دموع الفلق 
فحدق إلى أنجم ني شفق ۱( 
وعين البصيرة فانظر بهماا ‏ أياغافلاعن عيان الق 
»)۰ 
ثرى المرج صرح في هيجه بما اضرت مهج الكائنات 
فتاء الصفات وكرون الصفات 
وما آبدت الذات من جاوات 
وما خحلته من معاني الحياة 
وما خلته من معاي الممات 
فليس له ها هنا من ٿبات 
ٹثری المرج صرح ي هیجه ما أضمرت مهج الكائنات 
# # 
إنه مهرجان حافل بالحياة ! هذا هو الربيع .. 
السحاب والعنادل والدراج والقطا وشقائق النعمان والازهار والورود والنسے والطر 
المنشدة .. والربى والسهول والبراري .. والأرض والاء والسماء .. كلها مشتركة في المهرجان 
الصاخحب المغرد الزائط المتحرك المتفتح للحياة ! 
انه قلب شاعر يتفتح للحياة ي الربيع .. ويلمسا تي الكائنات كلها : السحاب المخم 
فوق الر بى والوهاد » والازاهير المتفتحة من كل لون > والطيور المغردة عختلف الالحان › 
والأرى المصرح ما في جوفه » والمرج الذي يغلي دمه كالحمي !! 
والشعراء كلهم تلفتهم ولا شك ظاهرةانبشاق الحياة ي الربيع وتفتحها › وتنقعل با 
مشاعرهم انفعالاً خاصاً » ويتصل ضميرهم بضمير الكون .. ولكن لكل شاعر صادق 
طر يقته الخاصة في « تلي ۲ الر بيح والانفعال به والاتصال ععالي الحياة فيه .. 
وإقبال الشاعر > المتفتح للربيع » هو إقبال الذي رأيناه يشرح نفسه لي القصيدة 
السابقة » وهو يسجل « فلسفة حياته » ثي تلك الرباعيات . 
الحياة المتحركة .. والحياة المشتعلة .. هي الحياة ! 
الموسيقى ي المقطوعة كلها (وإن كانت مترجمة ) موسيقى دافقة متحركة حية نابضة .. 


. يشبه الندى على الشقيق بالأنجم ني الشفق (الترجم)‎ )١( 


منهج الفن الااسلامي 


ولكن تلفت الحس تعبيرات معينة تحمل طابع إقال ! 
فحمر الخدود ( شقائق النعمان ) ١‏ مزق » الجيب . والحسن « مجني » الزهر الناشى . ثم 
- وهذا ألصتى بطبيعة إقبال ! - شقائق النعمان قد علق بأعطافها هب (مشتعل طبعاً !) 
وکبده ذات «حرق» ! والمرج دمه « بغلي ١‏ ي جوفه ١‏ کالحمي » 1 
وفي المقطوعة السادسة يثوب الشاعر من رحلته الواسعة في هذا المهرجان الحي المتحرك 
المتوفز الواسعح الأرجاء الفسيح الآماد .. آماد المكان وآماد الحس واماد المشاعر .. يثوب 
الى صوفيته اطادئة .. 
ولکن أهدوء هو ؟ [ 
انه - فيما يبدو لي - كالمل .. بعد هذه الرحلة الواسعة الي أشبحت حسه وملات 
مشاعره حتى أعماقها .. إنه أهدأ نبضاً .. نعم .. لأنه «شبعان» .. إلى حد الامتلاء . 
انه يقول لك - كالمخدور - إن الثرى قد صرح با لي جوفه .. صرح عا في مهج 
الكائنات .. فقال لك إن ما يل إليك - ني ظاهر الحس - من علائم الحياة وعلائم الموت 
ليس هو الحقيقة .. إنما الحقيقة هناك .. هناك في الأعماق .. والحقيقة هي الحياة ! ! 


(۲( عمر الأميري 


عمر بهاء الدين الأميري شاعر سوري مسلم .. رقيتق العاطفة » في تعبيره عذوبة تعبر 
عن عذوبة روحه . وهو يحاول - في هذا المجتمع الجاهلي المنحرف الذي تشتبك حياته 
بحیاته » وتصطدم مفاهیمه عفاهیمه - یحاول آن یعیش مسلماً بقدر ما تطیق روحه . لا 
ني ثورة جامحة ١‏ مشتعلة » كثورة إقبال » ولكن ني ثورة هادئة تلاسب طبيعته ! ثورة تحتدم 
في داحل المشاعر » ولكنا تہدأً حين تصل الى التعبير ! 

وقد احرج قبل عام دیواناً ماه همع الله » .. أودعه مجموعة من أشعاره بتو جه با الى 
الله .. بتوجه ہا في مختلف حالات نفسه : من رضاء وثورة »› وهدوء وقلق » واشراق وظلمة > 
ورفرفة روحية وتوقد جسدي .. كلها ترانيم إلى الله وابتهالات › ورغبة حارة إلى الله ألا يتخلل 
عنه أي أب حالة من حالاته » لأنه ي جميع حالاته - حتى حالات الضعف والبوط - متشبث 
باستار الله . متطلع إلى حماه . 

وقد اخترنا له نموذجين من هذا الديوان أي حالتين مختلفتين من حالات نفسه . إحداهما 
أزمة فكرية والأخرى أزمة عاطفية - أو بالأحرى وقدة حسية - يتجه في كلتيهما إلى الله . 

انه ف « صراع » دائم .. صراع ضد اللقلة والمبوط والقيد والضرورة القاهرة والتيه 
والانحراف .. ومحاولة دائمة للتخلص من هذه الثقلة » والانطلاق لي عالم الور . 


14۲ 


ي الطريق إلى أدب إسلامي 


محاولة « بشرية» .. 

فهو بشر .. لا افتعال فيه ولا تصنع .. ولکنه - وهو بشر مسلم - یحاول أن یحقق 
الإسلام أي ذات نفسه » فيكون هذا الصراع الدائم ٠‏ والتطلع الدائم إلى الله .. 

وهذه المحاولة الدائمة ه ھی اللاسلام ! 


وٹثم في أ لبحبرة سا حت به 


فصحت مألحوذاً بایداعها 


ترکي فا ذرة نابيه 

هذا هو الشاعر يواجه أزمته الفكرية .. إنه الفكر لي آلامه المتزايدة › وي أحلامه الى 
لا تتحقق .. وني الغيب الذي يتطلع إليه فلا يكشف شيئاً من أستاره » وني الغد المجهول 
الحذور .. فتتملكه الحيرة .. لاذا ؟ اذا تألم ؟ لماذا بختني الغد ني أستار الغيب ولا ينكشف 
شيء منه ؟ لاذا لا تتحقق الأحلام ؟ لاذا يقضي حياته معذباً بهذا التطلع الذي لا ينتهي ؟ 

وني حيرته تسبح به أفكاره ني الملكوت .. 

إنها إحدى علائم الصفاء في روحه .. فحيرته لا تتحول إلى تيه ينفصل فيه عن الكون 
وعن الله » والى شرود لا بهتدي فيه إلى معلم من معام الطريق .. وإعا حرج به روحه من 
سجن ذاته الذي أغلقته الحيرة النابتة في ضميره . فتسيح به عوالم الأكوان . 

وعندئذ .. عندئذ يقع التجاوب - الفطري - بين روحه وروح الکون الکبیر . فا تکاد 
الروح الصافية تتطلع إلى الكون حتى يحدث هذا اللقاء . لقاء بين أحرين حبيبين . 

ثم ينقله هذا اللقاء .. إلى الله ! يفتح بصيرته عليه ! فهكذا الروح الصافية حين تلتقي 
بروح الكون الكبير .. لا بد أن تهتدي من حير تما » فتتطلع إلى خالقها .. وتطمئن إليه . 

نعم . إلما الطمأنينة في نهاية المطاف .. الطمأنينة إلى أن الله حلت هذا الكون المبدع المنسق 
الموزون المترابط » لن يترلك هذه الذرة البشرية نابية وحدها » تائهة منقطعة الصلات . 


14۳ 


منج الفن الارسلامي 


وهى طمأنينة الابعان .. 
ولکنه له يقدم لنا هذا «المفهوم» في صورة « بجر بدية » مبلورة . وإعا هي «قصة» . 
قصة شعور ية وجدانية حية نابضة .. ولذلك تدخحل في عداد الفنون ! 
وحين نضع هذه التجر بة الروحية تجاه تجربة «ألبير كامو» مثلاً > وهو يقف أمام الكون 
فیجده خرس » لا يفصح له بشيء » و جد نفسه غريباً ني هذا الکون لا تر بطه به صلة › 
ويحس بالضياع والعدم والضالة .. حين نضع هذه التجربة أمام تلك . ندرك الفرق المميز 
الواضح بين نظرة الاإسلام ونظرة « الوجودية » عند بعض روادها » الفرق بين التجربة ي 
الحس المضلّل الشارد › والتجر بة ذاتها أي الحس المسلم المهتدي إلى فطرة الكون .. والمهتدي 
إلى الله . 
ضر أعة اثر 
« كان في كراتشي .. واستيقظ بعد منتصف ليلة عرفة » هائج النفس » ثائر الشباب > 
وكان قد تعرض ني تلك الأمسية إلى إغراء كثر . 
«ذ کر إقامته على التقوى يي باريس وهو طالب . 
«وذكر مواقفه في الحج » بي مثل هذه الليلة منذ عام مضى . 
« ود کر ما تعرض له قبل ساعات . 
«وي غمرة الحيرة وسوار النفس » وآوار الظماً » أنشاً القصيدةالتالية . 
«ولا كاد ينبلج الصباح . هدأت نفسه بعض الشيء ٠‏ وعاد يراود الكرى » : 
كيف أنجو يا حالقي من شباب 
عارم عاصف التوتب ضاري 
مستبد بکل درات جسمي 
مستفز کوامسن الأوطار 
کلما رمت کېته » ثار جهلا 
وتخطى عقلي وأآعيا وقاري 
فنا منه » ما کبحت هواه » 
في جموح وحدة واستعار 
كيف اجو » وإنه مستقر 
ي کياني » وي صمم نجاري ( 


. النجار : الاصل‎ )١( 


۹ 


في الطريق إلى أدب إسلامي 


هو من طيني الي لوئتني 
ورمتبي فريسة الاقدار 
لامب الذات غاشې, کقار 
قد تحدى أبي الكبير قدعاً 


وابائي وعزڻي واصطباري 
والليالي الطوال مرت ساداً 
وعتادا > ودمعي المدرار 
وجهادي ف حلكة الليل نغسي 
وذيادي وعرمي المغوار 
وغلابي ضروب کید صحابي 
واعتزازي بدحرهم وانتصاري 
وثباني وقد ترامی اداي 
واعتدادي بعفی وفخاري 
Ht *‏ 3 
اه يا ويح وقفتي في ديار 
قدس الله تربها من ديار 
خحضت هول السماء سعياً الا 
وطويت البحار إثر البحار 
وعلوت النجوم في صخب الأنواء 
.. أشرى مر العنا بالتضار 
فکأني وقد حللت رباها 
قت من طبيعة الترب نفسى 
حں حلت ف روضصهة المختار 


منهج الفن الاإسلامي 


غمرتني آنواره فکاألي 
عنصر من عناصر الأنوار 
وكأني - والبيت يشرق حولي 
شامخ المجد في سنا الأسحار - 
ذاب جرمي ف ماء زمزم حتی 
خحلتي طرت من خلال ازاري 
جاوز الروح بي معالم أرضي 
فالسماوات والعوالم داري 
والمفاهم ي مسارح روحي 
والمساحات غير ذات قرار 
فقيامي قي الجر لاح سجوداً 
وسجودي > سبح 2 الاقمار 
وانطلاي أسعی > هدوء مر یح 
ووقوي › سياحة يي البراري 
وضجيج الحجيج حول ء سکون 
وبسمعي جأرة الأحجار 
ow #‏ 
أ يا ويح مي وجلادي 
ان نبا بي عن القلاح اقتداري 
يسوم في ي مثلسه طاح وزري 
اتردّى جدداً أوزاري ٢‏ 
كيف أنجو يا خحالتي من شبابي 
وشبابي قد کاد بدني دماري 
نت سويتي وألممت نفسي 
خحطتہا من التقى والفجار 
وأنا مما بحربٍ لظاها 
ي ضلوعي یشوی وني أفكاري 


(1) حجر اسماعيل عليه السلام ي البيت الحرام . 


1۹٦ 


ي الطريق إلى ادب إسلامي 


م ارم قط أن انى نفسى 
كيف أرضى للنفس ذل الصغار ! 
ولو اڼي کفيت إغواء عصري 
وأحابيل خلقه الأشرار 
وحبیت احتيار وجهة أمري 
لتساميت واستقر قراري 
ولکانت نفسي الثرود تر کٹ 
غير أي کالعود ي تیار 
م  »‏ 
كيف أنجو يا خاي كيف آنجو 
والمقادبر ألرمتسني اساري 
نرتضا › فان ذاك اخحتياري 
إني نازع إليك بنور 
منك > للنور في العوام باري 
وأنا مقسم عليك بأسمائك 
.. من راحم » ومن جبار 
ل تمر طا عن دعتك خلایاه 
.. دراکاً » ني ليله والہار 
o»‏ 
رب سار والسحب قد لفت النجم 
.. فحار السارون عبر القفار 
سفر الفجر > فاستبان خطاه » 
فراها اهتدت بلا ابصار 
هذه القصيدة الطويلة رعا كانت «أعنف» قصائد الديوان ! إلها سورة جسد مللهبة 
یتلظی ہہا کیانه ولا یطیق کبتہا »ي لیلة عاصفة تکاد حرج به عن صوابه وضوابطه وکوابحه .. 
بعد تعرضه لفتنة جائحة . . ويثير هذا اللظى » وعجزه عن كبحه » يثير فيه أشجاناً وذ كر يات » 
تزيد من اضطراب تفسه » وجعل الصراع مراً عنغاً لا يكاد بطاق . 
إنه في سورة الحسد الحامحة بتذ كر شبابه الذي قضاه ني باريس تحوم حوله المغريات 
من کل جانب » ولکنه یعزف عنہا ویغالہا » ویتشبٹ بنقاء أخحلاقه ونظافة مشاعره › بيا 


14¥ 


مهج الفن الاسلامي 


إخوانه ينهاوون ي مهاوي الرذيلة » غير قادرين على مقاومة الفتنة المغرية » أو غير راغبين 
في المقاومة ! 

ويتذ كر أنه في مثل تلك الليلة من عام مضى كان في الحرم المقدس يتطهر من الأوزار 
وتعلو روحه وتشرق » وتطير مع النور 'السماوي الذي يغمر الأرواح 

بذ کر هذا وذلك فتزداد ثورته على نفسه » أو تشتد حدة الصراع بين نوازع الفتنة الطاغية 
والرغبة ي التطهر والتغلب على ثقلة الطين .. الي أوقعت قعت من قبل آباه الكبير آدم وجرته إلى 
المحصة .. ويظل ليلته ي هذه الذكريات › يدفع با عن نفسه خواطر الفتنة » وهي ذاتما 
تريد من الصراع الدائر ي داخحل ذاله .. فيتطلع إلى الله في حرقة ومفة » ألا يدعه وي ۰ 
وألا يفرط فيه .. وهو يدعوه الليل والنهار ! وني الباية ينبلج الفجر › وتكون نفسه قد هدأت 
شيئاً من الهدوء .. ويطمثن إلى الله . 

تلك قصة الصراع المرير الي يقصها لنا الشاعر لي قصيدته .. حطوة نحطوة وخاطراً 
حاطراً .. منذ بدء السورة الى لحظة المدوء والاطمئنان . 

ولكن ماذا نجد من «ملامحه » النفسية فيا ؟! 

إنه أولاً لم يسمها ثورة ! وإنما ماها «ضراعة ثائر» ! وهمذا دلالته بلا ريب ! 

ٹم هو قد کتبا - دون شك - متأثراً بمذا الصراع المرير » مدفوعاً بوقعه ني نفسه وهو 
يكتب » مستجاشا بلذعه ني ضميره .. ولكن .. أي معنى وقف عنده أطول وقفة دون أن 
يشعر » وهو يعبر عن الآلام المتأججة ي شعوره ؟ 

إلها ذكريات الحج والطواف حول المسجد الحرام ... ! 

وي «هدوء» يسرد هذه الذكريات ! 

فهذه المقعلوعة بذاتها الي يذ كر فيما مشاعر الحج وأثرها في نفسه - وهي ثلث القصيدة 

تقر يبا - عكن أن تعزل وحدها » فتكون سبحة روحية هادئة رضية لا صلة ها بالثورة والصراع ! 

ولكنها هنا في القصيدة « مهرب » لا شعوري > مهرب به الشاعر من حدة الصراع | 

ثم .. ما هي أمنيته أي ناية القصيدة ؟ 


ولسو الي كفيست إغواء عصري 
وأحابيل له الأشرار 
وحبيت اختيار وجهة أمري 
لتساميت .. واستقر قراري ! 
إنه حوضص الصراع .. نعم ! ولکنه نافر منه ضيق به صدژه ! یتمنی لي قرارة نفسه لو 
أنه قد كفي اشرات والأحابيل والانحراف .. فیتسامی ویستقر ! 


۱۹۸ 


ي الطريق إلى أدب إسلامي 


أا « الوداعة » الرضية العذبة الي تفيض با روح الشاعر ¿ تطبح شعره کله حتی ي 
أشد ساعات الثورة والجوع والانفلات إ 

وهي الوجه المقابل تماما لاقبال ! 

فهناك تكون أمنية الحياة هي « القلق » و «الحرق » والصراع الدائم والاشتعال ! 

وهنا أمنية الحياة هي المدوء المطمثن الوادع اللطيف . 

ولكنہما وجهان يسعهما الاإسلام معا » ور بسعهما القن الأسلامي ! ` 

فالاإسلام لا يلخي الفوارق الذاتية للنفوس » ولا يسعى لطبعها كلها بطابع واحد مكرور ! 
کلا ! انه حر یص على إبقاء السات الذاتية للناس ما دامت لا تصادم مفاهمه وقواعده 
وشروطه للحياة . أما السات النافرة أو المنحرفة فهو يروضما ويعدّها حتى تستقم على الهج .. 


ويتركها هناك ! 
وطبع إقبال الجامح .. وطبع الأميري الوادع .. كان بمكن أن يحرفا كلاهما عن 
الإسلام ! 
كان عكن أن ينقلب عند إقبال إلى رغبة في الصراع من أجل الصراع ! ورغبة في الانفلات 
من القيد .. أي قيد . 


وکان مكن أن ينقلب عند الأمبرى ي إلى هروب من الصراع 1 

ولکن « الاٍسلام » یعصم کل مهما من ذلك الانحراف . 

فيتحول صراع إقبال إلى صراع هادف .. يريد للناس أن يتحركوا في الحياة حركة حية 
حيرة » وأن يثبتوا دواتہم - لا عن طريق المعصية والشر - ولكن عن طر يق الالتقاء مع 
ناموس الحياة الأ كبر ومع ناموس الوجود . 

وتتحول وداعة الأميري إلى “ماحة روحية عذبة » ولكن مع عر عة وإصرار على مكافحة 
الشر وصراع الانحراف .. 

وبذلك يڪونان مسلمين » يسعهما الاأسلام > فيسعهما الفن الا سلاا مي .. وما وجهان 
متقابلان ! 


1 (۳) طاغور 
طاغور ليس مسلماً بطبيعة الحال ! 
والطابع اطندوكي واضح فيه شديد الوضوح . 
السماحة العذبة » والصفاء الروحى »> والحب الفياض .. الحب للحياة كلها وللاأحياء .. 
والفناء في الوجود الأكبر .. فناء المحبة والمودة والاخاء ! 
و .. كذلك السلبية ! 


۹۹ 


منهج الفن الإسلامي 

إلا في طاغور سابية عذبة ! فلطف روحه وصفاء سريرته وشعوره الفياض بالحب . 
وإعطاؤه نفسه کلها لکل شيء وکل إنسان .. يضنى على هذه السلبية عذوبة ! 

ولکنہا ما تزال - رغم ذلك - سلبية ! لا تحب الصراع ولا تطيقه . ولا ترى أن الشر 
مكن أن بقاوم بغير الحب والودة اي تغلبه ي الباية وتستميله إلى جانب الخير . 

حلم جمیل لا يتحقق بتحقق في كل حالة ولا ني أ كثر الحالات ! وحین لا يقحقق » فهر 
يثير ي نفس الشاعر الأسى والحزن .. ولكنه لا يعزف به عن سلبية طبعه » ولا يدفعه إلى 
معاناة الحباة الدافقة المشتعلة قي عالم الصراع ! 

وهو - قي هذا - لا يلتى مع الج الإسلامي ! 

ولكنه مح ذلك لا رج عاماً من دائرته ! 

فهناك نقط التقاء كثيرة بين طاغور وبين الهج الإسلامي .. نقط التقاء جزئية كلها › 
ولکنہا تکني لا مجاد روابط المودة بينه وبين هذا المج » بحيث يذ كر معه - ي حدود هذا 
الالتقاء ! 

يلتتى معه في شعور المودة والحب نحو الوجود الكبير والحياة والأحياء . 

.. والحب الجميل للإنسانية . 

ويلتي معه في دعوته الدائمة ئمة للسماحة والخير بين الناس » والانفلات من ثقلة الضرورة › 
والانعللاق إلى عالم الطلاقة والتور . 

وإن اخحتلفا بعد ذلك في طريقة تصورها للحياة » ودور الإنسان ي هذه الحياة ! 


رحلة إلى السوق 
اليوم ٺم تم بعد . والسوق الي على شاطى انر ما تزال . 
لقد حفت أن یکون يومي قد تبدد › واحر دراي قد ضاع . 


ولكن . لا . لا يا أحي . إني ما زلت أملك شيا » لأن حظي م يسلبني کل شيء . 
¥ # #* 


الآن انتهى الب يع والشراء 

لقد جمعت حصيلتي من الطرفين . 

واللان حان وقت عوردني الى البيت . 

ولكن ٠‏ أبها الحارس . أفتطلب ضريبتك ؟ 

لا خف يا أي . لأني ما زلت آملك شيا » فن حظي م يسلبني کل شيء . 


چ ¥ # 


ني الطريق إلى أدب إسلامي 


إن سكون الريح ينذر بالعاصفة . 

وإن السحب المتجهمة ي الغرب لا تبشر بالخير . 

والماء الساكن ينتظر الريح . 

أما أنا فأهرول لأعبر النهر قبل أن يدركنى الليل . 

ولكن يا صاحب المعبر » أقريد أن تطلب أجرك ؟ 

أجل يا أي » إني ما زلت أملك شيتاً » فإن حظي لم يسلبني كل شيء . 


3 # 3¥ 


وني ظلال الشجرة على جانب الطريق تربع الشحاذ . 
وا اسفاه ! انه يحدق ي وجهي وي عينيه رجاء وحياء ! 
أجل يا آي إني ما زلت ملك شيا ء فان حظي م بسلبني کل شيء . 


3# 3 ¥ 


لقد اشتد ظلام الليل › وأقفر الطريق » وتألق الحباحب بين أوراق الشجر . 
من عساك تكون يا من تتبعى ني خحطوات متلصصة صامتة ؟ 
آه » لقد عرفت . إنك ترید أن ترق می کل أرباحی . 

لن أخحيب ظنك ! ۰ ۰ 

لأني ما زلت أملك شيا » فان حظي لم يسلبني کل شيء . 

 #‏ س 

وصلت النزل عند منتصف الليل بيدين فارغتين . 

وأنت لدى الباب تنتظرين ني بقظة وصمت » وني عينيك شوق . 
وكعصفورة وجلة طرت إلى صدري » يدفعك حب نواق . 

آه يا اهي . إن شيئاً كثيراً م يزل باقياً مي . فان حظي م بخدعني ويسلبني کل شيء . 


إنها رحلة إلى السوق ولكنها رحلة في قلب ودود عطوف » يسع الكون بعطفه وسماحته › 
ويتجاوب ججاوب المودة مع كل شيء وكل شخص فيه » حتى مح اللص قاطع الطريق ! 
وهنا تبدو نقط الالتقاء مع الهج الإسلامي ونقط الافتراق ! فهي ماحة جميلة ولا 
شك . ولكنك تلمح فيا مع ذلك مشاعر غير «بشرية»؛ ! قد تعجبك لحظة وأنت حالم 


تسح ف الملكوت ء. ولکنہا ل ملا الاطار» الكامل للإنسان ا 


منهج الفن الاإسلامي 


وهذه قصيدة الحرى لطاغور : 
إن الطائر الأصفر يغبي على الفان فيرقص قابي فرحا .. 
نكن معاً في قرية واحدة » وهذا هو سر سرورنا جميعاً . 
نڃيء حمااها المدللان ليرعيا في ظل أشجار حديقي . 
وإذا ما ضلا طريقهما في حقل شعيري احملهما بين ذراعي . 
اسم قر تنا «١‏ حا جانا » ویسمون مرا «أنجانا» واسعي يعرفه الجميع : 
أا اها هي فهو «رامجانا» . 


ويقصانا حقل وأحد . 

فالنحل الذي يتجمع في حديقتنا يذهب ليبحث عن الرحيق أي حديقتهم . 
وأزهارهم الني تنساقط ني اهر يدفعها التيار إلى حيث نستحم . 

وسلال أزهار «الكسم» الجافة حلب من حقومم إلى سوقنا . 

اسم قر یتنا « خحاتحانا» وسمون ېرتا «امجانا ) وا ”مي بعر فد الجميح ¢ 

اا اسما هي فهو «رامجانا)» . 

إن الطريتق الذي يؤدي إلى منزا يعبق في أيام الربيع برائحة أزهار «المانجو» . 
عندما ينضج بذر كتانهم ويكون صالحاً للجمع يزهر القنب في حقولنا . 
والنجوم الي تبسم لكوخهم تبعث لنا بنفس النظرة التلاألثة . 

والأمطار الي علا أحو اضهم تنعش عندنا غابات «الكادام» . 

اسم قر یتنا « نحا تاتا » ویسمون مہرنا « اانا واسمي بعر فه الجميع 

اما مها هي فهو «راتانا» . 


إنها قطعة غزل لطيفة شفيفة عذبة . تعبر عن عواطف «إنسان » . إنسان يعيش بروحه 
ي هذه العاطفة ۽ لا کسده ء ولا بمشاعر اللحس الغليظة المتلمظة إلى متاع الحس القّر يب ! 
وفيا تلك الرفرفة المشعة الي تنقل الاإنسان من عالم الأرض الملحدود » وعالم الضرورة » إلى 


إا ١‏ لحظة » حب ٠‏ ولكنها وجود متكامل » لا تنفصل فيه عاطفة القلب عن الاحساس 
بالكون الكير > ووشائج المودة والقر بی لا تصل قلبه بقلب حبیبته فحسب »> بل تصل قلبه 


با لو جود کله ئي ذات الوقت بلا تعارض ولا انفصال . 


)٤(‏ سكينة بنت الحسين 


سهرت أعين ونامت عيون ني أمور تكون أو لا تكون 
إن ربا كفاك ما كان بالأممسس سيكفيك ف غد مايكون 

هذان بيان منسوبان لسكينة بنت الحسين رضي الله عنما" ؛ وقد كانت متصوفة 
تعيش من خلال التسلم المطلق لله » وتمتح كيان كله لله . 

وما بيتان فردان .. ولكنهما تاريخ حياة ! تاريخ حياتما النفسية كلها » ونموذج في 
الوقت ذاته للمشاعر الاسلامية تجاه الحياة »> وتجاه القدر » وتجاه الله ! 

إن كيرا من الناس بقضون حياتهم أي التوجس من الغد المجهول .. من أمور ١‏ تكون» 
أو « لا تكون» . ويصل هذا التوجس عند كثير من الناس إلى حد القلق المدمر الذي بتلف 
المشاعر ويفسد الحياة . هل یکون کذا ام لا یون ؟ وماذا إذا كان ؟ وماذا إذا م يكن ؟ 
ويقضون الحياة في هذه الفروض والتوقعات › يبددون طاقتيم ني القلق والتوجس » وهم 
لا بعلكون اليقين الذي يستندون إليه » ولا الحقائق الواقعية يواجهو نما ما تتطلبه من اعداد . 

والشاعرة المححصوفة › المسلمة الصادقة الاعان . تہاهم - من مجر با الخاصة - عن 
هذا القلق المفسد للحياة المدمر للاعصاب . وتهاهم - من هذه التجر بة الخاصة - بحقائق › 
تلقَّاها قلبما الكبير ني سياحته الى الله . 

فاذا يصنع أولئك الذين لا تنام عيونهم من التوجس والقلق والاضطراب ؟ ماذا يصنعون 
بقدر الله ؟ هل يخيرون شيئاً منه ! هل فف القلق والتوجس من وقع القدر أي حياتهم وأعصاب ؟ 

وأولعك الذين تنام أعينم > مطمئنين إلى الله »> مسلمين أمرهم إليه » متوكلين عليه . 
كيف تصنع الحياة بهم # هل بلكهم التسلم ؟ هل يضرهم الاطمئنان ؟ 

كلا ! إنه العكس ! فاولئك يدمرون اعصابهم »› ويعيشون الحياة ولا طعم لما في 
نفوسہم » ویبددون طاقتہم ي لا شيء .. بينا التسلم لله » وإن کان لا بغیر شيئ من أحداث 
القدر . فهو يغير طعمها ي النفس ! فلا تتہاوى النفس ي مهاوي الياس ولا تذهب حسرات ! 

وهذا اللإنسان الذي يتوجس اليوم من الغد المجهول فيفرق و مجزع ويضطرب أما واجهته 
بالأمس أحداث وأحداٹ ؟ كيف ا منہا وعاش ؟ أو ليس الله هو الذي کفاه ما کان 
الأمس ؟ أفلا يدع له كذلك ما یکون من آمر الغد فیکفیه إیاه کما کفاه ما کان بالأمس ؟ 

إنه هكذا الحس المسلم .. يسلّم الأمور كلها لله .. ويعيش ني رحابه متطلعاً إلى رضاه .. 
ويطمثن إلى رعايته > فلا يذهب التوجس القلق بامنه وطمانينته ي الحياة . 


موضوعها بصرف النظر عن قائلها . 


Y 


منهج الفن الإسلامي 
)٥(‏ ابن الرومي 
أذاقصني الأسفار ما كره الخنى إل وأغراني برفض الطالب 


فأصبحت ف راء ازمد زاھ وان کت ٤‏ الااثراء أرغب راغب 
ومن ن راح ا ذا حرص اوجن فانه ففير أتأه الففر من کل جانب 


تنازعني رغب ورهب .. کلاهما قوي .. وأعياني اطلاع المغاييب 

فقدمت رجلا رغبة في رغيبة وأحرت رجلا رهبة للمعاطب 

أخحاف عل نفضسى وأرجو مضازها وأستار غيب الله دون العواقب 

ألا مسن يريني غايستي قبل مذهي ٠‏ 0 ومن أين والغايات بعد المذاهب ! 

هذه الأبيات فما من دقة الوصف ما اشتهر به ابن الرومى ني الأدب العربي » فهى 
مزيته البارزة سواء أي وصف المحسوسات أو وصف المشاعر والخلجات النفسية الدقيقة . 

ولكنا ختارها هنا بصفة خحاصة لألما تلتى - ني البيتين الأخيرين منها - منهج الفن 
الاإسلامي ي تصویر موقف «الانسان » امام « الغيب » المجهول . 

إن الأبيات الأولى » على كل ما تحمله من جمال فى يتمثل ي دقة الوصف من ناحية ٠‏ 
وتي « سرد » الأحاسيس التتابعة كأنها قصة شعورية يحكبما لنا الشاعر »> فنتتيعها لحظة لحظة 
وشعوراً إثر شعور › حتی نلم مجزئياتہا جميعاً وقد اتخذت في حسنا مساحة أوسع واستجابة 
أعمق .. هذه الأبيات - رغم جماطا القني - لا تزيد على أن تكون وصفاً لمشاعر خاصة 
لاأنسان « ما » تصور طبيعة خحاصة ليست هى الطبيعة الإسلامية . فايحاءات التصور الاسلامى 
لا تدعو إلى كل هذا القلق » وإلى كل هذا التردد » وإلى إيثار العافية على المعخاطرة .. انبا 
طبيعة «ابن الرومى » خحاصة . الطبيعة المتوجسة المتوفزة القلمَة . 

حتی اذا قال : 

أاحاف على نفسي وأرجو مفازها وأستار غيب الله دون العواقب 

ألا من يريني غايتي قبل مدهي ٠0٠‏ ومن أين ؟ والغايات بعد المذاهب ! 

حتی اذا قال ذلاف »> نقلنا من تلك الحالة اللخاصة لاانسان ما ا «الاانسان » کله » 


وموقفه من الغيب المجهول والقدر المستور . 
وژ ھی نملة و أسعة 


هن تتبع الخلجات الخاصة لشخص معين نراه أمامنا على اللوحة .. ينفتح المنظر ف 
لحطلة > فإذا تحن تطل على رقعة فسيحة تشمل كل الحياة وكل «الاإنسان» .. واقفاً أمام 


° 


تي الطريق إلى أدب إسلامي 


ستر الغيب المسدل ء يحاول جاهداً أن تد ببصره الى ما وراءه » وأن يقرأ الصفحة الي تليه . 
ويظل يتطلع ني هفة وتشرف » حتى يدرك أن ليس إلى شيء من ذلك سبيل › وات الغايات 
بعد المذاهب » ولا عكن أن تكون خلاف ذلك . فهذه حقبقة الواقعم ليس ها من تبديل ! 

هنا ننتقل من الرقعة المحدودة الصغبرة المفردة > إلى الرقعة الفسيحة الى لا حتزول > لاثما 
تتصل بناموس الكون الشامل الكبير . ۰ 

وهنا كذلك نلتبي مع أحد المفاهي الإسلامية للكون والحياة والإنسان » وتلتيي با في 
نطاق الفن » فهى لا نجىء الينا مبلورة في صورة فلسفية › وا نما تجىء من حلال سجر بة إنسانية 
حية » ومن خلال وصف قفني لخلجات النفس » يبرز التجر بة بلغة المشاعر التضسية لا بلغة 
الذهن والتجر يد . ٠‏ 


ايا : منالقصَة دامس رة 


القصة والمسرحية - كالشعر . كالخاطرة > ككل ألوان التعبير - ينطبق علا الج 
الذي شرحناه من قبل . وتنطبق علا ا لحقيقة الي أشرنا إليها » وهي أنها لم توجد بعد - متكاملة - 
ي الأدب العربي . وإن وجدت منم بواكير تدل على الطريق .. ولا يسعنا هنا - ونحن 
تار الأمثلة من هذه البواكير - إلا أن نختار قصصاً قصيرة > تتناسب مح الحيز الماح 
للامثلة ني هذا الكتاب 

وقد احترنا هنا نموذجاً من القصة القصيرة . ثم اخارنا - لتفس الأسباب التي اخترنا 
من أجلها تماذح لطاغور ني الشعر - مسرحية لكاتب إيرلندي » تلتي التقاء جزئياً مع المج 
الإسلامي . 

٩ قصة ضرس‎ )١( 


كانت الساعة في يده تشير الى الثامنة والثلث » زفر زفرة ضيقة مكتومة » ساعة كاملة 
وعشر دقائق انطوت منذ جلس فوق هذا المقعد ‏ وأكثر من ساعة أخرى ضاعت هناك 
في الحجرة المجاورة في صمت الا نتظار الثقيل > كلمات النعظر ين الرتارة تشد أذئيه برهة . 
لہ تتو آفکاره في متاهات صمت ومتاهات حديث !.... وعاد ينظر يي الساعة الصغيرة 
لملتفة حول معصمه . لقد فات موعده معها منذ أكثر من ثلث ساعة » لا بد آنہا سثمت 
الانتظار وذهبت غاضبة ... وغام وجهه ... لمحه الطبيب ولكنه ظل هادئاً بعمل ثي توّدة : 
ملامحه الادئة لم تتغير وان كان طيف ابتسامة كسا قسماته الصارمة وغمغم بصوت خفيض 
عميق المدوء : 
- هانت ٠‏ م يبق الليلة غير دقائتق .. ثم تعود بعد عل , 
بعد غد ؟! الم ينته بعد ! مرة ثانية ٠‏ بل رابعة من اجل ضرس ! 
- الذهب أكبر قليلاً . وعصب الضرس حساس ما يزال .. سنضع له مادة مهدئة حتى 
بعد غد . ربا پستطيع وتا أن يقبل الحشو . , . 
- الا مكل ان ننتهي منه اللبلة - بينج مثلا ؟. لد الغيت اعمالاا كثيرة . ووقي مشحون 
- نحاول . لو استطعت أن تحتمل المواصلة . 
اسلف ب اسه يعيده ال مكانه على مسند لقعد ء وأذعن هو في ضييق .. 
- الى رأسه إل الوراء وقح فه ليواصل الطبيب عمله » ولي السكون الخم دارت الآلة 
من حجديد ... الات صخيرة كثرة . مدببة٣.‏ مستديرة > مستطلة . مبططة ›» مستقيمة › 


. لحميدة قطب من جموعة قعص قصيرة تحت الطبع‎ )١( 


ي الطريق إلى أدب إسلامي 


منحنية » لم يحصها » كلها دخحلت في فه تدور حول هذا الكائن الصغير الذي لم يعره اهاماً 
من قبل » بل نم يشعر بوجوده .. العرق يتصبب من وجهه ومن وجه الطبيب أيضاً رغم 
النافذتين المغتوحتين والمروحة الدائثرة في الركن البعيد ... وحدق ني وجه الطبيب يتأمله . 
ورانت على مشاعره سحابة اشفاق .. لكم هو مستغرق . ساكن الملامح › مجهد القسمات : 
الوقفة الطويلة » وفحيح الا لم المتصاعد من القدمين » وحنين الساقين المتعبين إلى لحظة استرحاء » 
تتصاعد ي حطوط صامدة وتحفر مكالا على صفحة الوجه الصلب المياسك القسمات . 
یداه لا تکفان » وعیناه أيضاً وقدماه . حفر » ينظف » يقیس » ثم يحفر من جديد » نظف 
من جديد » يقيس من جديد » ثم يعود ويعود ويعود » لا بعل ... الآلات هناك تلا الصوان 
الصغير » وهنا حول المقعد وعلى الرف الرخامي الصغير وار الصنبور » لا مل الترداد بين 
هنا وهناك وهناك .. كم آلة أمسكتما يده » وكم آلة أدخحلها في فه » ثم عاد فأدحل غيرها 
وغيرها » ثم أعادها من جديد » لم يستطع أن يحصيا » ولكن هذا الرجل الصابر بغير حد 
م يمل !! 

حين أدخحل قطعة الذهب الصغيرة أي الحفرة الصغيرة الي جهدت ني حفرها الآلات 
صرخ بغير وعي .. أحس كان خازوقاً ضخماً قد انحشر ي فه » ي لحم هه » بل ي 
أعصاب عينه » حجل من نفسه وأمسك باهته وابتلعها .. حاول من جدید أن بغلق فه › 
ولكن الصرحة كانت أسبق من قدراته .. لا »> مستحيل ! 

وأجاب الطبيب بي هدوء ` 

- لا بد من وقت يستر يح فيه العصب ليطيقه .. لندعه أياماً أخرى .. 

يجرب ذلك أبداً من قبل › لم یعرف کیف تکون آلام ضرس وحین كانت أخته 
تألم مرات أمامه لم يكن ملك التصور .. منذ متى تعيش هذه الكائنات الصغيرة داحل فه 
ني صمت ! تتحرك فيه كل لحظة › دون أن تشعره بوجودها ! وهو يأکل . وهو یشرب » 
وهو يتحدث ويضحك لاهیاً » بل حتی حین یبتلع ریقه » وحتی حین همس بینه وبين 
نفسه !.. کان مشغولاً عنہا بکبریات الأمور !.. لم بفکر فیا قط ولم يعرها اهناماً حتی 
كان ذلك المساء حين أعلنت بكل جبروت عن ضخامة وجودها ! ني ذلك المساء كان مشرق 
القلب كعادته حين يكون ني السہرة الصاخبة وسط الشلة ء بين مرح الأصدقاء والصديقات . 
وكان الطعام لذيذاً باسمً » والحديث يدور متفتحاً كزهر الربيع » كلهم شباب » كلهم 
مثقفون » بعضم أدباء وشعراء وصحفيون » تجمعهم ليلة الجمعة يتحادثون ويتناقشون ف 
أعظم أمور الكون » يسعدون ويستمتعون ويلهون . 

كان حديثهم تلك الليلة متشعباً كالمعتاد » ولكن هبوط الانسان فوق القمر قد استغرق 


¥ 


منهج الفن الاسلامي 


معظم الاهتام . ومن ثنايا الحديث كانت سعاد تم تفوح بانتصار الإنسان وبقدراته الباهرة .. 
محمود فقط من بینہم کان واجماً »> أساءه دون شك أن بكون أول هابط على القمر أمر يكيا . . 
أما فر يد فكان منتشيا للغاية »› لقد هتف بحياة الإنسان وبحياة أمريكا » وكادت مشادة 
تنشب بینه وبين محمود لولا أن تدحلت سامية قاصلحت ينما . واعتذر فر ید قاقلا إنه 
عزح ليغيظ محمود !.. حذت سامية تقر عليهم مقدمة كتاب عن المرأة بدأت تي تاليفه 
بعنوان (الزمن لن يعود إلى الوراء) .. اعترض مصطفى على بعض الجحمل قائلاً پا تعد 
صريح على الته » وانطلق محسود يدافع عن الفكرة بحرارة ويشجع سامية على المضي يي 
الكتابة ! 

لم يكن ي حديث سامية ما يرفضه الفكر جر . ولکن مصعشی ۽ رم د كانه الواح 
تعيش في قلبه أفكار رجعية كثيرة » كان يوما ما ينتمي إلى جماعة دينية » وابواه ما زالا 
عضوین فہا .. لقد استطاع أستاذه الكبير رئيس التحرير أن بستل من رأسه الكثر من تلك 
الأفكار خلال سنوات عمله الخمس معه . ولكن قلبه ما يزال متلبساً با !.. ولكنه أخيراً 
تزوج من صديقته علياء . لسوف تعدل بقية أفكاره دون شك .. كانت معه ني تلك الليلة .. 
لكم كانت رائعة » فستالما الأزرق الدا كن المفتوح فوق بشرتما البيضاء كان فتنة الليلة . 
كانت هذه هي أول مرة تحضر ندوة اللأدب هذه وهي زوجة لمصطفى > العبون كانت تلمها 
بشره . أما مصطفى فقد ارتسمت على وجهه سحابات من صراعات دفينة » مسحة حجل ٠‏ 
انتفاضة غيرة » ضيق تكسوه ابتسامة فرح ونشوة » کان اضطرابه ينم عن محاولته الي لا 
تكف لدفن أفكاره القدعة » ليستقر ني فكره الجديد وليبدو إنساناً متحضراً . 

وحين التف الحميع حول المائدة كانت أصوات ضحکاتہم أعللى من صخب الأدوات 
المعدنية في أيديهم » كان الطعام شياً ووجه علياء وصوتًا الناعم أشهى وهي تتيه ني دلال 
العروس . فقد كانت الليلة كلها احتفاء بزواجها عصطفى . وكانت النكات الخبيثة المداعبة 
تتراشق من هنا وهناك فتتلقاها مشرقة بروح مرح » وكان المرح اللاهي علا الجو كله ويحملهم 
فوق الواقع وفوق متاعب العمل وأثقال الفكر وصراعات العش . 

فجأة . أحس كأن شيئاً هائلاً قد تحطم داحل فه وهو بعضغ قطعة من اللحم البارد . 
على إثره انطلق الم مزعج .. كان الذي تحطم هو احد جدران ضرسه الاخير » ابعد ضرس 
ي فه . ولم يستطع أن يكمل الطعام . ولم يستطع أيضاً أن يكمل حديثه » حاول أن خمد 
الألم بكل طريق ولكنه لم يفلح فغادر الأصدقاء عائداً إلى البيت . 

كان الوقت متأخراً فلم جد طبيباً تلك الليلة » قضاها ليلة مبرحة صاخبة الألم »> كل 
السكنات الي علكها لم تفلح ني هدهدة العاصفة الي أطلقها ذلك الكائن الصغير الصامت 
دوماً » انطلق كال مارد الجبار يصل صليل الأفعى » كالوحش المائج يحطم رأسه معلتاً وجوده 


۲۰A 


ي الطريق إلى أدب إسلامي 


وجبروته .. منذ سنوات انبعشت ني ذلك الموضع البعيد من فه الام خفيفة هادئة > على إثرها 
نبت هذا الكائن الصغير وتا في يسر ورفق واستقر هناك وسكن » ونسي هو آنه هناك . 

ولأول مرة يدحل عيادة طبيب الاسنان » وجهه الضاحك دوماً كان يحمل اثار ليلة 
قارسة » عيناه ذابلتان تحت مطارق الألم الموجع »وفه المشرق البسمة بدا سا كناً منطفئاً يضم 
شفتيه على عالم جديد » غريب ! لسانه الطليق »› المشهود له بفصاحته لا ملك اخحراج الكلمات 
المزيلة » عاجز عن كل حركة كان ابرة رفيعة مسمومة قد اخارقته حتى اصوله › تورم واحتقن 
وغدا هو الآخر قطعة من العذاب . كل شيء قد تبدل إلى عالم غريب كأنما مسته يد شيطان 
مارق .. كل هذا من أجل قطعة صغيرة من جدار ضرس ؟! لم يكد يصدق ذلك الأمر 
العجيب ! 

ومشى إلى عيادة الطبيب مطأطي الرأس » لأول مرة ! كانت جلسته الأولى عند طبيب 
الأسنان بالغة الازعاج له » ساعة كانت أو تزيد » آلات عديدة لم يحصها تناوبت الدخول 
ني نمه المفتوح بغير حراك » الة الحفر الرتيبة الصوت تحفر وتحفر كأنما تغوص لي أعماق 
جبل ! وينقل الفضلات فإذا هي ذرات قليلة من غبار .. ويعود الحفر من جديد » وتتناوب 
الآلات الصغيرة عملها في العام الغريب ! 

ألم لا يوصف مور . لا يكاد يطيقه » خيل إليه أن فه ردهة واسعة الأرجاء مجول فيا 
معول » يحطم كل شيء ويغوص إلى أعماق بعيدة » وتجسمت الصورة أمامه حتى ملأت 
الفراغ .. حاول مستميتاً أن يستعيد شعوره بالحقيقة ! حاول أن يتخيل ضرسه الصغير ني 
تجو يف فه الصغير بي راسه الصغير ! حاول بلا جدوى » صورة الردهة الواسعة العميقة الغور 
ملا عينيه المغلقتين » وطنين آلة الحفر يصم أذنيه !.. أما هو ذاته » فقد بدا أمام بصره المخمض 
صغيراً » ضثيل الحجم كأنغا ابتلعته الردهة الواسعة الغائرة ! حتى طبيبه المفرط الطول بدا 
مغرقاً ني الصغر وغارقاً ني اجهاده » وتحت قطرات العرق الي تتصبب من وجهه !.. لا 
شيء کبیر غير فه » غير رأسه . غير ضرسه العملاق ! 

وعجب » كيف لم يشعر به من قبل ! وهو يأ کل » وهو يشرب » وهو يتحدث » وهو 
يبتلع ريقه ! وهو يفكر في ضخامة الاإنسان وقدراته الباهرة !.. کیف ل يبه له وهو یشق 
طريقه ي ثنايا اللحم السا كن في صمت ليستقر شامخاً راسخاً في طمأنينة عجيبة دون أن 
تلحظه عين أو يأبه له شعور » هذا العملاق الذي بدل حياته !! كل لحظة هو هناك في 
أعماق فكره محو كل فكر سواه ! كل لحظة هو هنا في فه . في شعوره » ي أعصابه › 
ي كل رأسه وجسده » كل حركة هو فما » هو معطلها » وهو يطلق الام حولما كأ نما هو 
الحياة » كأعا هو أضخم ما في الحياة ! كأنعا هو مسير الحياة ! لا بعلك أن يقضم طعاماً : 
لا يستطيع أن يبتلع شراباً » بل لا يستطيع أن يبتلع ريقه أو يحرك لسانه ليخرج الكلمات » 


۰۹ 


منهج الفن الأسلامي 


شامخة كقدرة الإنسان !! حتى الصمت .. لم يعد ملك الصمت » لأول مرة مجده عبعاً 
ثقيلاً ! لأول مرة ينوء بحمل لسانه ي مه : يود لو يرفعه من هنا ليضعه هنا . بل يود 
لو لم يكن هنا !.. والكلمات ! ما أعجز هذا اللسان عن حمل الكلمات » الكلمات الي 
تاه بها وحمّلها ني طلاقة شامخة كل اعجابه بعظمة الإنسان ! 

وعملية الطعام !! ما أشق عملية الطعام وما أعقدها ! كيف لم يفكر ي هذا الأمر 
العظيم من قبل وهو يلوك طعامه ي عجلة ولي نشوة ثم ينطلق إلى أفاق الحياة . 

وخرج من من آفكاره على صرخة ألم في أعماق الموة ي قلب الضرس » لقد حاول الطبيب 
من جديد أن يضع قطعة الذهب الصغيرة لتقبع ني الحفرة الي صنعنبا الآلات ثي ساعانما 


الطويلة ! 
کلا یا دکتور .. لا عكن أن تحتمل .. كأن خازوقاً بشعاً قد انحشر ي في » في أعصابي ٠‏ 
رأسی کله . 


- إذن لا بد أن نعود إليه بعد أيام »> حتى بدأ العصب . 
في الطريق » عنى أن يعود إلى البيت › وتراءت له منى هناك حيث اتفقا على اللقاء .. 
عيناها السوداوان الواسعتان كأ نما تحدقان فيه . تعتبان .. ونظر ي ساعته » لقد تأر الوقت 
كثيراً » لا عكن أن تظل هناك .. وغمرته راحة مفاجئة »> وقرر أن يعود إلى البيت » يتوق 
آن يستاټي هناك في سریره وحده » مع نفسه ۲ منذ مت م لتق بنفسه | 
وقرر أن یسیر على قدمیه » فخطوه ه الدائب ير بحه کأن وقعه موسیقی رخية تدا اعصابه 
على دقاتها .. الطرقات المفعمة بالضوء تصدم عينيه » تصد فكره وتقلق روحه .. واخترق 
طريقاً > وطریقاً » وانحنی مع ثالث . ثم استقام أي الطريق المادئ على النيل .. 
کم يتوق لأن جد نفسه .. مفة غاثرة » غامضة في أعماقه .. وحدق في المياه . في 
ظلمتہا الدا كنة الرهيبة ء ما أشد أغواره البعيدة بأغوارھا إ ظلمات كشفة دا كنة ترقد هناك 
وراء فرحة الحياة الظاهرة .. وراء الصباح المشحون بالعمل بين طنين الما كينات الضخمة › 
بين الزملاء والزميلات والأخبار والأوراق والحركة الدائبة »> ووراء الأمسيات اللاهية الغنية 
بالأمنيات .. وراء وجه منى المشرق بفرحة الرجاء ووراء كل تطلعاته واشراقة الوجود في 
قليه » هفو الآآن » لا يدري لاذا لأن يغوص ني هذه الظلمات ويغرق أي سرها الدفين ويلتف 
في حناياها البعيدة ني لحة الغموض .. يغمره الحنين إلى ... لا يدري .. لا يذكر » كأن 
ماضياً سحيقاً يرقد في ظلمة الغموض . لا يعرف كه » لا ميز لونه »> ولكن حنيناً شجياً 
یشده اليه . 
وجه جدته ٠‏ لي بينهم القديم الواسع ني الحلمية يتراءعى له .. لماذا الآن ولم يتذ كره 
منذ امد بعيد ؟ ابيض ساطع البياض حوله شعر أبيض مهيب »> مجلس على سجادة صغيرة . 


1° 


في الطريق إلى أدب إسلامي 


ي طرف حجرتہا تهمهم بشيء لا يفهمه » رهيب مهيب يقشعر له جسد ه الصخير »> ولکنه 
يظطل مشدودا إليه يسمع ويسمع .. وحجرات البيت الواسع وحديقته وهو يلهو بغير حرج .. 
وقتها كان حط حياته الطويل هذا غارقاً في أعماق المجهول .. هل كات هو › هو ذاته الذي 


هو الآن ؟! کان جداراً سمیکاً یفصلھما وکأنه بثاء سام وبغر حلور واحس أنه ید » 
وعلى مقعد من هاته المقاعد المستطيلة الحناثرة على الكرئيش » ألقى مه الخائر ني استلقاء 


مر یح وتنېد ي عمق .. وفي لحظة كالبرق مر وجه أمه أمام ناظربه ثم أسرع الخطى .. 
يوم غادرہم ي الرحلة البعيدة بغير عودة كان هناك . لم يكن يدري شيا » ولکنه أصر 
ن يراها وأن يرقد بجوارها وأن يقبلها . ولم يكن يدري أنہا لن تعود »> کل ما کان يفزعه 
هو اصوات العويل ٠‏ والوجوه الفزعة اللاهتة الواجمة » وحركة البييت الرهيبة المفاجثة . 
م يكن جاوز الرابعة بعد ء ولكن وجهها المسبل الحفتين محفور في ذا كرته » وصورة الحجرة 
وهم یہدلون فراشہا بفراش جديد بعد الرحيل .. 

وعاود المسير .. وقع حطاه يبدو رهيباً قي ضوء الطريق الخافت ء وصوت الياه بطن 
في دأب لا يصمت . والأغوار الداكنة تمد أذرعها إليه .. قشعريرة تجتاح رأسه » وجسده .. 
تری أُیظل یسیر ؟! 

بعد غد سیکون لاء « الشلة» .. سیکون هذه المرة ف بیت مص طفی .. مصطفی ؟! 
منذ حمس سنوات كان مصطفى إنساناً آخحر » يذ كر أول لقاء به يي المحجلة » كان ذلك 
ي مکتب ریس التحریر » کان شاباً وسیماً » ملامحه یغشیها حیاء رقیق .. ضحکوا منه 
جمیعاً فیما بعد وکانوا یسمونه الشیخ مصطفی ! ولکنه کان - بغیر شاف - ألطفهم حساً 
وأرفعهم أخلاقاً .. مرات كثيرة تحدث معه عبد الله > وفي هذا المككات سارا معاً في إحدى 
الليلات واستغرقهم الحديث ٠‏ كان حديثه مفعماً برطوبة حلوة ولکته جادله بعنف .. يکاد 
يذ كر الكلمات » قال هو : ليس لدينا وقث نضيعه لي النظر إلى اللخلف »> وأجابه مصطفى 
بکلمات حار کأنہا نبض موسیقی هزت قلبه حینہا ولکنه طمرها . لا یذ کر کل حدیثه › 
ولکن بعض کلماته ما زالت تنقر في مشاعره » قال : لن ننظر الى العخلف . ولكن ننظر 
في أعماقنا » ننظر حولنا > ننظر ني السماء وني دكنة هذه المياه وننظر في قلوبنا .. كان صوته 
منہدجاً وکانت کلماته ذات رنين حلو » ولکنہا تاهت ني اللجة .. . تي أعماقه ترقرق حنين 
غامض > لأشياء كشرة .. بم القديم ووجه حجلاته الساطع البياض ء وجه والدته المسبل 
ا لجفئين » وخحط ذ كر يات طويل وحنين حر مجهول السمت .. وأحس برغية للأن يلقى مصطفى . 
وطافت بقلبه صورته ني آنحر لقاء » يده ي يد علياء ٠‏ وفستانہا الأزرق اللاصق ببشر تا 
البيضاء وعلى صفحة وجهه ابتسامة مضصطر بة تصارع رؤوساً تطل من الأعماق ثم تغيب .. 
كلا .. ليس ذاك .. إنه هفو أن بلقي بعصطفى .. ذلك الذي كان قيل أن يغمره الطوفان ... 


۲۹1۹ 


(۲) الراكبون إلى البحر 


ولد جون میلینجتون سینج في دبلن سنة ۱۸۷۱ وماٽت سنة ۱۹۰٩‏ ي مقتبل شبابه - 
ولم للف إلا ست مسرحيات من بينها - وأعظمها - هذه المسرحية : «الرا كبون إلى البحر » 
Rides to the sea (‏ ). ويضعه يعض النقاد في قمة المؤلفين المسرحيين باللغة الااتحليزية . 
وقد اخترناه تي نماذج الفن الإإسلامي - وهو غير مسلم - كما اخترنا طاغور في نماذج 
الشعر من قبل » لأنه ‏ كما قلنا - باتني التقاء جزثياً مع المنهج الإسلامي . 
ان المسرحية تصور ما ققدت من قبل خحمسة من أبنائها .. ذهبوا جميعاً الى البحر ولم 
يعودوا .. ولم يبق إلا ابنها السادس والأخير . وتصوره المسرحية ذاهباً هو الأخحر تي رحلة 
الى اليحر . منطلقاً کالسہم .. الى حتفه ! لا يصده شيء ولا يقنعه شيء بالعدول عن ريه . 
إنه ينطلق كالقدر .. لأن القدر هكذا أراد ! 
وتفقد الأم انيا السادس والأخير .. الأم المحزونة الموهونة الغائبة في الالام .. ولكنما 
ي هذه المرة تستريح ! لقد سلمت البضاعة كلها عن آخرها ! لم يعد لدا ما تفقده ! وعندئذ 
تلجأ إلى الله .. الذي سلمته وديعته كلها .. تلجأ إليه تلتمس عنده وحده العزاء والسلوان ! 
والمسرحية تحمل طابعاً مسيحياً واضحاً شديد الوضوح - بقدار وضوح اهندوكية قي 
طاغور ! - المسيحية المتصوفة اللاجثة إلى مهرب الروح ٠‏ ترب إليه من جحي الألم أي عالم 
الأنسان .. ولكنها - كشعر طاغور - تلتقي مع الهج الإسلامي ني نقاط : ' 
فهذا التسليم إلى الله .. وهذا اللجوء إليه .. والشعور بالموت على أنه رد الوديعة إليه .. 
والتاسي والصبر .. والرضاء «بقدر» الله .. كلها جوانب تلت مع منہج الفن الإسلامي ٤‏ 
وإن اختلف الطريق بعد ذلك في طريقة تناول الحياة ! 


أشخاص المسرحية 
مورا : امرأًة جور : 
بارتلي : ابنہا . 
کاتلین : ابنتہا , 
نورا : ابتہا الصغرى . 
رجال ونساء . 
المنظر : جزيرة على مسافة من غرب أيرلنده . 


1۲ 


ي الطريق إلى أدب إسلامي 


[ مطبخ أحد الأ كواخ ٠‏ ترى فيه شباك صيد . وقطع من الشمع . وعَجَلة غزل . وألواح خشبية جديدة مسندة 
الى الحاثئط .. الخ . « كاتلين » فتاة تناهز العشرين من عمرها . تفرغ لنوها من عجن كعكة وتضعها ثي وعاء على النار . 
ثم تمسح يديما وتأحذ في إدارة المغزل . «نوراء فتاة صغيرة ٠‏ تطل من فتحة الباب] . 

نورا [ ي صوت خفيض] : ين هي ؟ 

كاتلين : انها مستلقية قي فراشہا . أعانما الله . ور يما كانت نائمة .. إن كان ذلك ثي 
استطاعتہا . 

[تدحل نورا في هدوء » وكغرج لفافة من تحت شالفا] . 

كاتلين [تدير المغزل في سرعة] : ما هذا الذي معك ؟ 

نورا : لقد أحضرها القسيس الشاب . إلا قميص وجورب (سادة) انتزعا من جثة 
غريق لي دونيجال . [كاتلين تترقف عن الغزل بحركة مفاجئة وتمد رأسما لتتسمع ] علينا أن نعرف 
هل هي من ملابس «میکل» ؟ لا بد آنا ستذهب بنفسما بعد فترة لتبحث بجوار البحر . 

کاتلین : کیف کن أن تکون ملابس میکل یا نورا ؟ کیف ممکن أن یذھب کل 
هذه المسافة إلى الشال ؟ 

نورا : يقول القسيس الشاب إنه يعرف حالات ممائلة . وهو يقول : «إذا كانت هذه 
ملاس ميكل » فتستطيعين أن بر يها أنه دفن مدفناً طيياً > برحمة من الله . وإذا م تكن 
هذه الملابس له فلا تذ كروا شيئاً عنما » فإنها ستقتل نفسما قتلاً بالبكاء والعويل » . 

[الباب الذي واربته نورا ينفتح على مصراعيه بقعل الريح] . 

كاتلين [تنظر إلى الخارج بقلق] : هل سالته إن كان سيمنع بارتلي من الذهاب اليوم بالخيل 
إلى سوق جولويي ؟ 

نورا : لقد قال : «لن أمنعه » ولكن لا تخافوا . إلما تقوم الليل بنفسا تصلي . ولن يتركها 
الله العلي القدير محووجة »> دون أحد حي من أولادها» . 

کاتلين : هل البحر هائج عند الصخور البيض يا نورا ؟ 

نورا : هائج إلى حد ما . والأمواج تزأر بشدة ي الغرب . وسيكون الأمر أسوأً حين 
يرتد المد في امجاه الر يح [ تذهب إلى المنضدة باللفافة] هل أفتحها الآن ؟ 

کاتلین : رما تصحو الان وتفاجئنا قبل أن ننهي [تنجه نحو النضدة] وسوف نظل قترة 
طويلة نبکي . 

نورا [تتجه إلى الباب الداخلي وتنصت] : إلا تتحرك ي فراشہا › وستكون هنا بعد لحظة . 

کاتلین : أعطيني السلم الخشي » وسأضعها تي مخزن الوقود » فلا تعلم عنها شيثا أبداً . 
وحين يعود المد فر با تذهب هي إلى الشاطئ لترى إن كانت جثته قد طفت من ناحية الشرق . 

7 يضعان السلم الخشي تجاه سقف المدختة . تصعد كاتلين بضع درجات ولحي اللفافة قي مخزن الوقود . تدنحل 
موريا من الحجرة الداخلية] . 


1۳ 


منهج الفن الاأسلامي 


موريا [ترقع بصرها نحو كاتلين وتتحدث متسائلة] : اليس لديك من الوقود ما يكفيك هذا 
النہار والمساء ؟ 

كاتلين : هناك فطيرة على النار تحتاج إلى فترة لكي تنضج [ تلني بعض الوقود] وسيحتاج 
إليها بارتل حين يعود الم إذا كان ذاهباً إلى كونيمارا . 

[ نورا تلتعط حزمة الوقود وتضعها في النار حول الفطيرة] . 

موريا [ جلس على مقعد صغير بحانب النار] : لن يذهب ني هذا اليوم والريح تهب من الجنوب 
والخغرب . لن يذهب اليوم فسوف عنعه القسيس الشاب لا محالة . 

نورا : لن عمنعه یا أماه . وقد معت إ عون سيمون وستيفن فيي وکو لم يقولون إنه ذاهمب 

موريا : وين هو ؟ [ Î‏ 

نورا : ذهب ليرى إن كانت هناك سفينة أخحرى مبحرة لي هذا الأسبوع . وأظن إنه 
لن يغيب كثراً » وأنه سيكون هنا بعد قليل » فالمد قد بدأ يعود عند الرأس الأحضر » و سفينة 
الصد ا الشرف . 

: اسم أحداً ر يعبر الصخور الكبرى . 

نورا ا رار : انه قادم الآن . وهو ني عجَلة . 

بارتل [ يدنحل . يدور بنظره قي الغرفة . يتكلم في أسى وهدوء] : أن قطعة الحبل الحديدة 
یا کاتلین التي اشتریناها من کونیمارا ؟ 

کاتلین [تترل] : أعطبه له يا نورا .. إنه على مسمار بجوار الألواح البيض . لقد علقَحه 


هذا الصباح لأن الختزير ذا القدم السوداء كان يقضمه . 

نورا [تعطيه الحبل] : اهو هذا يا بارتل ؟ 

موريا : إنك تصنع معروفاً بترك هذا الحبل يا بارتل معلقاً مجوار الألواح بارتلي يأحذ الحبل 
إته لازم في هذا المكان › وها أنذا أخبرك > إذا ظهرت جثة ميكل غداً صباحاً » أو بحد 
غد » أو أي صباح ني هذا الأسبوع . فسوف نحفر له قبراً عميقاً بإذن الله . 

بارتلي [يبدا في العمل بالحبل] : ليس معي لحام أركب به الحصان ولا بد أن أذهب الات 
ثي الحال . فهذه هي السفينة الوحيدة المبحرة خلال أسبوعين أو أكثر » وستكون السوق 
سوقاً جيدة للخيل » هكذا معتهم يقولون هناك . 

موریا : سيقولون كلاماً قاسياً هناك إذا ظهرت ابلثة ‏ وليس هناك رجل ليصنع التابوت ٤‏ 
بعد أن اشر بت له أجود الأحشاب الييض الي مجدھها في كونيمارا . [تنظر ناحية الألواح ] 

بارتلي : كيف کن أن تقظهر ونحن نبحث كل يوم لمداة تسعة أيام > وهتاك ريح 
شديدة نهب من الخرب والحنوب ؟ 


Y\4 


ي الطريق إلى أدب إسلامي 


موريا : افرض أننا لن جدها . ولكن هذه الريح تجعل البحر هائجاً . وهناك نجمة بجوار 
القمر > وهي ترفع المد في الليل وبيج البحر . لو كانت مئة فرس أو ألف فرس تحصل علي 
هناك .. ما قيمة ألف فرس في مقابل ابن » إذا لم يكن هناك غير هذا الابن ؟ 

بارتلي [يصنع اللجام » لكاتلين] : عليك أن تذهي کل يوم لتقا كدي أن العم لا تأكل 
الشعير > واذا جاء التاجر فتستطيعين أن تبيعي الختز ير دا القدم السوداء . اذا وجدت سعراً 
طياً. 

بارتلي [لکاتلین] : ذا استمرت ري اقرب مع ليالي القعر الأخيرة فعليك أن معي 
أنث ونورا ما يكن من الحشائش . ستکون الأمور صعبة مث اليوم وليسر الا رجل واحد 

با : ستكون الأمور صعبة حقاً حين تغرق أنت مع الباقين . كيف أعيش والبنتان 

7 بارتلي يضح اللجام ‏ ومحلم سترته القدبعة ويليس أخرى من نوعها ولكما أحدث] . 

بارتلي [لنورا] : هل هى قادمة الى الميتاء ؟ 

نورا [تنظر إلى الخارج] ٠‏ لقد مرت بالرأس الأحضر وحلت شراعها . 

بارتلى [يأحذ محفظته وعلبة طباقه] : سأ كون هناك ي ظرف نصف ساعة » وستروتي قادما 
مرة أحرى حلال يومين » أو ثلائة » أو رعا أربعة إذا ساءت حال الريح . 

مور يا [ تتجه نحو النار وتضح شالہا على راسا] أليس رجلا فظاً قاساً داك الدي لإ يست مم 
لكلمة واحدة من امرأة عجور وهي عنعه من الذهاب ای البحر ؟ 

کاتلن : اا الحباة با لتسة للشباب أن يذهب ال البحر . ومن دا الذي يستمع إلى 
امرأة عجوز وهي تقول نفس الشيء مرة بعد مرة ؟ 

ارتل AED‏ سارك الرس الحمراء ۽ وجري 

وريا تصن رن بالباب ] : لد ذهب الکن . فلير حمتا الله ول راه رة رى لقد 


ذهب الآن » وحين يسدل ستار الليل الأسود فلن يكون قد بتي لي ولد تي هذه الدنيا . 


پا ا ی اا ا ی ملا ایت إل شبته کلمة تة م وران کلمد قار 
ني أذنه ؟ [موريا تمسك باللقاط وتحرك النار بلا هدف دون أن تنظر حواليها] 

نورا [تلتفت نحوهاع] : انلك تبعدين التار عن الفطيرة . 

كاتلين [صارحة] : عفوك يا رب . نورا » لقد نسينا فطيرته . [تذهب إلى الفرن] 


۲10 


منهج الفن الاأسلامي 


نورا : ولك من جوع جين يحل اليل ۽ وهو لم كل شيت منذ طلست الشمسن 

كاتلين [ تج الفطيرة من الفرن] سہلك حا لا کن آن پبقی عقل ي رس أي واحد 
ني متزل فيه عجوز لا تكف عن الكلام [موريا تل بنفسها على مقعدها] , 

كانلين [نقطه جزءأ من الفطيرة وتلفه ي قطعة القا لموريا] : فلتذهي الان إلى النبح 
وتعطه هذه حین مر هناك . ستربنه عندئذ . وتبطل الكلمة المشئومة › وتستطيعين أن 5 تقولٰي 
له «أعادك الله الينا سریعاً ١‏ فیسار یح ناله . 

مورا اعد ية | : هل أستطيع أن أصل هناك حين يصل هو ؟ 

کاتلىن : ادا ذهيت الآن ریا 

موريا [تقف مترنحة] : إلا لمهمة شاقة علي أن أمشي : 

“-كاتلمن [تنظر إلا قلقة] : أعطبا العصا يا نورا » والا انزلقت قدمها فوق الصخور الكبيرة . 

نورا : أي عصا ؟ 

کاتلین : العصا ال جاء بہا ميکل من كونيمارا . 

موريا [تأحذ العصا اتي تعطببا إياها نورا : ي الدنيا العريضة كلها بخلف الكبار وراءهم 
أشياء لأبنائهم وأطفالمم . أما ني هذا المكان فالشبان هم الذين بخلفون الأشياء للكبار . 

[ حرج في بطء . تصعد نورا على السلم] . 


كاتلين : انتظري يا نورا . فقد تعود سريعاً . إلا امرأة أكلها الحزن . كان الله في 
عا ا لین ات تر اي شيم تمل 
را : هل عدت الشجرة الصغيرة ؟ 
کاتلن 7 تنظر إلى الخارج ] : لقد ذهبت . ألقيما بسرعة ٠‏ فالله وحده يعلم متى تخرج مرة 
اخری , 
نورا[ تحضر اللفافة من المخزن] : لقد قال القسيس الصغير أنه سیمر غداً > وان علينا أن 
نذهب اليه ولخبره ان كانت ملابس ميکل حقاً . 
کاتلين [ تناو الفافةع : هل قال كيف حر علا ؟ 
نورا [تتزل] : قال : «لقد كان هتاك رجلان مجدفان قبل الفجر > فاصطدم حداف 
اید هیا بالحثة بيا كانا يعبران مجوار الحرف الأسود هناك في الشال» . 
كاتلين [ تحاول فتح اللفافة] : ناولیني سکیناً یا نورا . لقد بلي الخيط من الماء الملح » وفيه 
عفدة لا تنحل ي آسبوع . 
نورا [تناوها سكينأً] : سمعتهم يقولون إنہا مسافة طويلة إلى دونيجال . 
كاتلين [تقطع الخيط ] : إنها طويلة حقاً . لقد كان هنا رجل منذ قليل - وقد باعنا هذه 


۲۱٦ 


في الطريق إلى أدب إسلامي 


السكين ‏ وقد قال إنك إذا مشيت من عند تلك الصخور هناك . فانك تصلين الى دونيجال 
بعد سبعة أيام . 

نورا : وكم يأخحذ الرجل إذا كان طافياً ؟ 

[ كاتلين تفتح اللفافة ومحرج قطعة من قميص وفرد جورب . تنظران السا بلهفة] . 

کاتلین في صوت خفيض] : فليرحمنا الله يا نورا ! اليس عجيباً أن نقول إن كانت هذه 
ملاسه حقاً ؟ 

نورا : سأحضر قميصه من المشجب لنقارن بين هذا القماش وذاك . [تنظر في بعض 
املابس المعلقة ي ركن الكوخ] ليس فا قميصه يا كاتلين ء فأين ذهب ؟ 

كاتلين : أظن بارتلي ارتداه ي الصباح إذ كان قميصه ثقيلاً من الملح [ تير إلى الركن ] 
ها هي ذي قطعة من الكم كانت من نفس القماش . ناوليني هذه وهي تكن . [نورا تحضرها 
إلیہا وتقارنان القماش] إ لہا من نفس القماش يا نورا . ولكن اذا كانت من نفس القماش . ألا 
توجد أثواب ضخمة منه في المحلات في جولويي + أو لا يشتري مها رجال كثيرون ويصنعون 
مها أقمصة كما صنع ميكل ؟ 

نورا [اتي كانت قد أحدت الجررب وعدت الغرز الي يحتوي علا . صارخة] . انه ميکل يا كاتلين . 
إنه ميكل . ليرحمه الله . أي شيء سوف تقول هي حين تسمع هذه القصة وبارتلي آي 
البحر ؟ 

كاتلين رتأخذ الجورب] : إنه جورب (سادة) . 

نورا : إنها الفردة الثانية من الزوج الثالث الذي اشتغلته . وأنا أعرف عدد غرزه . إنبا 
ستول عرزة . س ۴ ی ى 

كاتلين [تعد الغرز] : انه العدد الذي تقولين [صارحة] أه يا نورا . اليبس شيا محزنا 
أن يفكر الإنسان فيه وهو طاف فوق الموج كل هذه المسافة إلى الشيال » وليس هتاك من 
يبكيه الا الطيور السود المحلقة فوق البحر ؟ 

نورا [تدور حول نفسما نصف دورة وتلي بذراعيہا فوق اللابس] : أو ليس من المحزن أيضاً آل 
يتبقى شيء من رجل كان مجدفاً ماهراً وصياداً بارعاً إلا قطعة من قميص قديم وفردة جورب ؟ 

كاتلين [بعد لحظة] : خبريني .. هل هي قادمة يا نورا ؟ إنبي أسمعم صوتاً ثي المعبر . 

نورا [تنظر إلى الخارج] : إلا قادمة يا كاتلين . إلا مقبلة نحو الباب . 

کاتلين : أنحنى هذه الأشياء قبل أن تدخل . رعا يكون حالما أحسن بعد أن باركت 
بارتلي » ويحسن ألا نقول هما شيعا > وهو ني البحر . 

نورا [تساعد كاتلين في ربط اللفافة] : نضعها هنا في الركن . 


1¥ 


منهج الفن الاإسلامي 


[يضعا نما في فتحة في ركن المدخنة . تعود كاتلين إلى المغزل] . 
نورا : هل تراها ستلحظ أنی کنت أبکی ؟ 
كاتلين : اجعلي ظهرك للباب فلا يقع النور عليه . 
[ نورا تجلس ي ركن المدفأة وظهرها إلى الباب . تدخحل موريا في بطء شديد دون أن تنظر إلى البنتين » وتذهب 
إلى مقعدها بجانب النار من الناحية الأخحرى . اللفافة الي بداخلها الفطير ما تزال في يدها . وتتبادل الفتاتان النظرات 
وتشر نورا ای اللغافة ] . 
كاتلين [بعد أن تغزل لحظة] : م تعطيه قطعة الفطير ¢ 
[موريا تأخذ ني النوح بصوبت خحفيض . دون أن تلتفت حوها] . 
کاتلین : هل رأیته يركب إلى الميناء ؟ 
[موريا تستمر ي نواحها] 
كاتلين [ بشيء من نفاد الصبر] : غفر الله لك . اليس من الأفضل أن ترفعى صوتك قليلا 
وتقولي لنا ماذا رأيت . خيراً من التوجع على شيء حدث واتہی ؟ هل رأیت بارتلي ؟ إِني 
اسالك . 
موريا [بصوت ضعيف] : إن قلي محطم منذ اليوم . 
كاتلين [كالرة السابقة]: هل رايت بارتلي ؟ 
مور با : رابت أرعب شىء . 
كاتلين [ تترك مغزها وتنظر إلى الخارج] : غفر الله لك . إنه راكب فرسه الآن عند الرأس 
الاخحضر » والمهر الاشہب ورأءه . 
موريا [ تفزع حتى إن شاها يقع من فوق رأسا ويظهر من تحته شعرها الأشيب المعقرص فوق رأسہا . تتحدث 
اسه ت مفزع] : المهر الاشہب وراأءه : 
كاتلين [تتجه نحو الموقد] : ماذا بك ؟ من أي شيء تشکين ؟ 
مور با [ تتحدث بط ء شدید ] : رأيت أرعب شي ء رآه إنسان منذ اليوم الذي رأت فيه العروس 
دارا الرجل الميت يحمل الطفل بين يديه . 
کاتلین ونورا : اوه . 
7 تجلسان منكمشتين أمام الرأة العجوز بجانب الموقد] . 
نورا : حدتا عا رابت 
مورا : ذهبت إلى النبع ووقفت هناك أتتم بدعاء ني نفسي . ثم جاء بارتل ركب فرسه 
الأحمر والهر الأشہب ورأعه [ مد یدھا مام عیتیہا کما لو کانت تحجب عن بصرها شيا ] بر حمنا الله 
يا نورا ! 


1A 


في الطريق إلى أدب إسلامي 


کاتلین [ تتکلم بصوت خفیض ] ۲ م تریه با أماه . ۾ يكن ميكل الذي رأيته » فقد وجدت 
جثته ني أقصی الال . وقد دفن مدفناً طيباً برحمة من الله . 

مور يا [ بئيء من التحدي] : القد رأيته اليوم راكباً منطلقاً بفرسه . جاء بارتلي اولاً على الفرس 
الأحمر »> وحاولت أن أقول : «أعاداة الله اليا سر يعاً ‏ ولكن شيعا ما أوقف الکلمات ف 
حلي . ومر بي مسرعاً » وقال : «أحاطك الله برعایته » ولم أستطع أن أقول شيئاً . ورفعت 
بصري والدموع تہمر من عيي نحو المهر الأشین ٤‏ وهتاف ویجد میک را کا فزق وع 
ملابس نظيفة وحذاء جديد شي قدميه . 

كاتلين 1تأحذ ني النواح] : لقد هلكنا منذ اليوم .. لقد هلكنا حقاً . 

نورا : أليس القسيس الصغير قد قال إن الله العلي القدير لن يتركها محووجة بغير أحد 
حي من اولادها ؟ 

موريا [بصوت خفيض ولكنه واضح] : إن مثله لا يعرف كيرا عن البحر . إن بارت قد 
فقد الآن . فلتنادي إبعون ليعد لي تابوتاً جيداً من الألواح البيض . فلن أعيش بعدهم . لقد 
ضاع مي ي هذا المنزل زوجي وأبوه » وستة أبناء - ستة رجال معتبرين . رغم أني تحملت 
العناء وهنا على وهن حين جاء كل مهم إلى هذه الدنيا - وبعضهم وجد وبعضہم لم يعثر عليه . 
ولکنہم ذهبوا الان كلهم .. ستيفن » وشون فقدا في الر ياح العاتية ووجدا بعد ذلك ي خايج 
جر جوري عند الحولدن ماوث وحيآا معاً على لوح خحشب واحد » وأدخلا من هذا الباب . 

[ تتوقف لحظة ء وتفزع الفتاتان كما لو كانتا قد سمعتا شيئاً من خلال الباب الموارب من خلفهما] . 

نورا [هاسة] : هل معت يا كاتلين ؟ هل معت ضجيجاً في الشمال الشرتي ؟ 

كاتلين [هاسة] : هناك انسان يزعق على شاطى البحر . 

موریا [تستمر دون أن تسمع شيئاً] : وفقد شيموس ووالده وجده ي ليلة مظلمة › ولم يظهر 
منهم شيء ء على الإطلاق حين طلعت الشمس . وغرق باتش ف مركب انقلب به ي البحر . 
وكدت جالسة هنا مع بارتل وكان رضيماً ني حجري › ورأيت امرأتين وثلاث نساء وأربع 
ساء داخحلات بر عن علامة الصليب ولا يقلن كلمة واحدة . ورفعت بصري فرآیت رجالا 
قادمين خلفهن › > يحملون شيئاً في نصف شراع أحمر ٠‏ يقطر منه الماء » وكان الوم جافاً 
يا نورا » والمياه تتقاطر وتترك على الأرض خطاً منقّطاً حتى الباب . 

[ تتوقف ءرة أخرى و يدهاء مدودة نحو الباب , ينفتح الباب في هدوء . وتاحذ نساء كبيرات السن يدخحان ٠‏ وير من 


علامة الصليب وهن على عتبة الباب » ويركعن في مفدمة المسرح وعلى رؤوسپن مازر حىراء] . 


موريا [كالحالة . إلى کاتلین] : هل هو باتش ؟ ام ميكل ؟ ام من . 


منهج الفن الإسلامي 
كاتلين : لقد وجد ميكل ني أقصى الشمال » وإذا كان قد وجد هناك فكيف يكون 
هنا في هذا اكان ؟ 
موريا : هناك قوة تحمل جثث الشباب الطافية وتسبح با ثي البحر . وكيف يعرفون 
أنه ميكل هو الذي وجدوه . أو رجل آخر يشبهه ؟ فعندما يظل الرجل تسعة أيام أي البحر 
والر یح هائجة فن الصعب حتى على أمه ذاتما أن تقول أي رجل هو . 
کاتلين : إنه ميكل . يرحمه الله . فقد أرسلوا الينا قطعة من ملابسه من أقصى الشال . 
[ تمد يدها وتناول موريا ملابس ميكل . موريا تقف في بطء وتتناوها بيديها . نورا تنظر إلى الخارج] . 
نورا : إنهم يحملون شيئاً بينم والماء يتقاطر منه ويترك خطاً على الصخور الكبيرة . 
كاتلين [هامسة إلى النساء اللواتي دخلن] : أهو بارتلي ¢ 
احدى النساء : هو بالتا كيد . ظلل الله روحه . 
[ تدخل 'مرأتان أصغر سنا . وتجران المنضدة . يدخل رجال يحملون جثة بارتلي على لوح خحشي » تغطيما قطعة 
من شراع . ويضعونا على النضدة] . 
کائلين [للسراتين وها تصنعان ذلك ] : كيف غرق ؟ 
احداها : أوقعه اهر الأشہب ي البحر › ودفعته أمواج ج الشاطى الصخر ي العنيفة فوق 
الصخور البيض 
[ موريا قد ذهيت وركعت عند طرف المنضدة . النساء ينن في صوت خفيض وتز أجسامهن ي حركة بطيئة . 
ركع كاتلين ونورا عند الطرف الآحر من المنضدة . ويركع الرجال عند الباب] . 


مور یا [ ترفع راسا وتتحدٹ کیا لو کانت لا تری الناس من حوها ] : لقد ذهبوا الان جميعا . ولن 


بستطيع البحر أن يصنع لي شيئاً بعد ذلك .. لم يعد هناك ما يدعوني الان أن أبكي وأيتم 
ا نہب الر ياح من الحنوب » ويسمع صوت تكسر الأمواج على الشاطى الصخري 
شرف اشائ صخري ي فرب ء فتحدث ضجة عظيمة وهي تتخبط من هنا ومن 

ولن ا ٤‏ حال البح حن نوج الساء الأخربات . (نورا أعطينى اء المقدس با ورا . 
هنال بغية منه م تزل على ( دولاب الفضيات) . 

[ نورا تعطيہا إياد] . 

مورا [ تسقط ملابس ی مکل من عت تاي ارتي ورش اله لادی خوت ر لیس ار آتي ٤‏ ان 
ماذا أقرل ولکتی لن سأجد الراحة العظمى . وقد ان واا . إنها الراحة العظمى الى 


٠ 


ي الطريق إلى أدب إسلامي 

سأجدها الآن » والنوم المستغرق ني الليالي الطويلة » حتى ولو كان طعامنا حفنة من الدقيق 
وسمكة قد عة نتنة . 

[تركع مرة أخحرى ١‏ وترسم علامة الصليب وتصلي صلاة غير مموعة] . 

كاتلين [لإحدى الشاء] : لعلك تصنعين أنت وإيعون تابوتاً حين تطلع الشمس . عندنا ألواح 
بیض اشتر ہا بتفسما ء أعالما الته » ظناً منہا أن ميكل سيعثر عليه ٠‏ وعندي فطيرة طازجة 
تستطيعين أن تأ كلي منہا وأنت تعملين . 

الرجل العجوز [بنظر إلى الألواح] : هل معها مسامير ؟ 

کاتلین : لا يوجد يا كولم . لم نفكر في المسامير . 

رجل آخر : إنه لعجيب جداً ألا تفكر ني المسامير بعد كل التوابيت الي رأتبا . 

کاتلین : لقد کرت وتحطم قلا . 

[موريا تقف مرة أخحرى ني بطء شديد ‏ وتنشر ملابس ميكل نجانب الحثة . وترشا تا تبقى من الاء ادس ] . 

نورا [هامسة لكاتلين] : إلا الان هادئة مطمئثنة . أما يوم مات ميكل فكنت تسمعينا 
تصرخ من هنا حتى النبع . إا أكثر شخفاً بميكل . هل كان أحد يظن ذلك ؟ 

کاتلین [ببطء ووضوح] : إل امرأة عجوزاً مثلها لا بد أن يدركها الملل من 1 ي شيء تصنعه . 
أو ليست تبكى وتنوح منذ تسعة أيام كاملة » وتحدث أسى عظيماً وحز زناً ي البيت ؟ 

موريا [تضع الفنجان مقلوباً على المنضدة . وتضح يديا معاً على قدمي بارتلي] : إلهم كلهم معا 
ني هذه المرة . والنهاية قد تت . ليتنزل الله برحمته على روح بارتلي وروح ميکل وارواح شیموس 


وباتش وستیفن وشون [تخني رأسا] وليتنزل الله برحمته على روحي یا نورا وعلی روح کل 
انسان تي هذه الأرض . 


[ تتو قف ويرتقع النواح قلا من جانب النساء ثم يصمت] . 
مور يا 1 محمرة] لق دفن میکل مادقا می ی رک ےک ی ی وسیکون 
ا ل ير الائسان إل الأبد - وعلينا أن ترضى ٠‏ 


[ ترک ويسدل الستار ببطء] . 


تتمثل ي الأدب العربي الحديث لمضة فريدة » قد لا تكون هما شبيه قي تاريخ هذا 
الأدب كله الا في العصر العباسي »> حن اتسعت افاق الأدب > وشملت كل المجالاث 
المتاحة ي ذلك الحين . : 

وهاه الهضة الحديئة اليي ترجع جذورها إلى باية القرن التاسع عشر > واي امتدت ي 
التصف الأول من القرن العشرين حتى شملت كل مجالات الأدب وفنونه من قصة ومسرحية 
وشعر وملحمة ومقالة وخاطرة وبحث .. تشبه مثياتها ي العصر العباسي › ي انها لم تكتف 
بالأصول العربية » وإتما استمدت مما جاورها من الثقافات والحضارات والآداب والفنون › 
ثم صاغت ذلك کله ي اسلوب عر بي واطار يي . 

ولا ضر في هذا الاستمداد .. 

فالفن لا يعرف الحواجر .. لا يعرف حواجز اللغة أو الوطن أو الجنس .. إنه تعير 
بشري عن الانسانية تي وسح جالا تا وأوسح مفاهيمها . ومن ثم لتقي لديه البشر جميعاً 
بلا تفرقة ولا انفصال . يلتقون عليه بوجداناتہم وأفكارهم ومشاعرهم > کما يلتقي الأخ 
بالأخ ني أسرة البشرية الكبيرة المتصلة الحلقات . 

ولكن التقاء البشرية كلها على هذا الجوهر الإنساني المشترك » وتعارفها على السات 
لمشت ركة بين الجميع : (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) لا ينفي وجود التميز بين فرد 
وفرد » وبین فن وفن › وبين مزاج ومزاج . 

ولحكمة عليا كان هذا التميز والاختلاف .. 

فلو كان الاس كلهم صورة واحدة لصارت الحياة كذلك صورة واحدة مكرورة رتيبة 

مملة » لا فسحة فيا ولا تشوبق ! 

ولکنہا هذا الاحتلاف - مع وجود الجوهر المشترك - تصبح أ کثر راء وأوسع مساحة 
وأحفل بألوان الحمال . 

وف المن بصفة خاصة تبرز هذه الظاهرة البشرية الفريدة : التشابه والاختلاف ني ذات 
الوقت . ويبرز كذلك هذا الجمال » الناشئ من التقاء الصور المتعددة للجوهر المشترك بين 


الحميح . 


TY 


افاق للمستقبل 


وكل فن أصيل لا بد أن يحمل هاتين السمتين ي وقت واحد : فهو فن إنسالي . عا 
هو تعبرر عن النفس الاأإنسانية في حقيقة جوهرها » وهو يي الوقت ذاته فن متميز بطابعه 
الخاص » الذي يعبر عن شخصيته الذاتية أي نطاق الانسانية الشاملة . 

وحین بدت الہضة الحديثة ي الأدب العر بي ٠‏ ل تکن بعد قد ألحذت طابعها النہاني 
المتميز › الذي يكفل ها السمة الانسانية والسمة الذاتية ي نفس الوقت . 

فقد بدأت تقليداً للصور الأدبية المتوارثة ني الأدب العر بي » ثم أحذت شيئاً فشيثاً تتأثر 
بالاداب الأوربية »> ويخاصة الإجليزية والفرنسية » اللتين وجدتا هما - بحكم الاحتلال 
من ناحية » وبحكم مكاتهما العالمية من ناحية أحرى - تلاميذ ومدارس في الشرق العر بي ٠‏ 
يتأثرونہما وينسجون على منوا هما . 

وكان هذا أمراً طبيعياً ومنطقياً مع سير الأحداث : السياسية والفكر ية والثقافبة أي نباية 
القرن الماضي ومبادئ القرن العشرين . 

ومرت فترة ظهر فما في مصر أدباء کبار .. أدباء مم ذاتيتهم الي لا شك فيا > وهم 
براعتهم وحذقهم واجتہادهم ومشار کہم اللاصلة .. ولکن طابح « الترجمة » کان يسہطر 
عليهم . ولا نقصد نهم كانوا بترجمون الأعمال الغربية أو الأفكار الغربية وينسبونما إلى 
أتفسمم . وإنما نقصد عملية أعمق من ذلك وأخفى > لعلھا کانت تتم عن غير وعي من 
لاء الادباء انفسہم + فقد كانت مشاعرهم » هي المترجمة عن الاداب الخر بية 1 مشاعرهم 
وطر يقة تفكير هم ونظرتہم إلى الحياة وتقدير هم للقي الأإنسانية و «للمفاهي » على وجه العموم ! 

ورغم الأصالة الذاتية هؤلاء الأدباء الكبار - وهي أصالة غير منكورة - ورغم حرصم 
الواعي الدقيق المحمكن » على سلامة الأداء العر بي وقوته وفصاحته » ورغم الخدمات الجليلة 
الي أدوها ني تنقية الأسلوب العربي وتطويره وتجميله .. رغم هذا كله فقد كانوا طبعة عربية 
نيقة من المفاهي الغر بية ي الأدب والحياة | 

ركان ذلك - كما قلنا - أمراً منطقياً » ومتمشياً مع طبائع الاشياء . 

وكان المفروض أن تلي فترة الانتقال الطبيعية هذه » فترة أخحرى تبرز فيا السات الأصيلة 
لفن هذا الشعب » وتتخذ طابعها الخاص المميز › الذي يعطيا شخصينا الذاتية على مائدة 
الأدب العالمي الحافل بكل السات وكل المميزات . 

وبدأت هذه الفترة فعلاً »> وسارت شوطاً ي الطريق . 

وأحذ الأدب بتبلور ويصفو على أيدي عدد من أدباء الشباب » وأخذ ينضج على مهل 
ليعطي نكهته المتميزة الأصيلة . 

ولكن هذا لم يدم طويلاً » ولم يسر ني الطريق الصحيح إلا خطوات . 


YY 


منهج الفن الإسلامي 


وبعدها . كاتا أصابت الأدباء الشبان زو بعة عاصفة نكشت رؤوسم وأفكارهم وطیر ہا 
ي کل اتجاه .. 

وخر جت دعوات الأدب الملترم وغير الملتزم . وتعددت المذاهب الي يلتزم ہا الأدب . 
المذاهب الفنية › والمذاهب الاجتاعية » والمذاهب التعبيرية » والمذاهب «الأيديولوجية » > 
وغيرها من التسميات والا تجاهات . 

زوبعة كأنما انطلقت تي لحظة .. فشتتت كل ما كان أي طريقه إلى التجمع والاتضاح 
والبروز . [ ٍ 

وضاعت شخصية هوؤلاء «الادباء» في غمار الزوبعة المشتتة ! 

وصاروا طبعات .. غير أنيقة .. من المذاهب الي ينقلون عنما بوعي أو بغير وعي › 
ویتاٹرونہا کالہا مقدسات . یتتبعون حرفیتہا ویقلدونہا جاهدین . 

وصار الأدب - من هذه الناحية - كأنه يرجع إلى الوراء ! 

لقد صار أكثر فنوناً وأكثر طرائق وأكثر إنتاجاً وأكثر ميادين .. ولكنه أقل أصالة 
وأقل جودة » وأسوأً من ناحية القدرة التعبير بة وسلامة اللغة والأسلوب . 

ذلك أن أدباء الشباب - بانب الزوبعة الي نكشت روسيم - لم يكن هم الصبر التأني 
الذي يحصّاون به ويتمكنون ني التحصيل » فهم مستطارون معجلون إلى الشهرة والكسب وكثرة 
الإنتاج ولعان الأسماء . 

a‏ هه 

وقد استفاد الدب والأدباء حبرة كبيرة ولا شك بالاستمداد من أدب الغرب ومذاهيه 
وأفكاره ٠‏ وسعة جالاته وتعدد فنونه » وطرائق العرض فيه والأآداء » والقواعد الفنية للعرض 
والأداء . 

ولکنہم فقدوا شخصيتہم المميزة وتبعثروا » فلم يعودوا بمثلون طابعاً ميزاً محدد السات 
ف الادتب العالمي الواسع الثراء . 

ذلك بأنہم لم يكونوا يومنون بأنفسہم أو يعرفون ذاتيتهم إ 

ولا یعرفون میرا ہم ... 

لد خحرجوا من الافاق المحدودة الي كانوا يعيشون فا » يريدون ان ينطلقوا ويلحقوا 
الركب الظافر المترائي أمامهم بكل قوته وجبروته . 

وني انطلاقهم انسلخوا من كل موروئاتم الفكرية والروحية و «الأيديولوجية » .. لأنهم 
ظنوها حملا يعوقهم عن الانطلاق » وقيداً يعار خحطواتهم في الطريق . 

ولکنہم كذلك - من ثم - انسلخوا من ذاتينہم وکيانہم .. وأصبحوا بلا کیان ! 

وصاروا طبعة - غير انيقة - من الاأدب الذي ينقلون عنه » او المذهب الذي يحشرون 


فاق للمستقبل 
أنفسمم فيه ! إذ أن تلك المذاهب نتاج تار جي لبيثات معينة » مرت بظروف وأحوال معينة ؛ 
م يكن ها وجود في بيشتنا ولا في تارجخنا القر يب أو البعيد ! 


3# ج HE‏ 
والخبرة الفنية الي ا كتسبوها كانت ذخيرة ضرورية لأية نمضة جادة تراد ي عالم الأدب 


والفن . 

ولا ضير - كما قلتا - من الاستمداد في هذا المجال . 

ولكن الضرر الأكبر أن نستمد هذه الخبرة كلها ثم لا يكون لنا وجود متميز الطابع 
واضح السات . 

ولکي يکون لنا هذا الطابع ينبغي أن نرجع إلى انفسنا ! 

ينبغي ان نعود إلى موروثاتنا الفكر ية والروحية والاأيديولوجية الي انسلخنا منها ونحن 
منطلقون فيما يشبه هذيان المحموم . 

ينبغي ان نعود إلى الإسلام .. 

فالإسلام هو كياننا الحقيني الأصيل العميق الذي يعطينا صفتنا الإنسانبة › وبتيح لا 
في الوقت ذاته أن نكتسب ذاتية متميزة ي المجتمع الإنساني المتصل الحلقات . 

لقد صاحبنا هذا اللإسلام أربعة عشر قرناً متوالية » ومن تصوراته الذاتية نشأت مجتمعاتنا ‏ 
وترسبت هذه التصورات في كياننا حتى ونحن نحاول التملص منها تي الظاهر › وجري وراء 
التصورات المستحدثة الي نم تنضج في تار عضا الذاتي . 

والاإسلام - تي عالم الفن - هو هذا المفهوم الواسح الشاملى الذي عرضناه في هذا الكتاب : 
أكمل مفهوم عرفته البشرية في تاريحها الطويل » وهو كذلك أجمل مفهوم . 

وقد كان لا بد من خبرة فنية عالية ليستطيح الادب والفن ان بعبرا عن المفهوم الاإسلامي 
بصورة تكافئ هذا المفهوم من ناحية الأداء . 

ولو سارت الأمور سيرها الطبيعى »> فقد كان الأدب والفن قمينين أن يستمدا إيحاءاتہما 
الفنية من القرآن وفنون القرآن » ومن التصورات الاسلامية والرواسب الاسلامية في ضمير 
الشعب وني حياته واتجاهاته » ثم ينتفعا ما استجد من طرائق العرض والأداء » وقواعدها 
الفنية المستحدثة ني الغرب ٠‏ لإبراز تلك الاإيحاءات والتصورات . 

ولكن ذلك لم يحدث . 

فالأدب العربي القديم مم يتجه هذه الوجهة من قبل إلا نادراً > وم یکون رصيداً فناً 
يصلح لأن تستمد مئه الهضة الحديثة وهي ني سبيل البوض ... بالإضافة إلى أن هذه المضة 
ذاتما ل تتخذ منذ البدء وجهة إسلامية › وإما كانت أوربية في صميمها » متأثرة بكل إيحاءات 
الغرب > ومستعيرة لكل مفاهيمه ثي الفن والحياة . 


منهج الفن الاإسلامي 


وعلى أي فالذي حدث بالفعل هو أننا استمددنا خیرتنا الفنية كلها من أوربا ‏ ولا 
شات سد مي ری لتر جیا دون ته یره کل ا 


ولكن هذه الخبرة ينبغى أن تخدم أصالتنا الفنية لا أن تحدم التقليد . 
کذلك حدث في الأدب الرومي ي القرن الماضي ( الذي شد أ كبر المبقر بات الروسية 
ف عالم الفن . 


لقد استمد الفنانون الروس كل «التكنيك » من غرب أوربا .. ولكنهم أبدعوا أدباً أصيلا 
ذا طايع مميز لا بحطى الاإنسان ميزاته وسماته الاصيلة . 

وهذا هو الذي ينبغي أن يحدث ني محال الإنتاج الفني : نأخذ البراعة الفنية وطرائق 
الأداء وطرائق العرض من أي مكان نشاء .. ولكننا ني الناية نكون أنفسنا ونكون ذواتنا 
وشخصياتنا . 

ولن يتسنى لنا ذلك حتى نكون «إسلاميين» في تصورنا للكون والحياة والانسان . 
فهذه هي حقيقتنا الي عشناها حوالي أربعة عشر قرناً » ولا بعكن أن ننسلخ منها ولو أردنا 
أو أراده لنا المريدون ! وهي حقيقة لا تشمل المسلمين وحدهم ني الشرق الإسلامي .. ذلك 
أن المغاهيم الإسلامية رصيد متاح للجميع › بملكون الاستمداد منه بصرف النظر عن أديا نهم 
وعقائدهم . 


Ê ¥‏ ا 


وتلك مهمة الجيل الصاعد في عالم الأدب والفن .. 

آن یکتسبوا لخبرة افنية من كل مكان في المالم یکن أن e‏ با لخر ة النشودة ٠‏ 
الممةة الجميلة الى عر ضناها باتفصیل ٤‏ هذا الكتاب . 

وبذلك لا یکونون آتفسہم فحسب .. بل يقومون كذلك بإضافة فصل جديد في الاداب 
والفنون العالمية ء هو أروع فصوها وأشباها › وهو الرآة المجلوة الي ت: تنظر فيا الاانسانية نفسا › 
فقتجدها عل أصفى صورة وأنقاها . 

وهي مهمة ضخمة تحتاج ای صار وأناة وعڪن وعمى .. .. وأصالة . 

ولكنا ليست عسرة التحقيى .. حين تلل نفوس الفنانين والأدباء عفاهم هدا اليج ۽ 


فتنطلی من دا مہا نشی تصورات فته حدیده 2 وصوراً فة جدیدة 4 وموضوعات شائقة 
دات جادة وحمال مشرف طلیق . 


۲۲٢ 


آفاق للمستقبل 
وقد بدأت تباشير تي عام الفن الإسلامي .. ني القصة والشعر والببحث والمقالة والخاطرة › 
تبشر بأننا في الطريق الصاعد » وأننا إن شاء الله واصلون . 
واني - وأنا أدلي هدي اليسير تي هذا المجال - لأرى على الأفق الممتد تباشير هذا 
النور » فتملؤني الثقة بأن الصبح المشرق قريب .. فر یب | 


TY 


مقدمة TT‏ 
طبيعة اللإإحساس الفي ا 
طبيعة التصور الارسلامي eens‏ 
الانسان ثي التصور الاإسلامي resene‏ 
الواقعية تي التصور الاإسلامي و 
العواطف البشرية أي التصور الإإسلامي essen‏ 
الجمال ف التصور الاإسلامي eee‏ 
القدر قي التصور الإسلامي erences een‏ 
حقيقة العقيدة ني التصور الإسلام ees sese‏ 
الفن الأإسلامي : حفيقته وجالاته TT‏ 
القران والفن الإإسلامي - ees‏ 
أولاأً : مشاهد الطبيعة ني القرآن es‏ 
ثانياً : القصة ني القرآن see‏ 
ثالثاً : مشاهد القيامة في القرآن sees‏ 
ي الطريق إلى أدب إسلامي esses‏ 
( ماذج ) أولاً : من الشعر sese‏ 
١‏ - محمد اقبال secer n‏ 


TYA 


es -قصة ضرس‎ ١ 


يصدر عن دارالشره4 _ 


ي شرعية قانونية كاملة 


مكتبة الاستاذ سيد قطب 


« في ظلال القران » دراسات إسلامية 

« مشاهد القيامة ني القران « لحو مجتمع إسلامي 

« التصوير الفني في القران « في التاريخ فكرة ومنہاج 

» اللاإسلام ومشكلات الحضارة » تفسير ايات الربا 

4 خحصائص التصور الاسلامی ومقوماته + تسر سوره الشورى 

+ التقد الأدبي أصوله ومناهجه 4 کتب وشخصیات 

* مهمة الشاعر ني الحياة ه المستقبل هذا الدين 

اا الالام العالمي والاإساام # معر كة الااسلام والرامالية 

ب معام ي الطر بق + العدالة الاحججاعية في الاسلام 
مكتبة الأستاذ محمد قطب 

» الانسان بين المادية والاسلام » قبسات من الرسول 

+ مح الفن الاسلامي # شات حول الاسلام 

» منهج التربية الإسلامية (الجزء الأول ) .د جاهاية القرن العشرين 

منهج التربية اللإسلامية (الجزء الثاني ) » دراسات قرانية 

« مع ركة التقاليد تحت الطبع 

x‏ ف النفس والمجتمم 

» التطور والثبات ني حياة البشرية »+ كيف نكتب التاريخ الاإسلامي 

» دراسات في النقس الانسانية المستشرقون والاإسلام 

*# هل نحن مسلمه ل x‏ مقاهم ينيعي ان تصحح 


من كتب دار الشروق الاإسلامية 


مصحف شررق امسر اليسر 
مختصر تفسير الاإءام الطبري 
تحفة المصاحف وقمة التضاسير 
في أحجام مختلفة وطبعات منفصلة لبعض الأجزاء 
تفسير القرآن الكريم 

الإمام الأ كبر محمود شلتوت 
الاأسلام عقيدة وشريعة 

الإمام الأ كبر محمود شلتوت 
الفتاوی 

الاإمام الآ كر محمود شلتوت 
من توجيهات الاإسلام 

الإمام الأكبر محمود شلتوت 
إلى القران الكريم 

اللإمام الأ كبر محمود شلتوت 
الوصايا العشر 

الإإمام الأكبر محمود شلتوت 
المسلم ف عالم الاقتصاد 
الأستاذ مالك بن نى 

أنبياء الله 

الأستاذ احما دحت 

نبي الأنسانية 

الستادذ اأحمد حن 

ربانية لا رهبانية 

ابو الحسن علي الحسيتي الندوي 
الححة ف القراءات السيح 


الفكر الاإسلامي بين العقل والوحي 

الد كتور عبد العال سالم مكرم 

على مشارف القرن الخامس عشر الهجري 
الأستاذ ابراهم بن علي الوزير 

الرسالة الخالدة 

الأستاذ عبد الرحمن عزام 

محمد رسولاً نا 

الأستاذ عبد الرزاق نوفل 

مسلمون اا مشا کل 

الأستاذ عبد الرزاق نوفل 

الاأسلام تي مفارق الطرق 

الد كتور أحمد عروة 

العقوبة ثي الفقه الإسلامي 

الد كتور أحمد ق ي نسي 

موقف الشريعة من نظرية الدفاع الأجتماعي 
الد كتور ا-حمد فتحي نسي 
الجرائم في الفقه الاسلامي 
الد كتور احما فجي نسي 
مدخحل الفقه الجناني الاإسلامی 
الد کتور احمد فتحي جهنسي 
القصاص تي الفقه الاإسلامى 
الد كتور أحما فتجي ي 
الدية أي الشريعة الاسلامية 
الد كتور أحمد فتحي نسي 
الاأسراء والمعراج 

فضيلة الشيخ متولي الشعراوي 


القضاء والقدر 

فضيلة الشيخ متول الشعراوي 
قضايا إسلامية 

فضيلة الشيخ متولي الشعراوي 
التعبير الفني ف القرآن 

الد كتور بكري الشيخ امین 
أدب الحديث النبوي 

الد كتور بڪرتي الشيخ ان 
الإسلام تي مواجهة الماديين والملحدين 
الأستاذ عبد الكريم الخطيب 
اليهود ي القران 

الأستاذ عبد الكريم الخطيب 
أيام الد 

الأستاذ عبد الكر يم الخطيب 
مسلموت و کفی 

الأستاذ عباد الكريم الخطيب 
الدعوة الوهابية 

الأستاذ عبد الكر يم الخطيب 
قال الأولون _ أدب ودين 
الأستاذ السيد أبو ضيف المدلي 
قل یا رب 

االأستاذ السيد أبو ضيف المدني 
الاإيمان الحق 

المستشار علي جريشة 

الجديد حول أسماء الله الحسنى 
الستاذ باك المغي سیل 


الجائز والممنوع ي الصيام 


الاد فتور کیا الحظيم المطيي 


مناسك الحج والعمرة في ضوء المذاهب الأربعة 
الد كتور عبد العظيم المطعي 

أيها الولد المحب 

الامام الغزالي 

اللأدب ني الدين 

الامام الغرائي 

شرح الوصايا العثر 

امام حسن انا 

القران والسلطان 

الاأستاذ فهسي هو يدي 

حفايا الإسراء والمعراج 

الأستاذ مصطفى الكيك 

الخطابة وإعداد الخطيب 

الد كتور عبد الجليل شلي 

الإسلام والمبادئ المسترردة 

الاد كتور عبد المنعم اللمر 

سلسلة أعلام الإسلام ٠١/١‏ 

سلسلة أهل البيت ٠/١‏ 

إسهام علماء المسلمين ي الرياضيات 
تأليف الد كتور على عبد الته الدفاع 
تعر يب وتعلیق الد کتور جلال شو 
مراجعة الد كتور عبد العزيز السيد 
الخر الواحد ٤‏ السنة والتراث وأثره ف الفقه 
الاسلامي 

الد كتورة سهير رشاد مهنا 

الأديان القديمة ي الشرق 

د کتور رؤوف شلي 


مطابع الشروة_- 


تاروت ۲ س٠‏ نی 1 - هاقت. ۳10۸0۹ ۳۱01۰1 - برقا : داشروق . لىل H]0 A0٤ 20176 18 ı¡‏ $ 
القاهرة شان ار جس - صاقف ۷۷٤۸11‏ ۔ ۷۷٤0۷۸‏ - پرقیًا: شروت ۔ تاڪ , SHROK ÛN‏ 83091